الرئيسية / التقويم القمري الإسلامي الموحد.

عدد المشاهدات 13

عدد التحميلات 1

عنوان المقال : التقويم القمري الإسلامي الموحد.

الكاتب(ة) : ذ. جمال الدين عبد الرازق

 لا جدال في أن المسلمين، في الوقت الحاضر، يعيشون مع أمر اسمه «إشكالية ضبط الشهور القمرية عند المسلمين». من مظاهر هذه الإشكالية:
   استحالة معرفة متى يبدأ شهر رمضان ومتى يكون العيد: علينا انتظار ثبوت رؤية الهلال للتأكد من ذلك؛
   الاختلافات بين المسلمين، وقد يصل التفاوت في إحياء بعض المناسبات بين المشرق والمغرب إلى يومين؛
   ازدواجية التاريخ، تاريخ للشؤون الدينية ناتج عن رؤية الهلال، وتاريخ للشؤون الإدارية، (مثلا، تقويم أم القرى في السعودية، وحساب العلامة في المغرب).
وهذا نموذج لما يحدث أحيانا:
  قبيل عيد الأضحى الأخير (سنة 1425هـ)، قرأت في إحدى الصحف هذا الخبر(): «تعرض أصحاب شركات الحج والعمرة في السعودية أمس لخسائر تتجاوز الـ 40 مليون ريال()، بعد أن أنهى مجلس القضاء الأعلى جدله مع مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية بتحديد الأربعاء المقبل موعدا للوقوف بعرفة بدلا من الخميس الذي حددته مدينة الملك عبد العزيز، إذ جاء قرار مجلس القضاء الأعلى بعد أن أدلى شهودٌ برؤيتهم للهلال غرة شهر ذي الحجة الاثنين الماضي».
وأذكِّر بأن هلال ذي الحجة ولد يوم الاثنين 05/01/2005 على الساعة 12:04 بالتوقيت العالمي، الساعة 15:04 بتوقيت مكة المكرمة، أي أن هؤلاء الشهود استطاعوا رؤية هلال لا يتجاوز عمره 4 ساعات. وأذكِّر بأن عيد الأضحى في المغرب كان يوم الجمعة.  وهو ما يتفق مع ما حددته مدينة الملك عبد العزيز.
هل من حل لهذه الإشكالية؟
  أقول نعم، الحل يكمن في حوار شامل وبنّاء بين علماء الفقه الإسلامي وعلماء الفلك، لأن إشكالية ضبط الشهور القمرية عند المسلمين لها جانب فقهي، وجانب فلكي.
أولا – الثوابت في حساب السنين والشهور عند المسلمين :
* في القرآن الكريم:
      (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب) ().
     (يسألونك عن الأهلة. قل هي مواقيت للناس والحج). ()
     (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض. منها أربعة حرم. ذلك الدين القيم). ()
* في الحديث النبوي الشريف:
     «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن حال بينكم وبينه سحابة أو غيابة فكملوا العدة ولا تستقبلوا الشهر استقبالا».
     «لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه». ()
من هذه النصوص تتضح الثوابت التي يجب أن يبنى عليها نظام حساب الزمن عند المسلمين، وهي:
     نظام لحساب الشهور والسنين مبني على الشهور القمرية؛
     السنة تتكون من اثني عشر شهرا؛
     نظام لتحديد بداية الشهور له علاقة بالأهلة.
هذه الثوابت الثلاث تأتي مباشرة من النصوص المذكورة. نذكر عناصر أخرى لا نعتقد أن أحدا يمكن أن يجادل في صحتها:
     الإسلام دين العالمين، وهو صالح لكل زمان ومكان؛
     من الأفضل أن يكون للمسلمين، في جميع أرجاء العالم، نظام موحد، حتى تتوحد أعيادهم ومناسباتهم؛
     من الأفضل أن يكون للمسلمين علم مسْبق ببداية الشهور القمرية، حتى يتمكنوا من ضبط شؤونهم ومصالحهم؛
     من الأفضل أن يكون للمسلمين، في كل بلد، توقيت واحد().
ثانيا – شروط صلاحية التقويم:
استجابة للعناصر السبعة، السالفة الذكر، وضعنا مجموعة من الشروط التي يجب أن تتوفر في كل نظام لحساب الشهور والسنين، يتوخى أن يكون “التقويم القمري الإسلامي الموحد”():
الشرط الأول: شرط التقويم. والتقويم يرتكز على قاعدة حسابية قارة، خلافا لحساب إمكان رؤية الهلال الذي يستوجب إجراء حسابات فلكية معقدة، لكل شهر على حدة.
الشرط الثاني: شرط الشهر القمري، أي أنه يعتمد الشهر القمري كوحدة زمنية. ومدة الشهر القمري تعادل مدة الفترة الواقعة بين اقترانين متتاليين للقمر والشمس. فلا يمكن، في أي حال من الأحوال، أن تكون مدة الشهر أقل من تسعة وعشرين يوما، ولا أكثر من ثلاثين يوما. والسنة مكونة من اثني عشر شهرا.
الشرط الثالث: شرط مولد الهلال، فلا يجوز للتقويم أن يجعل طائفة من المسلمين، أيا كان موقعها من الكرة الأرضية، تدخل في شهر قبل مولد هلال ذلك الشهر.
الشرط الرابع: شرط إمكان الرؤية، فلا يجوز للتقويم أن يجعل طائفة من المسلمين، أيا كان موقعها من الكرة الأرضية، تدخل في الشهر، في يوم، من دون التأكد من « إمكان رؤية الهلال » المتعلقة بذلك الشهر، في اليوم الذي قبله، في مكان ما من الكرة الأرضية.
الشرط الخامس: شرط الفرض مع الرؤية، فلا يجوز للتقويم أن يجعل طائفة من المسلمين، أيا كان موقعها من الكرة الأرضية، لا تدخل في شهر، وهلال ذلك الشهر يوجد في أفقها كـ”هلال واضح للعيان”.
الشرط السادس: شرط التوحيد.
الشرط السابع: شرط العالمية.
ثالثا– المسائل الفقهية :
المسألة الفقهية الأولى: اعتماد الحساب.
جاء في الكلمة التي ألقاها الأستاذ محمد بن عبد الرازق في مؤتمر اسطمبول (نونبر 1978)(): «ومع كون حساب رؤية الأهلة قطعيا ومع أنني من الفلكيين الذين يعتزون بعلم الفلك ويناضلون عليه فإنني لا أقول بثبوت الشهر به (…)، لأمور منها:
السبب الأول: أن الشرع ما أوجب علينا الصوم ولا الفطر إلا بالرؤية أو إكمال العدة(…).  
السبب الثاني: أن الشارع اعتبر الرؤية لأنها في متناول الخاص والعام وهذا من التيسير ومن الرحمة والرأفة بهذه الأمة الإسلامية.
السبب الثالث: أن الحسابات الفلكية دقيقة جدا لا يدركها إلا خواص الخواص(…).
السبب الرابع: أن حساب الرؤية تارة يفيد امتناع الرؤية وتارة يفيد عسرها وتارة يفيد رجحانها وتارة يفيد القطع بها. (…) وإذا أفاد (الحساب) العسر أو الرجحان فلا ثبوت به لوجود الاحتمال مع أن العبادة لا يدخل إليها الإنسان إلا بيقين ولا يخرج منها إلا بيقين (…)».
في اعتقادي، يمكن أن يفهم من السببين الثاني والثالث أن رؤية الهلال إنما هي وسيلة لإثبات الشهور. وأرى في السبب الرابع، السبب الرئيسي لعدم اعتماد الحساب في تحديد بداية الشهور. الطبيعة التوقعية لهذا الحساب، وعبر عنها بــ”وجود الاحتمال”، لا تؤدي دائما إلى إثبات اليقين. هذا لا يعني، بتاتا، أن هذا الحساب تعتريه نقائص. إنها نتيجة حتمية، ما دام الغرض من الحساب هو التنبؤ بإمكان رؤية الهلال، وهي المؤشر لبداية الشهر. وصاحب الحساب أدرى من كل واحد بدرجة اليقين التي يكون عليها عند تحديده لبداية الشهر.
فهل من بديل لحساب إمكان الرؤية الذي وصفناه بالحساب التوقعي والذي لا يؤدي دائما إلى إثبات اليقين؟
لنرجع إلى الطرق المتبعة في تحديد أوقات الصلاة.
جاء في الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي والنسائي عن جابر بن عبد الله، قال():

tableau1

  يتضح من نص الحديث أن تحديد أوقات الصلاة مبني على المشاهدة التي هي في متناول الخاص والعام. في الوقت الحاضر، القيام بعبادة الصلاة يعتمد الحساب الفلكي، والحساب الفلكي وحده. وهذا الحساب ما هو إلا ترجمة لما ينص عليه الحديث. ليست لهذا الحساب الطبيعة التوقعية الواردة مع حساب رؤية الهلال، وإنما هو حساب اصطلاحي.

  فما المانع من اعتماد الحساب الاصطلاحي بالنسبة لحساب إمكان رؤية الهلال؟ وبذلك نصل إلى حساب يؤدي، في كل الأحوال، إلى إثبات اليقين، كما هو الشأن بالنسبة لأوقات الصلاة؟

إننا نعتبر أن أبسط وأنسب قاعدة اصطلاحية يمكن وضعها لحساب إمكان رؤية الهلال، هي القول بأن الهلال لا يكون قابلا للرؤية في يوم مولده (أي يوم الاقتران)، وإنما يكون قابلا للرؤية في اليوم الموالي. لقد استوحينا هذه القاعدة التي سميناها “قاعدة يوم وليلة” مما كتبه الأستاذ محمد بن عبد الرازق، وهو يذكر مقولة محمد بن جابر البتاني، في زيجه، عن قدماء اليونان(): «ما تكلموا في رؤية الهلال إلا بالقول المطلق، وهو أنه لا تمكن رؤيته لأقل من يوم وليلة، وإذا تقصيت أسباب الرؤية وجد هذا القول هو الأصل الذي يعمل عليه».

  بعد هذه التمهيدات نأتي إلى صيغة المسألة الفقهية الأولى: إذا كان الحساب الفلكي يؤدي، في كل الأحوال، إلى إثبات اليقين، فهل يمكن الاستغناء عن الرؤية البصرية للهلال لتحديد بداية الشهور؟

المسألة الفقهية الثانية: مسألة نقل الرؤية

  لقد اختلفت مواقف الفقهاء حول مسألة نقل الرؤية، أي العمل في بلد برؤية الهلال الثابتة في بلد آخر. فمنهم من يقول بمبدأ ” لكل بلد رؤيته”. ومنهم من يجيز نقل الرؤية إذا كانت المسافة بين البلدين لا تتعدى حدا معينا(). ومنهم من يقول بمبدأ “لا عبرة في اختلاف المطالع”، وهو مبدأ يجيز نقل الرؤية بغض النظر عن المسافة بين البلدين(). نقول:

  لا سبيل إلى التقويم إذا اعتمدنا رؤية الهلال لتحديد بداية الشهور، وذلك من البديهيات.

  لا سبيل إلى التوحيد إذا اعتمدنا رؤية الهلال، حتى مع إقرار الموقف الثالث.

  لا سبيل إلى التوحيد إذا اشترطنا أن ساعة الدخول في الشهر، في بلد ما، تأتي بعد إثبات إمكان الرؤية، في مكان ما من العالم، حتى مع إقرار الحساب وإقرار الموقف الثالث. هذه النقطة من الأهمية بمكان. وسيتضح مضمونها في الفقرة الموالية.
  لنتتبع مسيرة يوم جمعة من بدايته في أقصى الشرق، في المنطقة التي تعمل بالتوقيت العالمي زائد 12 ساعة، إلى نهايته في أقصى الغرب، في المنطقة التي تعمل بالتوقيت العالمي ناقص 12 ساعة. لقد اخترنا، كمثال، يوم الجمعة 05/08/2005، وهو يوم مولد هلال رجب 1426 هـ، وسيتم في الساعة 03:05 بالتوقيت العالمي. في كل ساعة سنقف على المنطقة من العالم التي يبدأ فيها اليوم، والمنطقة التي تصل إلى الزوال (وقت صلاة الجمعة)، وتلك التي تصل إلى الغروب، وتلك التي تصل إلى نهاية اليوم. وفي كل ساعة سنقف على وضع القمر لنتتبع تطوره قبل وبعد مولده أي اقترانه بالشمس().

takwime

 

 tb2

 tab2

tab5 6

 

tab7 8

  يتضح من هذه الجداول مدى ما يمكن الحصول عليه من معلومات دقيقة حول الهلال بواسطة الحساب الفلكي. فإذا كنا على بينة من تطور الهلال أثناء يوم الجمعة، وتتبعناه قبل وبعد مولده إلى أن يصبح هلالا قابلا للرؤية في المناطق الغربية، فلم لا نجعل فاتح الشهر يوم السبت، بالنسبة للعالم بأسره، معتمدين إمكان الرؤية في هذه المناطق؟ ومع التأكد من أن نهاية اليوم في أقصى الشرق (أي في الساعة 24 من الجدول الرابع) جاءت بعد مولد الهلال (أي في الساعة 16 من الجدول الثالث) نكون قد ضمنا عدم وجود أي منطقة في العالم تدخل في الشهر قبل مولد هلاله.

ليس من شك في أن هذه المقاربة الشمولية لمسألة نقل الرؤية، مع مساهمتها في توضيح تعاقب الأيام على المستوى العالمي، تجعلنا نتناول هذا الموضوع بمنظور مختلف عما ألفناه.

المسألة الفقهية الثالثة: مسألة التوقيت.

  الوصول إلى تقويم موحد يقتضي توافقه مع النظام العالمي للتوقيت. مع هذا النظام، يبدأ اليوم، على الصعيد العالمي، في منطقة أقصى الشرق، في منتصف الليل، بتوقيت هذه المنطقة. وينتهي في منطقة أقصى الغرب، في منتصف الليل، بتوقيت هذه المنطقة. وتتناوب المناطق التوقيتية على بداية اليوم ونهايته، من الشرق إلى الغرب، كل واحدة حسب موقعها. المنطقة التوقيتية الوسطى، والمغرب يقع فيها، لها ميزة خاصة، فهي التي تعمل بما يسمى بـ”التوقيت العالمي» (المسمى خطأ توقيت كرينتش).

  السؤال المطروح: هل يوجد ما يمنع، شرعا، من اعتماد النظام العالمي للتوقيت، وجعل اليوم يبدأ في منتصف الليل، وليس في وقت الغروب؟

  قد يستغرب البعض من طرح هذا السؤال. أليس النظام العالمي للتوقيت هو النظام الرسمي المعتمد في كافة البلاد الإسلامية؟ التساؤل يبقى رغم ذلك واردا.. فالأمر يتعلق بتقويم قمري إسلامي من المفروض ألا يتعارض مع مقتضيات الشرع الإسلامي.()

رابعا – موقفنا من رؤية الهلال من «الساتل» :

تمهيد:

  أخبرتنا وكالات الأنباء، خلال المدة الأخيرة، عن مشروع إنشاء « ساتل » (قمر صناعي) إسلامي يتولى تنفيذه « مركز دراسات واستشارات علوم الفضاء، جامعة القاهرة ». وتشرف على المشروع لجنة عليا « تضم في عضويتها منظمة المؤتمر الإسلامي ورابطة العالم الإسلامي ودار الإفتاء المصرية ووزراء العدل في كل من السعودية والإمارات والسودان والمغرب وسوريا لتمويل هذا المشروع الضخم».()

  ويفيد نفس المصدر أن هذا الساتل «سوف يوفر رؤية أدق للهلال حيث سيتم التغلب على مختلف مشاكل الرصد من على سطح الأرض مثل الملوثات والسحاب والضباب وغيرها من العوامل التي قد تعوق الرؤيا (أو الرؤية؟). كما سيتم نقل صورة ظهور الهلال في نفس اللحظة إلى جميع الدول الإسلامية». ومن جهة أخرى، «سيتم الاستفادة (منه) في تطبيقات أخرى».

وعلمنا أن علماء من جامعة الأزهر المصرية أفتوا بشرعية هذه الرؤية.()

ويستفاد من المعلومات المتوفرة لدينا حول هذا الساتل أن مدة دورانه حول الأرض هي في حدود 90 دقيقة، وأن ارتفاعه فوق سطح الأرض يصل إلى 400 كيلومتر().

نوجه عناية القارئ إلى أننا استعملنا مصطلح «ساتل» للتعبير عن «قمر صناعي». هذا المصطلح ليس منحوتا كما يعتقد البعض، وإنما هو مشتق من الجذر الثلاثي العربي «ستل» بمعنى «تبع». وقد تبنى الاتحاد الدولي للاتصالات هذا المصطلح مقابل satellite(). ومن الطريف أن نشير إلى أن الأصل اللاتيني للمفردة الأجنبية يعني «خفر»!!

نود تناول موضوع الفرق الشاسع بين ظروف الرؤية من سطح الأرض ومن مركبة توجد على ارتفاع 400 كيلومتر من سطح الأرض من منظور مختلف عما ورد أعلاه.

1 – تسرب نور الشمس في طبقات الغلاف الجوي للأرض:

من ارتفاع 400 كيلومتر، لسنا خارج الغلاف الجوي للأرض، ولكن نكون خارج الطبقات الجوية التي لها تأثير مباشر على رؤية الأجرام السماوية. من سطح الأرض، وفي واضحة النهار، وإذا كان الجو صحوا، تبدو لنا السماء مضاءة زرقاء، ولا نرى من الأجرام إلا الشمس والقمر في أوقات معينة؛ فما السر في تسرب نور الشمس إلى جميع الأماكن المفتوحة سواء منها تلك التي تكون مضاءة بأشعة الشمس المباشرة، أو تلك التي تكون مضاءة رغم وجودها في الظل؟ نشير هنا إلى ظاهرة انبثاث نور الشمس في الطبقات الجوية المتصلة بسطح الأرض. هذه الظاهرة الطبيعية هي المسؤولة عن احتجاب الأجرام السماوية في واضحة النهار. ومن المعلوم أن الجزيئات التي تتكون منها الغازات الموجودة في هذه الطبقات هي التي تساهم في انبثاث نور الشمس هذا.
فكيف تبدو السماء في واضحة النهار من ارتفاع 400 كيلومتر؟ لنتذكر أن الطبقات العليا من الغلاف الجوي (من ارتفاع يتراوح ما بين 85 و 700 كيلومتر)، أي اليونوسفير، تتكون من ذرات متحولة إلى يونات بعد تفكك الجزيئات الهوائية تحت تأثير الأشعة السينية والأشعة ما فوق البنفسجية المنبعثة من الشمس. ونذكر بأن الـ”يون” (ion) هو ذرة تكون كهربائيا موجبة إذا انتزع منها إلكترون واحد أو أكثر، وسالبة إذا أضيف لها إلكترون واحد أو أكثر. تلعب هذه الطبقة «المتأينة» دورين أساسيين: إنها تستغل في مجال الاتصالات اللاسلكية، فهي تعكس الأمواج الراديوكهربائية الطويلة والمتوسطة والقصيرة الصادرة من الأرض لتردها إلى الأرض، قاطعة مسافات كبيرة؛ وهي تدفع عن الأرض الجزء الأكبر من ويلات الجسيمات الكونية المتسارعة والمنتشرة في الفضاء الخارجي والتي تصل إلى الأرض من الشمس. ويحدث في ظروف استثنائية أن هذه اليونات تصطدم بإليكترونات صادرة عن الشمس، ومن شأن هذا الاصطدام أن ينتج عنه إرسال أشعة ضوئية. هذه الظاهرة الطبيعية هي ما يسمى بـ «الفجر القطبي». إضافة إلى ذلك، توجد في الطبقات العليا من الغلاف الجوي جزيئات هوائية بكثافة تتناقص مع تزايد الارتفاع. فمثلا، على ارتفاع 400 كيلومتر، تقل الكثافة عما هي عليه على سطح الأرض بنسبة تتراوح ما بين مائة مليار وألف مليار مرة. مع هذه الكثافة، ظاهرة انبثاث نور الشمس، السالفة الذكر، تكاد تكون منعدمة.

يتبين مما سبق أن من ارتفاع 400 كيلومتر، وباستثناء ظهور أشعة زرقاء وبنفسجية، في القطبين، مع فجر قطبي، تبدو السماء في واضحة النهار غير مضاءة، بحيث يكون بالإمكان مشاهدة كافة الأجرام السماوية بما فيها الشمس والقمر. ويمكن مشاهدتهما (الشمس والقمر) معا، خاصة في الأوقات المجاورة لاقترانهما. وهو ما تستحيل مشاهدته من سطح الأرض. فهل يمكن اعتبار ذلك من قبيل تحسين ظروف رؤية الهلال؟ أم هي رؤية هلال من نوع مختلف؟

2 – محاكاة صورة الشمس والقمر كما يمكن مشاهدتها من «ساتل» وكيفية استغلالها:

إننا نتوفر على مجموعة من المعطيات حول القمر والشمس. فيمكن الحصول، في كل وقت، على موقع الشمس والقمر، أي الطول والعرض، بالنسبة لمدار الكسوفات، وكذلك القطر الزاوي لكل منهما. هذه المعطيات كافية لمحاكاة الصورة الخاصة بالشمس والقمر كما يمكن مشاهدتها من ساتل على ارتفاع 400 كيلومتر.()

  اخترنا تمثيل هذه الصورة في وقت الاقتران وفي ساعات معينة تسبق وتلي هذه اللحظة، أي 24، و12، و06 ساعات، قبل وبعد الاقتران.

  يمثل الرسم (1) الوضع بالنسبة لمولد هلال شهر ذي الحجة 1425هـ (يقع الاقتران يوم الاثنين 10/01/2005 على الساعة 12:04 بالتوقيت العالمي). ونلاحظ أن القمر يـبقى في المـدة كـلها عـلى عـرض جــنوبي قريب جــدا من خــمس درجات.

  ومن الملفت للانتباه أن القمر لا يختفي كليا أثناء الاقتران. كل ما في الأمر أن سمكه وشدة نوره ينخفضان مع اقترابه من الاقتران، ليصلا إلى الحد الأدنى في تلك اللحظة، ثم يرتفعان بعد ذلك.

  يمثل الرسم (2) الوضع بالنسبة لمولد هلال شهر ربيع الأول 1426هـ (يقع الاقتران يوم الجمعة 08/04/2005 على الساعة 20:33 بالتوقيت العالمي). ونلاحظ أن عرض القمر يتغير أثناء المدة. في البداية، يكون جنوبيا على عرض قريب من درجة ونصف، ثم ينخفض ليصل إلى الصفر، ثم يصبح شماليا لينتهي إلى عرض قريب من درجة واحدة في نهاية المدة. ونلاحظ وقوع حالة كسوف جزئي في وقت الاقتران.

  من هذين الوضعين يتضح وجود إشكال بالنسبة لتحديد الصورة التي يمكن اعتبارها ممثلة لصورة هلال قابل للرؤية، وبالتالي لتحديد وقت الإعلان عن ثبوت رؤية الهلال، وهو المؤشر لبداية شهر جديد. في الوضع الأول، لاحظنا وجود صورة هلال قابل للرؤية من الساتل، أثناء الاقتران، مع فارق زاوي بين الشمس والقمر قريب من خمس درجات. لذا فإن الإعلان عن ثبوت رؤية الهلال يمكن أن يتم مباشرة بعد الاقتران. ويعني ذلك ضرورة وجود وسيلة عملية للإشارة لوقت الاقتران. أما في الوضع الثاني، وبما أن الفارق الزاوي أثناء الاقتران، قريب من ثلث الدرجة، الأمر الذي يؤدى إلى وجود حالة كسوف جزئي، كما ذكرنا، فإن الإعلان عن ثبوت رؤية الهلال لا يمكن أن يتم إلا بعد مضي بعض الوقت على الاقتران. الرسم (2) يبين الصورة التي يمكن مشاهدتها بعد ست ساعات، أي مع فارق زاوي يزيد قليلا عن ثلاث درجات. فهل يمكن اعتبار هذه الصورة ممثلة لهلال قابل للرؤية؟ على أي حال فالإعلان عن ثبوت رؤية الهلال، مع هذا الوضع، يمكن أن يتم عمليا على إثر ظهور أول هلال بعد اختفاء القمر.

يمثل الوضعان السالفا الذكر نموذجين من حالتين قصويين. ويعني ذلك أن عرض القمر في وقت الاقتران يتغير. مما يؤثر على المدة الضرورية للوصول إلى فارق زاوي، بين الشمس والقمر، كاف للحصول على هلال قابل للرؤية.

الجدير بالذكر أن صور الشمس والقمر المشار إليها، لا ترتبط بمكان معين من الكرة الأرضية. واستعمالنا التوقيت العالمي لا يعني بتاتا أن هذه الصور مرتبطة بالمنطقة التوقيتية التي يتوسطها خط كرينتش، وإنما استعمل التوقيت العالمي كوسيلة لقياس الزمن، لا غير. ووجود القمر والشمس معا في الصورة يعني، بكل وضوح، أننا بعيدون كل البعد عن مفهوم رؤية الهلال التي تتم، في مكان معين، بعد غروب الشمس. ألسنا مع وسيلة خاصة لإثبات رؤية الهلال؟

لقد استعرضنا كل هذه الجوانب لنبين أن بالإمكان الحصول على صور أهلة كافة الشهور بكامل الدقة، كما لو كانت مأخوذة من ساتل، باعتمادنا وسائل حسابية موثوقا بها، ولا أحد يضعها موضع الشك، في الوقت الحاضر. وخلاصة القول فإننا لا نرى جدوى من استعمال الساتل لرؤية الهلال وللحصول على نفس الصور.

3 – هل رؤية الهلال من «الساتل» تؤدي إلى توحيد أعياد المسلمين ومناسباتهم؟

رفعا لكل التباس، حديثنا عن توحيد بداية الشهور القمرية عند المسلمين وتوحيد أعيادهم ومناسباتهم يعني المسلمين في كل مكان من الكرة الأرضية، ولا ينحصر على ما اصطلح على تسميته بالعالم الإسلامي. وذلك عملا بالمبدأ الأساسي، كما ذكرناه سابقا، القاضي بأن الإسلام دين العالمين، وهو صالح لكل زمان ومكان.

لنأخذ كمثال أول وضعية هلال شهر رمضان 1427. المعطيات الفلكية المتوفرة لدينا تفيد بأن الاقتران سيقع يوم الجمعة 22/09/2006، على الساعة 11:46 (بالتوقيت العالمي). وفي تلك اللحظة سيكون عرض القمر شماليا، يزيد بقليل عن ثلث الدرجة (حالة كسوف جزئي). إننا في حالة الاختفاء الكلي للقمر أثناء الاقتران، أي حالة مماثلة لوضعية هلال ربيع الأول 1426، السالفة الذكر. وفي تقديرنا ستتم رؤية الهلال من الساتل في نفس اليوم في حدود الساعة 18:00 (بالتوقيت العالمي). وبذلك سيكون فاتح رمضان هو يوم السبت 23/09/2006. في نفس اللحظة، أي في اللحظة التي سيتم فيها الإعلان عن ثبوت رؤية هلال رمضان، سيكون مسلمو نيوزيلندة في الساعة 06:00 (بالتوقيت العالمي زائد 12 ساعة) من صباح يوم السبت. وفي نفس اللحظة سيصلهم خبر ثبوت هذه الرؤية. فهل يمكن لهم أن يشرعوا في الصوم في تلك اللحظة؟ لعل خبر ثبوت رؤية الهلال سيصل متأخرا بعض الشيء !

هذا المثال يبين بوضوح أن رؤية الهلال من الساتل لا تؤدي دائما إلى توحيد بداية شهر رمضان في كافة أرجاء العالم.

4 – الدخول في الشهر قبل مولد هلاله :

لنأخذ كمثال آخر وضعية هلال شهر ذي القعدة 1427. المعطيات الفلكية المتوفرة لدينا تفيد بأن الاقتران، أي مولد الهلال، سيقع يوم الإثنين 20/11/2006، على الساعة 22:19 (بالتوقيت العالمي). وفي تلك اللحظة سيكون عرض القمر جنوبيا يزيد قليلا عن 4,5 درجات. إننا في حالة مماثلة لوضعية هلال ذي الحجة 1425، السالفة الذكر. وفي تقديرنا سيتم الإعلان عن رؤية الهلال بعد تلك اللحظة بقليل. وبذلك سيكون فاتح ذي القعدة هو يوم الثلاثاء 21/11/2006. في نفس اللحظة سيكون مسلمو نيوزيلندة في الساعة 10:19 (بالتوقيت العالمي زائد 12 ساعة) من يوم الثلاثاء. فهل يعقل أن نجعلهم يدخلون في شهر ذي القعدة قبل مولد هلاله؟ ليسوا وحدهم في هذا الوضع. هذه الظاهرة قد تعني حتى القطر المصري، لأن في نفس اللحظة ستكون الساعة 00:19 (بالتوقيت العالمي زائد ساعتين) من يوم الثلاثاء.

خلاصة:

إننا نرحب بدخول العرب والمسلمين في عصر الفضاء، مع إطلاق ساتل خاص بهم. ونحث كافة البلاد الإسلامية والعربية على المساهمة في هذا الإنجاز الكبير الذي سيخدم الإسلام والمسلمين. فالمنافع الجمة التي ستجنى من إطلاق ساتل عربي إسلامي، وتمت الإشارة إلى بعض منها أعلاه، أهم بكثير من استغلاله في شؤون رؤية الهلال. إننا نعتبر أن إشكالية ضبط الشهور القمرية عند المسلمين لا يمكن أن تجد حلا لها برؤية الهلال من الساتل.

خامسا – بناء التقويم:

المقاربة الأولى:

  الطريقة الأولى لتطبيق “قاعدة يوم وليلة”، كحساب اصطلاحي، تؤدي عمليا إلى ما يلي: في مكان معين، يكون الهلال قابلا للرؤية في أول غروب، في المكان المعني، يأتي بعد ما يكتمل عمر الهلال 24 ساعة. لنفرض أن الاقتران تم يوم الأحد على الساعة السابعة والنصف مساء، أي نصف ساعة بعد غروب الشمس. في غروب اليوم الموالي، يوم الاثنين، يبلغ عمر الهلال 23 ساعة ونصف. ويعتبر بذلك غير قابل للرؤية. ولا يكون قابلا للرؤية، اعتبارا للحساب الاصطلاحي، إلا مساء يوم الثلاثاء. ويكون اليوم الأول من الشهر هو يوم الأربعاء.

  ماذا يحدث لو تمت رؤية الهلال مساء يوم الاثنين، واحتمال ذلك وارد جدا؟ أليس في ذلك تعارض مع الشرط الخامس، شرط الفرض مع الرؤية؟ هذا الذي يجعلنا نعتبر أن الطريقة الأولى لتطبيق “قاعدة يوم وليلة” تؤدي إلى حساب اصطلاحي غير صالح.

  الطريقة الثانية لتطبيق “قاعدة يوم وليلة”، كحساب اصطلاحي، تتم بالرجوع إلى اليوم كما هو محدد في النظام العالمي للتوقيت. وذلك بجعل اليوم يبدأ في منتصف الليل حسب التوقيت المحلي للمكان المعني. هذه الصيغة تؤدي عمليا إلى ما يلي: في مكان معين، يكون الهلال قابلا للرؤية في اليوم الموالي ليوم مولده.

تعميم الطريقة الثانية لتطبيق قاعدة يوم وليلة مع العمل بمبدأ نقل الرؤية، يؤدي إلى نظام لتحديد بداية الشهور. وسنسميه “النظام الأول”.

المقاربة الثانية:

  يمكن أن نبين أن العمل بنظام يكون فيه اليوم الأول من الشهر هو اليوم الموالي ليوم مولد الهلال، حسب توقيت منطقة أقصى الشرق، يضمن الاستجابة للشرط الثالث، شرط مولد الهلال، في كافة الأحوال. المقاربة الثانية تؤدي عمليا إلى اعتماد منطقة أقصى الشرق كمرجع لمولد الهلال، وتؤدي إلى نظام لتحديد بداية الشهور. وسنسميه “النظام الثاني”.

المقاربة الثالثة:

  يمكن أن نبين أن العمل بنظام يكون فيه اليوم الأول من الشهر هو اليوم الموالي لليوم الذي يكون فيه الهلال قابلا للرؤية، حسب توقيت منطقة أقصى الشرق، وعملا بالحساب الاصطلاحي المذكور، يضمن الاستجابة للشرطين الرابع والخامس، شرط إمكان الرؤية وشرط الفرض مع الرؤية، في كافة الأحوال. المقاربة الثالثة تؤدي عمليا إلى اعتماد منطقة أقصى الغرب كمرجع لإمكان رؤية الهلال، وتؤدي إلى نظام لتحديد بداية الشهور. وسنسميه ” النظام الثالث “.

خلاصة:

  لو أن هذه المقاربات الثلاث أدت إلى ثلاثة أنظمة مختلفة لخلصنا إلى القول بأن لا وجود للتقويم المنشود. تطابق الأنظمة الثلاثة يدل على صلاحية النظام الذي اهتدينا إليه، وسميناه “تقويم أم القرى المعدل”. تقويم أم القرى المعدل يستجيب لشروط الصلاحية السبعة السالفة الذكر، وله قاسم مشترك مع “تقويم أم القرى”، النظام الوحيد الذي يستجيب للشروط السبعة في الحالات التي يتم فيها الاقتران في الفترة الصباحية.()

  سادسا – مقارنة مع حساب إمكان الرؤية، تأكيد الصلاحية :

  لم نقتصر على تحليل استجابة تقويم أم القرى المعدل (وسميناه التقويم باختصار) للشروط السبعة، وارتأينا مقارنة ما يدلي به من نتائج حول تحديد بدايات الشهور القمرية مع ما يعطيه حساب إمكان الرؤية (وسميناه الحساب باختصار)، الذي يعتبر، في الوقت الحاضر، من أكثر الحسابات مصداقية. وقمنا بهذه المقارنة لمدة خمسين سنة، من سنة 1421هـ إلى سنة 1470هـ. وتوصلنا إلى إثبات التطابق بين التقويم والحساب بنسبة 92%. ولاحظنا أن اقترانات الشهور التي ظهر اختلاف في تحديد بدايتها تقع كلها، بتواتر مختلف، ما بين الساعة 06:00 والساعة 13:00 بالتوقيت العالمي. واعتبرنا بذلك أن التطابق بين التقويم والحساب يشكل القاعدة، وأن الاختلاف يشكل الاستثناء.()

الخلاصة العامة:

  توصلنا في إطار دراسات دامت أكثر من عشر سنوات، إلى الاقتناع بأن حل إشكالية ضبط الشهور القمرية عند المسلمين يكمن في وضع تقويم صالح للدين والدنيا، تقويم تتوحد به أعياد المسلمين ومناسباتهم، تقويم يجعل المسلمين على علم مسبق بتواريخ أعيادهم ومناسباتهم، حتى يتمكنوا من ضبط شؤونهم ومصالحهم، تقويم يضع حدا للفوضى والاختلافات والاضطرابات التي تشوب، حاليا، تحديد بداية الشهور القمرية عند المسلمين.

  فتوجت هذه المجهودات، بحمد الله ورعايته، بظهور مشروع «التقويم القمري الإسلامي الموحد». هذا المشروع يحاول أن يبين أن الهدف المنشود ليس وهما ولا خيالا.

  فهل التوجه نحو وضع مقاييس جديدة لحساب إمكان الرؤية من شأنه أن يوصلنا إلى الغاية المنشودة؟ علما بأن هذا التوجه هو ما ذهب إليه علماء ينتمون إلى الجناح الشرقي من الأمة الإسلامية. المسائل الفقهية التي أبرزناها وكذا القاعدة التي بنيناها، والممثلة لتوجه مختلف، كل ذلك معروض للنقاش. ونتمنى أن يحظى بنصيبه من البحث والنقد، حتى تقدَّم النتيجة كاقتراح لكافة الأمة الإسلامية، مساهمة من الجناح الغربي لهذه الأمة في وضع تقويم قمري إسلامي موحد. نطلب من الله التوفيق لما فيه الصالح العام.