الرئيسية / النظر العقلي في قواعد نقد المحدثين والخلل المنهجي في نقد المتن عند المعاصرين.

عدد المشاهدات 13

عدد التحميلات 1

عنوان المقال : النظر العقلي في قواعد نقد المحدثين والخلل المنهجي في نقد المتن عند المعاصرين.

الكاتب(ة) : د. عبد الهادي الخمليشي

النظر العقلي في قواعد نقد المحدثين
والخلل المنهجي في نقد المتن عند المعاصرين
د. محمد ناصيري
مؤسسة دار الحديث الحسنية

اهتم المحدثون النقاد ببيان ما يثبت من الوقائع والأخبار المتصلة برسالة الإسلام مما لا يثبت -سواء أكان صالحا للاحتجاج أم لا فهذا تقرره قواعد أصول الفقه، وسلكوا قواعد علمية واضحة امتزج فيها العقل والشرع امتزاجا يكاد يخفى فيه المعنى الشرعي لصالح النظر العقلي أحيانا.
لكن لعدم إدراك غير المتخصصين المنهج الذي صيغت به هذه القواعد وبنيت به، ولخفاء المعاني الكامنة في مفاهيم المصطلحات النقدية التي تختزل قواعد عقلية محضة أحيانا كثيرة، برزت أصوات عديدة من الباحثين تنادي بضرورة إعمال العقل في نقد متون الحديث؛ فذكرت مسوغات عديدة لهذه الدعوة، بل قدمت نماذج من الدراسات الحديثية، عرضت فيها ما رأته تناقضات لم ينتبه إليها النقاد المحدثون، وهو ما يؤكد بالنسبة إليها حاجة قواعدهم إلى مزيد الضبط، أو أن استسلامهم لنتيجة البحث الإسنادي تجعلهم يهابون مناقشتها.  
ولما كان الأمر متعلقا بالبيان الأول لكتاب الله، والمصدر الثاني للتشريع عند علماء الإسلام، وسعيا لمعرفة بناءة تروم البرهان على مدى سلامة منهج نقاد الحديث وعلميته دون الوقوع في التسويغ والدفاع، فإن هذا البحث سيمحص هذه الدعوى، ويناقش المناهج المعروضة، ويخضعها لمعايير البحث العلمي الموضوعي، نقدا لها وتقويما، وذلك من خلال نماذج تطبيقية، ابتعادا عن المناقشة النظرية. وقبل ذلك يجدر بنا أن نقدم تحليلا وتقويما لمنهج النقد عند المحدثين، لاستخلاص الشواهد على مدى علمية منهجهم النقدي للمتون، مبرزين ما يدل على النظر النقدي المتكامل الذي يجعل العقل معيارا في المحاكمة من خلال ضوابط عقلية وشرعية صارمة. وقد قسمت البحث إلى مبحثين:  الأول: مكامن النظر العقلي في قواعد نقد المحدثين والثاني: مباحثة نقدية في منهج نقد المتن عند المعاصرين . 
مكامن النظر العقلي في قواعد نقد المحدثين
أقصد بالنظر العقلي() العمليات العقلية التي تسلك في البحث العلمي بعيدا عن الخضوع للمسلمات التي لم تثبتها الأدلة العلمية المعتبرة، وتتمثل هذه العمليات بالأساس في ثلاثة أمور:
الأول: وضع كل الأسئلة التي تكشف التناقض والاختلاف الدالين على الكذب أو الخطأ أو الخلل.
الثاني: اعتماد المعطيات الواقعية والحقائق النفسية والعمرانية.
الثالث: اعتماد التحليل والتعليل والتفسير لمضمون الخبر.
وأقصد بقواعد نقد المحدثين: المعايير التي يعتمدها النقاد المحدثون لقبول الخبر واعتباره ثابتا، أو رده واعتباره مكذوبا أو خطأ أو فيه خلل.
ولتحليل هذه القواعد لاختبار مدى اشتمالها على النظر العقلي الذي يحمي المتن من الكذب وما يضر به، نميز بين القواعد الأصول وبين القواعد الفرعية، وهي الضوابط لدراسة كل منهما من خلال نماذج:
فالقواعد الأصول هي تلك المعايير الكلية التي تشتمل على صفة المقبول وصفة المردود، مثلا في الرواة نقول: كل راو قوبلت رواياته مع أقرانه المشهورين بالحفظ في شيخ من شيوخه المكثرين ووجدت موافقة دائما فهو الحافظ، فإن وجدت موافقة غالبا فهو الثقة لكن دون الحافظ المتقن فإن كثرت المخالفة لكن لم يغلب الخطأ الصواب فلا يقبل تفرده فإن فحشت المخالفة ردت روايته.
وفي المروي نقول: كل حديث اتصل سنده وعدلت نقلته وسلم من الشذوذ ومن العلل فهو صحيح.
فهذه القواعد لا تختص بحديث دون حديث ولا براو دون راو فهي أصول كلية تنطبق على كل ما يصلح أن يقاس بها.
أما الضوابط فتكاد تختص بكل راو وحده، وبكل حديث وحده، فمثلا :
قال أبو حاتم: “ما حدث معمر بن راشد بالبصرة ففيه أغاليط، وهو صالح الحديث. قال أبو بكر بن أبي خيثمة سمعت يحيى بن معين يقول: إذا حدثك معمر عن العراقيين فخالفه إلا عن الزهري وابن طاوس فإن حديثه عنهما مستقيم، فأما أهل الكوفة وأهل البصرة فلا، وما عمل في حديث الأعمش شيئا، ومعمر أثبت في الزهري من ابن عيينة، قال معمر: جلست إلى قتادة وأنا صغير فلم أحفظ عنه إلا الأسانيد، قال ابن معين: وحديث معمر عن ثابت وعاصم بن أبي النجود وهشام بن عروة من هذا الضرب مضطرب كثير الاوهام”().
فهنا خمسة ضوابط تتعلق برواية معمر بن راشد للحديث، فهو إمام استكمل شروط “الثقة” لكن تنزيل تلك القاعدة الكلية يتطلب استحضار هذه الضوابط المتعلقة بكل رواية من رواياته، فهي مشتركة بين المتن فيما يدل على إحكامه، والراوي فيما يدل على دخول الخلل في ضبطه أو التزيد عليه، على أنه لا انفصال بينهما عند النقاد كما سنرى؛ وهذه الضوابط هي:
الضابط الأول: ما روي عن معمر في البصرة مردود، ويلزم عن هذا أن النقاد يحصون عدد ذلك، وقد أحصوه وميزوه كما هو معروف؛ سُئِل الدارقطني عَن حَديث الزُّهْرِي عن أبي أمامة بن سهل: أن النبي أمر بأسعد بن زرارة، فكُوي، فقال: “هو حديث يرويه معمر، وزياد بن سعد، عن الزُّهْرِي، عن أبي أمامة، وحدّث معمر بالبصرة عن الزُّهْرِي عن أنس بن مالك، حدّث به عنه البصريون كذلك، منهم: يزيد بن زريع، وعَبد الأعلى، ووهم فيه، والصواب حديث أبي أمامة بن سهل”().
ففي هذا الخبر يتبين أن الدارقطني يعرف ما رواه معمر بالبصرة بل ويحصي من أخذ عنه هذا الحديث بالذات، وهذا أبلغ مثال في الضوابط الخاصة براو في نقد المتن، ولعل قائلا يقول إن الدارقطني انتقد أمرا له ارتباط بالسند وهو إبدال صاحب بصاحب، والجواب أن العناية بهذا الخطأ غير المرتبط بالأحكام يدل على ماله صلة بالأحكام كما سنرى من باب أولى، ثم بهذا الاختلاف يستدل على حال الراوي، فلا يستهان في دراسة حاله بأي اختلاف في أي موضع من خبره.  
الضابط الثاني: ما رواه عن أهل البصرة وأهل الكوفة فمردود، لكن ما رواه عن الزهري وابن طاوس فهو فيه حجة.
الضابط الثالث: حديثه عن الأعمش ضعيف.
الضابط الرابع: إذا اختلف معمر وابن عيينة في حديث الزهري يقدم معمر.
الضابط الخامس: لم يحفظ معمر من قتادة المتون بل حفظ فقط الأسانيد وبالتالي فمتونه عن قتادة ومن ذكروا في هذا النص غير محفوظة، وهذا قمة اعتبار نقد المتن من خلال نقد السند.
فهذه الضوابط الخمسة الخاصة بمعمر هي أصول في نقد حديثه تمس مروياته مطلقا عند انفراده وعدم وجود المتابع -من شاركه في تلك المرويات- من الحفاظ أو من توفرت فيه شروط التقوية، وكلها منطلقة من قواعد عقلية، وهي أن “التفرد مظنة الخطأ”() و”من كثرت أخطاؤه في أمر رجح خطؤه في نوعه حتى تدفع عنه المظنة”() من باب ما احتمل واحتمل سقط به العمل، والاحتمال هنا في الجانب الراجح وهو الخطأ، أما في الجانب الآخر فذلك مبناه الظن الراجح وهو الأصل عن كافة العقلاء، وإلا بطلت كل الأحكام إذ القطع فيها نادر والنادر لا حكم له.
فإذا وضح هذا التقسيم المنهجي ننتقل إلى تحليل قاعدة كلية من قواعد النقد، ونتخذ مثالا للدراسة قاعدة معرفة الصحيح والمنكر من الحديث عند التفرد.
وسبب اختيار هذه الحالة وهي حالة التفرد لأنها الحالة التي اختصت بأكبر قدر من القواعد والضوابط، فإذا أيقنا بأنهم أحكموا نقدها تبين أن غيرها من الحالات أحكم، ومنها حالة تعدد الطرق والرواة مثلا، ثم إن حالة التعدد ولو بوجود متابع واحد تؤكد صدق الخبر لقاعدة عقلية وهي: “التوارد على نفس الخبر من قبل اثنين فأكثر مع انعدام قرائن التواطؤ وأسبابه يدل على صدقه”()، وهذه القاعدة العقلية أحيطت بعدد من المحترزات في التطبيق ليس هنا محل بسطه. ولنبدأ بتحليل قاعدتي التفرد:
قاعدتا التفرد: لمعرفة من يقبل تفرده، ومن يرد تفرده وهو المنكر.
قال الإمام مسلم في مقدمة صحيحه: “وعلامة المنكر في حديث المحدث: إذا ما عرضت روايته للحديث على رواية غيره من أهل الحفظ والرضى خالفت روايته روايتهم، أو لم تكد توافقها، فإذا كان الأغلب من حديثه كذلك كان مهجور الحديث غير مقبوله ولا مستعمله… فلسنا نعرج على حديثهم ولا نتشاغل به؛ لأن حكم أهل العلم والذي نعرف من مذهبهم في قبول ما يتفرد به المحدث من الحديث أن يكون قد شارك الثقات من أهل العلم والحفظ في بعض ما رووا، وأمعن في ذلك على الموافقة لهم، فإذا وجد كذلك ثم زاد بعد ذلك شيئا ليس عند أصحابه قبلت زيادته، فأما من تراه يعمد لمثل الزهري في جلالته وكثرة أصحابه الحفاظ المتقنين لحديثه وحديث غيره، أو لمثل هشام بن عروة وحديثهما عند أهل العلم مبسوط مشترك قد نقل أصحابهما عنهما حديثهما على الاتفاق منهم في أكثره، فيروي عنهما أو عن أحدهما العدد من الحديث مما لا يعرفه أحد من أصحابهما وليس ممن قد شاركهم في الصحيح مما عندهم فغير جائز قبول حديث هذا الضرب من الناس والله أعلم”().    
يتضمن هذا النص قاعدتين: تميز الأولى الحديث المنكر وتميز الثانية المقبول من الحديث الذي تفرد به راو واحد. فلنحلل هذا النص لمعرفة القواعد العقلية التي يشتمل عليها قبل الخوض في القاعدتين:
بني النظر في القاعدتين على الاستقراء التام لأحاديث الراوي للتوصل إلى التعميم الذي ذكره الإمام؛ يدل على ذلك ما نص عليه من تمييز لعدد المخالفات التي بها ينال الراوي مرتبته في صفة الضبط، هذه الصفة التي يلزم عنها قبول ما يروي ضمن شروط أخرى طبعا، وأولها الشرط الشرعي وهو العدالة التي هي أصلا تشتمل على نظر عقلي().
وهذا يعني أن النقد وقع على المرويات أولا، أي المتون وليس الأسانيد، للوصول إلى هذا التعميم في حق الراوي، وهو ما يخفى على الكثير ممن يعتقد أن درجة الحديث تعتمد فقط على حال السند، وسبب الاعتقاد عندهم أنهم وجدوا البرهان على الصحة في الدراسات الحديثية وفي كتب التخريج خاصة يعتمد نتائج السند التي ملخصها: وجود الاتصال وأوصاف التعديل للرواة.
ويدل على أن النقد وقع أولا على المتون ما قاله العلامة أحمد بن الصديق الغماري فيما نقله من خطه الشيخ عوامة في تحقيق الكاشف للذهبي، قال: “ثم إن المجهول لا يخلو من أن يكون حديثه معروفا أو منكرا، فان كان معروفا فجهالته لا تضر()، وإن كان منكرا – أي الحديث – وعرف تفرده به فهو – أي المجهول – ضعيف محقق الضعف حتى لو رفعت جهالته العينية برواية اثنين فصاعدا عنه، أو لم ترفع، فهو ضعيف مجروح خارج من حيز المجاهيل إلى حيز الضعفاء المحقق ضعفهم. وبهذا الضابط يعرف المتأخرون ضعف الراوي المتقدم عنهم، أو ثقته مع أنهم لم يروه ولم يعاشروه، بل يتكلمون في الرواة المتقدمين عنهم بمئات السنين… وذلك أنهم يعتبرون أحاديث الراوي ويتتبعونها، فان وجدوها موافقة للأصول وأحاديث الثقات، ليس فيها تفرد بغرائب ومناكير، وليس فيها قلب ولا غلط ولا تخليط: حكموا بضبط الراوي وثقته، وإن وجدوها بخلاف ذلك: حكموا بضعفه وأنزلوه بالمنزلة التي تدل عليها أحاديثه من كونه وضاعا أو كثير الخطأ فاحشه، أو غير ذلك مما له ألقاب تخصه”.()
وأيضا قال الأزدي في ترجمة محمد بن عبد الله أبي اليسر الذي يروي عن الأوزاعي: “واهي الحديث لا يحل كتْبُ حديثه عن الأوزاعي وحديثه يدل على كذبه”()، فالأزدي حكم على الراوي من مروياته وليس العكس.
والأمر ليس وفاقا لكون النظر عقليا هنا؛ فالجمهور الذين نقل عنهم تصرفهم الحافظ ابن حجر عمموا قاعدة عقلية في المجهول وهي أن “الاحتمال الوارد في المجهول بين كونه ثقة أو لا، يسقط به الاستدلال”، قال محقق الكاشف: “فلما تردد حاله في علمنا بين الحالتين سقط حديثه، لوجود هذا الاحتمال، لا لذات الجهالة، لأنها قد ترتفع ويرتفع معها ضعف الحديث”() وأكد لهم ذلك كثرة الضعفاء في المجاهيل، وأنهم لو كانوا ثقات لاشتهروا بين الثقات(). وبالتأمل تجد النظرين عقليين وأن الخلاف في طريقة بناء القاعدة فقط، والنتيجة متقاربة، مع استحضار الفرق بين مجاهيل القرن الأول والثاني وغيرهم.
والحق الذي لا مراء فيه أن النقاد إنما يعيدون تركيب الأدلة التي اعتمدوها في دراسة أحاديث الراوي وليس إنشاءها لأول مرة، نعم بالنسبة للمكثر قد يكون الاختبار لمروياته عن شيوخه الذين لهم تلامذة كثر، وذلك بعرضها على روايات أقرانه المشهورين بالحفظ استقراء، وعندما تستقر مرتبته وتعرف، ويعمم في حقه ضابط هو بمثابة قانون لمروياته، تدخل باقي أحاديثه الأخرى بناء على هذا القانون، ولا يعني توقف الاختبار والتجريب بل يصاحبه ذلك ما دام يلفظ بالحديث؛ وبسبب ذلك تتعدد الضوابط كما هو الأمر مع معمر بن راشد في الشاهد السابق، وهو نموذج لعشرات الأمثلة.
وهذا بناء على قاعدة عقلية مفادها “الخطأ بسبب السهو وفتور الذاكرة وما يعتري النفس من ضعف القوى وأعراض الكبر والشيخوخة ملازم لحال البشر”()، ولذلك تستمر المراقبة لكل ما يلفظ به إلى أن يموت، حتى إنهم يحصون عليه ما رواه قبل التغير وما رواه بعده.  
وقد يتساءل غير المختص عن حقيقة هذا الاستقراء، والجواب أن الدراسات الحديثية علم تجريبي بامتياز يعتمد تهيئة الشروط ثم مراقبة الظاهرة، ويظهر هذا في تجربة “التلقين”؛ قال وهب بن بقية: سمعت حماد بن زيد يقول: لقنت سلمة بن علقمة حديثا فحدثنيه ثم رجع عنه وقال: إذا سرك أن تكذب أخاك فلقنه”().
وبعيدا عن التنظير فهذه شواهد على الاستقراء التام:
أولا: قال الإمام أحمد بن حنبل: “كنت أنا وعلي بن المديني فذكرنا أثبت من يروي عن الزهري فقال علي: سفيان بن عيينة، وقلت أنا: مالك بن أنس، وقلت: مالك أقل خطأ عن الزهري، وابن عيينة يخطيء في نحو من عشرين حديثا عن الزهري: في حديث كذا وحديث كذا فذكرت منها ثمانية عشر حديثا، وقلت: هات ما أخطأ فيه مالك؟ فجاء بحديثين أو ثلاثة، فرجعت فنظرت فيما أخطأ فيه ابن عيينة فإذا هي أكثر من عشرين حديثا”().
فالزهري من المكثرين وله أقران عديدون، ومع ذلك أحصى العلماء استقراء ما عنده وصاروا يكشفون عن أخطائه وأخطاء من يروي عنه، وهذا النص هو من قبيل كشف أخطاء من يروي عنه، فتأمل العد الدقيق وليس مجرد التقدير والاحتمال.
ثانيا: ومن ذلك تضعيف الإمام هشيم في حديث الزهري، بدليل أنه كتب عنه فقط عشرين حديثا فلقيه صاحب له وهو راجع فسأله رؤيتها، وكانت ثم ريح شديدة فذهبت بالأوراق فصار هشيم يحدث بما علق منها بذهنه، ولم يكن أتقن حفظها، فوهم في أشياء منها فضعف في الزهري بسببها().
فتأمل ضبط حركة المتون ولو في الفيافي حيث الرياح تحمل السحاب الثقال.
أما ما جاء عن أخطاء الزهري؛ مما يدل على ما سبق أن الدراسة الإسنادية هي نتيجة لنقد المتون، قبل أن تركب منها البراهين:
جاء في طبقات الشافعية: “قال في جامع المسانيد له في آخر حديث كعب بن مالك وقد وهم الزهري في ذكره هلال ومرارة من أهل بدر”().
فلا يلزم من الإمامة التسليم بما روى الراوي إذا دلت الدلائل على الخطأ.
ثالثا: جاء في المحدث الفاصل للرامهرمزي عن علي بن المديني قال علي: “نظرت فإذا الإسناد يدور على ستة… وما جمع أحد علم الأقطار في الرواية عنهم كمعمر بن راشد، فإنه روى عن الستة الذين دار عليهم الحديث في الصدر الأول، وهم الزهري وعمرو بن دينار بالحجاز، والسبيعي والأعمش بالكوفة، وقتادة ويحيى ابن أبي كثير بالبصرة”.()  
ثم قال تعقيبا على كلام علي بن المديني وهو يعرض نتيجة استقرائه لأحاديث من تدور عليهم الرواية في زمنه: “قال غير علي ممن هو من أهل الدراية بهذا العلم: ثم صار علم هؤلاء كلهم إلى رجل واحد ولم ينتفع الناس به وهو يحيى بن معين(). قال: وما بدد في الإسلام أحد حديثه في الأمصار تبديد الثوري، فإنه حدث بالبصرة ما لم يحدث بالكوفة، وحدث بالشام ما لم يحدث بالعراق، وحدث بالعراق وحدث باليمن ما لم يحدث بالعراق ولا بالشام وحدث بالري ما لم يحدث بغيرهما من الأمصار”() .
فانظر كيف تتبع ابن المديني أحاديث القوم وتعرف على من كان أجمع لحديث الشيوخ الحفاظ عبر الأمصار وهي محدودة بالمناسبة ومعروفة كما تعرف اليوم مراكز البحث المشهورة، ولو وجد غيرها فإنه لا تعتبر، لأنها لو اعتبرت لانتصب النقاد لاختبار ما عندها فتعطى الحكم المناسب.
ثم تتبع حديث الإمام الثوري عبر البلدان، فتعجب من تمييز ما حدث به في كل بلد ومقارنة ذلك.
فهذه بعض شواهد وإلا فكتب العلل والتراجم مليئة بما يدل على الاستقراء التام ثم الشروع في الاختبار لكل رواية بكل الوجوه الموصلة لكشف الخلل والكذب.
القاعدة الأولى: الحديث المنكر عند الإمام مسلم.
لفظة “المنكر” مفهوم من المفاهيم النقدية في علوم الحديث تدخل فيه عدة معان تتميز بسياق ورودها؛ ومن معانيها تفرد الراوي الضعيف بالحديث()، ومطلق التفرد سواء أكان من الضعيف أم من الثقة؛ “قال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي ذكر محمّد بن إبراهيم التّيميّ، فقال: في حديثه شيءٌ، يروي أحاديث مناكير -أو منكرة- وقال ابن معين، وأبو حاتم، والنّسائيّ، وابن خراش: ثقةٌ”().
فمحمد بن إبراهيم التيمي هو المتفرد برواية الأعمال بالنية ولم يقل أحد من النقاد إنه أخطأ فيه أو كذب فيه.
كما يطلقون النكارة على المتون المخالفة، جاء في شرح العلل لابن عبد الهادي: “إلا حفص بن عمر الأبلي، وأحاديثه كلها إما منكر المتن أو منكر الإسناد، وهو إلى الضعف أقرب”().
كما تطلق النكارة على الحديث المكذوب، جاء في الإكمال: “قال الشيخ: وإبراهيم بن البراء هذا أحاديثه التى ذكرتها وما لم أذكرها كلها مناكير موضوعة ومن اعتبر حديثه علم أنه ضعيف جدا وهو متروك الحديث – قال ذلك أبو أحمد ابن عدى”().
بعد إيراد هذه المعاني للمنكر التي تدل دلالة واضحة على أنها معان نقدية بخصوص المتن، وإن اختلفت في أثرها النقدي هل هو الرد أو بيان التفرد دون الرد، نحلل القاعدة تحليلا نقديا لأثرها وفائدتها وصلتها بالمتن، وحدودها، ومدى كفايتها لما وضعت له.
صياغة قاعدة المنكر النقدية عند الإمام مسلم:
قال رحمه الله: “وعلامة المنكر في حديث المحدث: إذا ما عرضت روايته للحديث على رواية غيره من أهل الحفظ والرضا() خالفت روايته روايتهم، أو لم تكد توافقها، فإذا كان الأغلب من حديثه كذلك كان مهجور الحديث غير مقبوله ولا مستعمله”().
دلت عبارة الإمام مسلم على أن وصف أحاديث المحدث بأنها منكرة هو وصف أغلبي، وأن الوصف بالنكارة يترتب عليه الترك والهجر وعدم الصلاحية  للاحتجاج.
ودلت العبارة على أن الوصف بالنكارة لا يكون إلا في خبر له سند بأي صفة كان، أما ما ليس له سند فلا يدخل في الاعتبار أصلا.
وهذا أهم عنصر في النظر العقلي العلمي عند النقاد، ذلك أن موافقة العقل لا يلزم عنها صحة الخبر، فسقط أعظم البناء في اعتبار العقل مطلقا ميزانا في القبول والرد، لأن هدف البحث في هذه الأخبار هو تأكيد نسبة الخبر إلى قائل أو نفيها،أما ما لاينسب إلى قائل فلا عبرة به هنا.
وهذا بني على قاعدة عقلية محضة وهي “ليس كل كلام أو فعل موافق للعقل يضاف إلى النبي، أو إلى الشرع عامة” بل اتفق العلماء على أنه لا يضاف إلى النبي  إلا ما ثبت بطرق الثبوت المعتبرة.
من هنا انطلقت صيحات النقاد قال عبد الله بن المبارك : “الإسناد عندي من الدين، لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء، فإذا قيل له من حدثك؟ بقي()”().
فهذا الشرط أخرج عددا هائلا من المنقول، وهو عمل عقلي منطقي كما هو واضح، ولذلك يدخلون ما ورد من الأخبار تحت الكليات الشرعية أي ما يوافق العقل الشرعي إذا توفرت فيها الشروط، من غير نسبتها إلى صاحب الشرع مسايرة لما قعدوه هنا؛ ومن ذلك: “قال أبو إسحاق إبراهيم بن عيسى الطالقاني لعبد الله بن المبارك: يا أبا عبد الرحمن الحديث الذي جاء “إن من البر بعد البر أن تصلي لأبويك مع صلاتك، وتصوم لهما مع صومك؟ فقال عبد الله: يا أبا إسحاق عمن هذا ؟ قلت له: هذا من حديث شهاب بن خراش، قال: ثقة، عمن؟ قلت: عن الحجاج بن دينار، قال: ثقة، عمن؟ قلت: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال: يا أبا إسحاق، إن بين الحجاج بن دينار وبين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مفاوز تنقطع فيها أعناق المطي، ولكن ليس في الصدقة اختلاف”()، فالخبر لما كان موافقا للشرع لم يرده ولكنه لم ينسبه إلى الشارع، وهنا الفرق بين الناس إذ لا يلزم من الموافقة للعقل أو للشرع صحة النسبة للشارع، ولا يعني إهمال الخير المتضمن في الخبر.
وقد يأتي سؤال طريف وهو إذا كان السند قد أخرج عددا من النقول الموافقة للعقل وبالتالي كفينا تعب نقدها، فقد أدخل عددا من الأخبار المخالفة للعقل وللحس والتاريخ والأصول الشرعية فما الضوابط لتمييزها؟
والجواب: في دراسة هذه القاعدة نستعرض بعض هذه الضوابط، بل هذه القاعدة هي أصل من أصول التمييز كما سنرى، خاصة وأنها تشتمل على دراسة حالة التفرد، لأن العقل دل على عدم اتفاق عدد من مختلف الأصقاع ليس يجمعهم هدف، ولا قرينة على اتصالهم حين إلقاء الخبر على الأمر نفسه، ومع ذلك يخضعون لمعايير ليس هنا محل بيانها.      
أما القاعدة التي بها يستدل على أن أحاديث أي راو منكرة() فهي: “إذا كان الأغلب في روايات الراوي عن شيوخه مخالفة أهل الحفظ والرضا الذين شاركوه فيها، أو غلب تفرده عن شيوخه بما لا يعرفه المعروفون من الحفاظ الذين شاركوه فيهم فحديثه منكر”().
فتضمنت القاعدة علامتين:
الأولى: كثرة المخالفة في الروايات التي شاركه فيها المشهورون بالحفظ عن شيوخه.
والثانية: تفرده عن شيوخه بما لم يروه المشهورون ممن أخذ عن هؤلاء الشيوخ.
ويظهر النظر العقلي فيهما في كون مخالفة الواحد للأكثر الذين لم تدل الأدلة على تواطئهم فيما سبيله النقل -وليس الاستنباط- دليلا على خطأ الواحد.
لكن ما هو السبيل إلى تحصين الواحد من تواطؤ الأغلبية؟
لقد عمد النقاد إلى مصطلح الشهرة والانتشار ومصطلح المعرفة، فجعلوا الحجة على المخالف هي أن يتفق الذين اشتهروا بالحفظ بعدما اختبرهم النقاد كلهم، علما أن النقاد لم يكونوا يقبلون التقليد في النقد، ومن علم عنه ذلك ضعفت أحكامه عندهم، أما المعرفة التي تكون حجة فهي اشتهار الخبر أي المتن -الذي رواه الراوي الذي هو قيد الاختبار قبل أن يشتهر ويصير حجة على غيره فيما بعد- عند النقاد بسبب تداوله جماعة عن جماعة ولو أن مخرجه واحد من الصحابة أو التابعين، لأن المعرفة لا يلزم عنها تعدد المخارج بل هي تفيد تعدد النقاد الذين يعرفون مخرج الخبر ويتأكدون من صدقه؛ “سئل شعبة حديث من يترك؟ قال: “من يكذب في الحديث، ومن يكثر الغلط، ومن يخطئ في حديث مجتمع عليه فيقيم على غلطه ولا يرجع، ومن روى عن المعروفين ما لا يعرفه المعروفون”().
فقوله: “ومن روى عن المعروفين ما لا يعرفه المعروفون” يدل على قانون عقلي، وهو أن الذين عرفوا بالرواية يعتنى بحديثهم من أجل الاختبار، هذا بالنسبة للنقاد المعروفين، أما بالنسبة لطلاب الحديث فإن الرحلة تشد إليه لأن اشتهاره كان لمزية فيه من الضبط والعدالة، وبهذا تكون مرويات هذا الشيخ محل عناية فائقة حماية لها من أهل الزيغ كما هو معلوم، فإذا كان هذا الشيخ بهذه العناية ثم جاء راو وحدث عنه بما لم يعرفه النقاد ولا يعرفه المشهورون من طلابه دل هذا على نكارة ما روى، وبالتالي تترك سواء كان ذلك من الراوي سهوا أو عمدا.
من خلال ما سبق نستنتج أن شرط الشهرة، وشرط المعرفة التامة وليست المظنونة، هما الوقاية من دخول ما يخالف العقل والحس والتاريخ والكليات، وإذا ما وجد شيء يظن به ذلك وضعت قواعد أخرى ليس هنا محل بسطها كقواعد مختلف الحديث ومشكل الحديث، وغير ذلك.
وهما الحصن الحصين من الفرية على الراوي واتهامه عند التفرد، فليس مجرد التفرد عيبا، بل يرد التفرد بحجج دامغة عقلا.
إن القانون العقلي الذي وضعه المحدثون هنا يراعي مصلحتين: الأولى التحوط للحديث، والثانية حرمة الناس الذين يروون الحديث.
أما المصلحة الأولى وهي التحوط للحديث، ففي الحديث أمور يدركها العقل وأمور أخرى تدرك بالوحي فقط لكن تقام عليها براهين عقلية تجعل المسلّم بها كأنه سلم بأمور معقولة، كإقامة الحجة على صدق القرآن، فما تضمنه إذن من أخبار عن الآخرة التي هي فوق إدراك العقل نسلم بها للمسلمة الأولى وهي صدق الرسالة.
فهذا الذي نبحث فيه في هذا البحث من قبيل ذاك، فإن تسليمنا بقوة هذه البراهين تجعلنا نسلم بما يرد من أخبار عن النبي  ما دامت ليست من قبيل المستحيل عقلا وشرعا، وهذا الأمر قريب من القول بالتواتر وإن لم يكن منه.
أما المصلحة الثانية: وهي التحوط لأعراض الناس ومراعاة حرمتهم، فتتجلى في كون الناس في رواية الحديث والأخبار على أصل التهمة وليس البراءة، لكن الإفصاح عنها يجب فيه إقامة الحجة المادية وليس التخمين والحدس والأقيسة المتناقضة خاصة أنها لا تطرد في كل شيء، ولو فتح باب الاحتمال لم يصح خبر في الدنيا ولا صدق بشر في الدنيا، لكن المحدثين جمعوا عدة قوانين عقلية في هذا الباب وهو باب التفرد الذي نحن بصدده كما مر بعضها، لتكون حجة على من اتهم وليس على رد الخبر فقط، لأن الخبر كما مر يمكن أن يكون موافقا للعقل من جهة مضمونه، لكنه مخالف للشرع والعقل الشرعي من جهة روايته، وهنا بيت القصيد، وهذه المخالفة العقلية من جهة الرواية هي إتيانه عن المعروفين بما لا يعرفه المعروفون مثلا.
إذن فقوانينهم هاته مرتبطة بمحدث ينقل خبرا، وهو تحت المحاكمة.
وهكذا نخلص في قاعدة علامة المنكر من حديث المحدث إلى كونها متأصلة من نظر عقلي وتشتمل على عدة قوانين علمية تأخذ من علم النفس وقواعد أحوالها، والاجتماع البشري وقواعد تداول الخبر فيه. وليس للسند كما مر إلا إعادة تركيب الأدلة العقلية على وجود الخطأ، وهو الفيصل في تدافع الاحتمالات، والعاصم من التزيدات والكذب.
 القاعدة الثانية: شرط قبول التفرد عند الإمام مسلم.
قال رحمه الله: “والذي نعرف من مذهبهم في قبول ما يتفرد به المحدث من الحديث أن يكون قد شارك الثقات من أهل العلم والحفظ في بعض ما رووا، وأمعن في ذلك على الموافقة لهم، فإذا وجد كذلك ثم زاد بعد ذلك شيئا ليس عند أصحابه قبلت زيادته”.
قدم مسلم هنا شرطين لقبول رواية المتفرد بخبر ما، وهما:  أن يشارك الثقات من أهل الحفظ المشهورين في بعض ما رووا،  وأن تكون رواياته التي شاركهم فيها موافقة لهم، طبعا بشروطها الأخرى غير المذكورة هنا كالاتصال الذي سنتعرض لبحث بعض قضاياه العقلية.
فأما الشرط الأول، وهو المشاركة لغيره في بعض ما رووا، فإنه الدليل على الاهتمام بالحديث، وقد يتوقع البعض أن المشاركة يقصد بها هنا فقط وجود روايات حديثية بنفس أسانيد من يقارن بهم، وليس الأمر كذلك، لأن مطلق المشاركة تشتمل على سراق الحديث والأسانيد من الكذابين والوضاعين، ولذلك احتاط المحدثون فشرطوا شهرته في مجالس الرواية لمعرفة حاله أثناءها؛ ومعرفة من يسرق الأسانيد ويدعي السماع بها؛ جاء عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أنه كان  يقول: “لا تكتبوا الحديث إلا عمن شهد له بطلب الحديث”().
وكان سفيان الثوري يقول: لا تأخذوا هذا العلم في الحلال والحرام إلا من الرؤساء المشهورين بالعلم، الذين يعرفون الزيادة والنقصان، ولا بأس بما سوى ذلك من المشايخ. وكان يقول ابن عون: أنا لا آخذ العلم إلا عمن شهد له عندنا بالطلب”().  
وقال الإمام أحمد عن عبد العزيز بن أبي حازم المديني: “لم يكن يعرف بطلب الحديث ولم يكن بالمدينة بعد مالك أفقه منه، ويقال إن كتب سليمان بن بلال وقعت إليه ولم يسمعها”()، فالإمام أحمد هنا أقر بفقه الرجل لكن الرواية قدر زائد على الفقه، أعطى له وصفا ينزع عنه الشهرة بطلب الحديث في مجالسه، وفسر روايته بأنها كتب وقعت له على سبيل الاحتمال، نعم وثقه ابن معين لكن الذي يهمنا هنا هو اعتبار الشهرة بالطلب بمعنى حضور مجالس الرواية.
إذن فالشهرة بالطلب فيمن يقبل عند التفرد شرط، لأن بها تتحقق المعرفة التي تتفرع عنها مقارنة رواياته برواية أقرانه من الثقات الحفاظ.
وأما الشرط الثاني، وهو الإمعان في الموافقة فيما شاركهم فيه من الروايات، فهذا الأمر في غاية النظر العقلي لأنه سيكشف التناقضات في واقعة لا تزال أحداثها ماثلة، وهنا لا يقتصر على كشف حال راو واحد بل كل الذين رووا تلك الروايات، وبالتالي فنحن أمام تمحيص ليس عبر التاريخ حيث لا ندري ماذا أخفي وماذا زيد، بل نحن في قلب المختبر لأنه لا أحد من هؤلاء الأقران يدري ما يحدث له من قبل المختبرين من النقاد فيغير ويدلس.
أما إذا كان الأمر بعد حين، أي بعد وفاة الراوي، فإن شروط نجاح التجربة والاختبار تكون أقوى، وتنضاف عناصر للنظر أخرى.
والنتيجة هنا هي حصول الثقة بما ينفرد به هذا الراوي الذي وجدت رواياته موافقة لأقرانه، إذا انفرد عن غير الشيوخ الذين اختبر فيهم.
ويبقى السؤال الآتي: ماذا في غير الشيوخ الذين اختبر فيهم؟
والجواب أن النقد يبقى مصاحبا له، فإذا ظهرت القرائن على خلل في غير هؤلاء الشيوخ تنضاف له ضوابط تحكم رواياته، ولم يعد خاضعا للقاعدة المعممة التي حصلت له من خلال التجربة الأولى، وذلك مثل ما ذكرنا سابقا عن ضوابط روايات معمر بن راشد.
ويجدر بنا أن نبين هنا أن هذا هو الأصل العقلي في اشتراط الاتصال في السند، ومعنى الاتصال هو وقوع سماع كل راو في السند من شيخه لذلك الخبر، ولتوثيق السماع أيضا أصول عقلية وقوانين ليس هنا محل بسطها، فاشتراط السماع أثناء الرواية وحضور النقاد يحقق بروز الشيوخ وبالتالي إدخالهم لمختبر النقد المباشر، وبالنسبة للنقاد غير المعاصرين فإنهم يقومون أيضا بنفس العملية من خلال تهيئة شروط التجربة نفسها.
يبقى هنا سؤال مهم لماذا الاختلاف بين النقاد في ظل هذه القواعد التي ذكرنا وما لم نذكره؟
والجواب هو أننا أمام عمل اجتهادي، نعم هو خاضع لقواعد النظر العقلي ولكن في قواعده الكلية، أما التنزيل فذلك هو سر الاختلاف؛ ذلك أننا رأينا أن العملية النقدية أصعب ما تكون عند وجود التفرد، -ولا أقول هنا وجود خبر الآحاد فذلك مفهوم خارج عن حدود هذا البحث- والذي يكسبها هذه الصعوبة هو وجود أخبار لا يمكن إخضاعها للنظر العقلي البحت، ووجود أخبار هي من جوهر مقاصد الإسلام مثلا هذا من جهة، ومن جهة ثانية ضرورة إقامة الحجة على وجود الخطأ أو الكذب أو الوهم، وعدم إطلاق العنان للاحتمالات العقلية والحدس والتخمين.
وهذان العاملان يجعلان النقاد يختلفون في تقدير بعض الأدلة التي هي من قبيل ما سبق ذكره وغيره مما له صلة بقواعد أخرى، ومن أهم هذه القواعد قضية التأويل لرفع الاختلاف، خاصة إذا توفرت الشروط المذكورة في الراوي المقبول عند التفرد، وعمدتهم أن إبداء التناقض يحسنه كل واحد، ولكن القدرة على النفاذ لإظهار وجه الائتلاف والاتفاق يتفاوت فيه الناس تبعا لسعة مداركهم وخبرتهم، وهي أمور لا تنضبط.

مباحثة نقدية في منهج نقد المتن عند المعاصرين
بعدما عرفنا في المبحث الأول أن قواعد النقد عند المحدثين قد بنيت وفق أصول عقلية، وأن النقد عندهم اتجه منذ البداية إلى المتن، وأن نقد السند هو في حقيقته نقد للمتن لكن بإعادة تركيب لأدلة الناقد، خروجا من التقليد، والتزاما بمبدإ الاجتهاد والذي يكشف أحيانا الأخطاء التي وقع فيها الناقد الأول، مما يؤكد حيوية هذا العلم ومنطقيته في توظيف قوانينه.
وعرفنا أن استعمال العقل عندهم خاضع لقوانين يجب أن تؤتي نفس النتيجة إذا طبقت ضمن نفس الشروط، وأن الخطأ مع تلك القوانين وارد خاصة في الشروط المعتبرة في النقد، كالاختلاف في كون فلان مجهولا بين النقاد مثلا.
فإننا ندرس في هذا المبحث وجهة النظر الأخرى، وهي الدعوة إلى اعتماد النقد العقلي في الأخبار وليس فقط اعتماد السند –طبعا حسب اعتقادهم في وظيفة السند ونقده- متحرين قدرا كبيرا من الموضوعية، ومبتعدين عن المناقشة النظرية، وذلك من خلال نموذجين أعتبرهما الأفضل في الموضوع.
والنموذجان اللذان سيخضعان للنقد هما بحثان نقديان للأخبار جاءا في مقالين نشرتهما مجلة الواضحة الصادرة عن مؤسسة دار الحديث الحسنية في عددها الخامس سنة 1430/2009؛ الأول بعنوان: «الفتوى بين سلطة التقليد والخلط بين النص وتفسيره» للدكتور أحمد الخمليشي، والثاني بعنوان: «هل تزوجت عائشة وهي بنت السادسة؟» لصاحبه شانافاس، ترجمة الدكتور خالد الساقي.
ولقد خلصت في دراسة منهج المقالين في نقد الأخبار إلى الملاحظات التالية:
أولها: ملاحظات  تتعلق بفهم عبارات النصوص التاريخية.
وثانيها: ملاحظات تتعلق ببناء الأدلة من حيث الاستقصاء والتتبع واستعمال مناهج الفن.
وثالثها: ملاحظات تتعلق بالنظر في مادة الوقائع التاريخية المكتوبة دون النقد الداخلي الإيجابي.
وليس يعنيني في هذا البحث ما تتضمنه النماذج المدروسة من الفقه، فالفقه له طرق دقيقة في تحصيله واعتبارات علمية منصوص عليها ينظر إليها، وليس هذا محلها، لأن غايتي هنا البرهان على قوة منهج التوثيق وعلميته لدى النقاد من المحدثين وكيفية إثبات الوقائع ونفيها، والبرهان على اختلال ما عرض من مناهج المعاصرين في النقد العقلي للمتون.
أولا : ما يتعلق بفهم عبارات النصوص التاريخية.
أ – جاء في مقال «هل تزوجت…»: “غير أن الطبري يقول في كتاب آخر: إن جميع أبنائه -يعني أبا بكر- الأربعة ولدوا من امرأتين في حقبة الجاهلية”().()
وجاء في مقال «الفتوى…»:  “فإن سنها وقت الهجرة التي كانت بعد ثلاث عشرة سنة من بدء الوحي يكون تجاوز الأربعة عشر أو الخامسة عشر عاما، وهو ما تؤكده رواية تقول إن أولاد أبي بكر الصديق ولدوا جميعهم في الجاهلية”.()
هناك عدم فهم لعبارة الطبري، يعبر عنه النص الآتي من تاريخ الأمم والملوك للطبري: “حدث علي بن محمد عمن حدثه ومن ذكرت من شيوخه قال: تزوج أبو بكر في الجاهلية قتيلة… فولدت له عبد الله وأسماء، وتزوج أيضا في الجاهلية أم رومان بنت عامر… فولدت له عبد الرحمن وعائشة، فكل هؤلاء الأربعة من أولاده ولدوا من زوجتيه اللتين سميناهما في الجاهلية، وتزوج في الإسلام أسماء بنت عميس”.()
والخلل جاء من اعتبار  شبه الجملة “في الجاهلية” ظرفا لولادة الأولاد، بيد أن السياق يعطي أنه ظرف لزواج أبي بكر من زوجتيه المسماتين، والدليل السياق؛ فقد عطف على الكلام السابق بذكر من تزوجها في الإسلام، فلم يكن يقصد الحديث عن الأولاد.
ب –  جاء في مقال «هل تزوجت…»: “حسب ابن حجر فإن فاطمة ولدت أثناء إعادة بناء الكعبة والنبي في الخامسة والثلاثين، وكانت تكبر عائشة بخمس سنين”.()
والبرهان على وقوع التحريف هو النص الآتي من الإصابة: “واختلف في سنة مولدها، فروى الواقدي عن طريق أبي جعفر الباقر قال: قال العباس: ولدت فاطمة والكعبة تبنى والنبي  ابن خمس وثلاثين سنة، وبهذا جزم المدائني. ونقل أبو عمر –هو ابن عبد البر()- عن عبيد الله بن محمد بن سليمان بن جعفر الهاشمي أنها ولدت سنة إحدى وأربعين من مولد النبي ، وكان مولدها قبل البعثة بقليل نحو سنة أو أكثر، وهي أسن من عائشة بنحو خمس سنين، وتزوجها علي أوائل المحرم سنة اثنتين بعد عائشة بأربعة أشهر، وقيل غير ذلك”.
فقد وقع التلفيق بين نقلين واردين في النص؛
فالنص تضمن تاريخين لمولد فاطمة : الأول منهما: وهو زمن إعادة بناء الكعبة وعمر النبي  حينها خمسة وثلاثون عاما، والثاني منهما: وهو قبيل البعثة بقليل وعمر النبي إحدى وأربعون سنة.
وتضمن مقارنة بين عمري عائشة وفاطمة، وفيه أن فاطمة تكبر عائشة بخمس سنين.
فلماذا يحقق سن عائشة بالتاريخ الأول الذي لا تنتظم به النصوص، ويهمل الثاني الذي تنتظم به النصوص؟ ما هو مسوغ هذا الاختيار؟ علما أن ابن حجر نبه على الاختلاف وهو بين رواية الواقدي ورواية ابن السراج التي أوردها ابن عبد البر، والأخير مقدم عند النقاد في الاختلاف.
ج – جاء في مقال «هل تزوجت… »: “حسب عبد الرحمن بن أبي الزناد فإن أسماء كانت تكبر عائشة بعشر سنين”، ثم قال وحسب ابن حجر : “عاشت أسماء مئة عام وماتت في 73 أو 74”.()
وبرهان التلفيق ما يلي: جاء في تاريخ الإسلام للذهبي وهو أصل السير له:
قال ابن أبي الزاد: كانت أكبر من عائشة بعشر سنين.
قلت: فعمرها على هذا إحدى وتسعون سنة.
وأما هشام بن عروة فقال: عاشت مائة سنة ولم يسقط لها سن”.()
فالذهبي أدرك التناقض وجعل السن تبعا للمقارنة بسن عائشة المتفق عليه إحدى وتسعين، ولم يسقط اليقين بالشك كما هو مقرر عقلا. إلا أن الكاتب اتبع ما تشابه منه.
ثانيا: ما يتعلق ببناء الأدلة من حيث الاستقصاء والتتبع واعتماد مناهج أهل الفن.
أما الملاحظات المتعلقة ببناء الأدلة من حيث الاستقصاء والتتبع واعتماد مناهج أهل الفن فتظهر في وجوه:
الوجه الأول: دعوى التفرد بلا دليل.
وبسبب عدم التتبع لطرق الحديث واستقصاء مخارجه جاءت دعوى التفرد؛
جاء في مقال «هل تزوجت…»: “إن جميع الروايات الواردة في كتب الحديث هي عن هشام بن عروة عن أبيه..”.
فهذا التأكيد على نفي المتابع لمخرج الحديث مجانب للصواب والدليل هو أن أقرب كتاب ينفي هذه الدعوى؛ فالحديث لم ينفرد به عروة ولا أبوه بل رواه الأسود عن عائشة بالسند الصحيح في صحيح مسلم قال: “حدثنا يحيى بن يحيى وإسحاق بن إبراهيم وأبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب – قال يحيى وإسحاق أخبرنا وقال الآخران حدثنا أبو معاوية- عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت تزوجها رسول الله  وهي بنت ست، وبنى بها وهي بنت تسع، ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة”.()
وقال: “حدثناه أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب (واللفظ لزهير ) قالا حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن إسماعيل بن أمية عن عبد الله بن عروة عن عروة عن عائشة قالت: تزوجني رسول الله  في شوال وبنى بي في شوال، فأي نساء رسول الله  كان أحظى عنده منى؟ قال: وكانت عائشة تستحب أن تدخل نساءها في شوال”().
وقال: “حدثنا عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة أن النبي  تزوجها وهي بنت سبع سنين وزفت إليه وهي بنت تسع سنين ولعبها معها ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة”().
وقال النسائي: “أخبرنا محمد بن العلاء وأحمد بن حرب قالا حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة : تزوجها رسول الله وهي بنت تسع ومات عنها وهي بنت ثماني عشرة”().
وعند الحاكم في المستدرك قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه ثنا موسى بن هارون ثنا أبو الخطاب زياد بن يحيى الغساني ثنا مالك بن سعير ثنا إسماعيل بن أبي خالد أنبأ عبد الرحمن بن الضحاك أن عبد الله بن صفوان أتى عائشة وآخر معه، فقالت عائشة لأحدهما: أسمعت حديث حفصة يا فلان؟ قال: نعم يا أم المؤمنين، فقال لها عبد الله بن صفوان: و ما ذاك يا أم المؤمنين؟ قالت: خلال لي تسع لم تكن لأحد من النساء قبلي إلا ما آتى الله عز و جل مريم بنت عمران، و الله ما أقول هذا إني أفخر على أحد من صواحباتي، فقال لها عبد الله بن صفوان: و ما هن يا أم المؤمنين؟ قالت: جاء الملك بصورتي إلى رسول الله  فتزوجني رسول الله  وأنا ابنة سبع سنين، وأهديت إليه وأنا ابنة تسع سنين، وتزوجني بكرا لم يكن في أحد من الناس، وكان يأتيه الوحي وأنا وهو في لحاف واحد، وكنت من أحب الناس إليه، و نزل فيّ آيات من القرآن كادت الأمة تهلك فيه، و رأيت جبريل عليه السلام و لم يره أحد من نسائه غيري، وقبض في بيتي لم يله أحد غير الملك إلا أنا”. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الذهبي قي التلخيص: صحيح.()
فإذا ثبت انتشار الخبر عند تلامذة عروة وهو عند غير عروة، فقد ضعف بناء هذا الدليل.
لكن نقرر قاعدة من مناهج المحدثين وهي أن النقاد يميزون بين روايات الراوي فيحتفظون له بالضعيف ليحكموا له عند التفرد هل يقبل تفرده أولا كما مر في المبحث الأول، لكن يجعلون ما رد من خبره في دواوين الأحاديث الضعيفة والواهية.
فليس كل من قيل فيه بضعف رد خبره كله، وليس كل من أجمعوا على توثيقه يقبل خبره كله كما مر معنا في المبحث الأول.
الوجه الثاني: عدم اعتماد مناهج المحدثين.
ليس المطلوب اعتماد المناهج في النقد، ولكن المقصود فهم منهجهم في التعامل مع ظواهر الرواية وما يعتري الرواة، وفهم مناهجهم في تدوين المعرفة المتعلقة بهذه الظواهر، وتمييز المعتمد من غيره؛ وفي المقالين إغفال لهذه المناهج تجلى في موضعين: ما يتعلق بحفظ هشام بن عروة، وما يتعلق بمرسل عائشة :
– ما يتعلق بحفظ هشام بن عروة:
قال في«هل تزوجت … »: “من خلال هذه المراجع يتبين أن ذاكرة هشام كانت في تراجع وأن رواياته وهو في العراق لم تكن معتمدة. لذلك فإن روايته عن زواج عائشة وعن سنها غير معتمدة”.()
ويظهر منهج المحدثين في تدوين معارفهم في أن:
أ – النقاد يدونون نتائج أبحاثهم كاملة: الجرح والتعديل على سبيل الإنصاف والعدل، وليس كل ما يدون يكون هو المعتمد وإلا لزم التناقض فالتساقط، بل يعمل الترجيح وفق القوانين المؤصلة والمبرهنة.
ب – لكل عبارة مفهوم فليس التغير هو الاختلاط ولا هما الخرف، فكل مصطلح له مفهوم بوظيفة وأثر. ولذلك فقد جاء في تهذيب التهذيب:
وقال أبو الحسن بن القطان تغير قبل موته، ولم نر له في ذلك سلفا()
وهذا التغير هو أول مراحل خلل الضبط وهو بعيد كل البعد عن الخرف، ثم هو في آخر العمر وهم يميزون بين من روى قبل ومن روى بعد، ثم من جهة أخرى تعقبه ابن حجر بكون ابن القطان قال قولا لم يقل به غيره من السابقين العالمين بهشام.
ولواعتبر هذا المنهج لااتضح أن قول ابن القطان في هشام شاذ لا عبرة به أمام إجماع غيره من النقاد.
– ما يتعلق بمرسل عائشة  :
جـــاء في مقــال «الفتوى… » عقـــب روايـــة عائـــشة  قصــــة خــروج أبـــي بكــر إلى الحبشة: “إذا صدقنا الرواية التي تقول إن سن عائشة  عند الهجرة إلى المدينة كان ثمان سنوات فإن ذلك يعني أن ميلادها كان في السنة السادسة من بدء الوحي، أي بعد الهجرة إلى الحبشة؛ أليس هذا متناقضا مع التفاصيل  التي أو ردتها  في الحديث 3905 من صحيح البخاري السالف الذكر حيث أوردت اسم المكان الذي وصله أبوها وما جرى بينه وبين ابن الدغنة… إن هذا يؤكد أنها في السنة الخامسة  من بدء النبوة كانت فتاة تعقل الأحداث وتتبعها”.()
في هذا التحليل والتفسير إغفال لشيئين :
الأول: قاعدة مرسل الصحابي؛ فعائشة روت أحاديث كثيرة لم تكن حاضرة في وقائعها وكذلك سائر الصحابة، وهي قاعدة مقررة في كل كتب المصطلح وحكمها القبول مطلقا إذا كان المخبر صحابيا، ولم يعرف عنه الأخذ عن أهل الكتاب()؛ وهذه صورة منها، وحجة القبول مبرهن عليها في كتب علوم الحديث، ولا يسع المقام لبسطها.
ثم هي تحكي قصة أبيها فلا يخفى عليها أمره غيبا ومشهدا مما في الإمكان معرفته.
الثاني: أن مطلع القصة التي تحكي فيها زيارة النبي  تشير إلى المرحلة التي اشتد فيها الأذى على النبي وأصحابه، فهاجر من هاجر إلى الحبشة ثم بدأت الهجرة إلى المدينة وهي أمر شهدته، والدليل على توفر دواعي التخفي أن الخروج في الهجرة كان خفية ولأجل ذلك انبعث الطلب وراءهم، وحديث عائشة يحكي القصة بطولها، فهي تتضمن أحداثا في مراحل عدة، أما الإشارة إلى كون مرحلة الصدع تنافي التخفي فبالتقرير الآنف الذكر يبطل.
ثالثا: ما يتعلق بالنظر في مادة الوقائع التاريخية المكتوبة دون النقد الداخلي الإيجابي
النقد الداخلي الإيجابي في اصطلاح الدراسات التاريخية هو أن يتم التحقق من لغة النص هل ما يقصده القائل موافق لما يسبق إلى الفهم من ظاهر الكلام، من خلال البحث في معاني الألفاظ في ثقافة المتكلم، ولغته التداولية؛ وهذا مقتضى إقامة النص داخليا من أجل القيام بتحليله ونقده، وهو ما غاب في المقالين في لفظة “بكر” ولفظة ” النطاح”؛
– لفظة “بِـكر”:
أ – ففي مقال «هل تزوجت.. »: “جميع من يعرف اللغة العربية يعرف أن لفظ “بكر” لا تستعمل لبنت التاسعة وأن اللفظة الصحيحة لبنت في هذه السن هي “جارية”، أما كلمة “بكر” فتطلق على شابة لم يسبق لها أن تزوجت، كما يفهم من كلمة virgin في الإنجليزية، لذلك فبنت تسع سنين ليست فتاة بكرا”().
ومحل الخلل في جزمه بأن “بكر” لا تطلق  على بنت تسع سنين التي لم تتزوج؛ واحتج بما في المعجم الإنجليزي، مخالفا المنهج العلمي المذكور آنفا.
في تهذيب اللغة: العَوَان: النَصف التي بين الفارض وهي المسنّة وبين البكر وهي الصغيرة(). فتأمل الصغر يبدأ بالولادة فما فوق
وفيه أيضا: عن ابن السكيت، قال: البِكْرُ: الجارية التي لم تفتضَّ(). والجارية تطلق على المولودة كما في الحديث: “يعق على الغلام ….وعلى الجارية…”
وفيه أيضا: والبِكْرُ: أول ولد الرجل غلاما كان أو جارية(3). تأمل في لفظة الجارية أنها تطلق على هذه الفترة من العمر
وفي النهاية في غريب الحديث: والمعنى أن الجارية ما دامَت صغيرة فأمُّها أولَى بها فإذا بلغت فالعَصَبة أولى بأمْرها(). وهذا كلام نص في المسألة أي كون الجارية تطلق على الصغيرة منذ الولادة فما فوق.
وفيه أيضا وقال الجوهري : [ اهْتُجِنَتِ الجارية إذا وُطِئتْ وهي صغيرة ]().
جاء في تاج العروس: “والبِكْرُ بالكسر : العَذْرَاءُ وهي التي لم تُفْتَضّ”() والعبارة جلية في دخول جميع من سلمت بكارتهن والصغيرة منهن، ولا علاقة لأهلية الزواج بالمفهوم.
وفيه: لا تعلَّموا أبكار أولادكم كُتُب النصارى يعني أحْداثَكم”.()
والعبارة هنا أيضا جلية أن البكر يطلق على الصغير لأنه هو من يعلم، والحدث هو كل صغير ذكرا كان أو أنثى.
لقد دلت هذه النصوص التي اضطررنا لإيرادها نظرا لعجمة صاحب المقال، على أن لفظة جارية تطلق بمعان ومنها الصغيرة منذ الولادة إلى أن تبلغ، فلفظ الجارية يحدده السياق، وكذلك لفظ البكر كما دلت النصوص السابقة تدل على المولود منذ الولادة إلى ما بعده، فهو مشترك بين عدة مراحل من العمر.
– لفظة “النكاح” :
ب – وجاء في مقال «الفتوى…»: “من سورة النساء ﴿وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح، فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم﴾ تنص صراحة على ربط أهلية الزواج بالأهلية المدنية… فلفظ النكاح كما يعني الاتصال الجنسي يعني كذلك الزواج.. لكن الفقه الذي نشأ في مجتمع حاضن لظاهرة تزويج الصغار باعتبارها عرفا مقبولا وتقليدا مرغوبا فيه، ولكي لا يصطدم مع هذا العرف التجأ إلى التأويل وتفسير كلمة “النكاح” بلفظ الحلم رغم أنه لا علاقة بين اللفظين لا لغوية ولا اصطلاحية”(). ()
لفظة النكاح الواردة في الآية إقامتها تقتضي وضعها في نسقها الموضوعي قبل بناء الأحكام عليها؛ أما أهل التفسير فهذه نصوصهم التي أشارت إلى القرائن التي ينقلون بها لفظة النكاح من المعنى الحقيقي  إلى معنى مجازي:
قال الرازي في تفسيره: “المسألة الثانية: المراد من بلوغ النكاح هو الاحتلام المذكور في قوله: ﴿وَإِذَا بَلَغَ الأطفال مِنكُمُ الحلم ﴾() وهو في قول عامة الفقهاء عبارة عن البلوغ مبلغ الرجال الذي عنده يجري على صاحبه القلم ويلزمه الحدود والأحكام، وإنما سمي الاحتلام بلوغ النكاح لأنه إنزال الماء الدافق الذي يكون في الجماع”.()
فلا يعرف عمن نزل القرآن بلغتهم إلا هذا المعنى والمثبت مقدم على النافي لأن معه زيادة علم. فلو سكتوا عن معناها جاز اتهام الفقهاء.
ومن وجه آخر فاتساق المعاني في الكتاب كله يقتضي الحمل على البلوغ.
ثم البلوغ وصف منضبط، ظاهر مطرد، أما بلوغ النكاح، فإما أن يضبط بالبلوغ فيستقيم مذهب المفسرين، أو غير ذلك كالسن فيحصل التحكم؛ فيزول عنه وصف الانضباط فلا يصلح غاية.
قال صاحب التفسير المحيط: “والتمثيل عندي في دفع المال بتوالي الشرطين غير صحيح، وذلك أنّ البلوغ لم تسقه الآية سببا في الشرط، ولكنها حالة الغالب على بني آدم أن تلتئم عقولهم فيها، فهو الوقت الذي لا يعتبر شرط الرشد إلا فيه”().
أما النقاد الذين يسعون إلى تمييز ما يثبت مما لا يثبت فقد أضافوا بحثا آخر لتأكيد واقعية ما اشتملت عليه الآية، وواقعية ما يلزم من ثبوت زواج عائشة في سن التاسعة، وهو تقصي الأمر في بيئة الخبر وهذا ما قام به الإمام الناقد البيهقي في سننه الكبرى التي عقد فيها بابا لهذا الغرض قال فيه: “باب السِّنِّ الَّتِى وُجِدَتْ الْمَرْأَةُ حَاضَتْ فِيهَا”().
على أن لفظة النكاح اختلف أهل اللغة في دلالتها على الوطء والعقد هل هو مجاز أو حقيقة؛ والسبب في إيراد هذا الأمر هو جزم صاحب المقال بأن لفظة النكاح تعني الزواج كما تعني الجماع، ولكن أخذ الأحكام لا يستقيم بهذا المنطق؛ إذ أن إثبات وجه دلالة اللفظة على الحقيقة أو المجاز لابد منه لكي تلتئم المعاني الواردة في منظومة القرآن الكريم المفاهيمية، فالحقيقة يجب أن يحمل عليها اللفظ في الأصل بينما المجاز لابد فيه من مسوغات، وهذا بيان شأن هذه الفظة من حيث الحقيقة والمجاز:
قال الفيومي عن لفظة النكاح: “يقال: مأخوذ من “نَكَحَهُ” الدواء إذا خامره و غلبه، أو من تَنَاكَحَت الأشجار إذا انضم بعضها إلى بعض، أو من نَكَحَ المطر الأرض إذا اختلط بثراها، وعلى هذا فيكون النِّكَاحُ مجازا في العقد والوطء جميعا لأنه مأخوذ من غيره، فلا يستقيم القول بأنه حقيقة لا فيهما و لا في أحدهما، و يؤيده أنه لا يفهم العقد إلا بقرينة نحو نَكَحَ في بني فلان، ولا يفهم الوطء إلا بقرينة نحو نَكَحَ زوجته، وذلك من علامات المجاز، و إن قيل غير مأخوذ من شيء فيترجح الاشتراك، لأنه لا يفهم واحد من قسميه إلا بقرينة”().
وقال الزبيدي: “قال شيخنا: واستعماله في الوَطْءِ والعَقْدِ مما وَقَعَ فيه الخِلافُ، هل هذا حقيقةٌ في الكلّ أَو مَجازٌ في الكلّ، أَو حقيقةٌ في أَحدِهِمَا مَجازٌ في الآخَر. قالوا: لم يَرِدِ النّكَاحُ في القرآن إِلاّ بمعنَى العَقْدِ، لأَنّه في الوَطْءِ صَرِيحٌ في الجِماعِ، وفي العَقْدِ كِنايةٌ عنه. قالوا: وهو أَوْفَقُ بالبلاغَةِ والأَدبِ، كما ذكرَه الزَمخشريّ والرَّاغبُ وغيرهما”().
فانظر كيف رأى أهل الأدب واللغة أن اللفظة ليست كما رأى صاحب المقال تستعمل في الجماع والزواج حقيقة بهذا المعنى القانوني والذي يخالف المفهوم الفقهي، لأن المفهوم القانوني يرى في عقد الزواج ترتب الجماع مباشرة بينما في المفهوم الفقهي قد يقع العقد ولا يكون الجماع إلا إذا تحققت القدرة عليه فلا تلازم، فتأمل.
فاللفظة من حيث الحقيقة ليست الزواج ولا الوطء، بل الأمر فيه خلاف بين أهل اللغة، وإذا كان كذلك فلم لا يكون الحلم معنى للفظة على سبيل المجاز، والقرينة واضحة عند أهل اللغة.  
قال الكفوي: “كل نكاح في القرآن فهو التزوج إلا ﴿إذَا بَلَغُوا النِّكاحَ﴾ فإن المراد الحلم”().
وبهذا تعلم مقدار الحاجة إلى ضبط اللفظة قبل النقد العقلي أو التاريخي وفق الاستعمال اللغوي الثابت عن العرب، ثم عن أرباب المعرفة الشرعية، لأن الألفاظ تحملت بحقائق شرعية وأخرى عرفية، إضافة إلى الحقيقة اللغوية.
رواية قصة انشقاق القمر وقول عائشة فيها إنها كانت جارية، والجارية عند العرب تطلق على الأنثى منذ الولادة، وقد جاء أن الانشقاق وقع قبل الهجرة بخمس سنين، قال ابن حجر: “قوله باب سؤال المشركين أن يريهم النبي  آية فأراهم انشقاق القمر، فذكر فيه حديث ابن مسعود وأنس وابن عباس في ذلك، وقد ورد انشقاق القمر أيضا من حديث علي وحذيفة وجبير بن مطعم وابن عمر وغيرهم، فأما أنس وابن عباس فلم يحضرا ذلك، لأنه كان بمكة قبل الهجرة بنحو خمس سنين، وكان ابن عباس إذ ذاك لم يولد، وأما أنس فكان ابن أربع أو خمس”().
وهذا السن كان عمر عائشة ثلاثة أعوام، فهي تلعب كما جاء في الرواية.
أما المقال فقد اعتمد نقلا خاطئا، قال: “ولفظ (جارية) يطلق على البنت التي تجري وتلعب (معجم lane للغة العربية). وهكذا فكون عائشة جارية لا صبية يعني أنها كانت بين سن 6 و12 يوم نزلت سورة القمر، وبالتالي فقد كانت مابين 14 و21 يوم تزوجها الرسول”().
فتأمل كيف يؤصل لكلام العرب من معجم غير عربي، فما المانع أن تكون عائشة في سن الثالثة، أليس من في هذا السن يجري ويلعب؟ ولقد أسلفنا في بيان معنى البكر أن لفظة الجارية تطلق على الأنثى منذ الولادة إلى ما فوق، والذي يحدد المراد هو السياق.
لقد فهم  المحدثون حدود اللغة وطرق التعبير بها، وهو الأمر الذي عملوا به عندما وضعوا علما سموه ” غريب الحديث”.
إن هذا القانون، وهو معرفة غريب الحديث، من أهم عواصم النقد العقلي. 
إن عمل المحدثين النقاد اتجه منذ البداية إلى نقد المتون، وكل المادة العلمية التي توفرت عن الأسانيد هي ثمرة لنقد المتون، ثم إن الاستدلال اليوم بالدراسة الإسنادية على صحة حديث أو ضعفه، ليس معناه أن المعيار الوحيد هو الإسناد، بل كما عرفنا المقصود من ذلك إعادة تركيب أدلة الضعف أو الصحة، وإن الدليل على هذه النتيجة هي كثرة الضوابط الخاصة والقرائن التي هي في حاجة إلى جمع ودراسة وحسن عرض، وقد سقنا في العرض ما يؤكد هذا.
لقد اتضح أن النظر العقلي متجلي في كل قواعد النقد وكامن فيها، واتضح أن وجود أحاديث ضعيفة في بعض كتب الصحيح لا ينقص من قدر تلك القواعد، لأن النقاد الذين أدخلوها إما بينوا منهجهم في ذلك، أو أن النقاد قد بينوها وعللوا وجودها، كما أن هناك قواعد خلافية كما هو شأن القضايا العقلية.
إن هذا النظر العقلي في قواعد النقاد قد أحكمت ضوابطه بما يضمن الكفاية، ويعصم من مجاراة العقل في الاحتمالات المفضية إلى الفوضى في البحث العلمي.
وخلصنا إلى أن ما يدعى نقدا عقليا للمتون من قبل المعاصرين لا يزيد عن كونه احتمالات تقذف بها الظنون خالية من الأدلة العلمية، وأن هذا الأمر يحسنه الجميع، والذي يصعب هو إقامة البرهان، والبحث عن وجوه الاتفاق.
وتبين أعظم الخلل في النقد الداخلي الذي وضع له المحدثون فنونا عظيمة منها: غريب الحديث، وكتب ضبط الرجال، وكتب التصحيف والتحريف، وغير ذلك، مما يدفع الفوضى في النقد.
لقد تبين أن العقل وحده غير كاف في النقد، بل يحتاج إلى أنظمة من القواعد والضوابط، من معرفة بتاريخ الرواية، ومناهج المصنفين، ومناهج كل ناقد على حدة، وغير ذلك.
وفي الأخير نهيب بالباحثين أن يهتموا بعرض قواعد النقد أولا، ثم تحليلها وتفسيرها وعرض كيفية بنائها، والله من وراء القصد. 
    •    القرآن الكريم.
    •    التعديل والتجريح، الباجي, دراسة وتحقيق: أحمد لبزار، ط. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، طبعة بدون تاريخ.
    •    العلل للدارقطني، تحقيق عبد الرحمن زين، ط. دار طيبة الرياض، ط.الأولى سنة 1405ه.
    •    منهج النقد في علوم الحديث، نور الدين عتر،  ط. دار الفكر دمشق ط.الثالثة 1418ه -1997م.
    •    تحقيق الرغبة في توضيح النخبة، لعبد الكريم الخضير ، كتاب إلكتروني.
www.alkhadher.islamlight.net.
    •    تحرير علوم الحديث، عبد الله الجديع 1/373، كتاب إلكتروني من موقع :
www.ahlalhdeeth.com
    •    توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار، تحقيق: أبو عبد الرحمن صلاح بن محمد بن عويضة، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، ط. الأولى 1417ه.
    •    صحيح مسلم مع شرح النووي، بعناية خليل الميس، ط. دار القلم بيروت، ط. الثالثة بدون تاريخ.
    •    الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة، الإمام الذهبي، تحقيق محمد عوامة، ط. دار الثقافة الإسلامية جدة المملكة العربية السعودية، ط. الأولى سنة 1413 ه.
    •    الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي، تحقيق عبد الله القاضي، ط. دار الكتب العلمية بيروت، ط. الأولى سنة 1406ه.
    •    الغاية في شرح الهداية في علم الرواية، الإمام السخاوي، تحقيق أبو عائش عبد المنعم إبراهيم، ط. مكتبة أولاد الشيخ للتراث، سنة النشر 2001م.
    •    الكفاية في علم الرواية  الخطيب البغدادي، ط. دار الكتب العلمية، بيروت 1409ـ ه.
    •    شرح العلل لابن رجب، تحقيق همام سعيد، ط. مكتبة الرشد الرياض، ط. الثانية 1422ه.
    •    توجيه النظر إلى أصول الأثر لطاهر الجزائري الدمشقي، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، ط. مكتبة المطبوعات الإسلامية – حلب، ط. الأولى، 1416ه – 1995م.
    •    طبقات الشافعية الكبرى لتاج الدين السبكي، تحقيق: د. محمود محمد الطناحي ود.عبد الفتاح محمد الحلو، ط. هجر للطباعة والنشر والتوزيع، ط. الثانية سنة 1413ه.
    •    المحدث الفاصل بين الراوي والواعي للرامهرمزي، تحقيق : د. محمد عجاج الخطيب، ط. دار الفكر بيروت، ط. الثالثة سنة 1404ه.
    •    معرفة أنواع علم الحديث لابن الصلاح، تحقيق عبد اللطيف الهيثم، وماهر ياسين الفحل، ط. دار الكتب العلمية بيروت، ط. الأولى سنة 1423ه.
    •    سير أعلام النبلاء، الذهبي، إعداد محمد عبد الرحيم، ط. الفكر، ط. الأولى 1418ه.
    •    شرح علل ابن أبي حاتم لابن عبد الهادي، تحقيق مصطفى أبو الغيط، وإبراهيم فهمي، ط. الفاروق الحديثة للطباعة والنشر، ط. الأولى سنة 1422ه.
    •    الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكنى، لعلي بن ماكولا، ط. دار الكتب العلمية – بيروت، ط. الأولى، سنة 1411م.
    •    الإسناد من الدين، للشيخ عبد الفتاح أبي غدة رحمه الله.
    •    الكامل في ضعفاء الرجال، عبد الله بن عدي، تحقيق يحيى مختار غزاوي، ط. دار الفكر بيروت، سنة  1409ه.
    •    تاريخ الرسل والملوك لمحمد بن جرير الطبري، ط. دار الكتب العلمية، بيروت،  ط. الأولى سنة 1407ه.
    •    الاستيعاب لابن عبد البر، تحقيق علي البجاوي، ط. دار الجيل، ط. الأولى سنة 1412ه.
    •    تاريخ الإسلام للذهبي، تحقيق عمر عبد السلام تدمري، ط. دار الكتاب العربي، بيروت ط. الأولى سنة 1987.
    •    تهذيب اللغة للأزهري، ط. الهيئة المصرية العامة للكتاب.
    •    النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير، تعليق: صلاح عويضة، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، ط. الأولى 1418ه.
    •    تاج العروس من جواهر القاموس للزبيدى، تحقيق على شيرى، ط.دار الفكر سنة 1414ه.
    •    مفاتيح الغيب، الإمام فخر الدين الرازي، ط. دار الكتب العلمية بيروت ط. الأولى سنة 1421ه.
    •    تفسير البحر المحيط لأبي حيان، تحقيق الشيخ عادل أحمد عبد الموجود وآخرين، ط. دار الكتب العلمية بيروت، ط. الأولى سنة 1422ه.
    •    السنن الكبرى للبيهقي وفي ذيله الجوهر النقي لابن التركماني، ط. مجلس دائرة المعارف النظامية الكائنة في الهند ببلدة حيدر آباد، ط. الأولى ـ 1344ه.
    •    المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، ط. المكتبة العلمية، بيروت.
    •    سنن النسائي، مع شرح السيوطي،  ط. دار الفكر،سنة 1415ه.
    •    المستدرك على الصحيحين للحاكم مع تلخيص الذهبي، ط. دار الكتب العلمية ط.1 سنة 1411ه.
    •    تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني، ط. دار الفكر، ط. الأولى 1404ه.
    •    فتح الباري  لابن حجر، تحقيق عبد العزيز بن باز ط. دار الكتب العلمية بيروت ط1 سنة1989م.
    •    الكليات لأبى البقاء الكفوى، تحقيق: عدنان درويش – محمد المصري، ط.مؤسسة الرسالة – بيروت سنة 1419ه- 1998م.