الرئيسية / مساءلة النفس ومراجعة الذات.

عدد المشاهدات 13

عدد التحميلات 1

عنوان المقال : مساءلة النفس ومراجعة الذات.

الكاتب(ة) : د. أحمد الخمليشي

يتداول كثيرا أن الإسلام:

دين العلم والمعرفة.
يقوم على التسامح والتعايش السلمي مع مخالفيه ونبذ العنف.
دين القيم ومكارم الأخلاق.

  بينما يعتقد “الآخر” العكس، فما هو سبب هذا الاعتقاد الخاطئ؟

  هنالك من يرى أن السبب هو إصرار “الآخر” على الافتراء والعدوانية والكيد للإسلام وأهله عن تصميم وإصرار مع كثير من المكابرة والتنكر للحق.

  لا أريد مناقشة هذا الرأي كي لا أخرج عن عنوان المقالة، وأكتفي في شأنه بملاحظتين:

الأولى: أن الحياة تدافع، والعاجز عن الإقناع بمبادئه وقيمه لا ينوب عنه غيره في ذلك. فلا أحد ينتظر ممن لا يؤمن بالإسلام وبصدق رسالته أن يحرص على البحث عن قيمه، وما أمر به من مبادئ التسامح ومكارم الأخلاق.

والثانية: انتهاك حقوق وسيادة الشعوب الإسلامية لن يوقفه الجهر بما فيه من ظلم وحيف، ولا الوعظ بمبادئ حقوق الشعوب و”الشرعية الدولية” مثل عدم توقف فتك الذئاب بالخرفان ما دامت هذه الأخيرة على ضعفها مع ما لديها من استعداد وقابلية للاستسلام. تلك سنة العلاقة بين القوي والضعيف ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض. والمثل اليوناني يقول:”الإنسان ذئب لأخيه الإنسان “.

نتجاوز هذا الرأي إذن دون نفيه بإطلاق، ونرجع إلى الموضوع وهو مساءلة النفس ومراجعة الذات لنحاول إثبات أن موقف الآخر من الإسلام يرجع أساسا إلى طريقة تمثيلنا نحن المسلمين له، هذا التمثيل الذي يرسم صورة مناقضة للأوصاف التي بدأنا بها هذا التقديم.

ويتأكد ذلك من الفقرات الموجزة التالية:

أولا- واقعنا من العلم والمعرفة:

  تكاليف الإسلام: عقائد وشعائر، وعمل في بناء الحياة وعمارة الأرض، وأداء هذه التكاليف متوقف على المعرفة، وبالنسبة للتكليف الأخير: بناء الحياة وعمارة الأرض، مسيرة الإنسان فيه بدأت من الصفر، إذ مر عليه حين من الدهر لم يكن فيه شيئا مذكورا، ولكن بحكم تزويد الخالق له بملكتي العقل والتفكير تمكن من التدرج في التوسيع الدائم لآفاق معرفته، وبالتالي القدرة على تطوير وسائل الحياة والسيطرة على عمارة الأرض.

  والقرآن دعا في عشرات الآيات إلى استعمال العقل والفكر ليس في إدراك حقيقة العقيدة وصدق شريعة الإسلام وحدهما، وإنما كذلك في تنظيم التعايش وفق مبادئ العدل والصلاح، وفي معرفة الكون منذ بدء نشأته لاكتشاف وسائل تسخيره والاستفادة منه، مؤكدا أن الجاهل لا يستوي بالعالم بل هو أكثر ضلالا وحيرة من الحيوان غير العاقل.

فماذا فعلنا تنظيرا وممارسة؟

أ- التنظير:

بالرجوع إلى الآراء المنظرة لموضوع العلم والمعرفة نلاحظ:

 أ- تقسيم العلوم إلى “شرعية” و”غير شرعية”، وتم حصر الفئة الأولى في العقيدة والشعائر وعدد محدود من مجالات العلاقات الاجتماعية التي عني بها “الفقه” وفقا لظروف الزمان والمكان، ويتم تناول ذلك بما اصطلح عليه بعلوم القرآن والحديث والفقه وأصوله. وما عدا هذا يدخل في الفئة الثانية أي العلوم غير الشرعية.
ب – من حيث مطالبة الأمة الإسلامية بتحصيل هذه العلوم والعناية بها، نجد التنظير في أصول الفقه يصنف تعلم ما زاد على “أصول الدين” إلى:

أ-1- “فرض كفاية” ويشمل “العلوم الشرعية” الزائدة على أصول الدين، كما يشمل المحتاج إليه من العلوم غير الشرعية. وبعبارة الإمام الغزالي:” كل علم لا يستغنى عنه في قوام أمور الدنيا كالطب إذ هو ضروري في حاجة بقاء الأبدان، وكالحساب فإنه ضروري في المعاملات… وأصول الصناعات أيضا من فروض الكفايات كالفلاحة والحياكة والسياسة بل الحجامة والخياطة فإنه لو خلا البلد من الحجام تسارع الهلاك إليهم” .

وفرض الكفاية من أحكام التكليف التي يميزها أنها فردية يخاطب بها الفرد وليس المجتمع، وأن الخطاب بها يكون بعد سن البلوغ أي الخامسة عشرة أو الثامنة عشرة حسب الآراء المذهبية في الموضوع. فالفرد بعد أن يتجاوز الخامسة عشرة ووفقا لرؤياه الشخصية، يقوم بتقدير وجود أو عدم وجود العدد الكافي من المتعلمين لكل فرع من فروع العلوم الشرعية وكذلك العلوم غير الشرعية “المحتاج إليها”. إذا تبين له وجود خصاص في فرع منها يكون مطالبا شرعا بتعلمه… هذا التنظير الأقرب إلى الخيال هو الذي يفسر تطور المعرفة في المجتمع الاسلامي، ويشرح وجوده اليوم في مؤخرة شعوب الأرض عند قراءة مؤشرات الأمية، وعدد المراكز العلمية والنسبة المخصصة للبحث العلمي من الدخل الوطني، وما تخصصه الجامعات في العالم الاسلامي من ميزانياتها لهذا البحث مقارنة مع نظيراتها في الغرب وفي إسرائيل.  

أ -2- غير مطالب به شرعا، ويشمل العلوم غير الشرعية التي لا يحتاج إليها المجتمع وفق ما يفسر به كل فقيه مفهوم الحاجة ، وبشرط ألا تكون ضارة.

أ-3- منهي عنه شرعا لدى فريق غير قليل من المفكرين والفقهاء مثل علوم المنطق والفلسفة، والفلك (الهيأة).

  والخلاصة أن التنظير لتعلم العلوم والمعرفة عموما كان بعيدا عن توجيهات القرآن وآياته الصريحة في الموضوع، وما حدث من النبوغ في بعض العلوم مثل الطب والرياضيات والعمران، كان من إنتاج عبقرية أفراد وليس ثمرة تنفيذ لرؤية دخلت الوعي الجمعي مؤسسة على الفهم العقلاني لموقف القرآن من العلم والجهل، ولمعنى خلافة الإنسان في الأرض أو على مبدأ توالد المعرفة اللانهائي الذي وضعه الغزالي وجابر بن حيان، أو إدراكا لما قاله ابن الهيثم من قيام الكون على نظام رياضي، وأنه لذلك يمكن السيطرة عليه وتسخيره بحل المعادلات الرياضية التي يقوم عليها نظامه.

ب- الممارسة:

  الخطأ الذي لاحظناه على التنظير الأصولي في تقسيم المعرفة إلى شرعية وغير شرعية وفي تغييب الأمة عن الشعور بالمسؤولية عن رعاية المعرفة والسعي الدائم إلى توسيع آفاقها-كل ذلك ترك أثره في التطبيق والممارسة.

  فمجموع الدول الإسلامية اليوم تحتضن أعلى نسبة عالمية في أمية القراءة والكتابة، أما المعرفة الرائدة التي يواصل بها الإنسان اكتشاف حقائق جديدة للحياة والكون، فإن العالم الإسلامي غائب عنها تماما وفي جميع حقول المعرفة بدون استثناء، ويكتفي بما يلقى إليه من فتات المعارف الاستهلاكية بعد أن يكون أصحابها قد تجاوزوها إلى جيل ثان أو ثالث وربما رابع من المعرفة الجديدة في الحقل المعني.

  فإذا كان الآخر لا يعترف للإسلام بأنه دين العلم والمعرفة ألا يكون السبب الأساسي لذلك هو واقعنا في سلم المعرفة الإنسانية المعيشة، ونحن نزعم أننا حاملون لرسالة الإسلام وممثلون لها ؟!.

ثانيا- التسامح والتعايش مع المخالف:

  في القرآن آيتان تلخصان التعامل مع الآخر المخالف في الدين:لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولائك هم الظالمون.

  أداة الحصر “إنما” الواردة في الآية الثانية تؤكد بوضوح أن النهي عن موالاة المخالفين في الدين قاصر على أولائك الذين حاولوا بكل الوسائل القضاء على الدعوة الإسلامية في مهدها بمكة وواصلوا محاولاتهم بعد الانتقال بها إلى المدينة وهم الذين أخرجوا الرسول والمؤمنين به من ديارهم في مكة، وكذلك من تحالف معهم في المناوشات ومعارك القتال التي كانت بينهم وبين المسلمين بعد الهجرة.

  أما من عدا هؤلاء وأولائك فالتعايش معهم خاضع لميزان المعاملة بالمثل وتبادل المصالح في ظل البرور بالمواثيق والعهود والالتزام بمبادئ العدل والإنصاف.إن الله يحب المقسطين.
  ووردت في القرآن آيات أخرى كثيرة تتحدث عن “المشركين” و”الكافرين” وتصفهم بأعداء الله وأعداء المسلمين مع تشريع “الجهاد” لقتالهم لتكون كلمة الله هي العليا.

  هذه الآيات لم يراع في تفسيرها الآيتان 8 و9 من سورة الممتحنة، وإنما قسم الناس جميعا في مشارق الأرض ومغاربها إلى “مسلمين” و”كافرين”، الأولون في “دار الإسلام” والأخيرون في “دار الحرب”، ثم قسم هؤلاء في علاقاتهم بالمسلمين إلى:

“أهل ذمة” يعيشون بصفة دائمة داخل المجتمع الإسلامي وفق شروط مفصلة في المصادر الفقهية تخل بعدد غير قليل من معايير المساواة بينهم وبين المسلمين.
“المستأمنين” الذين يدخلون إلى “دار الإسلام” بعقد أمان مؤقت تتراوح مدته بين أربعة أشهر وسنة واحدة حسب الآراء الفقهية في ذلك.
“المحاربين” وهم جميع “الكافرين” الذين ليسوا أهل ذمة ولا مستأمنين، وهؤلاء يعتبرون في “حالة حرب” مع المسلمين مع ما يترتب على هذا الوصف من أحكام وآثار وفي مقدمتها وجوب دعوتهم إلى الإسلام وتخييرهم بين خيارات ثلاثة: إما الإيمان به وإما الاستسلام والدخول في وضعية “أهل الذمة” وإما الحرب بنتائجها التي كانت الأعراف تبيحها.
ومما تنبغي ملاحظته على هذا التقسيم الثلاثي لغير المسلمين وعلى أحكام التعامل الخاص بكل قسم:

أنه لم يكن رأيا مجمعا عليه، فمن الفقهاء مثل سحنون من المذهب المالكي، من يرى أن “الجهاد” انتهى وجوبه بفتح مكة، وأنه بعد ذلك لم يبق وسيلة لنشر العقيدة الإسلامية إلا الدعوة السلمية بالحسنى، وترغيب الناس في الدين الجديد بالالتزام بالسلوك المستقيم وقيم النبل في التعامل وعلاقات التعايش.

تطبيقه العملي كاد أن يكون استثناء. “فأهل الذمة” عاشوا في كثير من الحالات مثل بقية السكان المسلمين وأحيانا في مستوى أفضل بحكم المركز الاقتصادي أو العلمي حيث كان منهم أغلب الأطباء والكتاب الحاذقين…

  لكن مع ذلك تبقى المراجع المتداولة في مؤسسات التكوين وخارجها متضمنة لأحكام “أهل الذمة” و”المستأمنين” و”المحاربين” ومنها تنسخ التيارات الرادكالية أفكارها عن الجهاد ضد الكفار دفاعا عن أرض الإسلام، وتنشرها باسم الإسلام عن طريق الفتاوى وخطب الجمعة، والانترنيت وكل وسائل التواصل المتاحة. فكيف لا يصدق الآخرون هذه الفتاوى والخطب، ومضمونها متداول في المؤسسات التي تكون في الشريعة والدراسات الإسلامية عموما، وترد في أسئلة الامتحانات ويدرجها المكونون في أبحاثهم؟

ثالثا- السلوك:

ثالث الأثافي قيم الأخلاق والسلوك في الحياة العامة من الأمانة والصدق في القول والعمل، واحترام القانون وحقوق الآخرين، والأداء العفوي للواجب …

لو رصدنا الواقع ماذا نجد؟

نجد أن التزام المسلمين بقيم السلوك الإسلامية نادر ومغمور، وأن الأغلبية المطلقة تسير على النقيض من ذلك، حتى الحريصون على أداء الشعائر الدينية في أوقاتها وبسننها الشكلية، نسبة غير يسيرة منهم لا تولي اهتماما للوازع الديني في شؤون العلاقات بالعباد بدءا من واجبات الوظيفة والمهنة إلى أعراض الناس وحقوقهم الفردية والجماعية مرورا بالتعامل مع قوانين السير مثلا والبيئة والصحة العامة …

ولم تسلم من هذه الآفة الجالية المسلمة التي انتقلت للعيش بين ظهران الغربيين تريهم عن قرب “قيم السلوك” التي يعبرون بها عن الإسلام. فماذا أروهم؟

تصريحات بأبناء لا وجود لهم طمعا في الإعانات العائلية المقررة لهم حتى اضطرت هولاندا مثلا إلى وقف صرف تلك الإعانات ومراجعة حكومات البلد الأصلي للمهاجر لضبط الأولاد الحقيقيين والتشطيب على المزيفين، بينما قررت ألمانيا قصر صرف الإعانات العائلية على الأطفال الذين يقيم بهم الأبوان أو أحدهما فوق التراب الألماني.

الإخلال بخلق الصدق وأداء الأمانة باختلاق شهادات طبية زائفة بمرض أو عجز بدني لإطالة فترة عطلة أو الإحالة على التقاعد المبكر، وبالجمع بين تعويضات البطالة وأجر عمل سري…

العناية الفائقة بأشياء مختلف فيها أو ليست من جوهر الدين مع الإهمال لأساسيات من قيم الشريعة وأعمدة بناء الحياة.

  مثلا إنفاق الملايين على تأمين نقل جثامين الأموات تفاديا للدفن في “بلاد الكفار” وإقامة المظاهرات والاحتجاجات الصاخبة دفاعا عن “الحجاب الإسلامي” الذي تفسره كل طائفة بما ورثته عن أسلافها، وهو ما كان ضرره أكبر من نفعه بما أثاره من ردود أفعال من التيارات والأفراد المعادين للأجانب، وللدين عموما والإسلام خصوصا بفعل الرواسب الموروثة من الحروب الصليبية، وحروب البلقان…

  ومقابل ذلك نجد الإهمال الكلي لقيم السلوك وعدم العناية بتعليم الأبناء وتربيتهم حيث يشكل أبناء الجالية المسلمة أعلى نسبة للطفولة الجانحة، وأكثر من ذلك الترويج باسم الاسلام لآراء قال بها أصحابها قد تبررها الظروف الخاصة المحيطة بهم، فتنشر فتاوى تحرم على المسلم تحية جاره غير المسلم، وعيادته إذا مرض، وأن أموال “الكفار” كلها “غنيمة” حلال على المسلم ولو بالغش والسرقة .

خلاصــــة

  بالتأكيد سيرى الكثير من القراء أنني أسرفت في القول وقدمت صورة غير صادقة متسمة بالتحامل والتجني على الواقع. لكن مع ذلك أصر على ما كتبته وأكرره. وأضيف أننا في حاجة إلى مراجعة جذرية لنسق تفكيرنا المعطوب بعقدة التنظير واستعمال الألفاظ التي تملأ الآذان رنينا دون الاهتمام بالوسائل العملية لتطبيقها في حياة الناس وشؤونهم اليومية.

1- كيف تحقق الأمة النبوغ في العلم والمعرفة مع تلقين ناشئتها:
إن أغلبية العلوم ليست من “العلوم الشرعية” ؟.
إن المخاطب بتعلم “العلوم الشرعية” المحدودة هو الفرد بعد البلوغ وبشرط وجود “الحاجة” التي يستقل الفرد نفسه بتقديرها ودون التفكير في من يعلم هذا الفرد وتكاليف التعلم ؟ .
إن التعليم الإلزامي الذي تقرره القوانين الحديثة مع الضرائب الممولة لهذا التعليم وللبحث العلمي كلها قوانين “وضعية” ليست من شريعة الإسلام… ؟
2- كيف نتمسك – في كبرياء – بأن الاجتهاد بمواصفاته في أصول الفقه قادر على تقديم جميع الأحكام “المناسبة لكل زمان ومكان”؟ والحال أن:
“المجتهد” الذي طال الحديث عنه منذ أكثر من اثني عشر قرنا لم توضع ضوابط عملية لتحديد وتعيين من توفرت فيه شروطه ولإلزام الكافة بالأحكام التي يقررها. ولذلك نجد أهل السنة لم يعترفوا لأحد بالاجتهاد (المطلق) منذ القرن الثالث الهجري.
هذا الاجتهاد بدأ الحديث عنه والدعوة إليه منذ أواخر القرن التاسع عشر، وإلى الآن لم ينتج شيئا:
     لأن “المجتهد” لم يوجد، ولا ينتظر أن يوجد.
    لأن “العلماء” الذين حلوا محل “المجتهد” في بيان أحكام الشريعة ما يزال كل فريق منهم يكتفي باستنساخ ما دون في مذهبه منذ أكثر من عشرة قرون.

  فالنظام الدستوري والسياسي يقدم بتصور ومصطلحات الماوردي في بداية القرن الخامس: بناء الدولة على الأفراد وليس المؤسسات: ولي الأمر، والرعية وصاحب الشرطة… وأهل الحل والعقد…

والنظام المالي لم يتحرك قيد أنملة عما سطر في “الأحكام السلطانية” من حصر موارد “بيت المال” في “أموال الكفار” وأن ولي الأمر بعد أن ينفق على الجهاد وما يراه من مصالح يوزع الباقي على الفقراء وما يفضل عنهم يفرقه على الأغنياء…

  والعلاقة بالآخر تخضع للأحكام الخاصة بدار الإسلام ودار الكفر وبأهل الذمة، والمستأمنين، والحربيين…

  ونفس الوضع نجده في كل فروع الفقه وأبوابه: مثل حصر الإثبات أمام القضاء في الشهادة وإهمال كلي للكتابة، والاكتفاء بالإيجاب والقبول الشفويين لانعقاد العقود ونفاذها، والاقتصار على عرض الأحكام البسيطة التي وضعها الأقدمون لعقد الكراء الذي تفرع اليوم إلى عشرات الأنواع من عقود الكراء والنقل…ومثل ذلك يقال عن التنظيمين القضائي والإداري، وقوانين التجارة والشركات والجمعيات و و…

  هذه الموضوعات وغيرها استجدت فيها آلاف وآلاف الأحكام، وتعالج بها الشؤون اليومية لحياة الناس – ومنهم السادة العلماء أنفسهم – منذ أكثر من قرن، ومع ذلك لم تجر محاولة واحدة لمناقشة مضمونها لقبول الصالح منها ورد أو تعديل ما عداه باستعمال آليات الاجتهاد الاصولي.

3- ألا تفرض الصفة الظنية للحكم الاجتهادي التي يجمع عليها الأصوليون استبعاد وجود اجتهاد نهائي لا معقب له؟.
4- ألا يقتضي التعدد الحتمي لاجتهادات الأفراد: اعتبارها غير ملزمة، والبحث عن وسيلة لقراءة تلك الاجتهادات وتحديد الحكم الواجب النفاذ في تنظيم حياة المجتمع ما دام هذا التنظيم لا يقبل تعدد الأحكام للواقعة الواحدة؟.
5- في ظل الأفكار السياسية والثقافية السائدة وتنوع معارف الإنسان، واتساع حاجاته التنظيمية ـ ألا يبدو بعيدا جدا عن الجدية، التمسك بمصطلحي “الاجتهاد” و”التقليد” بمفهومهما الأصوليين في صياغة وتطبيق الأحكام المنظمة لمرافق المجتمع ولعلاقات أفراده؟.
6- الا ينبغي توعية الأمة بأن علوم الشريعة ليست قاصرة على شعائر العبادات وعلى أبواب ما يسمى بالمعاملات، وإنما تشمل كذلك جميع العلوم الاجتماعية والطبيعية والرياضية التي تساعد الإنسان على السير صعدا في أنظمته وتعايشه، وعلى اكتشاف آيات الله في الأرض والسماء وتسخيرهما وأداء رسالة الخلافة في الأرض؟
7- ألم يان الوقت لتجاوز إقحام واجب التعلم ضمن أحكام التكليف الكفائية الموجهة إلى الفرد بعد بلوغه والمرتبطة بإرادته ومسؤوليته الشخصية؟
8- ألم يقبل فلق الصبح لنقوم بالتحليل العقلاني العميق لأسباب:
تخلفنا في العلم والمعرفة.
العقم الذي أصاب “الاجتهاد” المتداول في أصول الفقه، وعجزه عن إنتاج ما يحتاجه المجتمع في أوضاعه الجديدة: الدستورية، والإدارية، والمالية، والاجتماعية، فضلا عن علاقاته بالمجتمعات الأخرى الموافقة والمخالفة له في العقيدة.
تدهور القيم والأخلاق في السلوك والتعامل؟
  هذا التحليل سينتهي بالتأكيد إلى تغيير الكثير من أفكارنا ومن إفرازات ثقافتنا الحالية. وإذ ذاك يتم التأسيس فعلا لأمة العلم والمعرفة، أمة التسامح والتعايش السلمي في عز وسؤدد، أمة الأخلاق وقيم السلوك.إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. صدق الله العظيم.