الرئيسية / الاستدلال المنطقي في الدرس العقدي المغربي المعاصر من خلال كتاب «الرائد في علم العقائد» لـ «العربي اللوه» (ت1408ھ)

عدد المشاهدات 13

عدد التحميلات 1

عنوان المقال : الاستدلال المنطقي في الدرس العقدي المغربي المعاصر من خلال كتاب «الرائد في علم العقائد» لـ «العربي اللوه» (ت1408ھ)

الكاتب(ة) : أحمد الفراك

الاستدلال المنطقي في الدرس العقدي المغربي المعاصر من خلال كتاب «الرائد في علم العقائد»  لـ ” العربي اللوه”  (ت1408هـ)

أحمد الفراك

أستاذ الفلسفة بكلية أصول الدين

جامعة عبد المالك السعدي بتطوان

 

مقدمة

لعل من أهم مميزات الفكر العلمي في المغرب الحديث أنه جمع بين فروع العلوم المختلفة في بناء نظام معرفي موسع ينهل من مختلف الحقول العلمية والمعرفية والمنهجية في تكاملها وتداخلها، حيث انفتح مبكرا على جميع التيارات الفكرية والمجالات العلمية والتوجهات الفلسفية، غير أنه استطاع أن ينخلها نخلا جعله يستوعبها ويدمجها في تجديد معرفته وتحقيق وحدته الفكرية والعقدية. ولعل من أبرز العلوم التي أدمجها المغاربة في الدرس العلمي عموما علم المنطق، وشاهد ذلك الاهتمام الكبير الذي أولاه العلماء المغاربة للدرس المنطقي مادة ومنهجا في ترتيب العلوم وتدريسها، ونأخذ مثالا في اشتغال الدرس العقدي الأشعري المعاصر بآليات المنطق من خلال ما كتبه العلامة العربي علي اللُّوه([1]) (1323-1408ھ/ 1905-1988م) V في كتابيه «الرائد في علم العقائد» و«المنطق التطبيقي»، ومن خلال حضور المنطق في باقي كتبه. وكان بإمكاننا أن نأخذ أمثلة أخرى من حضور الدرس المنطقي في الفكر العقدي المغربي إلا أن شرط الزمن المعاصر الذي شرطناه على بحثنا ساقنا إلى هذا الاختيار، ولا يمنع مستقبلا من إنجاز بحوث ودراسات أخرى تعنى بالموضوع عند علمائنا أمثال اليوسي والسنوسي والسلالجي وابن خمير السبتي والهبطي وغيرهم.

وتتجلى أهمية البحث في هذا الموضوع في كونه يبرز وجوه استعمال العُدة المنطقية ألفاظا وحدودا وأقيسة في العلوم الإسلامية من خلال التراث العلمي عند علماء المغرب، وخاصة في علم العقيدة، وعلى وجه أخص عند الأشاعرة. فمن خلال تراث الشيخ العربي اللوه في مصنفاته المنطقية والعقدية، نتبين استئناف تقريب المنطق في الثقافة المغربية العالمة، فهو الدارس للعقيدة والـمُـدرِّس لها.

فكيف حضر المنطق في درس العقيدة الأشعرية عند العربي اللوه؟ وما هي القضايا التي شغَّل في التدليل عليها الاستدلال المنطقي بأنواعه؟ وكيف يمكننا تقويم هذا التشغيل للمنطق في بناء المادة العقدية وتعليمها؟

لذلك ارتأيت أن أعالج هذه الإشكالية من خلال توزيع المقالة على ثلاثة مباحث، كالآتي:

المبحث الأول: تشغيل المنهجية المنطقية في علم العقيدة، بين الرفض والقبول.

المبحث الثاني: اهتمام العربي اللوه بعلم المنطق من خلال كتابه «المنطق التطبيقي».

المبحث الثالث: الأثر المنطقي في علم العقيدة من خلال كتاب «الرائد في علم العقائد».

 

 

 

الـمبحث الأول

 تشغيل المنهجية المنطقية في علم العقيدة، بين الرفض والقبول

اعتبر بعض علماء المسلمين قديما وحديثا أن الخوض في موضوع العقائد يقتضي الخلو مطلقا من المنهجية المنطقية، إذ لا تُستأمن هذه المنهجية الوافدة –في نظرهم- على العلوم الإسلامية المستمدة مضمونا ومنهجا من علم الوحي المطلق الخالد، قرآنا ونبوة. من هؤلاء نذكر تقي الدين ابن الصلاح (ت643ھ) وتاج الدين السبكي (ت771ھ) وجلال الدين السيوطي (ت911ھ) وغيرهم من الفقهاء، أما ابن الصلاح فقد أشهر سيف التحريم في وجه الفلسفة والمنطق بإطلاق، وحرض الحكام على منع تعلم الفلسفة والتنكيل بالفلاسفة والمناطقة (المشائيم)، ومنعهم من ملاقاة الناس، ومعاقبة من يصدقهم، إذ يقول: «وأما المنطق فهو مدخل الفلسفة ومدخل الشر شر وليس الاشتغال بتعليمه وتعلمه مما أباحه الشارع ولا استباحه أحد من الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين والسلف الصالحين وسائر من يقتدي به من أعلام الأئمة وسادتها وأركان الأمة وقادتها قد برأ الله الجميع من مغرة ذلك وأدناسه وطهرهم من أوضاره.

وأما استعمال الاصطلاحات المنطقية في مباحث الأحكام الشرعية فمن المنكرات المستبشعة والرقاعات المستحدثة وليس بالأحكام الشرعية، والحمد الله فالافتقار إلى المنطق أصلا وما يزعمه المنطقي للمنطق من أمر الحدِّ والبرهان فَـقَعاقع قد أغنى الله عنها بالطريق الأقوم والسبيل الأسلم الأطهر كل صحيح الذهن لاسيما من خدم نظريات العلوم الشرعية، ولقد تمت الشريعة وعلومها وخاض في بحار الحقائق والدقائق علماؤها حيث لا منطق ولا فلسفة ولا فلاسفة ومن زعم أنه يشتغل مع نفسه بالمنطق والفلسفة لفائدة يزعمها فقد خدعه الشيطان ومكر به، فالواجب على السلطان أعزه الله وأعز به الإسلام وأهله أن يدفع عن المسلمين شر هؤلاء المشائيم ويخرجهم من المدارس ويبعدهم ويعاقب على الاشتغال بفنهم ويعرض من ظهر منه اعتقاد عقائد الفلاسفة على السيف أو الإسلام لتخمد نارهم وتنمحي آثارها وآثارهم، يسر الله ذلك وعجله، ومن أوجب هذا الواجب عزل من كان مدرس مدرسة من أهل الفلسفة والتصنيف فيها والإقراء لها ثم سجنه وإلزامه منزله، ومن زعم أنه غير معتقد لعقائدهم فإن حاله يكذبه والطريق في قلع الشر قلع أصوله وانتصاب مثله مدرسا من العظائم جملة».([2])

هذا النص أو قل هذه الفتوى لا تحتاج إلى مزيد بيان وتحليل للموقف الرافض للمنطق المسفه لأهله، إلا أن نذكر معها فتوى ابن حجر الهيثمي (ت973ھ) بجواز الاستنجاء بكتب الفلسفة والمنطق([3])! يا للأسف!

السيوطي وصون الكلام من علم المنطق

أما السيوطي فقد حافظ على نفس الموقف الداعي إلى صون علوم الإسلام عن منطق أهل اليونان، إذ لكل منهما حيزه، مقررا أنه «لم ينزل القرآن ولا أتت السُّنة إلا على مصطلح العرب ومذاهبهم في المحاورة والتخاطب والاحتجاج والاستدلال، لا على مصطلح يونان، ولكل قوم لغة واصطلاح»([4])، وهو يقصد هنا الاختلاف في اللغة واصطلاحاتها واستعمالاتها، ولا يفيد بالضرورة الاختلاف في النظام المعرفي كُلية، وإنما كان حرص السيوطي في نظري على سلامة الاعتقاد الديني ومقتضياته من آفة الاستغناء بالفلسفة اليونانية ومنطق أرسطو عن علوم الشريعة، لذلك قال: «من أراد الجمع بين علم الأنبياء وعلم الفلاسفة بذكائه فلا بد أن يخالف هؤلاء وهؤلاء، ومن كف ومشى خلف ما جاء به الرُّسل من إطلاق ما أطلقوا، ولم يتحذلق ولا عمق، فإنهم صلوات الله عليهم أطلقوا وما عمقوا، فقد سلك طريق السلف الصالح، وسلم له دينه ويقينه»([5])، حيث سلامة الدين في نظره هي الإعراض عن المنطق مطلقا.

ابن السبكي وتجويز الاشتغال بالمنطق

أما ابن السبكي فقد راجع هذا الموقف المتشدد لابن الصلاح، وانتهى إلى فتوى والده التي تجيز تعلم المنطق، حيث تقول: «ينبغي أن يقدم على الاشتغال به الاشتغال بالقرآن والسُّنة والفقه حتى يرسخ في الذهن تعظيم الشريعة وعلمائها، فإذا تمَّ ذلك، وعلم المرء من نفسه صحة الذهن، حتى لا تروج عليها الشبهة، ولقي شيخاً ناصحاً حسن العقيدة جاز له والحالة هذه الاشتغال بالمنطق، وانتفع به وأعانه على العلوم الإسلامية. قال: وهو من أحسن العلوم وأنفعها في كل بحث»([6])، ومضمون الفتوى لا يحمل اعتراضا على تعلم المنطق مطلقا، بل يحمل إشادة كبيرة بتعلمه وتشغيله في العلوم الإسلامية كلها، نظرا لأهميته المنهجية والمعرفية بوصفه من أحسن العلوم وأكثرها نفعا في جميع البحوث.

الغزالي والرد على دعوى التشويش على العقائد

هذه الفتاوى جاءت بعد ذيوع موقف الغزالي المحاجج بقوة على تعلم المنطق وتشغيله في إنشاء المعرفة وحفظها وتعليمها([7])، فحمل على نفسه مهمة الفحص والتوضيح بُغية تحقيق التقريب الصحيح، برد ما يجب أن يُرد، وقَبول ما يجوز أن يقبل، فكتب «تهافت الفلاسفة» مبينا ضعف المضمون الذي أنتجه الفلاسفة قبله وضعف النتائج التي حصلوا عليها، وأعد «معيار العلم» مؤكدا أن منطق اليونان ليس من جوهر فلسفتهم ولا صلة له بأباطيلهم، سالكا في ذلك آلية التفريق التقريبي التي تقتضي أن «يميز في المنقول بين مدلولين أو وصفين كانا متحدين فيه، فيحفظ أحدهما بوصفه موافقا لعناصر مجال التداول الأصلي ويصرف الثاني بوصفه مخالفا له … فتكون بذلك وسيلة ناجعة في رفع ما بين المنقول والمأصول من تعارض محتمل، وفي إقامة شرائط التوافق بينهما»([8])، داعيا إلى الوفاء بالمنهجية المنطقية في كل بحث علمي أو معرفة عملية، ومراجعة مضامين الفلسفة اليونانية التي لا تواتي مقومات المجال التداولي الإسلامي؛ عقيدة ولغة ومعرفة.

بالإضافة إلى ما سبق أبرز أن أكثر أغلاط أهل اليونان كانت في الإلهيات التي تقبَّلوها كمسلمات سابقة عن البرهان، يقول في المنقذ من الضلال: «اعلم أن علومهم
-بالنسبة إلى الغرض الذي نطلبه- ستة أقسام: رياضية، ومنطقية، وطبيعية، وإلهية، وسياسية، وخلقية. أما الرياضية: فتتعلق بعلم الحساب والهندسة وعلم هيئة العالم، وليس يتعلق منه شيء بالأمور الدينية نفياً وإثباتاً، بل هي أمور برهانية لا سبيل إلى مجاحدتهم بعد فهمها ومعرفتها. وقد تولدت منها آفتان: الأولى: من ينظر فيها يتعجب من دقائقها ومن ظهور براهينها، فيحسن بسبب ذلك اعتقاده في الفلاسفة، فيحسب أن جميع علومهم في الوضوح وفي وثاقة البرهان كهذا العلم. ثم يكون قد سمع من كفرهم وتعطيلهم وتهاونهم بالشرع ما تناولته الألسنة فيكفر بالتقليد المحض ويقول: «لو كان الدين حقاً لما اختفى على هؤلاء مع تدقيقهم في هذا العلم! فإذا عرف بالتسامع كفرهم وجورهم استدل على أن الحق هو الجحد والإنكار للدين، وكم رأيت من يضل عن الحق بهذا العذر ولا مستند له سواه.

وإذا قيل له: الحاذق في صناعة واحدة ليس يلزم أن يكون حاذقاً في كل صناعة، فلا يلزم أن يكون الحاذق في الفقه والكلام حاذقاً في الطب، ولا أن يكون الجاهل بالعقليات جاهلاً بالنحو، بل لكل صناعة أهل بلغوا فيها رتبة البراعة والسبق، وإن كان الحمق والجهل يلزمهم في غيرها، فكلام الأوائل في الرياضيات برهاني وفي الإلهيات تخميني»([9]).

وما إن انتهينا من التدليل على خطأ الدعوى الأولى حتى ظهرت دعوى تقول إن الخاصية الأساسية للعلوم النافعة هي كونها لا تنظر إلا في العقيدة الصحيحة وتدعو إلى العمل بمقتضاها وترد ضرر من عاداها، وإنه لما خلت قوانين المنطق من هذا الاعتبار (الدفاع عن العقيدة) فهي أبدا مردودة.

بيد أن الغزالي نقض هذه الدعوى من وجوه أربعة نلتقط معانيها من مؤلفاته
كما يأتي:

1) إن العقيدة الإسلامية لا ترد ما لا يضرها من العلوم والمعارف، مثال ذلك الطب الذي احتضنته بترجمة كتب جالينيوس (ت200م)، والطب كالمنطق لا تَعلُّق له بالعقيدة، ولو كان قبول العلوم المنقولة يعزى لتعلقه بالعقيدة لما تلقف المسلمون الطب وتعلموه وأبدعوا فيه، وإن نُقل هو الآخر مع الفلسفة ولم يردَّ بردِّها([10]).

2) إن المنطق آلة لا تُثبت الدِّين في أصلها ولا تنفيه، وليس موضوعها العقائد والروحانيات، وإنما مضمونها اللزوم المجرد في العقليات والفقهيات، فهو نظر في التدليل، أي في وجه العلاقة بين الأدلة والمداليل، لا في المضامين والمعتقدات. يقول الغزالي: «وأما المنطقيات فلا يتعلق شيء منها في الدين نفيا ولا إثباتا، بل وهو نظر في طرق الأدلة والمقاييس وشروط مقدمة البرهان وكيفية تركيبها وشروط الحد الصحيح وكيفية ترتيبها»([11]).

3) إن المنطق ميزانٌ نتعلمه من القرآن إذ وزن به الأنبياء قبل اليونان، وتعلموه من الكتب والصحف المنزلة، ومن لا ميزان له لا عمدة للتخاطب معه، وكل من طعن في الميزان فهو يُكذب صريح القرآن في الوقت الذي يظن أنه يصدقه في سورة الرحمن في قوله سبحانه: ﴿وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ﴾ [الرحمن: 5-7].

4) إن المنطق آلة مستقلة نفعها وضرها تابعان لطبيعة ومحل توظيفها، فإن وظفت في التمييز بين الصواب والخطأ حصل هذا التمييز، وإن استعملت في تمحيص صادق الأقوال من كاذبها انتفع بهذا التمحيص، وإن اشتغل بها في تقويم صحيح الأعمال من فاسدها تحقق هذا التقويم، فـ «موضوع المنطق: تمييز المعقولات وتلخيص المعاني»([12])، وهذا التمييز والتمحيص والتقويم عمليات منطقية مستندة طبعا إلى مبادئ ومقومات وقواعد ومضامين ضامنة لتثبيت المتداول من الخطاب والمعارف والعقائد.

وإنه لما كان المنطق نافعا لا ضرر معه، ومحايدا لا انتماء له، وميزانا لا تطفيف به، ووسيلة لا غاية فيه، فهو بذلك علم لا عقيدة فيه([13]).

وأي تعلق لهذا بالعقيدة الإيمانية حتى يُجحد أو يُنكر؟

وبهذا يكون الغزالي قد نقض تلك الدعوى التشويشية التي ادعت حراسة العقيدة فسقطت في مخالفتها، ونفرت من كل قادم مع الفلسفة، فحُرمت من فائدته، مقررا أن الحق لا ينقلب باطلا وإن صدر من أهل الباطل، والباطل لا يستقيم حقا ولو فلت من أهل الحق، إذ بالحق يُعرف الرجال ولا عكس، «فإن كان الكلام معقولا في نفسه مؤيدا بالبرهان، ولم يكن مخالفا الكتاب والسنة فلِم ينبغي أن يُهجر أو ينكر؟ فلو فتحنا هذا الباب، وتطرقنا إلى أن نهجر كل حقٍّ سبقَ إليه خاطر مُبطلٍ للزمنا أن نهجر كثيرا من الحق… إلى أن يستخرج المبطلون الحق من أيدينا بإيداعهم إياه في كتبهم»([14]).

المبحث الثاني

اهتمام العربـي اللوه بالمنهجية المنطقية من خلال كتابه «المنطق التطبيقي»

درَّس العربي اللوه المنطق لسنوات طويلة بكلية أصول الدين بتطوان، وشغله قبل ذلك في التطبيقات الفقهية والنوازل القضائية بالريف وتطوان، فقد أدرك V قيمة المنطق ومزاياه العظيمة، ثم جمع دروسه في كتابه «المنطق التطبيقي» عام 1394ھ/الموافق لـ 1974م، وصدرت طبعته الأولى سنة 1975م، عن مطابع ديسبريس (شارع غورغيز) بمدينة تطوان، وطبعت الطبعة الرابعة والأخيرة من الكتاب سنة 2017م عن مطبعة الخليج العربي بتطوان أيضا.

لقد عدَّ اللُّوه -جريا على العرف المغربي الأصيل- المنطق علماً كُليا باعتبار موضوعه، فهو علم «كُلي بالنسبة لسائر العلوم»، كما عدَّ علم العقائد مفرعا عنه غير مستقل بذاته، إذ يقول: «أعلى العلوم الشرعية علم العقائد، وهو مفرع عن علم المنطق، إذ حاصل علم الكلام استدلالٌ خاص بالله تعالى، وبرُسله عليهم الصلاة والسلام، وعلم المنطق يبحث في مطلق الاستدلال، فهو أعم»([15])، فالمنطق في نظره متضمن لمنهج الاستدلال في العقائد، وهو بذلك «أعلى العلوم، وإنما يُستمد من العلوم الضرورية: البديهية، والفطرية، والحسية، والمجربات وغيرها، فمرجعه إلى العقل ومنه استمداده»([16]).

لم يدرس صاحب «الرائد في علم العقائد» المنطق منفصلا عن باقي العلوم، وإنما شغله تشغيلا في العلوم الإسلامية، وخاصة في علم العقيدة، مدركا أهميته بوصفه آلة للعلم من جهة وبوصفه مدخلا إلى العلوم من جهة أخرى، يقول V: «إن علم المنطق يصح أن يعتبر جنسا لسائر العلوم ومرجعا لها، إذ به تُفتح أبوابها، وبه توزن إدراكات العقول من تصورات وتصديقات، فهو كما يقول ابن سينا خادم العلوم، لأنه الأداة التي توصل لكسب العلوم، فبالمنطق تعلم الكليات والجزئيات، والأجناس والأنواع، والأسماء المفردة والقضايا والمقدمات والقرائن والنتائج، والأقيسة والبراهين والجواهر والأعراض وغيرها من الحقائق، وبه يَتوصل العقل إلى تمييز الصحيح والباطل من الإدراكات، وبه يمكن تصحيح الآراء الفاسدة، وتنبيه العقول الضعيفة إلى ما دق عنها من الحقائق، فمنفعة هذا العلم عظيمة في تمييز الحقائق عما سواها»([17]).

وقد جاء كتابه «المنطق التطبيقي» جامعا لموضوعات نظرية القياس الأرسطية كما تداولها العلماء المسلمون وألفوا فيها المنظوم والمنثور وشغلوها في إنتاج المعرفة وحفظها في التراث الإسلامي العربي القديم والحديث. فبدأ بتعريف المنطق مبينا مبادئه وموضوعه وواضعه وفائدته وحكمه الشرعي، ثم انتقل إلى تعريف العلم وتقسيمه إلى تصوري وتصديقي، وضروري ونظري، وكيفية اقتناص التصور والتصديق. وبعد ذلك حافظ على التقسيم الرباعي لمباحث المنطق التقليدي وسماها أركانا، وهي:

الركن الأول: الكليات الخمس (مبادئ التصورات): وهي مادة الحدود والبراهين، وقد تناول فيه مفهوم الدلالة وأنواعها، والمركب والمفرد، والكليات الخمس (الجنس والنوع والفصل والخاصة والعرض العام)، والفرق بين الكلي والكل والكلية والجزئي والجزء والجزئية.

الركن الثاني: المعرفات (مقاصد التصورات)، وجعله في تعريف المعرف وتعدد أسمائه والغاية منه وأقسامه وشروطه…الخ.

الركن الثالث: القضايا (مبادئ التصديقات)، وبين فيه الفرق في القضايا بين الحملية والشرطية وممَّ تتركب كل منهما، واعتبارات الإيجاب والسلب والتسوير والتشخيص، كما وضح التباين بين الشرطيتين المتصلة والمنفصلة، وأحكام القضايا (التناقض والعكس).

الركن الرابع: القياس (مقاصد التصديقات)، وهذا هو جوهر الكتاب، حيث قسمه إلى قسمين، عرف أولا القياس وقسمه إلى اقتراني واستثنائي وشروط إنتاج القياس، وأشكاله الأربعة، وضروب كل شكل وشروط إنتاجه، ثم قسم القياس الاقتراني إلى حملي وشرطي، وقسم القياس الاستثنائي إلى اتصالي وانفصالي، ثم انتقل إلى تفصيل القول في لواحق القياس: القياس المركب، وقياس الخلف، والاستقراء، وقياس التمثيل. ثم بين ثانيا مادة القياس ودليله من الحجج النقلية والعقلية (البرهان، الخطابة، الجدل، الشعر والسفسطة) ووجوه الغلط فيه من حيث الصورة أو من حيث المادة وأسباب ذلك وأنواعه.

وهو في هذا الكتاب جمع ما يبتدئ به دارس علم المنطق في مدارس المغرب، من قبيل شروح السُّلَّم المنورق، وإيساغوجي، والشمسية ومعيار العلم، ولم يضف إلى مباحثه وألفاظه وقضاياه شيئا جديدا، وإنما حاول تشغيله في الدرسين العقدي والأصولي كما هو واضح في باقي مؤلفاته.

المبحث الثالث

الأثر المنطقي في كتاب «الرائد في علم العقائد»

يظهر الأثر المنطقي في محاضرات كتاب «الرائد في علم العقائد» -الذي طبع أربع طبعات حسب علمنا، كان أولها عام 1973م، وكان آخرها سنة 2017م-واضحا في الاصطلاحات والقضايا والأقيسة والتمثيلات، من مقدمة الكتاب إلى خاتمته، رغم أن الشيخ العربي زعم أنه نقح جميع مسائل العقيدة «من جميع أنواع الفلسفة والأوهام»([18]) إلا أن الفلسفة والمنطق لم يفارقا الكتاب. ففي المقدمة نجده يستعمل اصطلاحات منطقية، من قبيل: «واجب الوجود»، «الجوهر الفرد»([19])، «الحدود»، «الأدلة العقلية القاطعة»، «الحكم العقلي»، «المعلوم وأقسامه»([20])، أما في متن الكتاب فقد استعمل اصطلاحات منطقية وفلسفية كثيرة، نذكر منها: الجوهر، العرض، الوجود لذاته، الماهية، الاستدلال، القياس المنطقي، اللازم ونفي اللازم، نفي اللازم يستلزم انتفاء الملزوم([21])، التلازم، عدم التناقض، الجمع بين النقيضين، التضاد، لازم ذاتي، واجب الوجود([22])، ممكن الوجود([23])، النفي، البسيط([24]) والمركب([25])، الدور([26])، التسلسل([27])، الفلسفة، المناهج الفلسفية، الدلالة، الإنسان مدني بطبعه، بديهيات([28])، نظريات، المشاهدات، ما صدق([29])، إثبات، عطف، العلة الموجِدة([30])، العلة الفاعلة([31])…

لقد صرح بأن العقيدة الأشعرية مبنية بناء منطقيا صارما، بقوله: «بنى الأشعري مذهبه على تخليص العقائد من جميع المذاهب الفلسفية اليونانية وغيرها، حيث حاربها بأدلة عقلية ونقلية، وأرسى منهجه على مقدمات عقلية ونصوص نقلية، من شأنها أن تؤدي إلى نتيجة قطعية لا جدال فيها وهي العقيدة الإسلامية التي عليها أهل السنة والجماعة»([32]).

بل اعتبر أن أبا الحسن الأشعري هو «أول من تصدى لتحرير عقائد أهل السنة والجماعة، وأنه أول من ضبط مسائلها وبسط مباحثها، ثم أفردها بالتدوين حتى أصبحت علما قائما بنفسه، يسمى علم العقائد أو العقائد الأشعرية، وكان ذلك في أوائل القرن الرابع الهجري»([33]). فيكون بذلك أول إنشاء لدرس العقيدة الأشعرية في تاريخ المسلمين قام على أساس استدلالي منطقي.

وصاحبنا وهو يسلم بتسمية علم العقائد -الذي هو أصل العلوم الدينية وأشرفها على الإطلاق- بعلم الكلام، عرَّفه بأنه «علمٌ يقتدر به على إثبات العقائد الدينية مكتسب من أدلتها اليقينية»([34])، وأكد أن منهجه في الاستدلال مستمد من المنطق بقوله: «المناهج التي سلكت في الاستدلال على إثبات مسائله لتحقيق الإيمان شبيهة بالطرق التي يجري عليها المناطقة في الاحتجاج على إثبات العلوم النظرية، والمنطق فرع من فروع الفلسفة والكلام، بل المنطق في الأصل نفس الكلام»([35])، وإذا كانت الغاية من علم العقائد هي معرفة الله تعالى، فإن «هذه المعرفة لا تتحقق إلا إذا بنيت على أدلة عقلية قطعية، وحجج نقلية يقينية من الكتاب والسنة، ليقتنع صاحبها ويطمئن إلى ما يعتقده عن جزم ويقين، وبذلك يتحقق الإيمان الصحيح الذي هو أصل الدين ولا يقبل الإسلام عند الله بدونه»([36]).

في إثبات دلالة العالم على وجود البارئ تعالى، أقر نفس أدلة الفلاسفة ولم يتجاوزها في نظري، من قبيل دليل تناهي الجرم ودليل الإتقان والإحكام عند الكندي([37])، ودليل الحدوث عند الفارابي([38])، ودليل العناية عند ابن سينا([39]) وابن رشد([40])، وللإشارة فإن دليل الحدوث في نظره الدليل العقلي القاطع.([41]) وإن تغيرت بعض العبارات فهي لم تخرج عن أدلة إمكان العالم وتغيره وتركيبه.

ويلاحظ أيضا في إثباته وجود الله تعالى أنه استعمل لغة الفلاسفة كما هي، بناء على دليل حدوث العالم، ومنه فـ «لا يمكن أن يُعطي الوجودَ للعالم من هو فاقدُه، بل يجب أن يكون وجودُه أتم وأكمل، والوجودُ الأكمل هو الذي يكون واجبا، لأن الموجود إما أن يكون ممكنا لذاته، أو واجبا لذاته، إذ ليس وراء الممكن إلا المستحيل والواجب، والمستحيل لذاته لا يمكن وجوده، فيبقى الواجب. فصانع العالم ومحدثه موجود قطعا، ووجوده واجب لذاته لا لعلة، وكونه واجبا يقتضي نفي الحدوث عنه»([42]).

وفي إثبات صفات البارئ تعالى (واجب الوجود)، النفسية وصفات المعاني والصفات المعنوية. وفي إثبات الصفات الواجبة وفي نفي أضداها واعتبارها مستحيلة، بناء على قاعدة التضاد في مربع التقابل الأرسطي، وتفيد بأن الضدين لا يصدقان معا. وفي نفي الصفات السلبية (سلب العدم السابق واللاحق عن الوجود مثلا) يستعمل لغة المناطقة والفلاسفة في الاستدلال (السلب والنفي، اللازم والملزوم، الممكن والمحال، الدور والتسلسل،…)([43])، وغالبا ما نجده يثبت صفة بإثبات استحالة ضدها اعتقادا منه بأن الضدين لا يجتمعان، وأمثلة الاستدلال بالعكس المستوي وعكس النقيض المخالف وعكس النقيض الموافق كثيرةٌ في الكتاب.

استعمال قياس الخلف لإثبات القِدم لله D

استعمل اللوه قياس الخلف غير ما مرة وفي غير ما موضع في كتابه الرائد، منها مثال إثبات القِدم للبارئ سبحانه، حيث قال: «إذا كان المطلوب ثبوت القدم لمولانا D، أن يقال: لو لم يكن الله تبارك وتعالى قديما، لكان ليس قديما، ولو كان ليس قديما لم يوجد العالم، فينتج لو لم يكن الله تعالى قديما لم يوجد العالم، وهذه نتيجة متصلة لزومية تجعل كبرى لقياس استثنائي، ويستثني نقيض تاليها، فيقال: لو لم يكن الله تعالى قديما لم يوجد العالم. لكن العالم موجود ضرورة، فالله تعالى قديم، وهو المطلوب»([44]).

كما استعمل قياس الخلف أيضا في ذم التقليد([45])، إذ قال: «إن التقليد لو كان مفيدا للعلم لكان العلم حاصلا لمن قلد عالما في حدوث العالم، وقلد عالما آخر في قدمه، لكون كل منهما علما. مع أنه محال، لإفضائه إلى الجمع بين الضدين أو النقيضين: حدوث العالم وقدمه، أو قدمه وعدمه، وكلاهما محال»([46]).

استعمال القياس الشرطي

معلوم أنه في القياس الشرطي إذا كانت القضية المتصلة أنتج إثباتُ المقدم إثباتَ التالي، وأنتج نفيُ التالي نفيَ المقدم، وهو ما استعمله العربي في شرحه لقسم المعلوم الذي يكون وجوده لذاته الذي لا يمكن أن يطرأ عليه العدم، بقوله: «…ماهيته تقتضي الوجود واستمراره، إذ الوجود لازم لها لذاتها، لا ينفك عنها، فلو انتفى عن الماهية وجودها لأدى ذلك إلى سلب لازم الماهية عنها، ونفي اللازم يستلزم انتفاء الملزوم، فيؤدي حتما إلى انتفاء نفس الماهية»([47]). وفي مواضع أخرى، لا نريد أن نثقل البحث بكثرتها.

استعمال القياس الاستثنائي في تجويز رؤية الله تعالى

من بين أهم الموضوعات التي وقع فيها الخلاف بين طوائف المسلمين، مسألة رؤية الله تعالى، وأثناء الاستدلال على جوازها استعمل اللوه القياس في شقه الاستثنائي، فقال: «لو كانت الرؤية ممتنعة في الدنيا لما سألها موسى O، لأنه نبي يعلم ما يجب لله تعالى وما يستحيل وما يجوز، لكن موسى سألها فدل على أنها جائزة، فتعين أنه ما سأل إلا ما هو جائز، إذ سؤال ما يستحيل ممنوع، فلو لم يعتقد جوازها ما سألها، لأن اعتقاد جواز ما لا يجوز كفر»([48]).

وقد استدل على أن الإيمان -و«الإيمان بسيط غير مركب»([49])– يزيد وينقص بالقياس الاستثنائي فقال: «من الجلي أنه لو لم تتفاوت حقيقة الإيمان بالزيادة والنقص لكان إيمان آحاد الأمة، بل المنهمكين في الفسق والمعاصي مساويا لإيمان الأنبياء والملائكة، واللازم وهو المساواة باطل، فكذا الملزوم الذي هو عدم التفاوت بالزيادة والنقص. وهكذا يزيد الإيمان الذي هو التصديق القلبي وينقص بكثرة النظر ووضوح الأدلة وعدمها».([50])

إعمال مبدأ عدم التناقض في نفي العدم عن واجب الوجود

استعمل اللوه كغيره من علماء العقيدة وممارسي التدريس لهذا العلم منهج الاستدلال بالتقابل، ومن وجوه التقابل التناقض، ومثاله: إذا كان المعلوم الذي ثبت وجوده لذاته لا يمكن أن يكون موجودا وعدما في نفس الوقت، فإن «الجمع بين النقيضين محال لا يقبله العقل مطلقا»([51])، وعليه لا يمكن أن يتقدم عليه أو يصاحبه
أو يتبعه عدم أبدا.

الإكثار من الاستدلال بالشرطية المنفصلة مانعة الجمع

القضية الشرطية المنفصلة هي قضية شرطية إذا أُثبت أحد طرفيها ينفي الطرف الآخر، دون العكس. فلا يلزم من رفع أحد الطرفين وضع الآخر، لمنعها الجمع بينهما فقط. وعليه فالمعلوم الذي يقبل الوجود والعدم بتناوب بينهما يمنع من إمكان اجتماعهما معا، فـ «الوجود والعدم بالنسبة إليه أمران متساويان، غير أنه لا يمكن اجتماعهما في محل واحد، لأنهما ضدان لا يجتمعان»([52]).

بالإضافة إلى ما سبق، فقد شبه مسائل الاعتقاد بالقضايا المنطقية، وقال بأن «مسائل الاعتقاد هي القضايا التي بها يتوصل إلى الجزم بحدوث العالم وإحكام نظامه لإثبات الوجود للباري تعالى وما يجب له أو يمتنع أو يجوز من الصفات، وكذا الجزم بالرسل لإثبات ما يجب أو يستحيل أو يجوز عليهم…»([53])، واعتبر أن علم العقائد «استمد من الأدلة العقلية التي يقتضيها الحكم العقلي من واجب ومستحيل وجائز»([54])، و«الدليل العقلي إذا سلمت مقدماته وانتهت في أحكامها إلى الحس أو الضرورة، يفيد اليقين، ويحقق الإيمان المطلوب إذا كان موافقا لما أرشد إليه القرآن الكريم ودعا إليه الرسول صيانة للعقول من الزيغ والضلال»([55]).

خاتمة وملا حظات

نخلص مما سبق إلى أن الشيخ العربي اللوه V شغَّل المنطق في الدرس العقدي الأشعري بالجامعة المغربية، ليستأنف بذلك تقليدا منهجيا واختيارا أكاديميا قديما، قد يعود إلى العهد المرابطي، وما استعمله هو مطابق في ترتيبه وفي مسائله لنظرية القياس من منطق أرسطو(322-384ق.م) كما تداولها الفكر الإسلامي العربي القديم، وقد نقل في كتابه «الرائد» جهد العلماء السابقين في تشغيل المنطق في شرح مسائل العقائد من إلهيات (50 مسألة)، ونبوات (16 مسألة)، وقد كان حريصا على الإقناع في جميع استدلالاته، جامعا بين الدليلين العقلي والنقلي.

ويمكننا أن نسجل بالمناسبة أن اللوه لم يستفد من نقد تقي الدين ابن تيمية (ت728ھ) الإيجابي لمحدودية المنطق الأرسطي وعدم قدرته على النهوض بالاستدلال في الشأن العلمي كله (في التصورات والتصديقات والبراهين)، كما لم يطلع في غالب الظن على نقد غيره من علماء المسلمين وغير المسلمين، مثل نقد
عبد الحق ابن سبعين (ت668ھ) للمنطق الأرسطي في كتابه «بد العارف»([56]). ولم ينفتح على التوجهات المعاصرة في المنطق والتي تجاوزت حدود المنطق التقليدي([57])، وربما قد يساعد أكثر في معالجة إشكالات عقدية معاصرة لا قبل للمنطق الأرسطي بها.

بقي اللوه وهو يدافع عن إعمال المنطق في الاستدلال العقدي وفيا لقولٍ فقهي عام يردده كثير من فقهاء المسلمين، وهو أنه من الواجب تخليص العقيدة من الفلسفة ودفع شبه الفلاسفة عن العقيدة([58])، وهذا يوحي بأن الدرس العقدي لا فلسفة فيه! وأن وظيفة الفلسفة هي إثارة الشُّبَه! وقد يفيد أيضا أن الفلسفة تفسد الاعتقاد! وزعم بأن مناهج الفلاسفة هي توجيه الشُّبه إلى العقائد!

وهذا الظن غير صحيح على إطلاقه في نظرنا. وحُجته أضعف من دعواه، فكثير من الشبه يثيرها عامة الناس، ويثيرها العلماء أنفسهم، ويثيرها أصحاب الملل الأخرى. وكثير من الفلسفات هي عقائد أو تتأسس على عقائد، أو تدافع عن عقائد، والفلسفة بوصفها حكمة لا تقوم على معارضة العقائد بل تخدمها وتشهد لها بتعبير ابن رشد، فـ«الحق لا يضاد الحق بل يوافقه ويشهد له»([59]). لذلك ينبغي أن يقال: رد الشبه الضارة بالعقيدة دون نسبتها بالتعميم إلى الفلاسفة، لما قال: «بنى الأشعري مذهبه على تخليص العقائد من جميع المذاهب الفلسفية اليونانية وغيرها، حيث حاربها بأدلة عقلية ونقلية، وأرسى منهجه على مقدمات عقلية ونصوص نقلية، من شأنها أن تؤدي إلى نتيجة قطعية لا جدال فيها وهي العقيدة الإسلامية التي عليها أهل السنة والجماعة»([60])، والمنطق علم كلي في نظره، وظهر بظهور الفلسفة عند المسلمين، وهو هنا يرفض الفلسفة كلها ويجعلها على النقيض من العقيدة الإسلامية، ويعمل المنطق كله ويجعله أعم من علم العقائد نفسه، مثلما فعل الغزالي في القرن الخامس الهجري، فكان من باب أولى أن يدعو إلى إعمال المنطق في رد شبهات الملاحدة، وإعادة بناء معرفتها على استدلالات منطقية صارمة.

في مسألة النظر: رجح العربي اللوه منهج جمهور الأشاعرة في الموضوع، معتبرا أن طريق الإيمان هو المعرفة وطريق المعرفة هو النظر، و«مرجع ذلك إلى النظر في العالم لإثبات حدوثه، ومنه يُتوصل إلى الإيمان بوجود الباري تعالى واتصافه بجميع صفات الكمال، مع تنزهه عن كل نقص، وكذا الإيمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر»([61]). يَعتبر عموم الأشاعرة (الأشعري والباقلاني والاسفراييني والجويني والآمدي والإيجي…) أن المعرفة شرط في الإيمان، والنظر شرط في المعرفة، ومنه لا يجوز التقليد في أصول الدين، حتى للعامة من الناس، بل عُد التقليد حراما ومذموما([62]). وإن كانوا في الغالب لا يقصدون النظر التفصيلي على طريقة المتكلمين، وإنما يقصدون النظر الإجمالي أو الجملي أو النظر على طريقة العوام([63])، حتى يخرجوا من التقليد. وممن قالوا بذلك من المغاربة عثمان السلالجي(ت547ھ) وابن خمير السبتي (ت614ھ) ومحمد بن يوسف السنوسي (ت895ھ)، وغيرهم…

وهذا في نظر بعض علماء العقائد «فيه إفراط وحرج شديد كما قاله صلاح الدين العلائي»([64]) قد يصل إلى حد «تكفير» المسلمين الذين ليست لهم أهلية النظر والاستدلال، استنادا إلى مبدأ «النظر شرط صحة الإيمان»، وهو تضييقٌ لواسع في طرائق حصول الإيمان وازدياده، إذ قد يحصل بالتسليم القلبي الذي لا إعمال فيه للنظر ابتداء ولا دليل([65])، وفي ذلك قال أبو بكر ابن فورك(ت406ھ): «لو لم يدخل الجنة إلا من عرف الجوهر والعرض لبقيت خالية»([66])، كما يستفاد أيضا من موقف ابن حزم في «البيان عن حقيقة الإيمان»([67]).

بل نجد من كبار الأشاعرة من لم يوجب النظر في الإيمان كأبي حامد الغزالي في «الاقتصاد في الاعتقاد»([68])، وإبراهيم الباجوري (ت1277ھ) في «تحقيق المقام على كفاية العوام في علم الكلام»([69])، وهناك طائفة كبيرة ممن يقولون بأن النظر ليس شرطا في المعرفة، أمثال أحمد بن زكري التلمساني (ت899ھ) في الفصل العاشر من الباب الأول من كتابه «محصل المقاصد مما به تعتبر العقائد»، والقصري، محمد بن يوسف (ت1052ھ) في منظومته «مراصد المعتمد في مقاصد المعتقد»، فهم يجيزون التقليد في أصول الدين، ويستدلون بأدلة كثيرة منها قوله تعالى: ﴿فاعلم أنه لا إله إلا الله﴾ [محمد: 19]، وجواب الأعرابي الذي سُئل: كيف عرفتَ ربك؟ فقال: البَعَرَةُ تَدُلُّ على البعير، والأَثَرُ يَدُلُّ على المَسير، فَسماءٌ ذاتُ أبراج، وأرضٌ ذاتُ فِجاج، وبحور ذات أمواج، أفلا تَدلُّ على اللطيف الخَبير!([70]) وغيره. ويقول محمد بن سليمان الجزولي السملالي (ت870ھ): «المعرفة أنوار تلمع في القلوب، وتطمئن إلى علام الغيوب، ولا بعد ذلك انفصال، إن شاء الله تعالى»([71]).

يلاحظ أيضا أن العربي اللوه راهن على مبدأ عدم التناقض في حسم كثير من القضايا العقدية، وهذا الرهان لا يقوى دائما على الإثبات أو النفي، وقد تضعفه التوجهات المنطقية المعاصرة التي تقبل التناقض ولا تراه مسقطا للحجج([72])، فهناك حقل من حقول المنطق الجديد يقر بالتناقض ويختص بالنظر الفلسفي في مسائله، يدعى «المنطق غير الاتساقي»([73]). كما في ميكانيكا الكم النسبية مثلا يمكن للإلكترون أن يوجد في مكانين في وقت واحد، بالإضافة إلى ما يعرف بتجربة الشق المزدوج ([74])(Double Slit Experiment) التي يمكن فيها لجسيم الضوء أن يمر من مكانين في وقت واحد([75]).

كما أن التعويل على الشكل الرابع من القياس الأرسطي الذي يكون فيه الحد الأوسط محمولا في المقدمة الكبرى وموضوعا في المقدمة الصغرى، وهو أضعف الأشكال الأربعة، وعليه انتقادات، التعويل عليه في الحكم العقدي مغامرة، وأسميها «مغامرة الفقيه المنطقية»، فمثلا في إثبات رؤية الله تعالى، وافق اختيار جمهور الأشاعرة في جوازها عقلا ووقوعها شرعا([76])، مع رفض التشبيه والتجسيم طبعا، حيث قال مستعملا صورة الشكل الرابع: «الله E موجود قطعا، وكل موجود تجوز رؤيته، فينتج: الله تعالى تجوز رؤيته»([77])، وهذا لا يصح بإطلاق، وقد اعترض عليه الرازي (ت606ھ) في «المطالب العالية»، بعد إسقاطه حجج نُفاة الرؤية، حيث قال: «وأما مثبتو الرؤية فقد عولوا على أن قالوا: الله تعالى موجود، وكل موجود فإنه تصح رؤيته، ودليلهم في الإثبات: أن كل موجود تصح رؤيته: قد ذكرناه في أحكام الموجودات، وأوردنا عليه اعتراضات قوية لا يمكن دفعها البتة، وإذا عرفت ضعف دلائل الفريقين فنقول: بقي البحث في محل التوقف، إلا أنا رأينا الأنبياء والرسل عليهم السلام مخبرين عن حصول هذه الرؤية، ورأينا أصحاب المكاشفات يخبرون عن وقوع أحوال كأنها جارية مجرى المقدمات لهذه الرؤية، فقوي الظن في جواز وقوعها وحقائق الأشياء لا يعرفها بتمامها إلا الله الحكيم»([78]). كما يمكن أن نضيف أن كثيرا من الموجودات من عواطف ومشاعر وأحداث لا تمكن رؤيتها رغم يقيننا بوجودها. والله أعلم.

 

 

 

المصادر والمراجع

  • أرسطو طاليس. منطق أرسطو، ترجمة عبد الرحمن بدوي، دار القلم، بيروت، ط1، 1980م.
  • الأشعري، أبو الحسن. كتاب اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع، تعليق حمودة غرابة، المكتبة الأزهرية للتراث، القاهرة، ط1، 1439ھ/2018م.
  • الباجوري، إبراهيم. تحقيق الـمُقام على كفاية العوام في علم الكلام، تحقيق أحمد فريد المزيدي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 2007م.
  • بدوي، عبد الرحمن. التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية، دار النهضة العربية، القاهرة، ط1، 1965م.
  • جبر، فريد. موسوعة مصطلحات علم المنطق عند العرب، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، ط1، 1996م.
  • الجزولي، محمد بن سليمان. عقيدة الجزولي، تحقيق خالد زهري، دار الضياء، الكويت، ط 1، 1435ھ/2014م.
  • ابن حجر، الهيثمي. الفتاوى الكبرى الفقهية على مذهب الإمام الشافعي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1971م.
  • ابن حزم، علي. رسائل ابن حزم الأندلسي، تحقيق إحسان عباس، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط1، 1981م.
  • طه، عبد الرحمن. اللسان والميزان أو التكوثر العقلي، المركز الثقافي العربي، بيروت، ط1، 1998م.
  • اللوه، العربي. الرائد في علم العقائد، مطبعة النور، تطوان، ط2، 1304ھ/ 1983م.
  • اللوه، العربي. المنطق التطبيقي، مطابع ديسبريس، تطوان، ط1، 1975م.
  • اللوه، العربي. أصول الفقه، مطابع ديسبريس، تطوان، ط1، 1970م.
  • النقاري، حمو. المنهجية الأصولية والمنطق اليوناني، بدايات، ولادة، البيضاء، ط1، 1411ھ/1991م.
  • السيوطي، جلال الدين. صون المنطق والكلام عن فن المنطق والكلام، تحقيق علي سامي النشار، دار الكتب العلمية، بيروت، د.ت.
  • ابن سينا، أبو علي. النجاة في الحكمة المنطقية والطبيعية والإلهية، تقديم ماجد فخري، دار الآفاق الجديدة، بيروت، د. ت.
  • السبكي، تاج الدين. رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب، عالم الكتب، بيروت، ط1، 1999م.
  • السبتي، ابن خمير. مقدمات المراشد إلى علم العقائد، تحقيق جمال علال البختي، مطبعة الخليج العربي، تطوان، ط1، 1425ھ/2004م.
  • ابن سبعين، عبد الحق. بد العارف، تحقيق جورج كتوره، دار الأندلس، بيروت، ط1، 1978م.
  • العثيمين، محمد بن صالح. شرح العقيدة السفارينية الدرة المضية في عقد أهل الفرقة المرضية، مدار الوطن للنشر، الرياض، ط1، 1426ھ.
  • العياشي، أبو سالم، الحكم بالعدل والإنصاف الرافع للخلاف، تحقيق عبد العظيم صغيري، منشورات وزارة الأوقاف، دار أبي رقرارق، الرباط، ط1، 1436ھ/2015م.
  • ابن سينا، أبو علي. النجاة في الحكمة المنطقية والطبيعية والإلهية، تقديم ماجد فخري، دار الآفاق الجديدة، بيروت، د. ت.
  • الفارابي، أبو نصر. المنطق عند الفارابي، تحقيق رفيق العجم، دار المشرق، بيروت، ط1، 1986م.
  • الفارابي، أبو نصر. عيون المسائل، ضمن كتاب الثمرة المرضية في بعض الرسالات الفارابية، تحقيق عماد نبيل، دار الفارابي، بيروت، ط1، 2012م.
  • الفندي، محمد ثابت. أصول المنطق الرياضي، دار النهضة العربية، بيروت، ط1، 1984م.
  • الفراك، أحمد. المنطق عند الغزالي ومنهجه في التقريب والتشغيل، دار جودة، الرباط، ط1، 1435ھ/2014م.
  • الرازي، فخر الدين. المطالب العالية من العلم الإلهي، تحقيق أحمد حجازي السقا، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1407ھ/1987م.
  • شاخت، جوزيف وكليفورد، بوزورث. تراث الإسلام، ترجمة حسين مؤنس، إحسان صدقي العمد، مراجعة فؤاد زكريا، عالم المعرفة، عدد 233 وعدد 234، الكويت، ط1، 1998م.
  • ابن الصلاح، تقي الدين. فتاوى ابن الصلاح، مكتبة العلوم والحكم، عالم الكتب، بيروت، ط1، 1407ھ.
  • أبو ريدة، محمد عبد الهادي. رسائل الكندي الفلسفية، دار الفكر العربي، مصر، 1369ھ/1950م.
  • ابن رشد، أبو الوليد. الكشف عن مناهج الأدلّة في عقائد الملّة، تحقيق: مصطفى حنفي، مركز دراسات الوحدة العربيّة، بيروت، ط 2، 2001م.
  • ابن رشد، أبو الوليد. فصل المقال في تقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط1، 1997م.
  • التوحيدي، أبو حيان. ثمرات العلوم، دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع، دمشق، ط1، 2009م.
  • الغزالي، أبو حامد. المنقذ من الضلال، تحقيق جميل صليبا وكامل عياد، دار الأندلس، بيروت، ط7، 1967م.
  • الغزالي، أبو حامد. معيار العلم في المنطق، شرح أحمد شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1410ھ/ 1990م.
  • الغزالي، أبو حامد. مجموعة رسائل الإمام الغزالي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1994م.
  • الغزالي، أبو حامد. الاقتصاد في الاعتقاد، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1988م.
  • الغزالي، أبو حامد. الاقتصاد في الاعتقاد، تحقيق إنصاف رمضان، دار قتيبة، بيروت، ط1، 1423ھ/2003م.
  • 36- Anil, Ananthaswamy. Through Two Doors at Once: The Elegant Experiment That Captures the Enigma of Our Quantum Reality Hardcover – August 7, 2018.
  • 37- Ibrahim Madkour, l’Organon d’Aristote Dans le Monde Arabe- second ed – libraire Philosophique, J-Vrin-1964.

([1]) ولد العلامة العربي اللوه عام 1323ھ/1905م، وأتم حفظ القرآن الكريم وما تيسر من المتون العلمية في الفقه والأصول والحديث والنحو والصرف والفرائض بقرية تغنمين (قرب مدينة الحسيمة) وبعدها غمارة ثم جبالة ليعمق اطلاعه ونهله من العلوم، قبل أن يهاجر لطلب العلم بجامع الزيتونة بتونس عام 1923م حيث تلقى علوم العقائد والتاريخ والرياضيات والمنطق والمناظرة حتى حصل على شهادة العالمية عام 1929م. وبعد عودته إلى المغرب تولى مناصب علمية وإدارية وسياسية عديدة بمدينة تطوان ونواحيها. كما عمل أستاذا متعاقدا للمنطق والعقيدة وأصول الفقه في كلية أصول الدين التابعة لجامعة القرويين آنذاك، وتوفي V بتطوان عام 1408ھ/1988م. انظر: ابن منصور، عبد الوهاب. أعلام المغرب العربي، المطبعة الملكية، الرباط، ط1، 1979م، 1/15. ويراجع أيضا مقال: العشاب، عبد الصمد، «العلامة المناضل العربي اللوه»، بجريدة «الشمال»، عدد 374، بتاريخ: 28 نونبر-4 دجنبر 2006.

([2]) ابن الصلاح، تقي الدين. فتاوى ابن الصلاح، مكتبة العلوم والحكم، عالم الكتب، بيروت، ط1، 1407ھ، 1/109-112.

([3]) الهيثمي، ابن حجر. الفتاوى الكبرى الفقهية على مذهب الإمام الشافعي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1971م، 1/75.

([4]) السيوطي، جلال الدين. صون المنطق والكلام عن فن المنطق والكلام، تحقيق علي سامي النشار، دار الكتب العلمية، بيروت، د.ت. ص48.

([5])  السيوطي، جلال الدين. صون المنطق والكلام عن فن المنطق والكلام، مرجع سابق، ص19.

([6]) السبكي، تاج الدين. رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب، عالم الكتب، بيروت، ط1، 1999م، 1/278.

([7]) انظر: الفراك أحمد، المنطق عند الغزالي ومنهجه في التقريب والتشغيل، دار جودة، الرباط، ط1، 1435ھ/2014م.

([8]) طه، عبد الرحمن. اللسان والميزان أو التكوثر العقلي، المركز الثقافي العربي، بيروت، ط1، 1998م، ص88.

([9]) طه، عبد الرحمن. اللسان والميزان أو التكوثر العقلي، ص46.

([10])طه، عبد الرحمن. اللسان والميزان أو التكوثر العقلي، ص55.

([11]) الغزالي، أبو حامد. المنقذ من الضلال، تحقيق جميل صليبا وكامل عياد، دار الأندلس، بيروت، ط 7، 1967، ص81.

([12]) الغزالي، أبو حامد. معيار العلم، شرح أحمد شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1410ھ/1990م، ص240.

([13]) التوحيدي، أبو حيان. ثمرات العلوم، دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع، دمشق، ط1، 2009م، ص24.

([14]) التوحيدي، أبو حيان. ثمرات العلوم، ص24.

([15]) اللوه، العربي. المنطق التطبيقي، مطابع ديسبريس، تطوان، ط1، 1975م، ص15.

([16]) اللوه، العربي. المنطق التطبيقي، مطابع ديسبريس، تطوان، ط1، 1975م، ص15.

([17]) المرجع السابق، ص7.

([18]) اللوه، العربي. الرائد في علم العقائد، مطبعة النور، تطوان، ط 2، 1404ھ/1983م، ص9.

([19]) «جوهر فرد غير محسوس يتوصل إليه بمسلك العقل وبالقواطع التي تقام عليه»، المقترح، مظفر بن عبد الله. شرح الإرشاد في أصول الاعتقاد، تحقيق: نزيهة معارج، مطبوعات الرابطة المحمدية للعلماء، د.ت، 1/182.

([20]) اللوه، العربي. الرائد في علم العقائد، ص9-11.

([21]) المرجع السابق، ص35.

([22]) «واجب الوجود»، يقول الرازي: «واجب الوجود بذاته بأنه الموجود الذي تكون حقيقته غير قابلة للعدم البتة». انظر: المطالب العالية من العلم الإلهي، تحقيق: أحمد حجازي السقا، دار الكتب العلمية، بيروت، 1407ھ/1987م، 1/134.

([23]) الفارابي، أبو نصر. عيون المسائل، ضمن كتاب الثمرة المرضية في بعض الرسالات الفارابية، تحقيق: عماد نبيل، دار الفارابي، بيروت، ط1، 2012م، ص247.

([24]) البسيط: من «البسائط وهي مفردات الحقائق في وجودها، لا هي مركبة ولا موجودة في التركيب، ولا تكتسب ولا يكتسب بها». انظر: فريد جبر وآخرون. موسوعة مصطلحات علم المنطق عند العرب، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، ط1، 1996م، ص163.

([25]) المركب: هو كل قول يدل جزؤه على جزء معناه.

([26]) يكون التعريف أوضح من المعرف، ولا يجوز أن يدخل في التعريف ما لا يُعرف إلا بنفس التعريف، مثل قولنا: العلم هو معرفة المعلوم.

([27]) ترتب أمرٍ على أمر إلى ما لانهاية له، أي تسلسل العلل والمعاليل الممكنة من غير انتهاء.

([28]) البديهيات هي الأمور الواضحة التي من شدة وضوحها لا تحتاج إلى نظر واستدلال.

([29]) الأفراد التي يتحقق فيها معنى الكليّ، ويقابله المفهوم.

([30]) العلة الموجدة هي علة جميع الممكنات، فنقول مثلا: ممكن الوجود يحتاج إلى علة تأتي به إلى الوجود.

([31]) العلة الفاعلة هي ما يوجد الشيء بسببه.

([32]) اللوه، العربي. الرائد في علم العقائد، ص21 و22.

([33]) المرجع السابق، ص22.

([34]) نفسه.

([35]) نفسه.

([36]) اللوه، العربي. الرائد في علم العقائد، ص34.

([37]) أبو ريدة، محمد عبد الهادي. رسائل الكندي الفلسفية، دار الفكر العربي، مصر، ط1، 1369ھ/1950م، ص215.

([38]) الفارابي، أبو نصر. عيون المسائل، ص245.

([39]) ابن سينا، أبو علي. النجاة في الحكمة المنطقية والطبيعية والإلهية، تقديم: ماجد فخري، دار الآفاق الجديدة، بيروت، د. ت.

([40]) ابن رشد، أبو الوليد. الكشف عن مناهج الأدلّة في عقائد الملّة، تحقيق: مصطفى حنفي، مركز دراسات الوحدة العربيّة، ط2، 2001، ص118.

([41]) اللوه، العربي. الرائد في علم العقائد، ص85.

([42]) اللوه، العربي. الرائد في علم العقائد، مرجع سابق، ص92.

([43]) اللوه، العربي. المنطق التطبيقي، مرجع سابق، ص93 وما بعدها.

([44]) اللوه، العربي. المنطق التطبيقي، مرجع سابق، ص142.

([45]) حد التقليد «قبول قول من غير دليل» أو «اتباع من لم يقم على صدق قوله دليل»، انظر: السبتي، ابن خمير. مقدمات المراشد إلى علم العقائد، تحقيق جمال علال البختي، مطبعة الخليج العربي، تطوان، ط1، 1425ھ/2004م، ص99.

([46]) اللوه، العربي. الرائد في علم العقائد، ص29.

([47]) المرجع السابق، ص35.

([48]) اللوه، العربي. الرائد في علم العقائد، ص122.

([49]) المرجع السابق ، ص48.

([50]) المرجع السابق ، ص55.

([51]) اللوه، العربي. الرائد في علم العقائد، مرجع سابق، ص35.

([52]) المرجع السابق ، ص36.

([53]) المرجع السابق ، ص24.

([54]) نفسه.

([55]) اللوه، العربي. الرائد في علم العقائد، ص68.

([56]) ابن سبعين، عبد الحق. بد العارف، تحقيق: جورج كتوره، دار الأندلس، بيروت، ط1، 1978م.

([57]) David, W. Agler. Symbolic Logic, Syntax, Semantics, and Proof, Rowman
& Littlefield, New York, 2012.

([58]) اللوه، العربي. الرائد في علم العقائد، ص21.

([59]) ابن رشد، أبو الوليد. فصل المقال في تقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط1، 1997م، ص96.

([60]) اللوه، العربي. الرائد في علم العقائد، ص21 و22.

([61]) المرجع السابق، ص42.

([62]) السبتي، ابن خمير. مقدمات المراشد إلى علم العقائد، تحقيق: جمال علال البختي، مطبعة الخليج العربي، تطوان، ط1، 1425ھ/2004م، ص101.

([63]) الباجوري، إبراهيم. تحقيق الـمُقام على كفاية العوام في علم الكلام، تحقيق: أحمد فريد المزيدي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 2007م، ص34.

([64]) المرجع السابق ، ص35.

([65]) انظر في صحة إيمان العوام: العياشي، أبو سالم. الحكم بالعدل والإنصاف الرافع للخلاف، تحقيق: عبد العظيم صغيري، منشورات وزارة الأوقاف، دار أبي رقرارق، الرباط، ط1، 1436ھ/2015م، 2/410 وما بعدها.

([66]) اللوه، العربي. الرائد في علم العقائد، ص31.

([67]) ابن حزم، علي. رسائل ابن حزم الأندلسي، تحقيق: إحسان عباس، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط1، 1981م، ص188-189.

([68]) الغزالي، أبو حامد. الاقتصاد في الاعتقاد، تحقيق: إنصاف رمضان، دار قتيبة، بيروت، ط1، 1423ھ/2003م.

([69]) الباجوري، إبراهيم. تحقيق الـمُقام على كفاية العوام في علم الكلام.

([70]) اللوه، العربي. الرائد في علم العقائد، ص28.

([71]) الجزولي، محمد بن سليمان. عقيدة الجزولي، تحقيق خالد زهري، دار الضياء، الكويت، ط 1، 1435ھ/2014م، ص88.

([72]) الفندي، محمد ثابت. أصول المنطق الرياضي، دار النهضة العربية، بيروت، ط1، 1984، ص84.

([73]) ظهر هذا الفرع من فروع المنطق مع فازيليفو لوكاتفيتش في النصف الأول من القرن العشرين.

([74]) Anil, Ananthaswamy. Through Two Doors at Once: The Elegant Experiment That Captures the Enigma of Our Quantum Reality Hardcover – August 7, 2018 .

([75]) Voir :

https://plus.maths.org/content/physics-minute-double-slit-experiment-0-

https://www.pnas.org/content/114/25/6480.

([76]) الأشعري، أبو الحسن. كتاب اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع، تعليق: حمودة غرابة، المكتبة الأزهرية للتراث، القاهرة، ط1، 1439ھ/2018م، ص54-55.

([77]) اللوه، العربي. الرائد في علم العقائد، مرجع سابق، ص121.

([78]) الرازي، فخر الدين. المطالب العالية من العلم الإلهي، تحقيق: أحمد حجازي السقا، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1407ھ/1987م، 2/58.