الرئيسية / افتتاحية العدد : عجز الممارسة عن مسايرة التنظيـر.

عدد المشاهدات 13

عدد التحميلات 1

عنوان المقال : افتتاحية العدد : عجز الممارسة عن مسايرة التنظيـر.

الكاتب(ة) : د. أحمد الخمليشـــــــــــــــي

منذ صدور المجلة باسم « الواضحة » أعلن أن القصد من الاسم الجديد “الوضوح في: الرؤية، والأفكار، والحوار” وأن تحقيق ذلك “موكول إلى المساهمين في تحرير الأبحاث والمقالات التي تنشرها، فهي أمانة بين أيديهم يستضيء نبراسها بما يقدمونه من الأفكار القادرة على تغيير ثقافة التقليد، والخمول في الفكر، والانتقال إلى إرشاد الأمة ودفعها إلى الخلق والبناء لاستعادة وجودها الذي تنازع عليه اليوم بما لم يسبق له مثيل، وبدون هذا التغيير يبقى الأمل بعيد المنال ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾.

وخصصت الكلمات الافتتاحية في الأعداد الصادرة لموضوع التكوين العصي عن التجديد وعن الإجابة عن أسئلة الواقع.
وبعد ثلاث سنوات من صدور الظهير المغير لمضمون التكوين في المؤسسة بإضافة مواد العلوم الإنسانية، ومقارنة الأديان، واللغات، جاء في افتتاحية العدد الرابع: «ومن المؤكد أن الخطوة العميقة التي طبقت في المؤسسة تستحق أن تثير النقاش حول كثير من الأسئلة منها:

⦿  هل لتجريد عدد من العلوم ومنابع المعرفة من صفة “العلوم الشرعية” سند من نصوص الشريعة وأصولها؟
⦿  ما هي النتائج التي تترتب اليوم عن استمرار هذا التجريد؟
⦿   تزويد طالب الدراسات الإسلامية بمعارف المواد السالفة الذكر ماذا يضيف إلى رصيده المعرفي كيفا وكما؟ وكيف؟ وماذا يستفيد منها في استعمال واستثمار المعرفة التي يكتسبها؟
⦿   تلقي طالب الدراسات الاسلامية معارف جديدة، ألا يفرض على أستاذ المواد “الإسلامية” تغيير تلقينه شكلا ومضمونا؟ وكيف؟
حول هذه الأسئلة وغيرها تأمل هيئة التحرير أن تتوصل بأفكار ودراسات تساعد على تحسين التكوين في الدراسات الإسلامية مضمونا وإنتاجا”.
وللدفع بالمهتمين إلى الانخراط في موضوع الوضوح في الرؤية، والأفكار، والحوار، نظمت المؤسسة يوما دراسيا بتاريخ 19/04/2008 بعنوان: «منهج تدريس الفقه الاسلامي في مؤسسات التعليم العالي» ونشر أغلب ما قدم فيه من أبحاث ومقالات في العدد الخامس من هذه المجلة.
ويجب الاعتراف بأن كل هذه الخطوات لم يكن لها إلا أثر محدود سواء في مضمون وأسلوب التلقين أو في الأبحاث المقدمة من طلبة المؤسسة، والسبب هو ما عبر عنه الغزالي : بقوله: “الفطام عن المألوف شديد، والنفوس عن الغريب نافرة”.()
وهذه ظاهرة عامة في كل مؤسسات التعليم في العالم الاسلامي، ولتأكيد ذلك نشير إلى بعض ما صدر عن أكبر مؤسسة للتعليم الإسلامي في العالم وهي جامعة الأزهر. فعقب الحراك الذي سمي بالربيع العربي أصدرت في 19/06/2011 بيانا مع “نخبة من المثقفين” كان مما جاء فيه:
⦿   “دعم تأسيس الدولة الوطنية الدستورية الديمقراطية الحديثة التي تعتمد على دستور ترتضيه الأمة، يفصل بين سلطات الدولة ومؤسساتها القانونية الحاكمة ويحدد إطار الحكم ويضمن الحقوق والواجبات لكل أفرادها على قدم المساواة، بحيث تكون سلطة التشريع فيها لنواب الشعب… “.
⦿   “اعتماد النظام الديمقراطي القائم على الانتخاب الحر المباشر الذي هو الصيغة العصرية لتحقيق مبادئ الشورى الإسلامية بما يضمنه من تعددية ومن تداول سلمي للسلطة ومن تحديد للاختصاصات، ومراقبة للأداء، ومحاسبة للمسئولين أمام ممثلي الشعب، وتوخي منافع الناس ومصالحهم العامة في جميع التشريعات والقرارات وإدارة شئون الدولة بالـقانون ـ والقانون وحده ـ …”.
وأكد البيان في الأخير: “العمل على تجديد مناهج التعليم في الأزهر”.
وجاء في بيان الأزهر والمثقفين عن منظومة الحريات الأساسية المؤرخ في 10/01/2012:
“تعتبر حرية العقيدة، وما يرتبط بها من حق المواطنة الكاملة للجميع، القائم على المساواة التامة في الحقوق والواجبات، حجر الزاوية في البناء المجتمعي الحديث، وهي مكفولة بثوابت النصوص الدينية القطعية، وصريح الأصول الدستورية والقانونية …”.
وهو ما يترتب عنه “وجوب مراعاة كل مواطن مشاعر الآخرين والمساواة بينهم على أساس متين من المواطنة، والشراكة وتكافؤ الفرص في جميع الحقوق والواجبات”.
“وقد أعلى أئمة الاجتهاد والتشريع من شأن العقل في الإسلام وتركوا لنا قاعدتهم الذهبية التي تقرر أنه: “إذا تعارض العقل والنقل قدم العقل وأول النقل” تغليبا للمصلحة المعتبرة، وإعمالا لمقاصد الشريعة”.
أترك للقارئ مقارنة هذا التنظير مع ما يلقن في الأزهر ـ وفي غيرها في العالم الإسلامي كله ـ حول:
⦿ نصب الإمام أو الخليفة وصلاحياته وغياب كل إشارة إلى “الدولة الوطنية” ومؤسساتها وأجهزتها.
⦿ الاجتهاد والتقليد.
⦿ ولاية “الكافر” بدء من عدم قبول شهادته إلى أحكام “أهل الذمة”.
⦿ وصف كل التشريعات المنظمة للمجتمع بـ: “القانون الوضعي” وهو ما أسس عليه “تكفير” كل المجتمعات المسلمة ووجوب “جهادها” وفق ما أسس له الشيخان: المودودي وسيد قطب .
متى نلزم أنفسنا بالوضوح في الخطاب؟.
ومتى نجعل من التنظير نبراسا نسير على هداه في الممارسة تلقينا وتلقيا؟
ومتى ندرك التناقض بين مبادئ الشورى وبين فرض التقليد على الأمة التي لم يعترف نظريا لأي فرد منها بالاجتهاد منذ أكثر من عشرة قرون؟
وكيف يمكن الجمع بين مبدأي: مراعاة المآل والحكم يدور مع علته وجودا وعدما، وبين القول بالإجماع على قاعدة: “الاجتهاد لا يلغى بالاجتهاد”؟.
وإذا كان ما قيل اجتهادا عن وضعية المخالف في العقيدة / أهل الذمة / الكافر، غير قابل للإلغاء، فما معنى الحديث عن المساواة بين كل المواطنين “في جميع الحقوق والواجبات”؟