الرئيسية / قبس من التنوير في مولد السراج المنير، للحافظ أبي الخطاب بن دحية الأندلسي (ت 633 هـ).

عدد المشاهدات 13

عدد التحميلات 1

عنوان المقال : قبس من التنوير في مولد السراج المنير، للحافظ أبي الخطاب بن دحية الأندلسي (ت 633 هـ).

الكاتب(ة) : د. أنس وكاك

قَبَسٌ مِنَ
” التَّنْوِيرِ في مَوْلِدِ السِّرَاجِ الـمُنِيِرِ”
    لِلْحَافِظِ أَبِي الخَطَّابِ  بْنِ دِحْيَةَ الأَنْدَلُسِي (ت 633هـ)

د. أنس وكاك
جامعة القرويين، كلية اللغة العربية، مراكش

  قد سبق ابنَ دحيةَ إلى التأليف في السيرة النبوية علماءُ أفذاذ، لهم فيها اليد الطولى، والقدم الراسخ، والباع الطويل، والسماع الوثيق…غير أنه -رحمه الله- يُعدُّ من أوائل من ألَّف في فن المولد النبوي وأبدع فيه من خلال كتابه الحافل الشهير بالتنوير في مولد السراج المنير.
  ومن المعلوم أن العلماء قد سلكوا في إيضاح السيرة النبوية وعرض أخبارها وتقريبها سُبُلا ذُلُلا، وانتهجوا لذلك طرائق قددا، ومن ذلك ما اصطلحوا عليه  بـالمولد النبوي، وقد كان كتاب التنوير هو اللبنة الأولى التي تأسست للتعريف بهذا الضرب من التصنيف المرتبط بالمولد احتفالا وإقراء، ولذلك فلا غرابة في أن يشتهر ذكره بين العلماء اللاحقين، ويتدارسونه في مجالسهم العلمية واحتفالاتهم الدينية.
والتأليف في فن المولد النبوي قد يقتصر على مدة محددة من حياة الرسول(ﷺ)، هي طور الولادة والطفولة والنشأة وما سبقها من إرهاصات، وقد يتسع ليشمل طور الشباب حتى البعثة، وقد يستوعب حياة الرسول(ﷺ) من الولادة إلى الوفاة، إلى جانب المباحث الأخرى التي تُمهِّد للحديث عن طور الولادة أو تَعقُب الحديث عن الوفاة كما فعل ابن دحية نفسه؛ وهو اختيار يتوافق مع منهجه في التأليف المعهود فيه الاستطراد، مع عنايته بنقد الأسانيد والمتون عناية بالغة، و هي ميزة سبق بها غيره ممن ألَّف في السيرة.
  وقد قسم -رحمه الله – كتابه إلى أبواب متفاوتة في الطول والقصر:
  الباب الأول: أفرده في ذكر شرف رسول الله (ﷺ)، وقد تحدث فيه على  نسبه (ﷺ) وآبائه وأجداده، وكرام العرب ومضر وكنانة وقريش، وتكلم على كل قبيلة من جهة اللغة و الفضل محاكيا في ذلك كتب الأنساب وطريقتهم.
  الباب الثاني: بابُ النسب، وقد بيَّن فيه ما بانت به قريش على غيرها من القبائل العربية أو اختصَّت به، ورفع نسبه (ﷺ) إلى عدنان حيث انتهى النسب الصحيح الذي عليه إجماع الأمة.
  أما الباب الثالث؛ فقد خصصه لبيان اجتماع القبائل العربية مع رسول الله (ﷺ) في عبد المطلب، فتحدث عن أسماء آبائه وأجداده (ﷺ) من جهة الاشتقاق، ذاكرا بعض مناقبهم، ثم سرد أسماء القبائل التي تجتمع معه (ﷺ) في كل جد من أجداده، إلى أن انتهى إلى عدنان، ثم إلى إبراهيم خليل الرحمن.
  وقد ختم هذا الباب بفصول عقدها في نسب عدنان، وبيان الاختلاف في قحطان، منبها على ما سلف لهم من الملك العظيم، والصيت المشهور، ومبينا كيف كانت حال العرب في الجاهلية في علومها وأديانها ومساكنها ومعايشها، وكيف أصبح حالها في الإسلام، شارحا جميع الأحاديث التي ساقها في الباب، و منبها على ما فيها من العلوم والفوائد على جهة الاختصار والإيجاز.
أما الباب الرابع؛ وهو أصل الكتاب وجوهره، فقد عقده لمولد رسول الله(ﷺ)، وهو الجمهور الأعظم من الكتاب، تحدث فيه عن سيرة المصطفى (ﷺ) من المولد إلى الوفاة -كما أشرت آنفا-، مراعيا في ذلك ترتيب الأحداث ترتيبا زمنيا وموضوعيا، مع تمييزه بين الروايات من حيث صحتها أو ضعفها، ثم ختم الباب بذكر بعض خصائصه (ﷺ) وصفاته ومعجزاتـه، ولم يخل تأليفه من ذكر استطراداته المعهودة عنه، واستنباط الفوائد والأحكام و الحِكم، تلك الاستطرادات التي تشتمـل على نوادر النكت وجلائل الفوائد العلمية الدقيقة التي قد لا نقف عليها في غير هذا الكتاب.
  والنسخة الخطية التي وصلتنا منه وحيدة محفوظة بمكتبة مدرسة الأحمدية بمدينة حلب حسب ما هو مدون في طرة اللوحة الثانية، وحسب ما هو مدون – أيضا – في فهارس هذه المكتبة برقمين:أحدهما عام وهو 293، و ثانيهما خاص، وهو 282، وقد أطلعنا على ذلك د.جمال عزون في مقدمة تحقيقه لكتاب الآيات البينات لابن دحية، وعلى طريق حصوله على نسخة الكتاب وأرقامه الدالة عليه من خلال اطلاعه على هذه الفهارس المكتوبة بخط اليد، وهي في ثمانية مجلدات ضخام مع مجيليد أسود مدونة فيه أسماء الكتب وأرقامها كما وردت في المجلدات المذكورة، وهي المجلدات التي يتوفر عليها قسم المخطوطات بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
  وقد ورد –أيضا– في صفحة عنوان كتاب التنوير ما يدل على وجود نسخة مصورة منه بمكتبة الأسد بدمشق.
  وقد كنت فيما مضى أسترشد في العثور عليه بما ذكره الأستاذ الكبير إبراهيم الأبياري -رحمه الله- وغيره من المشتغلين بابن دحية، إلى جانب فهارس المخطوطات، وخاصة منها الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي المخطوط في السيرة والمدائح النبوية لمؤسسة آل البيت بالأردن، و تبين لي بعد المراسلات المتكررة لمكتبة برلين والمكتبة الوطنية بباريس أن تلك المعلومات كلها لم تكن دقيقة، وهو الأمر نفسه الذي أكده د جمال عزون الذي اهتدى إلى مكان الكتاب الصحيح، وأمدني بصورة من نسخته مشكورا.
  تقع هذه النسخة في 427 لوحة، مسطرتها 13 سطرا، متوسط كل سطر عشر كلمات، وقد كتبت في عهد المؤلف بمدينة إربل بخط نسخي جيد مليح، ومن الطريف أنها بخط الشاعر أبي المجد أسعد بن إبراهيم بن الحسن بن علي الإربلي النشابي، وكان قد تولى – وقتئذ– كتابة الإنشاء لملكها مظفر الدين أبي سعيد كُوكُبُوري، وما من شك في أنه كان من جلّة الكتاب المبرّزين، وأعلام الكتابة المميّزين.
  فالنسخة -إذن- تُعدّ من أوائل النسخ التي كُتبت في عهد المؤلف، و هذا مما يرفع من قيمة النسخة و يزيدها نفاسة، بل وجدناها مصححة منقحة مقروءة على المؤلف نفسه، وعليها خطه المعروف لدينا وتصحيحه في أكثر من ستين موضعا، فهي بذلك في حكم النسخة الأم بلا شك.
  ويعلم الله كم غاب عنا من نسخ متقنة بخط العلماء فيما ضاع من كنوز تراثنا أو ما لا يزال مغموراً لا ندري له مكاناً!
  وقد أثبت أبو المجد تاريخ نسخ هذه النسخة واسمه كاملا في آخر الكتاب، فكتب ما نصه: ” وفرغ من كتبه أبو المجد بن إبراهيم بن الحسن بن علي الإربلي بمدينة إربل غرة شهر ربيع الآخر سنة خمسٍ وستمائة “.
  ويستفاد من هذا التأريخ أن أبا المجد كان قد تولى كتابة الإنشاء للملك كوكبوري سنة 605 هـ أو قبل ذلك، خلافا لما ذكره القطب اليونيني- على سبيل الظن- في ذيل مرآة الزمان، قال:”والظاهر أن ذلك كان في حدود سنة خمس عشرة وستمائة”.
  كما يستفاد منه ترجيح ما ذكره ابن الشعار في قلائد الجمان في خصوص تأليف التنوير واجتماع المؤلف بالملك كوكبوري، وأن ذلك كان بعد عودته من رحلته الخراسانية، بل هذا ما نص عليه ابن دحية نفسه في مقدمة الكتاب، قال:   “وبعد؛ فهذا كتاب التنوير في مولد السِّراج المنير، ألَّفته بعد أن جلت البلاد، وخلت العباد إلى أن حللت بإربل المحروسة، ووافق ذلك ليلة مولد رسول الله (ﷺ)،…..”.
  وأما ما ذكره ابن خلكان من كونه ألَّفه و هو متوجه إلى خراسان فمر جوح بما ذكرناه، وينضاف إلى ذلك أن تواريخ أسمعة المترجم على شيوخه بتلك البلاد الخراسانية متقدمة بالنظر إلى سني وفياتهم، كأبي الغنائم شيرويهبن شهردار الديلمي ت 600هـ، وأبي العز عبد الباقيبن عثمان الهمداني ت602هـ، وفارس بانويه بنت محمد بن أبي القاسم الصالحانية ت 602 هـ، وأبي جعفر محمد بن أحمد بن نصر الصيدلاني ت603 هـ، و أبي الفتح محمد بن أحمد بن بختيار المندائي ت 605 هـ، وغيرهم.
  وينضاف إلى ذلك – أيضا – إحالات ابن دحية في التنوير على بعض مؤلفاته التي تدل على تقدم رحلته من مثل كتابه الشيرازيات، وهي مسائل فقهية أملاها بشيراز كما أفاد بذلك في التنوير، في سياق حديثه عن تحريم الخمر، قال:”وقد ذكرت ذلك على الاستيفاء في المسائل التي أمليتها بمدينة شيراز”، وشيراز قد نص عليها  – رحمه الله – في حديثه عن رحلته الطويلة إلى البلدان المشرقية في ختم كتابه النبراس في تاريخ خلفاء بني العباس، وهو أجمع نص موثق عن رحلاته، وقد استحسنه المقري ، فنقل بعضه في نفح الطيب ، وجعله فصلاً في الاعتبار.
  ومن مثل كتابه مرج البحرين في فوائد المشرقين و المغربين الذي ورد ذكره في التنوير -أيضا-، وهو في مجلدين، أحدهما في البشارات، والثاني في الإنذارات، يشهد لذلك ما ذكره في المستوفى، قال :”..وقد أفردنا بالبشارات والإنذارات كتاباً في مجلدين، رحلنا في طلب ما ضمناه فيهما إلى المشرقين والمغربين، وسميناه بمرج البحرين”، والكتابان معا من تراثه المفقود، بل في مقدمة التنوير ما يدل دلالة قاطعة على ما أردناه.
  وفي آخر النسخة كتب بخط مغاير لخط الناسخ ما نصه: ” طالع فيه، واستنار بمصباح معانيه، الفقير إلى الله تعالى: عبد الله ابن الشيخ أبي بكر خليفة ابن الشيخ محمد الحنفي الحلبي غفرله ولوالديه ولكل المسلمين أجمعين، ولمن دعا لهم بالمغفرة، آمين، بتاريخ 1010 سنة عشر وألف”.
  وليس في النسخة ما يمكن اعتباره عللا لحقت بها، وإن كانت المصورة التي حصلت عليها غير تامة.
  ومما يفيدنا -أيضا-  في توثيق نسب التنوير لابن دحية أسانيده التي ترد في متن الكتاب من طريق شيوخه المعروفين لنا، كأبي الحسن اللواتي الفاسي، وأبي محمد عبد الحق بن أبي مروان العبدري، و أبي جعفر الصيدلاني، وغيرهم، أو مروياته عنهم، وهي متكررة في أكثر مصنفاتـه، وإحالاته على بعض مؤلفاته بأسمائها، كالمستوفى في أسماء النبي المصطفى، والآيـات البينات، ومـرج البحرين، و تاريخ الأمـم في أنساب العرب والعجم، وشرح الموطأ، و غيرها مما سأذكره في مصادر التنوير، وإحالاته في أخرى على التنوير  نفسه كما ورد في المستوفى، و نهاية السول في خصائص الرسول، أضف إلى ذلك ما ورد من توثيقٍ للكتاب في مادة الترجمة عند من ترجموا ابن دحية ،سواء كانوا من القادحين فيه أو المادحين له .
  وقد اشتهر هذا الكتاب بين العلماء اللاحقين كما ذكرت سابقا، و نقلت به النسخ، وأفادوا منه في تواليفهم، فقد نقل عنه ابن الشعار في ترجمته لابن دحية، قال: ” …..قدم بعد عودة من البلاد الخراسانية مدينة إربل، واتصل بسلطانها الملك العظيم مظفر الدين أبي سعيد كُوكُبُوري ابن علي بن بكتكين -رضي الله عنه-، فبالغ في إكرامه، وأنعم عليه إنعاما عظيما، و صنف له كتابا سماه كتاب التَّنْوِيرِ فِي مَوْلِدِ السِّرَاجِ المُنِير، ويتضمن ذكر ولادة النبي (ﷺ) حين رآه مغرى بمولد النبي (ﷺ) وشدة شغفه بذلك، وإصغائه إليه، وذلك أن الملك المعظم مظفر الدين– قدس الله روحه– انفرد بشيء ما سبقه أحدٌ إليه من الملوك الماضين والخلفاء المتقدمين، واختص به دونهم تبركا بولادته- عليه السلام-، فإنه كان يأمر بنصب القِباب من الخشب، متصلة منتظمة من الخانقاه التي تحت القلعة المحروسة إلى الخانقاه التي تقرب من دار السلطنة بالمدينة، منذ مستهل شهر صفر، وتُزين في العشرين منه بآلات الثياب، وأنواع السلاح والأقمشة الفاخرة، ويُعلق فيها التعاليق، ويغني فيها المغنون وأرباب الطرب، ويقصدها الناس للتفرج من أقطار البلدان، فلم يزل كذلك إلى ثاني عشر ربيع الأول، وهو مولده (ﷺ)، ثم تُرفع القِباب، ويخلع على الوعاظ والعلماء والقراء، ويخرج الصدقات على الفقراء والغرباء الواردي البلد من الصوفية وغيرهم من بلاد شتى، وينفق على ذلك أموالا جمة.
  ولم يُسمع في قديم الزمان وحديثه عن الملوك السالفة، والسلاطين الغابرة، من انتدب لهذا الأمر وبالغ فيه سوى هذا السلطان الملك المعظم، فرضي الله عنه وأرضاه، وبلغه في آخرته ما يتمناه، وأجزل ثوابه، وأحسن منقلبه ومآبه، بمحمد وآله أجمعين، الأبرار الطاهرين.
  وهذا كتاب التنوير كنت أحد من سمعه على الملك المعظم مظفر الدين-نور الله ضريحه-، في جمادى الآخرة سنة خمس وعشرين وستمائة، برباط الصوفية المعروف برباط المناظرة، قريبا من القلعة المنصورة، بحق روايته عن مصنفه الإمام أبي الخطاب، وفي مقدمته هذه الأبيات يمدح بها الملك المعظم-رضي الله عنه- :

مَلِكٌ يَلُوحُ عَلَيْهِ مِنْ شَمْسِ الضُّحَـــى
        سِيمَا، ومِنْ بَدْرِ التَّمَامِ مَخَايِـــــلُ
لا يَقْتَنِي غَيْرَ الثَّنَـا ذُخْـــــراً وَلاَ
                يُفْنِي  لَدَيْهِ  المَـــالَ إلاَّ  النَّائِـــلُ
اُنْظُرْ لإِرْبِلَ، صَاحِ، قَدْ لَبِسَـتْ بِـــهِ
                ظِلاًّ كَمَـا وَشَتِ الرِّيَاضَ  خَمَائِـــلُ
لَـوْ تستطِيعُ لَصَافَحَتْهُ  يَمِينُهَـــــا
                لَمَّا أتاها مِنْهُ مُزْنٌ  هَـامِــــــلُ
فَأَفَاضَ فِيهَا العَدْلَ يَنْدَى سَـلْسَـــلاً
                تَرْوَى المُنـَى فِيهِ، وهُـنَّ هَـوَاطِــلُ
بُشْرَى لَهَا،فَلَقَدْ تَـقَلَّدَ مُلْكَهَـــــا
                مَلِكٌ حُــلاَهُ مَكَــارِمٌ وفَـوَاضِـلُ
ومَوَاهِبٌ وسَــلاَهِـبٌ ورَغَائِـــبٌ
                ومَقَانِبٌ وكَتَـائِبٌ وجَحَـافِــــلُ
يَا وَيْحَ أَرْضِ الرُومِ، سـوف  يَـزُورُهَـا
                مِنْ نَجْلِ زَيْنِ الدِّينِ  هَوْلٌ  هَائِــــلٌ
وتَظَلُّ دَارُ الشّـِرْكِ خَـصْراً أَهْيَفَـــا
            فيه وِشَاحٌ   للكَتَائِبِ حَــائِــــــــلُ
ويُطِيفُ فيهـا  لِلإِسَــارِ  ولِلْـحِصَـا
                رِ دَمَالِجٌ  وأَسَاوِرٌ وخَلاَخِــــــلُ
لاَزَالَ  كَالشَّمْسِ المُنِيـرَةِ في الضُّحَــى
                وعِدَاهُ في الهَيْجَاءِ ظِـلٌّ زَائِـــــلُ

  ومثل هذا ذكره ابن خلكان في الوفيات، قال: ” كان أبو الخطاب المذكور من أعيان العلماء و مشاهير الفضلاء، متقنا لعلم الحديث وما يتعلق به، عارفا بالنحو واللغة و أيام العرب وأشعارها،……وقدم مدينة إربل في سنة أربع وستمائة، وهو متوجه إلى خراسان، فرأى صاحبها الملك المعظم مظفر الدين– رحمه الله تعالى – مولعا بعمل مولد النبي (ﷺ)، عظيم الاحتفال به – كما هو مذكور في ترجمته في حرف الكاف من هذا الكتاب-، فعمل له كتابا سماه: كتاب التنوير في مولد السراج المنير، وقرأه عليه بنفسه، وسمعناه على الملك المعظم في ست مجالس في جمادى الآخرة سنة خمس وعشرين وستمائة “.
  ويستفاد مما ذكره ابن الشعار وابن خلكان مدى عناية الملك مظفر الدين كُوكُبُوري وحرصه على إقراء التنوير في احتفالات المولد التي كانوا يتهيئون لها – وقتئذ- من شهر المحرم إلى غاية أوائل ربيع الأول، بل كان إقراؤه للتنوير في تلك الاحتفالات الدينية ومجالسه العلمية للسماع والرواية يتجاوز هذه المدة إلى شهر شعبان، وقد استمر على هذه السنة الحميدة إلى أن توفي- رحمه الله -.
  وممن نقل عن التنوير من العلماء و أفاد منه الحافظ مغلطاي في إكمال تهذيب الكمال، والحافظ ابن كثير في البداية والنهاية، قال:”وقفت على هذا الكتاب، وكتبت منه أشياء حسنة مفيدة”.
  ونقل عنه –أيضا– ابن الملقن في غاية السول، والبدر المنير، و البلقيني في المحاسن، وابن حجر في الفتح، والشمس السخاوي في فتح المغيث، والسيوطي في الخصائص الكبرى، والحاوي للفتاوى، ومحمد ابن يوسف الصالحي في سبل الهدى و الرشاد، والزرقاني في شرح المواهب اللدنية، وابن الطيب الشرقي في إضاءة الراموس، وغيرهم .
  وقد اشتهر بين أهل العلم – قديما وحديثا– أن أبا الخطاب – رحمه الله – ممن تُكُلِّم فيه، لكن بأمور لا يُعَوَّلُ عليها في جَرْحٍ، ولا يُستَنَدُ إليها في قَدْحٍ.
  وقد رَدَّ أبو الخطاب نفسُهُ على خصومه، ونازعهم إذ نازعوه، وقاطعهم إذ قاطعوه، ولم يكثرت ببعض من كان يبتغي العبث بتهجينه والقدح فيه كابن عُنين، ولا يُزري ذلك على من عرف الحق ، فقد كان هذا الشاعر وأمثاله ثُلَبَة للأعراض، لا يكفُّ غَرْبَ لسانه عن أحدٍ لا في الشرق ولا في الغرب، ولا أخال أحداً ينحط عن إدراك هذا.
  ومن المعلوم عند المحققين – أيضا – أنه لم يحصل لمتألبي ابن دحية منه ما أرادوا، وأنه لم يعدم مع ما حصل تكريماً وتعظيماً عند الخاصة والعامة، ولولا خوف الإطالة والخروج عن القصد، لطرقنا هذا الموضوع بإسهاب، واجتلبنا من محاسن المترجم ما يَبْهَرُ العقول، ويفضح المروي عن غيره والمنقول، ولكن إثراء مثل هذا البحث لا يقتضي منا سوى تفنيد التهمة التي رُمي بها ابن دحية في موضوع التنوير.
  فقد ذكر الأدفوي في البدر السافر- نقلا عن ابن المستوفي في تاريخ إربل- أن أصل كتاب التنوير كتاب آخر كان قد ألَّفه ابن دحية، ثم غيَّر له التسمية، قال: “قال: وصنَّف كتاباً سماه بالتنوير في نسب السِّراج المنير، فلما رأى السلطان يعمل في كل سنة مولداً سماه، وغيَّر تسمية الكتاب، وسماه:التنوير في مولد السراج المنير”.
  والجواب عن هذا من عدة وجوه:
أولها: إن ما ذكره ابن المستوفي في تاريخه مجرد دعوى.
وثانيها: إن أبا الخطاب بن دحية غنيٌّ عن مثل ما رُمي به، فقد أثبت قدرته على التأليف من محفوظه ، فما ظنك بانتخابه من الدواوين مجتمعة!
وثالثها: إن الأدفوي عزا  للمترجم في البدر السافر بيتا من طريق ابن المستوفي لا يليق بمقام محدث جليل القدر مثل ابن دحية – رحمه الله –.
ورابعها: إن أهم ما يُضعف دعوى ابن المستوفي ويدحضها هو اشتمال التنوير على أجوبة من المترجم، وسؤالات من الملك كُوكُبُوري في باب الهجرة، وفي شأن النجاشي أمير الحبشة، ومن ذلك قوله: “قلت: لما وصلت إلى مدينة إربل، سألني السلطان العالم العادل، أفضل الملوك والسلاطين، مظفر الدنيا والدين، ذو المنن الغُر والجود المعين، قال: إذا كانت الهجرة فرضاً، فما بالها لم تجب على النجاشي أمير الحبشة أصحمة ابن أبجر-رضي الله عنه-؟ ولِمَ يسقُطُ فرضها عنه مع مسيس الحاجة إلى غناء مثله في ذلك الوقت؟
  فالجواب أن النجاشي المذكور كان في أهل مملكته، وفي قـرارة داره، وفي الموضع الذي كان فيه أشد غناء عن الله تعالى وعن رسوله و عن جماعة المسلمين منه أن لو هاجر بنفسه فرداً أو مع جماعة يسيرة، وأول غنائه هنالك أنه حبس الحبشة كلهم عن مقاتلة النبي (ﷺ) والمسلمين معه، وحبس بحبسهم طوائف من الكفار، مع أنه كان ملجأ لمن أوذي من أصحاب النبي (ﷺ) قبل الهجرة، واستصحب إيواءهم إلى أن صدروا عنه بعد الهـجرة آيبين، ……..”.
وقد أثار ابن خلكان الاختلاف في نسب قصيدة طويلة مُدح بها الملك مظفر الدين كُوكُبُوري، كان وقف عليها في التنوير لابن دحية، وفي ديوان الأسعد بن مَمَّاتي، ولذلك ذكرها في موضعين من كتابه الوفيات، في ترجمة أبي المكارم الأسعد ابن مَمَّاتي في حرف الهمزة، وفي ترجمة أبي الخطاب ابن دحية في حرف العين، فقال في سياق ترجمته للأسعد : “..وكان الحافظ أبو الخطاب ابن دحية المعروف بـذي النسبين -رحمه الله تعالى-، عند وصوله إلى مدينه إربل، ورأى اهتمام سلطانها الملك المعظم مظفر الدين ابن زين الدين -رحمه الله تعالى -،  بعمل مولد النبي (ﷺ)، حسبما هو مشروح في حرف الكاف من هذا الكتاب عند ذكر اسمه، صنف له كتاباً سماه : التنوير في مولد السراج المنير ، و في آخر الكتاب قصيدة طويلة مدح بها مظفر الدين، أولها :

لَـوْلاَ الوُشَــاةُ وهُـــمُ  *  أَعْدَاؤُنَـا مَا وَهِــمُـــــوا

  وقرأ الكتاب والقصيدة عليه، وسمعنا نحن الكتاب على مظفر الدين في شعبان سنة ست وعشرين وستمائة والقصيدة فيه، ثم بعد ذلك رأيت هذه القصيدة بعينها في مجموعة منسوبة إلى الأسعد ابن مَمَّاتي المذكور، فقلت: لعل الناقل غلط، ثم بعد ذلك رأيتها في ديوان الأسعد بكمالها، مدح بها السلطان الملك الكامل – رحمه الله تعالى-، فقوي الظن.
  ثم إني رأيت أبا البركات ابن المستوفي قد ذكر هذه القصيدة في تاريخ إربل، عند ذكر ابن دحية، وقال: سألته عن معنى قوله فيها:

يـفـديــه من عـطـا جـما  **  دَى كــفــه المـحــرم

فما أحار جواباً ، فقلت : لعله مثل قول بعضهم :

تَسَمَّى بِأَسْمَاءِ الشُّهـور فــكفُّهُ  **  جُـمادى و ما ضمّتْ عليه المحرّمُ

قال: فتبسم وقال: هذا أردت. فلما وقفت على هذا ترجّح عندي أن القصيدة للأسعد المذكور، فإنها لو كانت لأبي الخطاب لما توقف في الجواب، و– أيضا – فإن إنشاد القصيدة لصاحب إربـل كان في سنة ست وستمائة، والأسعد المذكور توفي في هذه السنة كما سيأتي، وهو مقيم بحلب لا تعلُّق له بالدولة العادلية، وبالجملة فالله أعلـم لمن هي منهما؟)).

وقال في سياق ترجمته لابن دحية:” …. وكان الحافظ أبو الخطاب المذكور قد ختم هذا الكتاب بقصيدة طويلة أولها:

لَـوْلاَ الوُشَـــاةُ وهُـــمُ **  أعْدَاؤُنا مَا وَهِــــمُــــوا

  وقد ذكرت فيما تقدم في ترجمة الأسعد بن مَمَّاتي في حرف الهمزة حديثَ هذه القصيدة فليتأمل هناك .”.

  والجواب عن هذا أن إلحاق القصيدة المذكورة بأصل التنوير إنما هو من عمل النساخ، لأن النسخة الخطية الوحيدة المصححة بخط المؤلف ليس فيها ذكر لهذه القصيدة، ولو كانت من أصل الكتاب لألحقها المؤلف بخطه بالنسخة نفسها كما فعل في الستين موضعا منها على سبيل التصحيح و التنقيح، وقد ذكرت – آنفا – بأن هذه النسخة كتبت سنة خمس وستمائة كما نص على ذلك الناسخ، وابن خلكان يذكر بأن إنشاد القصيدة لصاحب إربل كان في سنة ست وستمائة، و بهذا يتبين لك حقيقة حديث هذا الأمر، بل يبدو لي أن أصل إثارة هذه التهمة هو ابن المستوفي، لأن ابن الشعار والأدفوي لم يذكرا القصيدة ضمن أصل الكتاب كما نقل ابن خلكان، و إنما عزاها لابن دحية من طريق ابن المستوفي، فالعهدة – إذن – على ابن المستوفي الذي تبين لي بالبحث والدرس أنه عزا لابن دحية أمورا أخرى لا تصح عنه.
  ثم إن أبا الخطاب – رحمه الله – له مدائح كثيرة في السلطان وغيره، مع القدرة على النظم وحسنه، والمطلع على مطربه سيقف على مكانته في هذا الفن، فما الذي سيوقعه في السرقات الفاحشة بالمعنى واللفظ فيظهر ذلك لمن له أدنى اطلاع وأيسر ذوق !
  وعلى الجملة؛ فإني رأيت هذا الكتاب – كما رآه من تقدم وتأخر – من أنفع كتب علم السيرة النبوية وأعظمها شأناً، أثبته مؤلفه كما ينبغي في أماكنه، فاستولى به على أمد الإحسان، واحتوى به من السبق ما لم يدركه في عصره إنسان، ولم يقع له أبدع من هذا التصنيف، ولا أبرع من هذا التأليف، وقد قرأت هذا الكتاب بشغف شديد، لأحرز من فوائده ما أحرز، وأستفيد من استطراد مؤلفه الذي إن طال لم يملل، وإن أوجز وددت أنه لم يوجز.
  وقد ذكرت –آنفا– بأن التأليف في المولد النبوي قد يقتصر على مدة محددة من حياة النبي (ﷺ)، وقد يتسع ليشمل جميع مراحل حياته (ﷺ)، ولذلك نجد من المؤلفين من يختصر ويرتب، ومن يطيل ويستطرد، ومن هذه الجهة انتقد محدث الديار الشامية ابن ناصر الدين  التنوير مع حدة في القول، قال: “لكن لم يحرر ذلك التحرير، وفيه ما لا يتعلق بالمولد شيء كثير…”.   
  فالمتفحص الناقد يعلم أن سبب هذا النقد يرجع إلى اختلافهما في منهج التصنيف، ويدرك هذا جيدا كل من له اطلاع بتواليفهما؛ فهما من المكثرين في التأليف، وقد عُرف ابن ناصر الدين بوفرة مصادره، ودقته في ترتيب مادة تواليفه وجودتها، بينما عُرف ابن دحية باستطراداته وتطويله، مع تقدم زمانه، فذكر في المولد ما لم يوافقه عليه ابن ناصر الدين، وهذا سيتضح جليا عند المقارنة بين كتابيهما.
  وما من شك في أن ابن ناصر الدين قد استفاد من التنوير، كما استفاد من كتبه الأخرى كالوفيات، وطبيعة العلم الكسبي تتكامل فيه جهود العلماء جيلا بعد جيل ، كل منهم ينتفع بجهد سابقه، و يبدأ من حيث انتهت خطاه.
وابن دحية – رحمه الله
  لم يبدأ من فراغ، بل تلقى ميراث علماء السلف مغاربة ومشارقة، يلقوننا حيثما قرأنا في التنوير، وكل ما أخذه منهم عزاه إليهم، ولذلك احتوى الكتاب على جملة وافرة من المصادر النفيسة والمتنوعة، وهذا ثبت بأسمائها مرتبة بحسب سني وفيات مؤلفيها، وقبالتها أرقام اللوحات لمواضع الإفادة كنماذج:
    1.    السيرة، للزهري ت 124هـ/145 ب
    2.    النسب، للزهري/105أ
    3.    المغازي، لموسى بن عقبة ت 141هـ/161 ب
    4.    السير، للتيمي ت 143ه/147 ب
    5.    السيرة، لمحمد بن إسحاق ت 151هـ/185 ب
    6.    المصنف، لحماد بن سلمة ت 167ه/253 ب
    7.    العين، للخليل بن أحمد الفراهيدي ت170هـ/122 ب
    8.    الموطأ، للإمام مالك بن أنس ت179هـ/104 ب
    9.    الكتاب، لسيبويه ت 180هـ/403 ب
    10.    السنن، للإمام محمد بن إدريس الشافعي ت 204هـ/399أ
    11.    جمهرة النسب، لابن الكلبي ت 204هـ/61أ
    12.    المغازي، للواقدي ت 207هـ/242 ب
    13.    التاريخ، للهيثم بن عدي ت 207هـ/162 ب
    14.    المصنف، لعبد الرزاق بن همام الصنعاني ت 211هـ/69 ب
    15.    التفسير، لعبد الرزاق بن همام/221أ
    16.    الغريب المصنف، لأبي عبيد القاسم بن سلام ت224هـ/111أ
    17.    الطبقات، لابن سعد ت 230هـ/374أ
    18.    المختصر، لأبي يعقوب البويطي ت 231هـ/352 ب
    19.    التاريخ، لابن معين ت 233هـ/207أ
    20.    المصنف، لابن أبي شيبة ت 235هـ/103أ
    21.    المسند، لابن أبي شيبة/117 ب
    22.    نسب قريش، لمصعب الزبيري ت 236هـ/127 ب
    23.    مدونة سحنون ت240هـ/97أ
    24.    المسند، للإمام أحمد بن حنبل ت 241هـ/262أ
    25.    إصلاح المنطق، لابن السِّكِّيت ت 244هـ/100أ
    26.    الـمُحَبَّر، لأبي جعفر محمد بن حبيب ت 245هـ/169أ
    27.    فضائل عمر بن عبد العزيز، للدورقي ت 246هـ/191أ
    28.    عجائب البلدان، للجاحظ ت 255هـ/11أ
    29.    نسب قريش، للزبير بن بكار ت 256هـ/57أ
    30.    أخبار المدينة، للزبير بن بكار/90أ
    31.    صحيح الإمام البخاري ت 256هـ/26أ
    32.    التاريخ الأوسط، للإمام البخاري/312 ب
    33.    المسند ، لابن سنجر ت 258هـ/166 ب
    34.    صحيح الإمام مسلم ت 261هـ/11أ
    35.    الكُتَّاب، لعمر بن شبَّة ت 262هـ/342 ب
    36.    السِّيَر، ليعقوب بن شيبة ت 262هـ/13ب
    37.    المختصر، للمزني ت 264هـ/352 ب
    38.    السنن، لأبي داود ت 275ه/397 ب
    39.    السنن، لابن ماجه ت 275هـ/309أ
    40.    أدب الكاتب، لابن قتيبة ت 276هـ/100أ
    41.    المعارف، لابن قتيبة/24 ب
    42.    غريب الحديث، لابن قتيبة /326أ
    43.    المسائل ، لابن قتيبة/336أ
    44.    الجامع ، للإمام الترمذي ت 279هـ/130 ب
    45.    المسند، للحارث بن أبي أسامة ت 282هـ/349أ
    46.    النبات، لأبي حنيفة الدينوري ت 282هـ/174 ب
    47.    غريب الحديث، لأبي إسحاق الحربي ت 285هـ/182أ
    48.    الكامل، للمبرد ت 286هـ/301أ
    49.    المسند الكبير، للبزار ت 292هـ/119 ب
    50.    علل الآثار، للبزار/388أ
    51.    الانتفاع بجلود الميتة،لمحمد بن نصر المروزي ت 297هـ/167 ب
    52.    النسب، لمحمد بن عبدة بن سليمان ت قبل 300هـ/21أ
    53.    الدلائل في غريب الحديث، لأبي محمد قاسم بن ثابت ت 302هـ/131 ب
    54.    السنن، للإمام النسائي ت 303هـ/299 ب
    55.    المسند، لأبي يعلى الموصلي ت 307ه/35أ
    56.    التاريخ، لابن جرير الطبري ت 310هـ/124 ب
    57.    الجرح والتعديل، لابن أبي حاتم الرازي ت 327هـ/207أ
    58.    التذكير والتأنيث، لابن الأنباري ت 328هـ/197أ
    59.    الزاهر، لابن الأنباري/52 ب
    60.    التاريخ، لأبي العرب محمد بن أحمد الإفريقي ت 333هـ/168ب
    61.    الإكليل، للهمذاني ت 334هـ/70أ
    62.    الكافي في النحو، للنحاس ت 338هـ/31أ
    63.    البرهان، لابن شجرة ت 350هـ/388أ
    64.    شفاء الصدور، للنقاش ت 351هـ/221أ
    65.    الصحيح، لابن السكن ت 353هـ/402 ب
    66.    أخبار مكة، للفاكهي ت 353هـ/269 ب
    67.    الأغاني، لأبي الفرج الأصبهاني ت 356هـ/180أ
    68.    الشيرازيات، لأبي علي القالي ت 356هـ/48أ
    69.    النوادر، لأبي علي القالي/65أ
    70.    الذيل، لأبي علي القالي/65أ
    71.    المعجم الكبير، للطبراني ت 360هـ/127أ
    72.    صلة الصلة، للفرغاني ت 362هـ/46أ
    73.    المسند، لمحمد بن معاوية القرشي ت 365هـ/320 ب
    74.    الأفعال، لابن القوطية ت 367هـ/245 ب
    75.    التفسير، لأبي منصور الأزهري ت 3710هـ/317 ب
    76.    المولد، لأبي زكرياء ابن عائذ ت 376هـ/112 ب
    77.    انتقال النور، لابن عائذ/131 ب
    78.    الطبقات ، للزبيدي ت 379هـ/170 ب
    79.    السنن، للدارقطني ت 385هـ/311أ
    80.    غريب الحديث، للخطابي ت 388هـ/120أوب
    81.    الصحاح، للجوهري ت 393هـ/198أ
    82.    الفروق، لأبي هلال العسكري ت 395هـ/177أ
    83.    المنبي في أسماء النبي، لابن فارس ت 395هـ/139أ
    84.    اختصار سيرة رسول الله (ﷺ)، لابن فارس/ 311 ب
    85.    الغريبين، لأبي عبيد الهروي ت 401هـ/122 ب
    86.    أطراف الصحيحين، لأبي مسعود إبراهيم بن محمد الدمشقي ت 401هـ/342 ب
    87.    شرح صحيح البخاري، لأحمد بن نصر الداودي ت402 هـ/289أ
    88.    تاريخ أبي عبد الله الحاكم ت 405هـ/99أ
    89.    فقه اللغة، للثعالبي ت 429هـ/81أ
    90.    شرح مختصر صحيح البخاري، للمهلب بن أبي صفرة ت 435هـ/217 ب
    91.    المختصر في شرح غريب شعر أبي تمام وإعرابه ومعانيه، للمعري ت 449هـ/170أ
    92.    شرح صحيح البخاري، لابن بطال ت 449هـ/167أ
    93.    عيون المعارف، لمحمد بن سلمة القضاعيت 454هـ/108 ب
    94.    تاريخ الأنبياء، للقضاعي/130أ
    95.    الإيصال، لابن حزم ت 456هـ/93أ
    96.    الملل والنحل، لابن حزم /94 ب
    97.    المرتبة الرابعة، لابن حزم /104أ
    98.    الجماهر، لابن حزم /63 ب
    99.    المُحكم، لابن سيده ت 458هـ/83أ
    100.    طبقات الحكماء، لصاعد ت 462هـ/76أ
    101.    الاستيعاب، لابن عبد البر ت 463هـ/102 ب
    102.    التمهيد، لابن عبد البر/127 ب
    103.    الاستذكار، لابن عبد البر/332 ب
    104.    الاحتواء في شرح صحيح البخاري، لابن ورد ت 465ه/218ب
    105.    المغازي، للواحدي ت 468هـ/329أ
    106.    تحقيق المذهب، للباجي ت 474هـ/342أ
    107.    جزء في الرد على رسالة الباجي، لأبي محمد ابن مفوز ت47هـ/344 ب
    108.    معجم ما استعجم، لأبي عبيد البكري ت 487ه/189 ب
    109.    نسب رسول الله (ﷺ) ومولده و معجزاته، للحميدي ت488هـ /107أ
    110.    الجمع بين الصحيحين، للحميدي/99أ
    111.    المسند الكبير، للحميدي/36أ
    112.    شرف المحدثين، لأبي علي الغساني ت 498هـ/96أ
    113.    سِير السلف، لإسماعيل بن محمد بن الفضل الأصبهاني ت 535هـ/276أ
    114.    اقتباس الأنوار والتماس الأزهار، للرشاطي ت 542هـ/144أ
    115.    شرف المصطفى(ﷺ)، للقاضي عياض ت 544ه/121 ب
    116.    مطالع الأنوار، لابن قرقول ت 569هـ/338 ب
    117.    الغوامض والمبهمات، لابن بشكوال ت 578هـ/134أ
    118.    الروض الأنف، لأبي القاسم السهيلي ت 581هـ/120 ب
    119.    تلقيح فهوم أهل الأثر في مختصر السير والأخبار، لابن الجوزي ت 597هـ/293أ.
    120.    كتاب من بشر بالنبي (ﷺ) قبل مولده، …..؟/52ب
    121.    رسالة أبي عامر أحمد بن غرسية ت …؟/ 66أ
    122.    إعلام الورى بأعلام الهدى، تأليف للشيعة /105 ب
    123.    شرح الموطأ، لابن دحية/332 ب
    124.    الفهرست، لابن دحية /100أ
    125.    تاريخ الأمم في أنساب العرب والعجم، لابن دحية /25أ
    126.    المستوفى في أسماء النبي المصطفى، لابن دحية /34أ
    127.    المنتخب في أنساب العرب، لابن دحية /31 ب
    128.    خصائص رسول الله (ﷺ)، لابن دحية /118 ب
    129.    استيفاء المطلوب في تدبير الحروب، لابن دحية /184أوب
    130.    جزء في النظر إلى الله – عز وجل -، لابن دحية /222 ب
    131.    أجزاء في تسمية أولاد فاطمة -رضي الله عنها- وأصهارها وتسمية أولاد علي من غيرها، لابن دحية /289 ب
    132.    الشيرازيات، لابن دحية /315 ب
    133.    جزء في التيمم وهيئته وأحاديثه، لابن دحية /323أ
    134.    الآيات البينات، لابن دحية /418أ
    135.    جزء في البلاغ عند مالك، لابن دحية /407أ
    136.    فوائد الرحلة وتقييد علوم الملة، لابن دحيى /341ب
    137.    جزء في المحبة، لابن دحية /352أ
    138.    جزء في بيان الراجح من اختلاف الفقهاء في الحج، لابن دحية/385 ب
    139.    مرج البحرين، لابن دحية/404أوب
ونثبت في الصفحات التالية من هذا البحث المتواضع نصوصاً منتخبة من التنوير لينتفع بها القارئ، ويلامس بعض ما أثبتناه في التعريف به، وقد كان اختيارنا لتلك النصوص آخذا في الاعتبار الانتخاب من أبواب الكتاب جميعها مع الاختصار.
أما المقدمة فقد ذكر فيها رحلته إلى البلاد الخراسانية، وثناءه على الملك مظفر الدين كوكبري، وأنه أول من أحيى مولد رسول الله (ﷺ)، ومدحه بالقصيدة التي نقلها ابن الشعار في قلائد الجمان، وأنه رغِب إليه في إقراء الموطأ بالجامع الأعظم، فبادر بهذا الأجر الجزيل ، والصنع الجميل.
الملحق 1: من الباب الأول
(( بـــابُ شرف رسول الله (ﷺ)
  جَمَعَ الله له ما لم يَجمع لنِبيٍّ قبله ، فأوَّلُها شَرَفُ نَسَبِهِ و عِزَّةُ قَوْمِهِ وكَرَمُ أَرْضِهِ، أما نسبه؛ فأنا أقول: لو أن السماء دَنَتْ لمجدٍ ومكرُمَةٍ دَنَتْ لهم السماء، والعرب تقول : بَعُدَت السماء عن اللّمس باليد، وجلّت الهاجن عن الولد.
  وَلِيَهُ الكِرامُ والرسلُ آدمُ ونوحُ وإبراهيمُ وإسماعيلُ، قال الله تبارك و تعالى: ﴿و تقلبك في الساجدين﴾ ، قال ابن عباس: من نبي إلى نبي حتى أخرجك نبيا.
  ثم وَلِيَهُ كِرَامُ العرب، ثم كِرامُ مُضر، ومُضرُ في نفسه أفضلُ أهل زمانه ، يفك العاني، ويُطعمُ الطعام، ويهبُ الآلاف، وتُرْضَعُ في حَضْرَتِهِ أخلاف.
  ثم كِرَامُ كِنَانَةَ، وكان كِنَانَةُيأنَفُ أن يأكل وحده، فإذا لم يجد أحداً أكل لُقمةً ورَمَى لُقمةً إلى صَخْرَةٍ نَصَبَهَا بين يديه أنفةً من أن يأكل وحده.
  ثم كِرَامُ قُرَيْشٍ، وهم أهلُ الوَبَرو المَدَر، والأبيض والأصفر، والصَّفَا والمَشْعَر، والقُبَّةِ والمَنْحَر، والسّرير والمِنْبَر، والمُلْكِ إلى المَحْشَر، فهم زينةُ الدنيا، وحُلِي العالَم، والسنام الأضخم، والكاهل الأعظم، ولُبابُ كلِّ جَوْهَرٍ كريم، وسِرُّ كلِّ عنصُرٍ  شريف، والطينةُ البيضاء، والمَغْرِسُ المبارَك ، والنِّصاب الوثيق، ومَعْدِنُ الفَهْمِ، ويَنْبُوعُ العِلْمِ، و…….في الحِلْم، والسّيفُ الحُسَامُ في العَزْمِ، مع الأَنَاةِ والحَزْمِ، والصَّفْح عن الجَرِيرَةِ والقَضِيّةِ بعد المَعْرِفَةِ، والعَفْوُ عند القُدرةِ، وهُم الأنْفُ الذي تَغْطِسُ به العربُ وتَشْمَخُ، والعَيْنُ التي تُبْصِرُ، وكالمَاءِ الذي لا يُنجسُهُ شيءٌ، وكالشَّمسِ لا تَخفَى بكل مكان، وكالذّهَبِ لا يُعْرَفُ بالنُّقْصانِ، وكالنَّجْمِ بالنسبة للحَيْرَانِ والبَارِدِ للظَّمْآنِ.
  ومِن جِسَامِ خِصَالِهِم أنّ الله – تعالى– لم يُسَمِّ قبيلةً من جميع قبائل العرب باسمها إلا قريشاً سمّاهم بذلك في القرآن العظيم، حتى رجع ذكرُهم قرآناً يُتْلى لا يَبيدُ، يتلوه أهلُ الدنيا إذا قرؤوا القرآن، وأهلُ الجنة كذلك؛ إذ القرآن كلام الله، وهو باقٍ لا يَبِيدُ، قال الله العظيم: ﴿لإيلافِ قُرَيْشٍ إِيلاَفِهِم رحلة الشِّتاءِ والصَّيف. فليعبُدُوا ربّ هذا البيت الذي أطعمهم من جُوعٍ وآمنهُم من خَوفٍ﴾.
﴿لإِيلاَفِ قُرِيْشٍ﴾، أي:لتأليفهم وجَمْعِهم، ذهب الأخفش إلى أن هذا الكلام متصلٌ بسورة الفيل، لقوله تعالى : ﴿فجعلهم كعصفٍ ماكولٍ ﴾، أي : فَعَلَ بهم ذلك لِتَأْتَلِفَ قريشٌ وتبقى.
  قال الفراء: إن اللام في قوله تعالى:﴿لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ ﴾ لامُ التعجب، كأنه قال: اعجبُوا لإيلاف قريشٍ رِحلةَ الشِّتاء والصَّيف، وتركهم عبادةَ هذا البيت كأنه قال: إن آلف الله قريشا إيلافاً فليعبدوا رب هذا البيت.
  و﴿ إيلافهِم﴾ بدل من الأول لزيادة البيان، و﴿إيلاف﴾ مصدرُ فعلٍ رباعيٍّ، ومن قرأه إِلْفِهِم جعله مصدر فعلٍ ثلاثيٍّ. وأجاز الفراء إيلافَهم بالنصب على المصدر.
  وقوله:﴿رِحلةَ الشِّتاءِ و الصَّيْفِ﴾ نَصْبٌ بِـ ﴿ إيلاَفِهِم﴾، وليس في القرآن العظيم ذِكرُ عِمْلِيقَ ولا وَدّانَ…….ولا ربيعةَ ولا غَطفانَ ولا هوازنَ ولا مُضَرَ ولا بِكْرٍ ولا تَغْلِبَ ولا شيء من الأجذام والعماير، وليس إلا ذكرُ أهلِ القبائل والشعوب مُجملاً غيرَ مُفَصَّلٍ، ومَن ذكره الله تعالى باسمه في الذكر الحكيم فقد رفعه غاية الترفيع والتكريم …..)).
الملحق 2: من الباب الثاني
((…. ويُنسبُ سيدنا محمد (ﷺ) فيُقال الأبْطَحِي؛ لأنه من ولد عبد مناف، وبنو عبد منافٍ دخلوا مع قصي الأبطح، وكان يُقال لعبد المطلب سيّد الأبطح وسيّد الأباطح، وإذا كان سيّدَ الأبطح فهو سيّد قريش، وإذا كان سيّدَ قريشٍ فهو سيّد العرب، وإذا كان سيّدَ العرب فهو سيّدُ الناس.
  وثبت في الصحيحين، عن أبي هريرة، قال: أُتِيَ النبي (ﷺ) يوماً بلَحْمٍ،  فرُفِعَ إليه الذِّراعُ وكانت تُعْجِبُهُ. فنَهَسَ منها نَهْسَةً ثم قال:(( أنَا سيِّدُ النّاسِ يومَ القيامَةِ))، الحديث.
  ولم نر قرشيًّا قطُّ انتسب إلى قبيلةٍ من قبائل العرب، و قد رأينا في قبائل العرب الأشراف رجالاً من السّادة ينتسبون في قريشٍ، كنحو الذي وجدنا في بني مُرّةَ بن عوفٍ، والذي وجدنا من ذلك في بني سُلَيْمٍ، وفي خُزاعَةَ، وفي قبائلَ شريفةٍ.
  وممن انتسب من أشراف بني سُلَيْمٍ إلى قريشٍ عَمْرُو بنُ الشَّريدِ، وله شِعْرٌ ذكره الجاحظ في عجائب البلدان عند ذكره مكة وقريشٍ.
  فصل: و مما بانت به أنَّها لم تكن تُزوجُ أحداً من أشراف العرب إلا على أن يَتحمّسَ، وكانوا يُزَوَّجُونَ من غير أن يُشْتَرَطَ ذلك عليهم، و هم حَمّسوا عامرَ بنَ صَعْصَعَةَ، وثقيفَ وخُزاعةَ، والحارثَ بنَ كَعْبٍ، وغيرَهم.
  وقريشٌ من بين جميع قبائل العرب دانوا بالتحمس، ولذلك تركوا الغزو لما في ذلك من الغَصْبِ والغَشْمِ واستحلال الفروج والأموال، ألا ترى أنهم عند بنيان الكعبة المعظمة قال رؤساؤهم: لا تُخْرِجوا في نفقاتكم على البيت إلا من صدقات نسائكم، ومواريث آبائكم بما عملوه من بقايا شرع إبراهيم عليه السلام.
  ويُقال لقريشٍ الحُمْسُ والأَحَامِسُ، أي: المتشددون في الدين. قال أهلُ اللغة: حَمِسَ الرجلُ إذا شَجُعَ، و– أيضا – هَاجَ وغَضِبَ، فهو حَمِسٌ وأَحْمَس، كوَجِلٍ وأَوْجَل، والأصل فيه الشِّدَّة، ومنه حَمِسَت الحَرْبُ وحَمِسَ الشَّيْءُ إذا اشتدَّ. وكانـوا لا يُؤَدُّون إتاوةً، وهي الخَرَاجُ، ولا يَدينون للملوك وهم رِكْلَة، والرِّكْلَةُ الذين يتملَّكون على الملوك ولا يرون لهم طاعة.
   ومن العجب أنهم مع تركهم الغزو إذا غزو مثل أيام الفجار…. وغيِرِهم كالأُسود على براثنها، مع الرأي الأصيل، والبصيرة النافذة، أفليس من العجب أن تبقى نَجْدَتُهُم، وتَثْبُتَ بَسَالَتُهُم، ثم يَعْلُون الأجْوادَ، ويَفُوقُون الشُّجْعَانَ، وهاتان الأُعجوبتان آيتانِ.
  ولَمَّا قَلَّ كَسْبُهُم من قبل تركهم الغزو مالوا إلى الإِلْفِ والجَهاد، ولم يعترهم من بُخْلِ التِّجَارِ قليلٌ ولا كثيرٌ، بل أَعْطَوا الشُّعراءَ كما تُعطي الملوكُ وأعظم، ومدحتهُم كما تَمدَحُ الملوكَ، ومدحتهُم الفُرسانُ والأشرافُ، وأخذوا جوائزهم، منهم دُرَيْدُ بنُ الصّمة الجُشَمِي، وأميّةُ بنُ أبي الصَّلْتِ الثَّقَفِيُّ، وغيرُهُما، وقَرَوُا الأَضْيَافَ، ووَصَلُوا الأَرْحَامَ، وقاموا بنوائب زُوَّارِ البيت، وكان أحدُهُم يَحِيسُ الحَيْسَةَ في الأنْطَاعِ، فيأكلُ منها القائمُ والقاعدُ والرَّاكبُ………….)) .
الملحق 3: من الباب الثالث
(( ………….وغير ذلك من الأحاديث التي ذكرتها في تأليفي المسمى بالمستوفى في أسماء النبي المصطفى، وقد ذكرت له تسعين اسماً، كل اسم منه يساوي رحلةً، فأوّلُ ذلك أحمد ومحمد، وأقتصر الآن على هذين الاسمين الكريمين، وأذكر ما فيهما من منقول ومعقول، وأستعين بالله وأقول:
  أما أحمد؛ فهو اسمٌ علم منقول من صفة لا من فعل، وتلك الصفة أفعل الذي يراد منها التفضيل، فمعنى أحمد، أي : أحمدُ الحامدين لربِّه، وكذلك هو في المعنى؛ لأنه تُفتحُ عليه في المقام المحمود محامد لم تُفتح على أحد قبله، كما ثبت عنه، فيحمد ربَّه بها، ولذلك يُعقَدُ له لواء الحمد يوم القيامة ليتم له كمالُ الحمد، ويتشهّر في تلك العَرَصات بصفة الحمد، ويبعثه ربُّه مَقاماً محموداً يَحْمَدُهُ فيه الأوّلون و الآخرون بشفاعته لهم كما وعدهم.
ومن أسماء الله تعالى الحميد، ومعناه المحمود؛ لأنه حَمِدَ نفسَهُ وحَمِدَهُ عبادُهُ، ويكون – أيضا – بمعنى الحامد لنفسه ولإِعمالِ الطاعاتِ، وسمَّى النبي  أحمدَ ومحمداً، فأحمدُ بمعنى أكثرُ مَنْ حَمِدَ و أجلُّ مَنْ حُمِدَ،  و محمدٌ بمعنى محمودٍ، وكذا وقع اسمه في……. داود، وقد أشار إلى نحو هذا حسَّان بقوله:

و شقَّ لـــه مِن اسـمِهِ ليُجلَّهُ  **  فذوا العرش محمود و هذا محمدُ

وأولها :

ألم تر أنّ اللهَ أرســلَ عبدَهُ  **  ببرهانه و اللهُ أعـلى و أمجــدُ

وفي شعر عبد المطلب، ويُروى:

**  محمد وهو في التوراة محمود  **

    ومحمد منقولٌ من صفة؛ لأنه في معنى محمودٍ، ولكن فيه معنى المبالغة والتكرار، ودليل الكثرة وبلوغ النهاية ، فالمُحمد هو الذي حُمِدَ مرّةً بعد مرّةٍ، كما أنّ المُكرم من أكرم مرّةً بعد مرّةٍ، وكذلك المُمَدَّحُ .نقول في الحَمد محمد، وفي الذم مُذمَّم.
وقرأتُ على غير واحد من شيوخي، منهم أبو جعفر الصيدلاني، قال: حدثنا الأديبُ أبو عبد الله الحسين بن عبد الملك الخلال، قال: أخبرنا أبو القاسم إبراهيم بن منصور سبط بَحْرُويَةَ، حدثنا محمد بن إبراهيم بن علي بن زاذانَ المعروف بابن المقرىء، حدثنا أبو يعلى الموصلي أحمد بن علي بن المثنى التميمي، حدثنا محمد بن منصور الطوسي، حدثنا أبو أحمد الزبيري، حدثنا عبد السلام بن حرب، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس، قال: لما نزلت ﴿ تبّت يدا أبي لهبٍ﴾ جاءت امرأةُ أبي لهبٍ إلى النبي (ﷺ) ومعه أبو بكر، فلما رآها أبو بكر قال: يا رسول الله إنها امرأةٌ بذِيَّةٌ، وأخاف أن تؤذيك، فلو قمت، قال: ((إنها لن تراني )) .فجاءت فقالت: يا أبا بكر، صاحبُك هجاني. قال: ما يقول الشعر. قالت: أنت عندي مُصَدّقٌ. وانصرفَت. فقلت: يا رسول الله، لم ترك. قال: ((لم يزل مَلَكٌ يستُرني منها بجناحه)). وقد رواه أبو يعلى– أيضا – بزيادة في المتن، من طريق أسماء بنت أبي بكر ، ………….)).
الملحق 4: من الباب الرابع
باب مولد رسول الله (ﷺ)
وُلد (ﷺ) في أحبِّ أرض الله إلى الله مكة، في الدار التي كانت بأَخَرَةٍ  تُدعى لمحمد بن يوسف أخي الحجاج؛ لأن رسول الله (ﷺ) كان ترك هذه الدار لعَقِيل بن أبي طالب ، فلم تزل في يد عَقِيل حتى توفي ، فباعها ولده من محمد بن يوسف أخي الحجاج ، فبنى داره ، وأدخل ذلك البيت في الدار حتى أخرجته الخَيْزُرَان أم أمير ……………….عن العدل، عن رسول الله (ﷺ) أنه وُلد يوم الاثنين، وأنزل عليه يوم الاثنين، و صحّ – أيضا – أنه توفي في يوم الاثنين.
حدثني الشيوخ الأجلاء العلماء الفضلاء مجد الدين، مفتي الفريقين، أبو سعد عبد الله بن أبي حفص الصفّار– قراءة مني عليه في مدرسته بنيسابور،  ثم مرض فلم يكمل الصحيح لمسلم عليه، فقرأته على الشيخين الفاضلين: الزاهد المتقشف أبي الحسن عبد الرحيم بن أبي القاسم عبد الرحمن بن أبي الحسن بن أحمد الشعري الجرجاني……………..
قال مسلم في صحيحه: حدثني زهير بن حرب، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: حدثنا مهدي بن ميمون، عن غيلان بن جرير، عن عبد الله بن معبد الزِّمَّاني، عن أبي قتادة الأنصاري؛ أن رسول الله (ﷺ) سُئل عن صوم يوم الاثنين، فقال:(( فيه وُلدتُ، و فيه أُنزل عليَّ )).
ولهذا الحديث الصحيح طرقٌ، وثبت في الصحيح– أيضا– أن رسول الله (ﷺ) مات يوم الاثنين، فقد ثبت بنقل العدول، عن فارس رسول الله (ﷺ) أبي قتادة الحارث بن رِبعِي، وكان من خِيار أهل المدينة وصلحائهم،  فثبت عندنا يوم ولادته بنقل الصحابة المختارة لإبلاغ عن نبيهم (ﷺ) إلى من بعدهم من التابعين.
والصحابة هم خير أمة أخرجت للناس، وقد أوجب الله -تعالى- علينا الدعاء لهم، والترحم عليهم، بقوله جل وعلا:﴿والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، و لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم ﴾.
ثم اختلفوا في أي شهر وُلد (ﷺ)، وفيما مضى من ذلك الشهر لولادته على ثمانية أقوالٍ ، ولم يذكر منها ابن الجوزي في كتاب التلقيح، وهو مُذهَبَةُ أهل بغداد سوى أربعة أقوال…………………………………….
فأحد الأقاويل أنه وُلد بعد قدوم الفيل مكة بشهرين وستة أيام يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول، قاله ابن عبد البر في كتاب الاستيعاب في أسماء الصحابة والتعريف بهم -رضي الله عنهم-، وهو كتابٌ حفيلٌ سمعته على بقية المشيخة بقرطبة ومسنِّيهم وأكبر مسنديهم، القاضي المحدث المؤرخ الثقة أبي القاسم خلف بن عبد الملك بن بشكوال، وحدثني به عن جماعة من شيوخه، منهم شيخُ عصره أبو محمد بن عتّاب، وأبو المطرِّف عبد الرحمن بن سعيد بن هارون الفَهْمي المقرىء، والوزير الفقيه أبو الوليد أحمد بن عبد الله بن طريف، والوزير الفقيه أبو جعفر أحمد بن سعيد بن خالد بن بشتغَير اللخمي، والمفسر العالم أبو الحسن علي بن عبد الله بن موهب الجُذامي المروي، والفقيه المفتي العالم أبو عمران موسى بن عبد الرحمن بن أبي تليد الشاطبي، قالوا ستّتُهم: أخبرنا الإمام الحافظ أبو عمر بن عبد البر.
وقرأته على سلطان بَلَنسية العالم أبي عبد الملك مروانَ بنَ عبد الله ابن عبد العزيز التجيبي، قال: أخبرنا الفقيه أبو عمران بن أبي تليد المذكور،  قال سمعته على مصنِّفِه.
وقد ذكره ابن الجوزي.
الثاني: لاثنتي عشرة ليلةً خلت منه، ذكره ابن إسحاق مقطوعاً دون إسنادٍ، وكذلك رواه الطبري من طريق محمد بن إسحاق، و ذلك لا يصح أصلاً ،….)).
وبعد؛ فإن أكن عمرتُ هذا البحث المتواضع بنقولٍ من الكتاب لم أبلغ بها عشر معشار ما فيه، فإن هذا النقل مقصود لذاته، قبسا من التنوير، تنويراً لفكرة المهتمين به من الباحثين وغيرهم، وإشعاراً بقيمة محتواه.
وقد كان هذا الكتاب مطويا دفيناً في مكتبة الأحمدية منذ زمن طويل، ولولا الفهارس التي دلت على مكانه لبقي منسيا، لا يقرأ في مجلس علم، ولا يفتح لطلاب العلم باب منه، يجتلون فيه قبساً من نور تنويره.
ومن الله  تعالى أستلهم التوفيق والسداد،  إنه بكرمه ولي الإجابة، والصلاة والسلام على سيدنا محمد و على آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

قائمة المصادر والمراجع

أولا: المخطوطات
    1. البدر السافر، لجعفر بن ثعلب الأدفوي ت 748هـ، المجلد الثاني من مصورة دار الكتب بالقاهرة لمخطوط مكتبة الفاتح بإستانبول برقم 4201.
    2. التنوير في مولد السراج المنير، لأبي الخطاب ابن دحية ت633 هـ مخطوط مصور عن الأصل المحفوظ بالمكتبة الأحمدية بحلب برقم عام 293، ورقم خاص 282.
    3. جامع الآثار في مولد النبي المختار، لابن ناصر الدين الدمشقي ت 842 هـ، مخطوط بالمكتبة الظاهرية برقم 1894.
    4. قلائد الجمان في فرائد شعراء هذا الزمان، لابن الشعار الموصلي ت654 هـ، الجزء الخامس من النسخة المصورة عن مخطوطة مجموعة أسعد أفندي بمكتبة السليمانية بإستانبول برقم 2326.
    5. المستوفى في أسماء النبي المصطفى، لأبي الخطاب ابن دحية، مخطوط مصور بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة برقم 3586، أصله محفوظ بالمكتبة الناصرية بلكنو بالهند.
ثانيا : المطبوعات
    1. الآيات البينات في ذكر ما في أعضاء رسول الله (ﷺ) من المعجزات، لابن دحية، تحقيق د جمال عزون، نشر مكتبة العمرين العلمية بالشارقة، ط(1) 1420هـ/2000م.
    2. أجوبة ابن سيد الناس عن أسئلة ابن أيبك الدمياطي، لابن سيد الناس ت 734هـ، تحقيق الأستاذ الدكتور محمد الراوندي، نشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمملكة المغربية، 1410هـ/1990م.
    3. إضاءة الراموس وإضاءة الناموس على إضاءة القاموس، لابن الطيب الفاسي الشركي ت 1175هـ، تحقيق الأستاذ عبد السلام الفاسي والدكتور التهامي الراجي الهاشمي، طبع مطبعة فضالة بالمحمدية، 1405هـ/1985م.
    4. الأعلام، للزركلي ت 1976م، نشر دار العلم للملايين ببيروت، ط(10)، 1992م.
    5. الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ، للشمس السخاوي ت 902هـ، تحقيق أ. فرانز روزنثال، ترجمه إلى العربية د صالح أحمد العلى، نشر دار الكتب العلمية ببيروت.
    6. البداية والنهاية، لابن كثير ت774هـ، نشر مكتبة المعارف ببيروت، ط(1) 1966م.
    7. التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد، لابن نقطة ت 629هـ، تحقيق كمال يوسف الحوت، نشر دار الكتب العلمية ببيروت، ط(1) 1408هـ/1988م.
    8. تكملة الإكمال، لابن نقطة، تحقيق د عبد القيوم عبد رب النبي وأ.محمد صالح عبد العزيز المراد، نشر مركز إحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى بمكة، ط(1) 1408هـ/1987م.
    9. التكملة لكتاب الصلة، لابن الأبار ت 658هـ، تحقيق د عبد السلام الهراس، نشر دار الفكر ببيروت، دار المعرفة بالدار البيضاء، بدون تاريخ.
    10. التكملة لوفيات النقلة، لأبي محمد المنذري ت 656هـ، تحقيق د بشار عواد معروف، نشر مؤسسة الرسالة ببيروت، ط (4) 1408هـ/1988م.
    11. توضيح المشتبه، لابن ناصر الدين الدمشقي ت 842هـ، تحقيق أ.محمد نعيم العرقسوسي، نشر مؤسسة الرسالة ببيروت، ط (1) 1414هـ/1993م.
    12. الخصائص الكبرى، للسيوطي ت 911هـ، نشر دار الكتب العلمية ببيروت، ط(1) 1405هـ/1985م.
    13. ذيل التقييد في رواة السنن والمسانيد، لأبي الطيب محمد بن أحمد الفاسي ت 832هـ، تحقيق أ.كمال يوسف الحوت، نشر دار الكتب العلمية ببيروت، ط(1) 1410هـ/1990م.
    14. ذيل مرآة الزمان، لقطب الدين اليونيني ت 726هـ، نشر دار الكتاب الإسلامي بالقاهرة، ط(2) 1413هـ/1992م.
    15. سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، لمحمد بن يوسف الصالحي ت 942هـ، تحقيق أ.عادل أحمد عبد الموجود وأ.علي محمد معوض ، نشر دار الكتب العلمية ببيروت، ط(1)1414ه/1993م.
    16. سير أعلام النبلاء، للشمس الذهبي ت 148هـ، تحقيق أ.بشار عواد معروف وأ.شعيب الأرناؤوط وآخرين، نشر مؤسسة الرسالة ببيروت، ط(11) 1417ه/1996م.
    17. غاية السول في خصائص الرسول (ﷺ)، لابن الملقن ت 804هـ، تحقيق أ. عبد الله بحر الدين عبد الله، نشر دار البشائر الإسلامية ببيروت، ط(1) 1414هـ/1993م.
    18. محاسن الاصطلاح وتضمين كتاب ابن الصلاح، لأبي حفص البلقيني ت 805هـ، طبع بحاشية مقدمة ابن الصلاح، تحقيق دة عائشة بنت الشاطىء، نشر دار المعارف بالقاهرة، ط(2)1409هـ/1989م.
    19. المصنفات المغربية في السيرة النبوية ومصنفوها، للأستاذ الدكتور محمد يسف، نشر مطبعة المعارف الجديدة بالرباط، 1412هـ/1992م.
    20. النبراس في تاريخ خلفاء بني العباس، لابن دحية، صححه وعلق عليه أ. عباس العزاوي، نشر مطبعة المعارف ببغداد، 1365هـ/1946م.
    21. نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، للشيخ المقري ت 1041هـ، تحقيقد إحسان عباس، نشر دار صادر ببيروت، 1388هـ/1968م.
    22. نهاية السول في خصائص الرسول (ﷺ)، لابن دحية، تحقيق د عبد الله عبد القادر الشيخ محمد نور الفادني، راجعه وصححه محمد محي الدين الأصفر، مطبوعات إدارة الشؤون الإسلامية بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بقطر، ط(1) 1416هـ/1995م.
    23. الوافي بالوفيات، لصلاح الدين الصفدي ت 764هـ، باعتناء جماعة من الباحثين، نشر فرانز شتايز بفيسبادن.
    24. ورقات عن الحضارة المغربية في عصر بني مرين، للمؤرخ الكبير أ.محمد المنوني، منشورات كلية الآداب و العلوم الإنسانية بالرباط، 1399هـ1979م.
    25. وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، لابن خلكان ت681هـ، تحقيق د إحسان عباس، نشر دار صادر ببيروت، 1398هـ/1978م.