الرئيسية / الجوار في الحرم المكي وأثره في نشر العلم والمعرفة (مجاورو المغرب الأقصى نموذجا).

عدد المشاهدات 13

عدد التحميلات 1

عنوان المقال : الجوار في الحرم المكي وأثره في نشر العلم والمعرفة (مجاورو المغرب الأقصى نموذجا).

الكاتب(ة) : د. مولاي الحسين ألحيان

الجوار في الحرم المكي وأثره في نشر العلم والمعرفة
(مجاورو المغرب الأقصى نموذجا)

د. مولاي الحسين  ألحيان
جامعة القرويين، كلية الشريعة،أكادير

مقدمة

  ظلت مكة رمز الأمة الإسلامية، وعاصمتها الروحية مذ كانت بواد غير ذي زرع، تحمل في كيانها بعدا ثقافيا خاصا، وتاريخا عميقا ممتدا، وشخصية متميزة متفردة، وموروثا حضاريا أصيلا. احتلت مكان الصدارة في اهتمامات المسلم، يتوجه إليها بقلبه ووعيه خمس مرات في اليوم، وظلت حاضرة في وجدانه وضميره على الدوام.

  فهو أوّل بيت وُضع في الأرض للعبادة وخُصص لها، مذ أمر الله إبراهيم أن يرفع قواعده، وأن يطهره للطائفين والعاكفين والركع السجود. جعله الله مباركا، وجعله هدى للعالمين، يجدون عنده الهدى بدين الله ملة إبراهيم.
  ومن فضائله أن من دخله كان آمنا. فهو بمثابة الأمن لكل خائف. وليس هذا لمكان آخر في الأرض. وقد بقي محتفظا بقيمته المطلقة عند الله تعالى. وحتى في جاهلية العرب، وفي الفترة الَّتي انحرفوا فيها عن دين إبراهيم، وعن التوحيد الخالص الَّذي يمثله هذا الدين. كانت حرمة هذا البيت وكرامته سارية وراء حدود الزمان والمكان…
  ومن هنا علقت به أفئدة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. تتلهف نفوسهم نحوه، وتشد الرحال إلى زيارته، رجاء التحلية بألقاب كلها سمو وفضل وفخار…وكان أهل المغرب الأقصى لايختلفون عن سائر النَّاس في حبهم لحرم الله وبيته، والشوق إلى رؤيته والمقام به كلما سنحت الفرصة، وخفت العوائق والموانع، حَتَّى صار ذلك تقليدا راسخا فيهم، وسُنة متبعة يحرص عليها العالم والعامي، والغني والفقير، والصغير والكبير..
  ولا غرابة في هذا، فقد توفر للحرم المكي من الخصائص والمميزات ما يجعل النفوس مشدودة إليه، والأرواح هائمة في حبه، والقلوب عالقة بأكنافه. فهو مهبط الوحي- الينبوع الأوّل للعلم والمعرفة- والمكان الَّذي احتضن الكعبة المشرفة، وتردد في جنباته أصداء أوّل سورة نزلت تدعو النَّاس إلى الأخذ بناصية العلم والثقافة؛ وهي سورة (اقرأ). فاجتمع له من القدسية الدينية والعلمية ماجعل العديد من المسلمين ينشئون الرحلة إليه، قاصدين التحنث بقدسية المكان، والتشرف بالنيل مما يروج في محيطه من معارف وفنون.
  ويحضر هنا عامل آخر يرفع من مكانة مكة، ويضفي عليها حُلة لاتتوفر لغيرها؛ ألا وهو اقتران الحج بطلب العلم. فالقدوم لأداء فريضة الحج عامل من عوامل التواصل والتلاقح والالتقاء، ومناسبة تتسع فيها رحاب مكة لاحتضان النُّخب العلمية من كل الآفاق، تلتقي وتتحاور وتتذاكر، وتحقق التلازم الوثيق بين حج العلماء وطلب العلم. فكثيرا ما تجد في سير العلماء تعابير دالة على هذا التلازم مثل: “حج وطلب العلم” أو“جاور بمكة وجالس علماء الحرم” أو “حج ولقي مشايخ الحرمين واستفاد منهم”.
  وهذا ما يفسر أيضا ما يلمحه الباحث من تجشم المغاربة مشاق لاتطاق، ومخاطرتهم بأموالهم وأنفسهم من أجل حضور الموسم ولقاء العلماء. فقد سجل المؤرخون والمترجمون جرأة هؤلاء وإقدامهم على أداء فريضة الحج رغم ما يلاقونه من مخاطر، وما يواجهونه من صعوبات.
  وكانت فكرة الإقامة بمكة، ومجاورة الحرم المكي()  مما استأثر باهتمام الكثيرين من مجاوري المغرب الأقصى، فترى بعضهم يجد في أحضان مكة ما يشفي غليله الروحي من انقطاع وتبتل وعبادة. وترى البعض الآخر يرى فيها ملاذا آمنا يُنسيه غوائل الفتنة الَّتي كانت تعصف ببعض الأقطار الَّتي ينتمون إليها. وترى فئة أخرى أسيرة ما تحفل به مجالسها من شيوخ العلم وأساطينه، وما يدور في أروقتها من مناظرات العلم وحلقاته، فترتشف من حياض العلم والمعرفة ما يروي ظمأها، ويملأوطابها.
  ولا شك أن من وقفنا على مجاورتهم من المغاربة يعكسون هذه التوجهات، ويمثلون هذه الطموحات والآمال.
مسرد المجاورين المغاربة
  لما استعصى علي معرفة تاريخ جوار ووفاة بعض المجاورين المغاربة، ارتأيت أن أتناولهم في فئتين؛ الأولى تضم الأعلام المرتبة وفق تاريخ وفياتهم، والثانية تضم أعلاما لم نتمكن من معرفة تاريخ وفياتهم بالتحديد.
الفئة الأولى:
1- أبو عبد الله محمَّد بن عمر بن قُطري.
إشبيلي الأصل، سبتي القرار والوفاة. من شيوخ القاضي عياض. له سماع ورحلة؛ جال في الحجاز والعراق والشام ومصر وصقلية. لقي بمكة الحسين الطبري، وأبا محمَّد بن جماح السبتي من المجاورين بمكة، وهبة الله الضرير المقرئ، وأبا محمَّد النيسابوري، وأبالحسن الصقلي.
كان مدرسا للنحو والعربية، وله حظ من العلم بالأصول والاعتقاد. توفي بسبتة سنة إحدى وخمسنائة (ت.501هـ).
2- أبو عمر ميمون بن ياسين الصنهاجي اللمتوني.
  مراكشي الأصل. سكن ألمرية قديما، ثُمَّ إشبيلية بأخرة. رحل إلى المشرق وحج وجاور، وأخذ بمكة شرفها الله عن أبي عبد الله الطبري؛ ومما أخذ عنه صحيح مسلم سنة 479هـ. وسمع بها أيضًا من أبي مكتوم عيسى بن أبي ذرالهروي صحيح البخاري. وهو الَّذي أوصله إلى المغرب.
رجع إلى بلده، وحدث فيها، فسمع منه الناس. توفي سنة 530هـ.
3- أبو الحسن علي بن عبد الله بن حمود المكناسي.
إمام المالكية بالحرم الشريف. أصله من مكناس، وولادته بفاس سنة 496هـ. رحل إلى المشرق عام 512هـ، فحج ولقي جلة. روى عن أبي بكر الطرطوشي سنن أبي داود، وأخذ عن أبي الحسن سعد الخير الأندلسي صاحب أبي مكتوم صحيح البخاري، وعن أبي بكر بن طرخان صحيح مسلم، وعن ابن المبارك جامع الترمذي،…انصرف إلى المغرب سنة 518هـ، فأقام بمدينة فاس مدة، ثُمَّ دخل الأندلس بنية الغزو والرباط، وصحب بها جلة، ثُمَّ عاد إلى فاس سنة 526هـ، فكر راجعا إلى المشرق ولم يعد.
جاور بمكة، وأم بالحرم الشريف.  
كان زاهدا ورعا، محسنا إلى الغرباء والضعفاء، كثير الخشوع، متواضعا سريع الدمعة، يجمع بين الفضل والعبادة والنسك والإرادة. وكان له احتمال وصبر على إذاية الناس. توفي بمكة سنة 573هـ، ودفن بالصفا.
4- أبو علي منصور بن حمزة بن عبد الله المجاصي المكناسي.
الفقيه الأجل، إمام المالكية بالمسجد الحرام بمكة المكرمة. سمع من أبي عبد الله بن أبي الصيف صحيح مسلم، ومجلدات من صحيح البخاري، وجامع الترمذي. سمع ذلك كله في الحرم المكي الشريف سنة 595هـ.
5- أبو عبد الله محمَّد بن عبد الله بن الفتوح المكناسي المجاصي جمال الدين.
الفقيه الإمام، العامل الزاهد. إمام المالكية بالحرم الشريف.
ذكر الميورقي في تعاليقه أنّه ولي مقام المالكية بمكة سنة 588هـ، وأنه وقف في هذا العام كتاب (المُقرب) لابن أبي زمنين المالكي بست مجلدات على المالكية والشافعية والحنفية الَّذين يكونون بمكة، وجعل مقره بخزانة المالكية بمكة.
توفي بمكة يوم الخميس العاشر من جمادى الأولى سنة 592هـ.
6- أبو الحسن علي بن محمَّد بن محمَّد الأنصاري الخزرجي المعروف بابن الحصار.
إشبيلي الأصل. فاسي، سكن سبتة ومراكش وغيرهما.
رحل بأخرة إلى المشرق، وحج وجاور بمكة مدة، وجالس علماءها في مجالسهم؛ كأبي شجاع زاهر بن رستم الأصبهاني، وأبي عبد الله إسماعيل بن علي بن أبي الصيف، وأبي محمَّد يوسف بن يحيى الهاشمي، وغيرهم. ثُمَّ انتقل إلى طيبة فجاور بها، وعظم صيته هناك، وجل قدره، وعرف فضله، وأُخذ عنه العلم.
كان محدثا راويا، فقيها عارفا بأصول الفقه، متحققا بعلم الكلام، ذا حظ وافر من علوم اللسان وقرض الشعر. وله مصنفات مفيدة. توفي بالمدينة المنورة سنة 620هـ، ودفن بالبقيع، وبيعت كتبه هناك.
7- أبو علي عمر بن محمَّد بن علي الصنهاجي المراكشي، المعروف بابن الطوير.
سوسي الأصل، تفقه بمراكش على جماعة من أهلها، وحج وجاور بمكة شرفها الله تعالى. اختص بالفقيه أبي محمَّد عبد الوهاب البغدادي، فأخذ عنه أصول الفقه، وتعليقة ابي سعيد محمَّد بن يحيى في مسائل الخلاف، وهو أوّل من أدخلها إلى المغرب. ثُمَّ قفل إلى المغرب، فدرس بالمهدية علم الكلام وأصول الفقه ومسائل الخلاف، وأملى بها برهان إمام الحرمين على طلبته من صدره. ثُمَّ عاد إلى مراكش، فالتف عليه النَّاس بها، وأخذوا عنه أصول الفقه وعلم الكلام. توفي سنة 622هـ.
8- أبو محمَّد عبد الله بن يوسف بن عبد الرحمن بن أبي الحجاج الفاسي.
فاسي المولد، إسكندري الدار والوفاة. تفقه بالأسكندرية على مذهب الإمام مالك، وشهد بها، وسمع من الحافظ أبي طاهر السِّلفي، وحدث. وجاور بمكة سنين.
كان شيخا صالحا، غزير الدمعة. توفي سنة 623هـ.
9- أبو عبد الله محمَّد بن علي بن عطية المكناسي.
سافر وساح، ودخل الشام والحجاز واليمن، وجاور بمكة دفعات. سمع منه أبوبكر محمَّد بن أحمد بن علي القسطلاني بالحرم الشريف سنة 657هـ، مما يقوي الظن بأنه من أهل القرن السابع. كان فيه صدق وإيثار.
10- أبو لكوط عبد الله بن عبد السلام بن عبد الرحمن الدكالي.
نزيل مكة. من أرباب المجاهدات والأحوال، من أصحاب الشّيخ أبي محمَّد صالح. توفي سنة 629هـ.
11- عبد الله بن عبد الحق السوسي.
أدرك جماعة من دكالة من أصحاب الشّيخ أبي محمَّد صالح المقيمين في الحجاز وصحبهم. توفي بمكة سنة 693هـ.
12– أبو عبد الله محمَّد بن علي بن محمَّد بن قطرال الأنصاري.
من أهل مراكش. المحدث الفقيه الزاهد، ذو النظم الرائق، والخط البارع. تجول في لقاء الأكابر على حال جميلة من إيثار الصمت والانقباض والحشمة. رحل إلى المشرق حاجا صدر سنة ثلاث وسبعمائة. جاور بحرم الله عاكفا على الخير وصالح الأعمال، معرضا عن زهرة الدنيا، إلى أن اتصل خبر وفاته عام 709هـ.
13– أبو زيد عبد الرحمن بن إلياس الركراكي الشوشاوي.
الفقيه الجليل المتورع، وصفوه بالزعامة في الفقه والطريقة. كان مقيما بمكة مجاورا عشرين سنة، وهو المعروف عند العامة بأبي زيد وإِلْياسْ. توفي سنة 718هـ، وقبره بوادي شيشاوة من عمل مراكش.
14– أبو الغمر السائب بن عبد الله بن السائب الأنصاري القاضي الطنجي.
نزيل الحرمين. سمع بمكة على الصفي الطبري، وأخيه الرضي، بقراءة الوادي آشي مع الأقشهري. ذكر ابن فرحون في (نصيحة المشاور) أنّه قرأ عليه الفرائض والحساب، وأنه أقام بالمدينة مدة طويلةن ثُمَّ انتقل إلى مكة، فأقام بها على عبادة وكثرة طواف، حَتَّى إنه لايكاد يوجد إِلاّ فيه -يعني الطواف-، وذكر أنّه طاف يوما، ثُمَّ خرج من المطاف، ودخل دهليز الفقيه خليل المالكي، ثُمَّ دعا بفراش واستقبل الكعبة، ثُمَّ قضى رحمه الله، وذلك في رمضان سنة 718هـ، وصلى عليه القاضي نجم الدِّين الطبري، وتبع جنازته خلق لايحصون.
15– محمَّد بن محمَّد ين عبد الرحمن الحسيني الإدريسي الفاسي.
نزيل مكة. استوطنها سنة 687هـ، وسمع بها وبمصر والمدينة. توفي بمصر سنة 719هـ.
16– محمَّد بن محمَّد بن محمَّد بن إبراهيم بن حُريت العبدري السبتي.
مولده بسبتة في العشر الأوّل من ربيع الأوّل عام 641هـ، وفيها نشأ وحصَّل، وصار خطيبها وإمامها. برع في القراءات والحديث والفقه والنحو، ولزم الإقراء في الفقه ثلاثين سنة. خرج من بلده بغية الحج والمجاورة إلى الموت، وباع كتبه ألف دينار، ووقف أملاكه على جامع سبتة، واستصحب معه ما قام بأمره إلى حين وفاته. حدث بمكة والمدينة، وسمع منه أعيان من بهما. سمع منه كتاب الشفا شمس الدِّين محمَّد بن أحمد الششتري، والشيخ خليل المالكي،…
كانت إقامته بالحرمين نحو سبع سنين، ما يتناول فيها من أحد شيئا. وكان كثير الإيثار والشفقة على الغرباء. توفي بمكة سنة 722هـ، ودفن بالمعلاة.
17– سعادة المغربي
أقام بمكة والمدينة مترددا بينهما. وأكثر إقامته بمكة في رباط الموفق، وبها توفي سنة 730هـ. من أرباب التصوف.
18– أبو محمَّد عبد الله بن عبد الواحد بن إبراهيم المجاصي.
الشّيخ الخطيب الصالح، الشهير بالبكَّاء أيام مجاورته بمكة المكرمة. عالم الصلحاء، وصالح العلماء، وجليس التنزيل، وحليف البكاء والعويل. توفي سنة 741هـ.
19– محمَّد بن ثابت الأنصاري المراكشي.
كانت له معرفة بالقراءات السبع، قرأها على شيوخ مكة. وكان يؤدب الأطفال بمكة عند باب أجياد. توفي بمكة سنة 749هـ.
20– عبد الملك بن علي الصنهاجي المراكشي.
جاور بمكة. توفي سنة 771هـ.
21– يوسف بن محمَّد بن محمَّد الطنجي.
المؤدب بالحرم الشريف. أقام بمكة أكثر من ثلاثين سنة. كان فقيها صالحا عابدا ورعا زاهدا كريما محسنا إلى الفقراء. وكان سيخ الفقراء برباط ربيع؛ بيَّض الرباط، وعمَّر فيه أماكن، وعمل فيه صهريجا من ماله.
مات بالمدينة سنة 775هـ، ودفن عند شهداء أُحد.
22– أبو عبد الله محمَّد بن عبد الله بن محمَّد بن إبراهيم اللواتي ثُمَّ الطنجي المعروف بابن بطوطة.
الرحالة المغربي المشهور، غلبت عليه الثقافة الشرعية والأدبية. كانت رحلته المدونة سجلا حافلا بكل ما رأى وسمع وعمل في البلاد الَّتي زارها، والفيافي الَّتي قطعها. أرخ لمجاورته بمكة في رحلته بسنة 728هـن وذكر الرباطات والمدارس الَّتي سكنها أيام المجاورة؛ كرباط الموفق الَّذي وصفه بأنه أحسن الرباطات، والمدرسة المظفرية الَّتي قطنها مدة من جواره .
23– أبو محمَّد موسى بن علي بن عبد الصمد المراكشي.
العلامة القدوة، الخير الصالح، المشارك في الفقه وغيره. ورد مكة في سنة 763هـ حاجا على طريق الصحراء مع التكاررة، وتوجه بعد حجه إلى المدينة، فأقام بها سنة 764هـ، ثُمَّ عاد إلى مكة واستوطنها، وصحب بها الشّيخ عبد الله اليافعي مدة، وسمع منه كتاب الرسالة للقشيري، وحدث به عنه. وتأهل بابنة اليافعي، ورزق منها أولادا، كما تأهل بالمدينة بابنة بنت القاضي بدر الدِّين ابن رحون. حدَّث ودرَّس وأفتى بالحرمين الشريفين، مع غزارة العلم، وأهلية النظر والترجيح، والعبادة الكثيرة، والورع الشديد الدائم. انتفع به في العلم جماعة؛ فأخذ عنه الفقه والعربية بمكة أحمد بن علي الحسني الفاسي المكي. وقرأ عليه القراءات بها محمَّد بن عبد الرحمن الرعيني الأندلسي نزيل مكة. توفي بمكة سنة 789هـ، ودفن بالمعلاة.
24– أحمد بن محمَّد المغربي المالكي.
نزيل مكة. جاور بها مدة، وكان خيرا فاضلا عارفا بالفقه، تذكر له كرامات. توفي سنة 810هـ.
25– إسماعيل بن عمر المغربي.
نزيل مكة. جاور من سنة 801هـ إلى وفاته سنة 810هـ. وقد ذهب في بعض السنين إلى المدينة زائرا، وأقام بها وقتا. وكانت سكناه برباط الموفق.
26– أبو محمَّد عبد القوي بن محمَّد بن عبد القوي البجائي.
مغربي الأصل والمولد والنشأة. نزيل مكة، جاور بها أزيد من ثلاثين سنة، وولد له بها عدة أولاد. سمع بمكة من النشاوري، وسعد الدِّين الإسفراييني وغيرهما. وأخذ بها عن الشّيخ موسى المراكشي وغيره.
درَّس بالحرم الشريف، وأفتى باللفظ قليلا تورعا. وكان ذا معرفة بالققه، يستحضر كثيرا من الأحاديث والحكايات والأشعار، وله حظ من العبادة والخير.()
توفي بمكة سنة 816هـ، ودفن بالمعلاة، وحمل نعشه الأعيان من أهل مكة تبركا به.
27– خالد المغربي المالكي.
جاور بمكة أوقاتا كثيرة من سنين كثيرة. وكان في أثناء تلك السنين الَّتي جاور يقيم أشهرا من كل سنة بوادي ليَّه بقرية هناك، ويحج في غالب السنين.
كان له حظ من العلم و العبادة والخير، حسن السمت، وللناس فيه اعتقاد حسن. توفي بمكة في سنة 817هـ، ودفن بالمعلاة.
28– داود بن موسى الغماري الفاسي.
نزيل الحرمين. سكن مكة مدة نحو عشرين سنة، وإقامته بالمدينة أكثر. وله بمكة ابنة وملك. وكان كثير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. توفي سنة 820هـ.
29– أبوبكر عبد الرزاق الدكالي المالكي.
نزيل مكة. قدم إليها في سنة 801هـ، وجاور بها بضعا وعشرين سنة. كان كثير الخير والورع والصلاح، ملازما للصلاة والطواف والصيام، مجتهدا في العبادة. له معرفة بمذهب مالمك. وكان للناس فيه اعتقاد جميل.
توفي بمكة سنة 827هـ، وصلى عليه عند الكعبة المشرفة عقيب صلاة الظهر، ودفن بالمعلاة، ومشى في جنازته أعيان مكة.
30– محمَّد بن موسى الغماري.
شيخ رباط الموفق بمكة. قدم مكة سنة 780هـ وهو ابن أربع وعشرين سنة. زار المدينة وجاور بها أشهرا. استقر بمكة وتزوج بها، ورزق أولادا. كان يأتيه ُبر من المغرب يقيم به أوده وأود عياله، ويبر منه غيره. كان كثير العبادة وأفعال الخير. ولي مشيخة رباط الموفق والنظر في مصالحه سنين كثيرة، ولم يكن يعارضه فيما يختاره في ذلك أحد من قضاة مكة. وكان صاحب مكة الشريف حسن بن عجلان يكرمه ويشفعه كثيرا. توفي سنة 827هـ.
31– عيسى بن يحيى الريغي المغربي المالكي.
نزيل مكة. جاور بها سنين كثيرة تقارب العشرين، وتأهل فيها بنساء من أعيانها، ورزق بها أولادا، وبها توفي سنة 827هـ، ودفن بالمعلاة.
سمع الحديث بمكة على جماعة من شيوخها والقادمين إليها. وكا معتنيا بالعلم نظرا وإفادة، وله في النحو وغيره نباهة. وكان خيرا متعبدا، كثير السعي في مصالح الفقراء الطرحى، وجمعهم من الطرقات إلى المارستان المستنصري بالجانب الشامي من المسجدالحرام. وربما حمل الفقراء المنقطعين بعد الحج إلى مكة من منى. ويحصِّب حاشية المطاف بالمسجد، ويقوم بما يجب في ذلك لمن يحمل الحصباء لهذا المحل.
32– محمَّد بن سلبمان بن داود الجزولي.
فقيه سوسي، ولد بجزولة سنة 806هـ، واشتغل بها ستة عشر عاما في الفقه والعربية والحساب. درس على شيوخ فاس، وخرج للحج، وأقام بالمشرق مدة من أربعين عاما، دخل مكة سنة إحدى وأربعين، ثُمَّ سار منها إلى المدينة، ثُمَّ عاد إلى مكة، فكان من أعلام التدريس بها، مع الإفتاء. وكان بارعا في الفقه والأصلين، متقدما في العربية.
رجع إلى مدينة فاس، وتوفي بها سنة 863هـ.
33– أبو سالم إبراهيم بن محمَّد بن علي التازي.
أصله من تازة بالمغرب الأقصى. رحل إلى المشرق وحج وجاور بمكة، وأخذ عن أعلامها؛ مثل قاضي المالكية تقي الدِّين محمَّد بن أحمد الحسني الفاسي، قرأ عليه كثيرا من الحديث والرقائق، وأجازه.
من أهل المعرفة التامة بأصول الدين، متضلع في علوم القرآن، مقدم في علم اللسان، حافظ للحديث، بصير بالفقه وأصوله. له تقاييد في الفقه والأصول وعلم الحديث.
كان أحسن النَّاس صوتا، وأنداهم قراءة. ذُكر أنّه أيام مجاورته إذا قرأ البخاريّ أو غيره انحشر النَّاس إليه لحسن قراءته وجودته. وصلى الأشفاع هناك في رمضان بالناس لحسن تلاوته وطلاوة حلاوته. توفي تاسع شعبان سنة 866هـ.
34– أبو الحجاج يوسف بن عيسى الشريف الفجيجي.
الولي الصالح، ذو الكرامات الظاهرة، والأقوال الزاهرة. لقيه محمَّد بن عسكر الحسني الشفشاوني سنة 955هـ، وصحبه مدة، وانتفع بصحبته. توجه إلى المشرق سنة 957هـ، وأقام بمكة حاجا ومعتمرا ست عشرة سنة. أخذ عن الشّيخ الحطاب وغيره بمكة.
35– أبو العبّاس أحمد بن محمَّد أدَفَال السوساني الحسني.
الدرعي منشأ ووفاة. الشّيخ العارف العالم المحقق، الجامع بين الشريعة والحقيقة، مقدم الطريقة الزروقية. رحل إلى المشرق، ولقي مشايخ مصر ومكة والمدينة؛ منهم بمكة سيدي بركات، وأخيه سيدي يحيى الحطابيين…وأجازه جماعة منهم.
توفي رحمه الله سنة 1023هـ.
36– أبو سالم عبد الله بن محمَّد بن أبي بكر العياشي.
الإمام الرحلة الأديب، الماهر الحافظ الحجة. تلقى العلم ببلده درعة وفاس، ورحل إلى المشرق، وحج مرارا، وجاور بمكة المكرمة.() وأخذ عن شيوخ الحرم وغيرهم ممن حفلت بهم رحلته (ماء الموائد).
كان رحمه الله من أهل الخير والصلاح، متسما بالزهد والورع. وله تآليف حسنة، وأنظام كثيرة. ولد عام 1037هـ، وتوفي عام 1090هـ.
37– أحمد بن محمَّد بن أحمد بن ناصر الدرعي.
الشّيخ الإمام السني الأورع الأزهد، الصوفي المحقق، الجامع بين الشريعة والحقيقة. حج وجاور، ولقي مشايخ الحرمين، واستفاد منهم واستفادوا منه، وأجازوه في جميع فنون العلم. له رحلة مفيدة ذكر فيها مشايخه بالحرمين والشام واليمن والعراق ومصر..
توفي رحمه الله سنة 1129هـ.
38– محمَّد بن محمَّد بن عبد الله الورزازي الدرعي.
الفقيه المحقق المشارك في فنون شتى؛ فقها وحديثا وعربية ومنطقا وبيانا…ذو دين متين، شديد في اتباع السنة واجتناب البدعة. تصدر للتدريس بزاوية سيدي حسين بن ناصر في درعة، فنفع الله به، وشرح لامية الزقاق، والمقنع، وغيرهما.
رحل إلى الحج، وجاور بمكة، وتوفي بها يوم الأحد الأوّل من جمادى الأولىعام 1176هـ، ودفن قرب الإمام أبي جعفر الطبري في جهة أبي طالب ناحية باب المعلا.
39– عبد الواحد بن عبد الرحمن الشبيهي الجوطي الحسني.
رجل صالح، وولي واضح. رحل إلى الحج، وجاور بمكة سنة، ثُمَّ رجع إلى المغرب، وعمَّر زاوية جده بزرهون، ولزمها متبعا للسنة، متجنبا ما فيه شبهة.
كان بقيد الحياة عام 1186هـ.
40– أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله الجشتيمي.
الإمام الجليل، والعلامة الكبير. له اليد الطولى والباع الواسع في كل علوم عصره، ريان من علوم اللغة وعلوم الشريعة على السواء. ملأ بعلمه وصلاحه وسمعته نواحي أصقاع سوس، فطأطأت له الرؤوس إكبارا وإجلالا.
فاض عليه الشوق، ونزعت به همته إلى أداء فريضة الحج عام 1279هـ، فحج، وجاور في الحرم المكي سنة كاملة، تأتى له فيها ملاقاة علماء الحرم، واستجازة الكثيرين منهم. بل رفع إليهم قصيدة نونية يستفتيهم فيها عن مسائل عمت بها البلوى في (سوس) مثل: بيع الثنيا، وأجرة الطلبة الَّذين يشارطون في المساجد والمدارس، وأجرة الفقهاء المحكمين في النوازل حين يأخذون من المحكوم له ما يتراضون معه عليه على ما هي عادة فقهاء البوادي، وأجرة المفتين كذلك.
وعرف من العلماء الَّذين قدم إليهم السؤال مفتي المالكية بمكة المكرمة الشّيخ الحسين بن إبراهيم، ولم أقف على اسم آخرين أحدهما من فقهاء الحنفية، والآخر من فقهاء الشافعية. وقد أثبت صاحب المعسول جزءا من قصيد السؤال، ومطالع قصائد أجوبة العلماء الثلاثة في كتابه (المعسول)، وأدرج بقية الأسئلة والأجوبة في (المجموعة الفقهية). توفي رحمه الله سنة 1327هـ.
41– أبو العبّاس أحمد بن محمَّد بن الحسن بناني الرباطي.
الفقيه المشارك المتفنن، الخطيب المصقع، الماهر في علم النحو والتوثيق. أخذ العلم عن مشايخ الرباط، وله عدة مؤلفات.
حج سنة 1283هـ، وجاور بمكة سنة كاملة، أجازه فيها بالبخاري رفيقه في الحج أبو إسحاق التادلي. وحج ثانيا سنة 1292هـ، فحضر دروس الشّيخ عليش بمصر، والشيخ حسين الأزهري مفتيهم بمكة، والشيخ حسب الله بها، وأبي عبد الله الدراج بالمدينة…توفي رحمه الله عام 1340هـ، ودفن بالزاوية الناصرية بالرباط.
42– أبو شعيب بن عبد الرحمن الصديقي الدكالي.
من بيت علم وفضل وصلاح، تعدد فيه العلماء. تلقى العلوم الشرعية والعربية ببلده المغرب، ثُمَّ رحل إلى المشرق، ومكث بمصر مدة طويلة، درس فيه العلم على جمهور من رجال المشيخة بالأزهر؛ مثل: سليم البشري، محمَّد محمود الشنقيطي، محمَّد بخيت المطيعي،…ثم انتقل إلى مكة بطلب من أميرها الشريف عون الرفيق، الَّذي أكرمه وبالغ في احترامه وتعظيمه.وكان يقدمه في مجالس العلماء، فأحرز بذلك مكانة جليلة، وشهرة بعيدة. وولاه الوظائف كالخطابة في الحرم المكي، والإفتاء في المذاهب الأربعة. وكان في كل ذلك مثال الرَّجل الجليل الشهم في حسن عقيدة، وجمال سمت، وطهارة وعفة.
جاور بمكة مدة مديدة، وأخذ عن جل علمائها، واستجاز كثيرا من شيوخ العلم، فصار إماما في علوم الحديث والسنة وفقه الآثار، آية في علوم القرآن ومعارفه، متمكنا في العلوم العربية وأنواعها، ملازما لنشر العلم والدؤوب على تدريسه.
عاد إلى المغرب سنة 1325هـ، وقصد فاسا لنشر دروسه الحديثية القائمة على نصر السنة وإماتة البدعة، ومقاومة الخرافات والأباطيل،…إلى أن وافاه أجله ليلة السبت 8جمادى الأولى عام 1356هـ، وشيعت جنازته في حفل رهيب حضره العلماء والأشراف إلى مرقده الأخير بالضريح المكي بالرباط.
43– الحاج مسعود بن أحمد بن إبراهيم الوفقاوي.
الأستاذ الكبير، شيخ المدرسة الإغيلالنية. حصل علوم اللغة والشريعة في مدارس سوس بعد رحلة علمية رجع فيها إلى مدرسة إيغلالن ريان بالمعارف، متوجا بالتقوى، مشارا إليه بالشفوف على الأقران.
في سنة 1325هـ نزل في الحرمين الشريفين لأداء فريضة الحج والأخذ عن العلماء، فجاور هناك سنة يأخذ فيها عن العلامة الشّيخ أبي شعيب الدكالي الشمائل وألفية ابن مالك، ثُمَّ رجع بحجتين.
وظل رحمه الله يرفع راية التدريس بالمدرسة الإيغلالنية إلى أن توفاه الله ليلة الجمعة 11 محرم عام 1366هـ، وكانت ولادته عام 1295هـ.
44– الحاج محمَّد الحبيب بن إبراهيم التنالتي.
العلامة الجليل، الشّيخ البركة النفاعة، الصالح المدرس طوال عمره. جال في أقطار المشرق العربي، وثافن كل من لاقاهم من العلماء واستجازهم. حج ثلاث حجات؛ الأولى عام 1331هـ، والثانية عام 1352هـ، والثالثة عام 1369هـ. وجاور سنة كاملة، واظب فيها على دروس الشّيخ ابن مايابا الجكني لمدة ستة أشهر.
ملأ هذا العالم بلاد جزولة بالذكر الجميل، وكان فيها مثلا أعلى في الصلاح والجهاد والإرشاد، وقدوة مثلى للعلماء العاملين، اتشحت بعض مدارس سوس الآن ببدور من تلاميذه، ينشرون العلم والمعرفة… توفي رحمه اللع عام 1397هـ.
الفئة الثانية:
45– أبو العبّاس الغماري.
الصالح المبارك، جاور وسكن رباط ربيع، وتوفي بمكة
46– أبو مروان الدكالي.
قال: كنت مقيما بمكة.
47– أبو يعقوب يوسف.
من بادية سبتة، كان خادما للشيخين علي بن رزق الله الأنجري، وأبي العبّاس الغماري المجاوريْن بمكة، فلما توفيا صار شيخ الرباط بعدهما.
48– إسماعيل الصنهاجي المغربي.
هاجر بلده أوّل سنة 700هـ، فأقام بمصر، ثُمَّ تأهل، ثُمَّ جاور بمكة، ثُمَّ المدينة. وكان مسنا متعبدا ملازما للصف الأول، مقيما برباط دكالة.
49– حسن المغربي المجنون.
قال ابن بطوطة: كان بمكة أيام مجاورتي بها، وأمره غريب، وشأنه عجيب. وكان قبل ذلك صحيح العقل، خادما لولي الله نجم الدِّين الأصبهاني أيام حياته. وأظن بلده مدينة أسفي.
50– عبد المومن بن خليفة الدكالي.
نزيل مكة.
51– عبد الواحد بن حسن الدرعي الصنهاجي المغربي.
كان يجاور بالمدينة ومكة مدة طويلة، ومات بمكة. كان صالحا، كثير الميل والإحسان إلى الفقراء.
52– علوان المغربي.
من عرب المغرب. جاور في الحرمين بعد أن تاب وصاحب الصالحين، وكأنه عاد إلى بلده.
53– علي بن رزق الله الأنجري الطنجي.
الفقيه الزاهد، جاور بمكة أعواما، وبها وفاته. كان له بيت في المدرسة المظفرية يعلم العلم فيها نهارا، ويأوي بالليل إلى مسكنه برباط ربيع.
54– عمر بن سالم بن بدر السراج الوراغلي المغربي.
نزيل الحرم المدني. حج فأقام بالحرمين دهرا حَتَّى مات. كان صالحا زاهدا. كان بقيد الحياة عام 767هـ.
55– عيسى بن حزرون المكناسي.
جاور بمكة سنة 728هـ. خرج إلى حراء مع جماعة من المجاورين…فتاه عنهم…ثم أوصله أعرابي إلى مكة…وأقام نحو شهر لايقوم على قدميه …
56– محمَّد الجزولي الفاسي.
قاطع طريق. تاب، ورحل فحج، وأقام أربعين عاما يختلف من مكة إلى المدينة، إلى القدس، ثُمَّ رجع وتوفي في فاس.
57– أبو عبد الله محمَّد بن محمَّد السبتي.
الفقيه. كان يؤم بمقام المالكية نيابة. ولعله أبو عبد الله التوزري السقطي نائب المالكية كما في تعاليق الميورقي حيث قال: جاور بمكة نحو عشرين سنة.كان حيا سنة 710هـ.
58– أبو محمَّد بن جماح السبتي.
جاور بمكة، وأخذ عنه بها ابن قطري السبتي (ت501هـ).
59– سعيد الدكالي المغربي.
نزيل مكة. كان عالما فقيها، حيا بعد التسعين وثمانمائة.
60– أبو عبد الله محمَّد بن الحسن الوزروالي.
  الأستاذ. كان ممن رحل إلى الحجاز، وجاور بمكة، ولقي الشّيخ الفقيه محمَّد بن محمَّد الحطاب (ت 954 هـ).
  أثر المجاورين المغاربة العلمي
  كانت مكة منذ بزوغ فجر الإسلام -وما تزال- أهم مركز لاستقطاب المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها. يقصد حرمها من فاض عليه الشوق، واستجاش قلبه للتقوى، وسكنه الحنين إلى البيت العتيق؛ أداء لنسك حج أو عمرة، أو رغبة في اللوذ ببيت الله والاستجارة بحرمه الآمن…
  ويتفيأ ظلالها من اغترب وهجر الأهل والأوطان، وكال تراب الأرض بالأقدام، أملا  في العلم والتحصيل، والمرابطة في مجالس الإقراء والتدريس…
  ويجد في جنباتها من هدَّه الجهد، وأضناه الزمن، ونهكته الفتن، وحاق به الهلاك، ما يرأب صدعه، ويهدئ روعه، ويؤمن خوفه، من سكن وسلام، وأمن واستقرار، وكرم وإيثار، فتسترد الجسوم أنفاسها، وتستعيد النفوس آمالها، وتسترجع القلوب صفاءها،  وهي تستشعر قربها من الله في بيته الحرام…حيث الأمن والأمان، والسكينة والوئام.
  ذلك وعد الله الَّذي يتحقق منذ زمن إبراهيم عليه السلام إلى اليوم والغد، وما تزال أفئدة النَّاس تهوي إلى البيت الحرام، وترف إلى رؤيته والطواف به… الغني القادر يجد الظهر يركبه، ووسيلة الركوب المختلفة تنقله، والفقير المعدم الَّذي لا يجد إِلاّ قدميه، وعشرات الألوف من هؤلاء يتقاطرون من فجاج الأرض البعيدة تلبية لدعوة الله الَّتي أذن بها إبراهيم عليه السلام منذ آلاف الأعوام.
  وأهل المغرب الأقصى ممن سكنهم حب بيت الله العتيق، واكتوت جوانحهم بنيران الشوق إلى رحابه، والتملي بطلعته البهية، والاستجارة بأنواره وألطافه، فضربوا آباط الإبل إلى تلك المقامات، وأسسوا الرباطات والمحطات في الطريق، لينزلها ركب الحاج المغربي في الذهاب والإياب، إرضاء لمشاعر الحب والإيمان، ونيلا لرضوان الله الأكبر.
  أثمر جوار هؤلاء المحبين ببيت الله الآمن، وبورك فيه قُربة وطاعة، وأخذا وعطاء، وتأثرا وتأثيرا، وتفاعلا واندماجا. احتضنهم الحرم المبارك، ووفر لهم ماأملوا ورغبوا، وحقق لهم ما راموا وقصدوا، فاندمجوا في محيطه حَتَّى عدوا من العناصر الفاعلة فيه…
شاركوا في تنمية الحركة العلمية في حاضرة أم القرى، وساهموا في تطوير المعارف والعلوم في ربوعها، وحلقوا في آفاق العلم أخذا وسماعا، إقراء وتعليما، إمامة وخطابة، قضاء وفتيا…
التلقي والسماع
  ففي مجال التلقي والسماع، والطلب والتحصيل، يلمس الباحث حرصهم الأكيد على ملاقاة العلماء والشيوخ، والجثو على ركوبهم في مجالسهم في الحرم، أو في الرباطات، أو في البيوت، وتكثير المشيخات العلمية رواية ودراية، مع ما قد يكون لهم -أو لبعضهم- من زاد معرفي مكين، حصله في حواضر العلم بالمغرب، أو بغيرها مما يقع في طريقه إلى الحجاز.
  فالرحلة لأداء النسك في مخيلة مجاوري المغرب الأقصى لاتكاد تتمحض للنسك وحده، بل غالبا ما تكون مشفوعة بالرغبة في الطلب، والشوق إلى تغذية العقل والروح معا، والجمع بين التحنث بشعيرة الحج والاعتمار، والتروية بأنوار العلوم والمعارف السائدة هناك، خاصة إذا كان أهلها ممن نذروا أنفسهم للتفقه في دين الله… ومن ثُمَّ ينزعون إلى اغتنام موسم الحج الَّذي تلتقي فيه مطالب الدنيا بمطالب الآخرة، ويقدم إليه من أطراف العالم الإسلامي طوائف من أهل العلم، فيلتقون في موسم الخير والعلم والفلاح؛ موسم الاجتماع والتعارف والتنسيق، ومؤتمر التعاون والتشاور والتوحيد…فتتهيأ فرص اللقاء بالمشايخ، وسماع ما في جعبهم من معارف وفنون. فتراهم يقصدون حلقات: أبي مكتوم عيسى بن أبي ذر الهروي، أو أبي عبد الله الطبري، أو أبي الحسن سعد الله الخير الأندلسي، أو أبي بكر بن طرخان، أو أبي عبد الله إسماعيل بن علي بن أبي الصيف، لسماع دواوين العلم الشريف مثل: صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وجامع الترمذي، وسنن أبي داود…وكان بعض المجاورين من أهل الغرب الإسلامي مصدرا للطلبة المغاربة في الإقراء والإسماعومن أشهر هؤلاء المجاورين المقصودين عند المغاربة رزين بن معاوية السرقسطي إمام المالكية.ولم يقتصر طلبهم على الحديث، وإنما انخرطوا في دروس القراءات، والتفسير والفقه والمواعظ والرقائق
وقد دفعهم حب المعرافة إلى استثمار فرص تردد جلة أعلام الأمة وجهابذتها إلى الحرمين الشريفين فاستجازوهم فيما يحملون من معارف، وما يروون من كتب ونصوص، فأذنوا لهم في روايتها وإسماعها، فكان ذلك التقليد شهادات علمية تفتقت عنها الرحلة، وبلغت بأصحابها ذرى العلم والمجد، وسامي المناصب والمقامات.
الإقراء والتدريس
  ندبت طائفة من مجاوري المغرب الأقصى نفسها للإقراء والتدريس، وبث ما في حناياها من كنوز العلم والعرفان، سيما من كان من ذوي التفنن في العلوم، والمشاركة في الفنون. وجدت في الحرم الآمن آذانا صاغية، وقلوبا واعية، وعقولا متفتحة، فانطلقوا يدرسون ما يجيدون، ويلقنون ما يعلمون، وينقحوم ما يحملون،…فكان لجوارهم أثر في تنشيط الحركة العلمية على طوال القرون، والدفع بها إلى الأمام في آفاق رحبة من التطور والتنوع والتأثير،…وخير شاهد على هذا التفاعل المؤثر كتب الرحلات التي دونها من المغاربة العبدري، وابن بطوطة، والعياشي، وآخرون.
  فالدور الثقافي الَّذي نهض به المجاورون المغاربة، وأسهموا به في بلورة الحياة العلمية بمكة، يكاد يحتل الصدارة من بقية الأدوار الأخرى. فممن أسعدهم الحظ بالإقراء في رحاب المسجد الحرام: المحدث الراوي، الفقيه الأصولي المتكلم، أبو الحسن علي بن محمَّد المعروف بابن الحصار، الذائع الصيت في حلقات العلم بالحرمين الشربفبن. وإمام سبتة وخطيبها محمَّد بن محمَّد بن حُريث العبدري، الَّذي حدث بمكة وطيبة، وسمع منه أعيان من بهما. ونزيل مكة ودفينها، العلامة المشارك، أبو محمَّد موسى بن علي المراكشي، الَّذي تصدر للقراءات والفقه والعربية، فانتفع بدروسه بمكة خلق كثير. وتلميذ هذا الأخير، الفقيه المتفنن، أبو محمَّد عبد القوي البجائي، المدرس بالحرم الشريف. وفقيه سوس محمَّد بن سليمان الجزولي، من أعلام التدريس بمكة، البارعين في الفقه والأصلين، المتقدمين في العربية.
  وإلى جانب التصدي للإقراء والتدريس، نجد من المجاورين المغاربة من انتصب لتأديب أولاد المسلمين، فعرفنا من هؤلاء المؤدبين؛ يوسف بن محمَّد الطنجي، المؤدب بالمسجد الحرام. ومحمَّد بن ثابت الأنصاري المراكشي، الَّذي كان يؤدب الأطفال عند باب أجياد.والفقيه علي بن رزق الله الأنجري الطنجي، الَّذي له بيت في المدرسة المظفرية يُعلم العلم فيها نهارا..
الإمامة والخطابة والفتوى
  أهَّل بعضَ المجاورين المغاربة ما حصلوه من معارف في بلدهم، وما اكتسبوه من ألقاب علمية شريفة، ومراتب اجتماعية سَنية، -أهلهم كل ذلك لأن تسند إليهم بعض الخطط الدينية؛ كالإمامة والخطابة والفتوى، فمارسوها بجدارة واقتدار، وقاموا بحقها أحسن قيام، وسدوا من خلالها بابا احتاج إليه المتمذهبون بالمذهب المالكي.
  فممن تولى إمامة المالكية بالحرم الشريف: أبو الحسن علي بن عبد الله المكناسي،وأبو علي منصور بن حمزة المجاصي المكناسي، ومحمَّد بن عبد الله بن الفتوح المكناسي، وأبو سالم إبراهيم التازي. ومنهم من جمع بين الإمامة والخطابة كأبي شعيب بن عبد الرحمن الدكالي. ومنهم من تولاها بالنيابة كأبي عبد الله محمَّد بن محمَّد السبتي.
  أما المشتغلون بالفتوى، فعُرف منهم أبو محمَّد موسى بن علي المراكشي، وأبو محمَّد عبد القوي البجائي، ومحمَّد بن سليمان الجزولي، وأبو شعيب الدكالي المتقدم. كما أن منهم من صدع بالحق، وناهض البدع والخرافات والشركيات، واتشح بسلاح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ مثل داود بن موسى الغماري الفاسي (ت820هـ)، وأبو شعيب الدكالي المذكور قريبا.
  ولا شك أن هذه الوظائف الدينية تمكن القائمين عليها من تبليغ شرع الله، وأداء رسالتهم العلمية في الحياة، وتوجيه فئات المجتمع المختلفة، مما يعود بالنفع على الحركة العلمية في حاضرة أم القرى ومن حولها.
  ولا شك أن القيام بهذه المهام العلمية في المجالات المختلفة لمما يدعم الحركة العلمية، ويعمل على تنشيطها على مدار العام، ويجعل مكة قبلة طلاب العلم والمعرفة، ومركز استقرار العلم والعلماء، فتنتعش الرحلة، ويزكو العلم، ويتجاوز مداه حدود الحرم، فتصل أصداؤه إلى المراكز العلمية المنبثة في الرقعة الإسلامية، فتتفاعل مع هذه الأصداء، ويحدث التجاوب والتلاقح والتأثير، فتحصد الأمة من كل ذلك خيرا كثيرا، ونفعا عميما، يجسد في أعماقه ما قدمته مكة في تاريخها العلمي الطويل للأمة -وما زالت تقدم- إلى يوم النَّاس هذا…
أثر المجاورين المغاربة الاجتماعي
  لم يكن المغاربة المجاورون بمكة المكرمة يعيشون في جماعات منعزلة منطوية على نفسها، طاوية أحشاءها على ما تحمل من هموم وآمال، نادية حظها العاثر في صمت وسكون، وإنما كانوا يعيشون في المجتمع المكي بروح وثابة، ونفس منفتحة، وعقل حركي فعال. اندمجوا في المحيط الجديد، وتأقلموا مع ظروفه وأحواله، وتجاوبوا مع متطلباته وحاجاته، ولسان حالهم يترجم الإحساس بوحدة المصير، والعمل على توجيه مسيرة المجتمع نحو الخير والأمان، والبناء والنماء…
ومما يعكس اجتماعهم، ويصور انصهارهم في أجواء المجتمع، وتفاعلهم مع فئاته:
الاستغناء عن الأسباب والتفرغ للعبادة
  من المجاورين المغاربة من هجر الأسباب، وعزفت نفسه عن الاحتراف والتكسب، ونزعت به همته إلى التفرغ للعبادة، والانصراف الكلي إلى القربات والطاعات،…فهذا أبو الغمر السائب بن عبد الله الطنجي الَّذي أقام بمكة على عبادة وكثرة طواف، حَتَّى إنه لايكاد يوجد إِلاّ في الطواف، وقد صعدت نفسه إلى بارئها وهو يطوف. ومثله شأنا وقصدا أبو بكر عبد الرزاق الدكالي الَّذي ضرب الأوتاد بجوار البيت، مجتهدا في الصلاة والطواف والصيام. وكذلك الشّيخ المنقطع، المسِن المتعبد، إسماعيل الصنهاجي المغربي، الملازم للصف الأول، المقيم المعتكف…
  ومنهم من هيأ نفسه من بلده، واتخذ ما يلزمه للانقطاع، ووطَّن نفسه على الاستغناء وتجنب الاحتراف، فكان ياتيه بُرُّ من المغرب، يقيم به أوده وأود عياله، ويصل به أصحاب الحاجات، كالذي صنعه محمَّد بن موسى الغماري، العابد الزاهد الصالح الخيِّر. أو خطيب سبتة وإمامها، الَّذي باع كتبه بألف دينار، ووقف أملاكه على جامع سبتة، واستصحب معه ما قام بأمره إلى وفاته.
  على أن الانقطاع إلى الله والتبتل إليه، وإن كان موجودا في البعض فليس هو القاعدة العامة، فإن عددا من المجاورين قد عرف من حاله ممارسته لحياته الأسرية والعادية من زواج وولادة وتربية، بل منهم من ارتبط بعلاقة مصاهرة مع عِلية أهل مكة؛ مثل: خادم ضيوف الرحمن العالم الصالح عيسى بن يحيى الريغي، الَّذي تأهل بنساء من أعيان مكة، ورزق بها أولادا، وكذلك العلامة المنقطع للدرس والإفتاء بحرم الله مكة، الشّيخ موسى بن علي المراكشي، الَّذي تأهل بابنة الشّيخ عبد الله اليافعي بمكة، ورزق منها أولادا، كما تأهل بالمدينة بابنة بنت القاضي بدر الدِّين ابن فرحون، وغيرهما ممن اندمج في المجتمع المكي، وزاول ما يزاوله النَّاس هناك…
الانخراط في العمل الاجتماعي الخيري
  تلك لفتة كريمة، وخلة أصيلة، شوهدت في كثير من المغاربة المجاورين، ألا وهي الاشفاق على الفقراء، والرفق بالضعفاء، والتسرية عن الغرباء والمكلومين، وتفقد أحوال المنشآت الدينية والاجتماعية كالرباطات والمدارس والمساجد، وتعهدها بما يلزم حَتَّى تؤدي وظيفتها في المجتمع، وتكون ملاذا أمينا لكل من قصدها من أرباب الحاجات…
  وقد أبلى المغاربة البلاء الحسن في هذا المجال، وأعربوا عما تنطوي عليه جوانحهم من سخاوة النفس، وطيب الخلق، وحب الخير، واصطناع المعروف. فكانوا الملاذ الأمين، والكنف الرؤوف، واليد الحانية لطوائف الفقراء والغرباء والمرضى والمطروحين، ونجتزئ من هؤلاء:
محمَّد بن محمَّد بن حريث العبدري (ت722هـ)
كان كثير الإيثار والشفقة على الغرباء،. أقام بالحرمين الشريفين سبع سين، ما يتناول من أحد شيئا.
عيسى بن يحيى الريغي (ت827هـ)
كان كثير السعي في مصالح الفقراء الطرحى، وجمعهم من الطرقات إلى المارستان المستنصري بالجانب الشامي من المسجد الحرام. وربما حمل الفقراء المنقطعين بعد الحج إلى مكة من منى.
ويُحصِّب حاشية المطاف بالمسجد الحرام، ويقوم بما يجب في ذلك لمن يحمل الحصباء لهذا المحل.  
يوسف بن محمَّد الطنجي (ت775هـ)
شيخ الفقراء برباط ربيع.كان صالحا عابدا ورعا زاهدا كريما محسنا إلى الفقراء. بيَّض الرباط، وعمَّر فيه أماكن، وعمل فيه صهريجا من ماله.
أبو محمَّد موسى المراكشي (ت789هـ)
كان كريم النفس، كثير الإيثار للفقراء.
عبد الواحد الصنهاجي الدرعي.
كان صالحا، كثير الميل والإحسان إلى الفقراء.
المشاركة في الشأن العام
  من مظاهر اندماج المجاورين المغاربة وحركيتهم في مجتمع مكة، مشاركتهم في إدارة الشأن العام، وتحمل بعض المسؤوليات الَّتي تخدم مسيرة الحياة بالبلد، وتدفع بها إلى مزيد من التنمية والعطاء.
فقد رأينا كيف صاهر بعضهم أهل مكة، وكيف اشتغلوا في حقل التربية والتعليم، والإمامة والخطابة والإفتاء، وكيف قدموا للمجتمع أعمالا اجتماعية خيرية. وكانت المشاركة العلمية والاجتماعية لبعضهم أساسا لفتح باب المشاركة السياسية والإدارية، خاصة من فئة تحظى بكثير من التقدير والتجلة من قِبل أمراء مكة، مما سوغ لهم بعض الدخل في الإلاء برأيهم فيما يساس ويدار…
قدم من مصر إلى مكة أبو شعيب الدكالي بطلب من أميرها الشريف عون الرفيق، الَّذي أكرم الشيخ، وبالغ في توقيره وتعظيمه، وقربه في مجالسه وقدمه، وأسند إليه بعض الوظائف والخطط الدينية، فأحرز بذلك مكانة جليلة، وشهرة بعيدة.
وقبله، كان الشّيخ محمَّد بن موسى الغماري، الَّذي كان أمير مكة الشريف حسن بن عجلان يكرمه ويشفعه كثيرا.
كما أن بعضهم تولى الإشراف على عدد من الرباطات، وأحسنوا إدارتها مثل: رباط ربيع، ورباط الموفق. وكان ممن تولى إدارة هذا الأخير محمَّد بن موسى الغماري، الَّذي نظر في مصالحه سنين كثيرة، ولم يكن يعارضه فيما يختار أحد من قضاة مكة.
والواقع أن بعض المغاربة نالوا هناك رضى الراعي والرعية، وكان لهم صيت عال، وتكريم بالغ، لعلمهم وأعمالهم ومشاركتهم.