الرئيسية / موقف الفقهاء المعاصرين من اعتبار الحساب الفلكي في تحديد بدايات الشهور القمرية: قراءة في وثائق مجمع الفقه الإسلامي بجدة.

عدد المشاهدات 13

عدد التحميلات 1

عنوان المقال : موقف الفقهاء المعاصرين من اعتبار الحساب الفلكي في تحديد بدايات الشهور القمرية: قراءة في وثائق مجمع الفقه الإسلامي بجدة.

الكاتب(ة) : د. عبد الخالق الشدادي

موقف الفقهاء المعاصرين
من اعتبار الحساب الفلكي
في تحديد بدايات الشهور القمرية
-قراءة في وثائق مجمع الفقه الإسلامي بجدة-

د. عبد الخالق الشدادي
المدرسةالمحمدية للمهندسين
جامعة محمدالخامس، أگدال، الرباط

توطئة
  برزت مسألة الاعتماد على الحساب الفلكي كواحدة من المسائل التي شغلت الفقهاء قديما، ابتداء من تزايد الاهتمام بعلم الفلك في ظل الحضارة الإسلامية في بداية العصر العباسي. وكان لاختلاط علم الفلك بالتنجيم آنذاك الأثر الكبير في بلورة موقف فقهي عام يرفض التعامل مع هذا العلم أو الاستعانة به، فاعتُبر المشتغلون به منجمين في الجملة.
  وفيما يتعلق بتحديد بدايات الشهور القمرية على وجه الخصوص، رأى جمهور الفقهاء أن  ذلك يجب أن يكون بناء على الرؤية البصرية وحدها، وأنه لا يُلتفت إلى أقوال المنجمين. واعتبر من يلتفت إليهم في عداد الذين يتبعون غير سبيل المؤمنين. ونظر هؤلاء الفقهاء إلى الرؤية البصرية باعتبارها طريقا تعبديا لا يمكن تركه إلى طريق آخر. ومستند الجمهور في ذلك أحاديث مروية عن النبي صلى الله عليه وسلم، منها حديثه الذي رواه الشيخان : «إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب…»، وحديثه الصحيح أيضا: «صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته…». هذا وقد برز بأخرة مجموعة من الفقهاء الذين اشتغلوا بعلم الفلك وأتقنوه، عارضوا مع ذلك الاعتماد على نتائج الحساب وحده دون الرؤية للأسباب الشرعية المذكورة. قال العلامة الشريف سيدي مَحمد بن محمد العلمي:

[برؤية الشهر]وإن كان الحسـابْ* ليس به في نظر الشرع احتسابْ
      لـــــكنه للرؤية المعتبـرهْ * أجل مـرشد لمـن قد سبـرهْ

  وفي شرح نظمه ذكر أن “عدم ثبوت الرؤية بقول الحاسب إنه يرى، لا ينافي أن العالم بذلك من طرقه، تتيسر له أسباب تعين على الرؤية البصرية المعتبرة شرعا”. فالحِساب يسترشد به الحُسّاب للاستعانة على الرؤية، مع بقاء هذه الأخيرة الطريق الوحيد المعتبر في الشرع.
  إلا أن بعض الفقهاء علل عدم الاعتماد على الحساب بكونه ظنيا، بل ضعيفا لا ينضبط. وهذا ما يُفهم من ظاهر كلام الحافظ ابن حجر المنقول عن ابن بزيزة، في معرض شرح الحديث الأول، من أن الرجوع إلى أهل الحساب “مذهب باطل، فقد نهت الشريعة عن الخوض في علم النجوم، لأنها حدس وتخمين، ليس فيها قطع ولا ظن غالب”. وقريب منه ما ذكره الإمام النووي من “عدم البناء على حساب المنجمين لأنه حدس وتخمين”. ثم أضاف الحافظ ابن حجر علة أخرى تكمن في أن حساب التسيير لا يحسنه إلا النزر القليل:”مع أنه لو ارتبط الأمر بها لضاق إذ لا يعرفها إلا القليل”. هذا مع أنه اعتبر في نفس الوقت أن ظاهر سياق الحديث عن الأمية “يشعر بنفي تعليق الحكم بالحساب أصلا”.
  ورأى ثلة من فقهاء عصرنا أن العلة في تعليق الشارع الصوم برؤية الهلال بالأبصار هي كون الأمة زمنَ الرسالة لا تتقن الحساب الفلكي. فإذا تغيرت الأحوال وتمكنت الأمة من الحساب، ثم أصبح هذا الحساب يقينيا لا ظنيا، فإن لها أن تعتمده في تحديد بدايات الشهور. وممن قال بهذا الشيخ محمد رشيد رضا والمحدث أحمد شاكر والأستاذ علال الفاسي، رحمهم الله.
حيثيات اهتمام مجمع جدة بالموضوع
ومنذ نحو أربعين عاما، تصاعد النقاش حول هذه المسألة ولم ينته بعد. وأسهم في احتدامه عوامل عدة، نذكر منها:
الاختلاف بين الدول الإسلامية في الإعلان عن الأعياد. ويبلغ هذا الاختلاف دوريا حدا غير مقبول،
ظهور علماء مسلمين متمكنين من علم الفلك الحديث، واهتمامهم بموضوع رصد الأهلة، ونشر مقالات علمية ودراسات تظهر التباين الفاحش بين الإعلانات الرسمية ونتائج الحساب الفلكيعند عامة الناس.      
أيضا أسهمت الإنجازات الفلكية الكثيرة والمثيرة المستمرة منذ أكثر من نصف قرن، في تزايد الاستغراب من عدم أخذ المسلمين بأسباب هذا التقدم والإفادة منه في ضبط بدايات الشهور.
تطور وسائل الإعلام العصرية واطلاع المسلمين بسهولة على أخبار الديار الإسلامية المختلفة ومواعيد الأعياد بها، بحيث إن الخلاف الذي كان في العصور الماضية محدودا قد أصبح الآن مشتهرا.
تعالي أصوات كثيرة- من بينها أصوات فقهاء- تطالب بتوحيد الأعياد والمناسبات الدينية في مجموع البلاد الإسلامية كرمز لوحدتها،
وضعية الجاليات الإسلامية في المهجر، حيث يكثر الخلاف في كل موسم، وتتخذ منه الصحف في تلك البقاع موضوعا للتندر.
  والسؤال الذي يمكن أن نطرحه الآن يخص مدى أخذ الفقهاء المعاصرين للحساب الفلكي بعين الاعتبار، في الوقت الذي أصبح فيه هذا الحساب متقدما ويتمتع بموثوقية عالية عند أهل الاختصاص. وذلك نتيجة للتقدم الهائل الذي حصل في ميدان المعلوميات العلمية وفي آلات الرصد نفسها مع ظهور المراقب المحوسَبة على سبيل المثال.
  فالخصام الحاد حول هذا الموضوع أصبح يصل إلى المجامع الفقهية، وترد عليها مراسلات واستفسارات في الموضوع من الأفراد والجمعيات، بل ومن الفقهاء أيضا. ومثالا على هذه الحالات، نشير إلى رسالة الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود الموجهة إلى العلماء والحكام والقضاة في شأن رؤية هلال شوال سنة 1400ﻫ. وقد اعتبر الشيخ أن عيد الفطر وقع في غير موقعه الصحيح بناء على الشهادة الكاذبة برؤية الهلال. وقد أجاب المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة على هذه الرسالة في حينها.
  أما مجمع الفقه الإسلامي بجدة – وهو منبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي، بقرار من القمة الثالثة لمؤتمر رؤساء الدول  الإسلامية في مكة المكرمة سنة 1401ﻫ- 1981م، وعقد دورته الأولى في صفر 1405ﻫ -نونبر 1984م- فكان قد جعل موضوع توحيد بدايات الشهور العربية على رأس أولوياته في مجال الفقه، وجاء ذلك في برنامج العمل الذي وضعته شعبة التخطيط في شعبان 1405ﻫ- مايو 1985م.
  وقد ناقش المجمع هذا الموضوع بدعوة من مؤتمر وزراء خارجية دول منظمة المؤتمر الإسلامي، وذلك في دورتين متتاليتين: الثانية سنة 1406ﻫ-1985م، والثالثة سنة 1407ﻫ-1986م. ونقدم في هذه الورقة قراءة في أعمال المجمع في دورتيه المذكورتين. وقد شارك في بيان الجوانب الفقهية للمسألة وفي النقاش، مجموعة من علماء عصرنا سيأتي ذكر بعضهم في صلب المقال. وتميزت أعمال المجمع في الدورة الثالثة بإشراك بعض علماء الفلك الذين قدموا عروضا في الموضوع، وأجابوا عن أسئلة الفقهاء. وسنعرض ما دار من نقاش وآراء في الدورتين دون التعليق عليها في الغالب، ونرجئ الملاحظات إلى الختام.
  أعمال الدورة الثانية للمجمع
  انعقدت هذه الدورة من 10 إلى 16 ربيع الثاني 1406ﻫ – 22 إلى 28 دجنبر 1985م. ويظهر من الوثائق المنشورة لأعمال هذه الدورة أن منهجية عمل المجمع ارتكزت على تقديم مجموعة من الوثائق للمؤتمرين، والاستماع إلى عروض في الموضوع، ثم إجراء مناقشة عامة لهذه العروض قبل اتخاذ القرار.
  واشتملت الوثائق التي وزعت على المؤتمرين على:
      دراسة للشيخ عبد الله بن زيد آل محمود تنحو إلى توحيد بدايات الشهور، عنوانها: “اجتماع أهل الإسلام على عيد واحد كل عام وبيان أمر الهلال وما يترتب عليه من الأحكام”،
     قرار المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة بأن العمل بالرؤية في إثبات الأهلة لا بالحساب،
     قرار المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة حول رسالة الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود الموجهة إلى العلماء والحكام والقضاة في شأن رؤية الهلال،
     قرار للمجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة في بيان توحيد الأهلة من عدمه،
     بيان الدورة السادسة للجنة التقويم الهجري الموحد.
  أما العروض التي قدمها أربعة من المشايخ، فقد تطرقت لموضوعين هما : اختلاف المطالع، والموقف من اعتبار الحساب الفلكي. وحملت ثلاثة من تلك العروض عنوان “توحيد بدايات الشهور القمرية” أو “العربية”، مما يفيد أنها صيغت على خلفية التباين بين الدول الإسلامية في الإعلان عن بدايات الشهور ومواعيد الأعياد. ولن نتعرض هنا لموضوع اختلاف المطالع، بل سنقصر كلامنا على مسألة الموقف الفقهي من الحساب الفلكي.
  ومع أن بوسعنا التخمين أن الجانب السياسي للموضوع المطروح لم يكن خافيا على الفقهاء المجتمعين، فإن أحدا منهم لم يتطرق إليه سواء بالتصريح أو بالتلميح، إلا ما كان من الشيخ محمد علي التسخيري وقد كان أول المتكلمين، وتحدث في بداية عرضه عن تأكده من أن “الكثيرين من المتسلطين على مقاليد الأمور في عالمنا الإسلامي حاولوا أن يستفيدوا من مسألة بداية الشهور القمرية والمناسبات وتوقيتها لصالح أغراضهم الضيقة، الأمر الذي يدعو إلى تجريدهم من هذه السلطات وتسليمها إلى مراكز مستقلة لا تتأثر بالأهواء إنما تراقب الله تعالى لا غير”.
  وبالنسبة إلى صلب الموضوع، ومع عدم التصريح بجواز الأخذ بالحساب الفلكي، يرى الشيخ التسخيري أن “إمكان الرؤية بالعين المجردة هو المقياس لا الرؤية نفسها، فوجود حاجب يحول دون الرؤية كالغيم والضباب لا يضر بذلك”.
  أما المتحدث الثاني فقد كان الشيخ محمد المختار السلامي مفتي الجمهورية التونسية، وعرض أقوال المذاهب في طريقة ثبوت الشهر. وخلص الشيخ إلى أنه لا يمكننا “توحيد العالم الإسلامي في أعياده وصومه وفطره مطمئنين إلا إذا أخذنا بالحساب”. ثم انتقد قول من قال إن الأخذ بالحساب لا يتمكن منه كل الناس، لأنه “أمر لا تختلف فيه الرؤية عن الحساب. فكما أن الهلال في أول ليلة دقيق لا يتمكن من رؤيته إلا من كان حاد البصر بموقعه لا يتيه بصره في السماء، فكذلك الحساب لا يقوم به إلا العالم، ولا فرق بين النقص الخلقي والعلمي”. وأخيرا يقرر أن “وسيلة معرفة دخول الشهر هي كوسيلة بلوغ البيت الحرام لأداء فريضة الحج. يقول الله تعالى ﴿وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق﴾. فوسيلة بلوغ البيت الحرام حسب النص القرآني هي أحد أمرين: إما المشي على الأقدام أو الركوب على الدواب المهيأة للبلاغ. فهل يقبل من أي فقيه أن يقول إن القرآن حصر الأمر في هذين والحاج بالطائرة أو الباخرة أو الصاروخ يكون حجه لاغيا لأن الله حدد الوسيلة…”. وفي النهاية عبر الشيخ عن رأيه أن الحساب هو الطريق اليقيني لثبوت الشهر، ويجب أن يضبط ببلوغ الهلال “بعد خروجه درجة تمكن رؤيته فيها”.
  وتحدث بعد ذلك الدكتور محمد عبد اللطيف الفرفور، وركز في البداية كسابقه على عرض أقوال المذاهب. وتبدو أحيانا متضاربة كنقله عن متأخري الحنفية ثلاثة أقوال في الاعتماد على أقوال المنجمين، ذكرها ابن وهبان في منظومته:
  وقول أولي التوقيت ليس بموجب* وقيل نعم، والبعض إن كان يكثر

ويرى الشيخ أن مذهبي الأخذ بالحساب مطلقا، ورفضه مطلقا، كلاهما مجانب للصواب. والرأي عنده أن “الأصل في إثبات الأهلة الرؤية البصرية أو التلسكوبية… فإذا حصل المقصود بهذا الأصل فبها ونعمت…وإذا كانت السماء مصحية ولم ير الهلال في القطر كله…، لم نعمد إلى الحساب لوضوح الأمر ولا نقلد قطرا مجاورا… وأما إذا كانت السماء غير مصحية واحتمل الأمران ولادة الهلال وعدمها، ولم تحدث رؤية معتبرة، فعندها نستطيع الأخذ بقول الفلكيين وأصحاب الأرصاد الجوية ذوي الحسابات الدقيقة لأنهم على علم شبه قطعي بذلك وغلطهم نادر”. واعتبر هذا الأخذ بمثابة “رؤية قلبية تدخل تحت الرؤية الشرعية، لأن الرؤية القلبية مجاز لا يصار إليه إلا عند تعذر الحقيقة كما قرر الأصوليون”.
وكان العرض الأخير للشيخ مصطفى أحمد الزرقاء، الذي استهل عرضه بالإعراب عن استغرابه بل دهشته من اختلاف علماء الشريعة المعاصرين “في جواز الاعتماد شرعا على الحساب الفلكي في عصر ارتاد علماؤه آفاق الفضاء الكوني، وأصبح من أصغر إنجازاتهم النزول على سطح القمر…”. وبعد أن عرض حجة من لا يقبلون الحساب وهي الروايات الحديثية إضافة إلى قاعدة بناء الأحكام في العبادات على النص تعبدا دون النظر إلى العلل، قال:”إن كل ذلك مسلم به لدينا، وهو معروف في قواعد الشريعة… ولكنه مفروض في النصوص التي تلقى إلينا مطلقة غير معللة، فأما إذا ورد النص نفسه معللا بعلة جاءت معه من مصدره فإن الأمر حينئذ يختلف، ويكون للعلة تأثيرها في فهم النص وارتباط الحكم بها وجودا وعدما في التطبيق ولو كان الأمر من صميم العبادات”. ثم إنه “لا يعقل أن ينهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن علم يبين نظام الكون وقدرة الله تعالى وحكمته وعلمه المحيط في إقامة الكون على نظام دقيق لا يختل”. وفي النهاية بين الشيخ الزرقاء أن القول “اليوم بجواز اعتماد الحساب الفلكي ليس معناه (تعليق الحكم في الصوم وغيره بهذا الحساب أصلا)، بل إننا نقول بأن حكم الشريعة باعتماد الرؤية البصرية باق إلى يوم الدين على أنه هو الأصل. ذلك أن الشرع الإسلامي الأخير الخالد لا يمكن أن يربط حكما شرعيا بأمور تتوقف على علم قد يوجد وقد لا يوجد، وقد تفقد قواعده وعلماؤه بعد الوجود. فمن يتصور هذا التصور يكون أجهل الجاهلين بخطة الإسلام ومنهجه في بناء الأحكام… وإنما مرادنا بإمكان اعتماد الحساب الفلكي اليوم هو أنه جائز لا مانع منه شرعا… مع بقاء الرؤية هي الأصل”.
المناقشة
والواقع أن المناقشة التي تلت إلقاء العروض كانت غنية بالآراء والتعليقات. ويجب أن نلاحظ أنها تمت في وقت كان فيه مجمع الفقه بمكة المكرمة قد اتخذ قراره بعدم اعتماد الحساب الفلكي. إلا أن غير واحد من المتدخلين أشاروا إلى ضرورة الاستقلال عن ذلك القرار. ودعا الشيخ وهبه الزحيلي على سبيل المثال إلى شيء من الجرأة، وأكد ضرورة اتخاذ المجمع لقرار “ولو خالف في رأيه قرار مجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة” (ص 1001).
وقد تناولت أكثر المداخلات الجوانب الفقهية وأقوال المذاهب، وكانت في مجملها بعيدة عن الحدة. لكن ما يهمنا أكثر هنا هو مدى إلمام السادة الفقهاء بالجوانب الفلكية للموضوع. وما يمكن أن نستشفه من المداخلات هو أن هذا الإلمام متفاوت بدرجات كبيرة من متحدث إلى آخر. إلا أنه بوسعنا القول مع ذلك إن تفاصيل الحساب الفلكي التقنية كانت مجهولة لدى جل الفقهاء المؤتمرين. بل إن الأمثلة التالية على بعض المسائل الفلكية المتعلقة برؤية الهلال التي جرت على ألسنة المتدخلين تشير إلى معلومات وتصورات غير صحيحة، أو إلى عدم الإحاطة ببعض الإشكاليات إحاطة كافية:
     الهلال إذا رئي في مكان ما، فبالإمكان رؤيته من مكان آخر (ص 994)،
     القمر يرى من نصف الكرة الأرضية كلها في وقت واحد (ص 995)،
     رؤية الهلال لا يؤثر فيها علو مكان الرؤية لأنه يكون منحدرا إلى الأفق الغربي، بخلاف الأفلاك التي ترى من مشارقها فيؤثر فيها العلو  (ص 996)،
     علم الفلك ليس قطعيا، فهو على سبيل المثال لا يستطيع تحديد متى يتتابع شهران مدة كل واحد منهما 29 يوما (ص 1019)،
     علماء الفلك مختلفون فيما بينهم في نتائج الحساب، والدليل على ذلك الاختلاف الملاحظ في المفكرات والرزنامات(ص 1019)،
     هناك دول تتبع الحساب وهي مختلفة فيما بينها، فعلى سبيل المثال تاريخ اليوم كان 14 ربيع الآخر في السعودية و13 في السودان، وكلاهما معتمد على الحساب (ص 1021).
     لكن كانت هناك أيضا معارف صائبة، فقد أشير مثلا إلى أن “الهلال لا يمكن أن يرى في كل البلدان بمستوى واحد، فهناك اختلاف راجع لخطوط الطول والعرض”(ص 984). وأشير أيضا إلى أن الحساب الفلكي يثبت إمكانية رؤية الهلال في مكان واستحالتها في مكان آخر (ص994). ومما يمكن تسجيله أيضا الرأي الذي طرحه الشيخ الفرفور بتقسيم الأرض إلى ثلاثة أقطار(ص 987)، وإن كان متعلقا بنقل الرؤية لا بالحساب.
وشغلت مسألة قطعية الحساب أو ظنيته عددا كبيرا من المتدخلين الذين عبروا عن ترددهم فيها، وقال بعضهم إن الأمر يجب أن يخبر به الثقات من أهل الاختصاص.
وفي النهاية اقترح الرئيس إرجاء اتخاذ القرار إلى دورة قادمة، حيث اعتبر أن “هذا الموضوع خاصة ليس من المقبول أن يخرج بعدة آراء واختلافات… والآراء التي قيدناها أمامنا فيها تباين شديد…”. وصدر القرار بتكليف الأمانة العامة للمجمع “بتوفير الدراسات العلمية الموثقة من خبراء أمناء في الحساب الفلكي والأرصاد الجوية”، بغرض استيفاء البحث في الموضوع “من الناحيتين الفنية والفقهية الشرعية”. وكلفت الأمانة العامة أيضا “باستقدام عدد كاف من الخبراء المذكورين وذلك لمشاركة الفقهاء في تصوير جوانب الموضوع كلها تصويرا واضحا يمكن اعتماده لبيان الحكم الشرعي”.
  وبدا كما لو أن المجمع اتجه إلى إعطاء الأولوية لتقرير مدى موثوقية الحساب الفلكي. إذ لو ثبت أنه ظني فإن الإشكالية تسقط من تلقاء نفسها، وكفى الله المؤمنين القتال. فحتى من يقول بظنية الرؤية، لن يكون هناك مسوغ لصرفه عن طريق ظني إلى آخر ظني أيضا. وربما كان لبحث الشيخ الزرقاء كبير الأثر في هذا التوجه، فقد ركز كثيرا على أن الفقهاء قديما اعتبروا أن العلة في عدم الاعتماد على الحساب هي عدم دقته. كذلك يبدو أن التوجه العام لم يكن يستبعد الحساب كلية. فقد ذكرت آراء فقهية تسمح بالأخذ به في معرض النفي، أي أنه إذا أكد الحساب عدم إمكانية رؤية الهلال فلا يلتفت إلى شهادة من ادعى الرؤية في هذه الحالة. واستُشهد بابن عابدين في قوله “إن الحساب لا يعتد به إلا في مقام النفي” (ص 1006). ومن الملاحظ أيضا أن العروض الأربعة التي قدمت بين أيدي المؤتمرين تمهيدا للمناقشة لم يكن بينها من عارض الحساب بصفة قاطعة، بل كانت ما بين مجيز أو موجب له، أو قائل بالاستعانة به في بعض الأحوال.
أعمال الدورة الثالثة للمجمع
  انعقدت هذه الدورة من 8 إلى 13 صفر 1407ﻫ-11إلى 16 أكتوبر 1986م، في عمان. وكما حصل في الدورة السابقة، قدمت بحوث ووثائق أمام المؤتمر قبل أن يصار إلى المناقشة واتخاذ القرار.
  قدم بحثان فقهيان، الأول لرئيس مجلس المجمع الدكتور بكر بن عبد الله أبي زيد:”بيان مسألتين في أوائل الشهور القمرية”، والثاني للشيخ مصطفى كمال التارزي بعنوان: “نظرات إسلامية في تحديد أوائل الشهور القمرية”.
  في البحث الأول لخص الباحث إشكالية الحساب من وجهة نظر الفقهاء المعارضين له:”إن قطعية الحساب لا تقبل إلا بنتائج فاشية تفيد العلم اليقيني بصدق نتيجته واطرادها، وإخبار العدول على رسم الشرع من ذوي البصارة به – بذلك، ويبسط طريقته بمحضر من أهل العلم لمعرفة مدى سلامة مقدماته شرعا. هذا لو جعل الشرع المصير إليه. والواقع أنه ليس لدينا دليل متوفر على هذا المنوال ليكسب إفادته اليقين إلا شهادة بعض الفلكيين لأنفسهم بأن حسابهم يقيني…”. ومن جهة أخرى فإن “الشرع لا يعتبر صدق الخبر إلا من مبرز في العدالة الشرعية”. ثم سرد الشيخ “الأدلة المادية” التي يرى أنها تقدح في مؤدى شهادة الفلكيين:
     غلط النتائج الحسابية التي ينشرها الفلكيون من تعذر ولادة الشهر ثم تثبت الرؤية بشهادة شرعية معدلة أو رؤية فاشية (ص835)،
     هناك دول تتبع الحساب الفلكي، والفارق بينها وبين الدول التي تتبع الرؤية يومان أو ثلاثة، وهو فارق غير معقول (ص836)،
     التضارب الحاصل بالنتائج والتقاويم المنتشرة، مما يدل على دفع يقينية الحساب أو ظنيته الغالبة (ص837)،
     إن الطب الذي بلغ من الدقة ما هو مشاهد لعموم الناس ولوازمه مدركة بالحواس من سمع وبصر ولمس، يقع لذوي البصارة فيه الخطأ والغلط. فكيف بالحساب الفلكي الذي مازال عملة نادرة ولم تكن نتيجته فاشية باليقين، ولوازمه غير محسوسة؟ (ص837)،
– الحساب قائم على الرصد، ويؤثر على صلاحية نتائجه أي خلل فني في آلات الرصد قد لا يشعر به الراصد. وهذا فيه ظنية من حيث الآلة  (ص 837).
  ثم إن الحساب عند التحقيق منابذ للشرع، حسب قول الشيخ. ويتجلى ذلك في أمور، منها مخالفة حقيقة الشهر الفلكي للشهر الشرعي (ص 838)، وكون السبب الشرعي للصوم حصول الرؤية لا تقدير خروج القمر من شعاع الشمس (ص 839).
ويمكن اعتبار هذا البحث كما لو كان رد فعل من المناوئين للحساب كلية، وهو المذهب الذي لم يكن ممثلا ضمن العروض التي قدمت أمام الدورة السابقة للمجلس.
  أما صاحب البحث الثاني، فبعد أن عرض أقوال المتقدمين في إنكار العمل بالحساب وحججهم، فصّل أقوال المجيزين للعمل به وحججهم، وتوقف عند قول الشيخ بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية سابقا: “مما يؤيد القول بالعمل بالحساب الصحيح أن أهل الشرع من الفقهاء وغيرهم يتوجهون في كل حادثة إلى أهل الخبرة وذوي البصيرة فيهم. فإنهم يأخذون بقول أهل اللغة في معاني ألفاظ القرآن والحديث، وبقول الطبيب في إفطار شهر رمضان، وغير ذلك كثير…فما الذي يمنع من بناء إكمال شعبان ورمضان وغيرهما من الأشهر على الحساب، والرجوع في ذلك إلى أهل الخبرة العارفين به إذا أشكل علينا الأمر في ذلك، مع كون مقدماته قطعية وموافقة لما نطقت به آيات القرآن الكريم ؟ ألا ترى أن الحاسب إذا قال بناء على حسابه : إن الخسوف أو الكسوف يقع ساعة كذا من يوم كذا، وقع كما قال قطعا ولا يتخلف، خصوصا وأن مبنى الحساب على الأمور المحسوسة والمشاهدة بالأرصاد وغيرها…”(ص 863). وحتى لا يفهم الكلام على أنه دعوة إلى التخلي عن الرؤية، أكد صاحب البحث أن “الرؤية سبب شرعي للصوم والإفطار، فلتبق كذلك منظورا إليها نظر الأصول الثابتة لا أن يتحيل على إلغائها باعتماد الحساب الفلكي مناطا مستقلا” (ص 868)، هذا مع أن الرؤية البصرية في نظره “لم تضبط الضبط المدقق الذي يضمن لها الصحة، ويحقق لها النتيجة الصحيحة التي لا ينبغي أن تختلف عن الحساب الصحيح عادة” (ص 869).
  وقدم كذلك بحثان علميان فلكيان أحدهما لفريق من علماء جامعة الملك عبد العزيز- قسم علوم الفلك، دون عنوان، والثاني للدكتور فخر الدين الكراي، وهو عالم فلكي استقدم من الولايات المتحدة الأمريكية، بعنوان: “توحيد بدايات الشهور القمرية– الشمس والقمر بحسبان”.
  دعا أصحاب البحث الأول علماء المسلمين إلى أن يتفكروا في الموضوع المطروح للبحث و”يتعمقوا في فهم النواحي الفلكية حتى يتمكنوا من تصور الوضع والحلول المقترحة” (ص 878)، وشددوا مع ذلك على أن تبني الرأي القائل بجواز الاعتماد على الحساب “ليس معناه تعليق الحكم في الصوم وغيره بهذا الحساب أصلا”، وإنما المراد “أنه جائز ولا مانع منه شرعا بعد أن وصل علم الفلك إلى ما وصل إليه من الدقة المدهشة واليقين المدعم بالشواهد والبراهين”. ثم مضى الباحثون في عرض كيفية تحديد بدايات الشهور العربية طبقا لعلم الفلك. وحددوا الشروط الفلكية لرؤية الهلال بصريا في اثنين :
     ارتفاع القمر عن الأفق وقت المغرب أكثر من 5 درجات،
     ألا يقل البعد الزاوي بين الشمس والقمر عن 8 درجات بعد الاقتران.
  أما الدكتور فخر الدين الكراي، فقد أكد في بحثه أن الحساب الفلكي أصبح اليوم دقيقا وهو أدق بكثير من الرؤية التي تعتريها أخطاء كثيرة. وبين بواسطة الرسوم حالات القمر التي يشاهدها الإنسان من الأرض في كل دورة اقترانية. وحاول أيضا تحسيس المؤتمرين بالصعاب التي تعترض المهتمين بحركة القمر، واعتبر هذه الدراسة من أعسر الدراسات في مجال حركية الأجرام. لكن بفضل التقدم الحاصل خاصة في وسائل الحساب الإلكترونية اليوم أمكن الوصول إلى دقة بمقدار جزء من ألف الثانية (ص901). وتكلم بعد ذلك عن الشروط العلمية لرؤية الهلال: يولد الهلال النظري بعد أن يمر القمر من حالة القران، أما الرؤية فلا يمكن أن تكون إلا إذا كان بعد قرص القمر عن قرص الشمس بمقدار 8 درجات عند الغروب، وهي قيمة تعادل ما بين تسع ساعات وعشرين ساعة بعد القران (ص904). والحساب الفلكي دقيق، ولو لم يكن الأمر كذلك “لما تمت للفلكيين معرفة سلسلة الكسوفات والخسوفات التي تحدث بعد عدة سنوات…”، والتي تتطلب “حسابا أدق من ذلك الذي تتطلبه المعاينة العلمية لدخول الشهر” (ص 906).
  وقدمت وثيقة للمؤتمرين هي عبارة عن بحث للشيخ محمد علي السايس تحت عنوان: “توحيد أوائل الشهور القمرية”. وفرق الشيخ بين “الوضع الهلالي” و”الوضع الاجتماعي”، وبيّن مذاهب الفلكيين في تقدير الشهر (ص948)، ونبه إلى أن الحساب الفلكي المعمول به في التقاويم الرسمية لا يتفق مع الحساب الشرعي الذي يعتمد على القطع بالرؤية أو إمكانها على الأقل (ص968). ونادى الشيخ بالاعتماد على أولي الخبرة، خاصة وأنه “لم يرد في كتاب الله ولا في سنة رسول الله ما يدل على ذم الحساب وتنقيصه ونبذ العمل به” (ص964). ويمكن في هذا الصدد الاعتماد على علم الفلك لرد الشهادات و قبولها : “وإذا فلا مناص… من الاعتماد على الحساب الفلكي إن لم يكن لإثبات الشهر به بادئ ذي بدء فلإثبات أن رؤية الهلال ممكنة أو غير ممكنة. فتقبل الشهادة برؤيته ممن يشهد بذلك إن قرر علماء الفلك والحساب أنها ممكنة مع عدم المانع من غيم ونحوه، وترد هذه الشهادة إن قرروا أن الهلال يغرب قبل غروب الشمس أو بعدها بقليل بحيث تتعذر رؤيته، ولو بالنظارات المكبرة أو بآلات الرصد في أبعد البلاد نحو الغرب وهي مراكش كما يقولون” (ص 966). وفي خلاصة البحث ذهب الشيخ إلى أن “الحساب الفلكي الشرعي المبني على الوضع الهلالي وإمكان رؤيته…يصلح مناطا مستقلا لإثبات الشهر” (ص 968).
المناقشة
  في أثناء المناقشة، تبين أن الشكوك التي كانت قائمة في الدورة الفارطة حول قيمة الحساب الفلكي ظلت قائمة لدى الكثير من الفقهاء. والغريب أنه لم تطرح أسئلة كثيرة على د. الكراي كما كان يمكن أن نتوقع، وهو الذي كان حاضرا في الجلسة الأولى. فقد سئل سؤالا واحدا فقط، عن مدة المحاق، فأجاب إنه ليست له مدة قارة (ص 999). والأغرب أن بعض بديهيات مسألة الرؤية ظلت مثار أخذ ورد دون التسليم فيها بقول أهل الاختصاص الذين استقدموا لهذا الغرض. فقد تمت معارضة قول د. فخر الدين الكراي إن إمكانيات رؤية الهلال تزداد كلما اتجهنا غربا، وووجِه بالقول: “يظهر أن الواقع يفيد العكس”. ولم تُجدِ إجابة عالم الفلك شيئا (ص 1002). وعادت هذه المسألة إلى البروز عدة مرات في خضم المناقشة صبيحة اليوم التالي. وصيغت مرة على لسان الشيخ كمال جعيط بطريقة صحيحة بتعبير من كلام الفقهاء : “أما ظهور الهلال في الشرق فيستلزم ظهوره في الغرب من باب أولى وأحرى، لأن الغروب في الشرق سابق عن الغروب في الغرب، وكلما بعد المكان إلا وزاد ارتفاع الهلال في الدرجات” (ص 1021). ثم أثارها من جديد الشيخ يوسف القرضاوي عائبا على بعض الفقهاء أن يتحدثوا في مجال الدعوة عن الإسلام دينا للعلم والمنطق، ثم هم يخالفون قواطع العلم في الفتوى.  وأراد أن يقنع الرافضين من خلال أقوال الفقهاء المتقدمين، فقال : “عجبت أمس أن الإخوة كانوا ينكرون على أخ يقول إن الهلال يرى في الشرق قبل أن يرى في الغرب، وإذا رئي في الشرق لا بد أن يرى في الغرب. والبعض قال هذا خلاف الواقع، مع أن هذا ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية وقرره الفقهاء… وما نقلته من حاشية البيجوري عن الخطيب في فقه الشافعية، قالوا : اعلم أنه متى حصلت الرؤية في البلد الشرقي لزم رؤيته في البلد الغربي دون عكسه…”(ص1027-1028). ومع ذلك عاد أحد المشايخ إلى التشكيك في هذا الأمر بناء على ما نقله من إحدى الحواشي الفقهية من أنه “يراه أهل المشرق قبل أهل المغرب”(ص1045)، قبل أن يقرر : “إذن الخلاف ثابت. العلماء بعضهم يقولون:رؤية أهل المشرق ملزمة لأهل المغرب، وبعضهم يقول: رؤية أهل المغرب ملزمة لأهل المشرق، لا العكس. ونحن نشاهد طيلة هذه القرون أن أهل المشرق يرون الهلال أولا كما يرون الشمس قبل رؤية أهل المغرب لها، هذا شيء مطرد… وإذا سألت أي فلاح في مصر أو أي راع في موريتانيا يجيبك بهذا، لا يحتاج إلى شيء.”(ص1046). وأثيرت المسألة في الأخير على لسان الشيخ هشام برهاني بطريقة يتوخى منها التوضيح:”لماذا لا يرى الهلال؟ لوجود الشمس. فإذا غربت الشمس ظهر الهلال. فكلما اقتربنا من الليل كان ظهوره أوضح، ولذلك فإن الجهات التي تقع غرب خط المطالع تكون الرؤية فيها أوضح بينما الجهات التي تقع شرق هذا الخط لا يمكنها أن ترى الهلال أصلا”(ص1059). وربما نظرا لكثرة الجدل حول هذه النقطة، صرح د.طه جابر العلواني بأن الاجتهاد “يقتضي إحاطة تامة بالقضية موضوع البحث من سائر جوانبها. وهذه الإحاطة فيما سمعته في هذا المجمع الموقر لا أراها متوفرة، حيث إن للمسألة جوانب فنية لا يمكن استيفاؤها برواية فني واحد أو اثنين بل لا بد من تواتر علمي أو استفاضة أو شهرة على الأقل. وقد تكون الحاجة ماسة إلى ندوة من الفلكيين أنفسهم يتداولون فيها أسئلة الفقيه التي لا يتمكن من الحكم فيها بشيء قبل أن يحصل على الجواب الشافي التام” (ص 1032).
  ولعل المسألة التي أفاض فيها المتدخلون أكثر من غيرها هي مسألة معارضة الشهادة على الرؤية لنتائج الحساب. واشتكى الشيخ عبد السلام العبادي في هذا الصدد من أن المسلمين عزفوا في عصرنا عن موضوع الرؤية، فتجد في البلد كله لا يأتي للشهادة إلا واحد أو اثنان، “ونقبل بشهادتهم فيما فيه قطع يقيني بمخالفته للحساب الفلكي” (ص1005). ولاحظ الأمين العام للمجمع أن العناية كانت كبيرة في السابق ببداية الشهر، “وكان المسلمون يخرجون ويعرفون أماكن الرؤية. الآن لا يعرفون أماكن الرؤية ولا يخرجون، ثم يأتي فرد فيقول لك رأيت الهلال. إذا كان خروجه قبل بداية الشهر الطبيعي فإنه لا يستطيع أن يرى الهلال. فلذلك ينبغي أن نفكر في طريقة نبتعد بها عن هذا الخطأ الجوهري الذي يوقع الناس في الفتنة ويجعلنا في كل البلاد الإسلامية في حيرة من أمرنا” (ص1006-1007). ووضع الشيخ المختار السلامي يده على مكمن الخلاف:”في السنة الماضية في مكة المكرمة ثبت دخول الشهر بالرؤية ولم يثبت في المغرب الأقصى إلا بعد أربعة أيام، وكلاهما يعتمد الرؤية. فهل هذا الخلاف موجبه شيء؟ لا موجب له إلا الرؤية. لا نقول إن الرؤية كاذبة دائما، ولكن فيها كذب، وفيها مع الكذب خداع البصر” (ص 1039).
  واحتدم الخلاف حول رد الشهادة لمعارضتها الحساب. فقال الشيخ عبد الله بن بيه: “رؤية العين: شخص رأى شيئا، لا يمكن أن تقول له أنت لم تر”  (ص 1044). وقال رئيس المجمع: “قرر أهل الحساب أن الشهر لا يولد ثم شهد جمع غفير بولادته، فهو دليل على خطأ أهل الحساب” (ص 1022). بينما استنكر هذا المذهب آخرون، وقال الشيخ محمد المختار السلامي : “لو ثبت تواترا أن فلان بن فلان قد توفي وشاهدوه، ثم جاءنا حيا ماذا نأخذ؟ فاليقين اليقين الأيقن. الشهادة في قوتها ظنية، إن هي إلا أمر ظني” (ص1081). ورأى الشيخ يوسف القرضاوي أنه لا يجوز أن يُتراءى الهلال، ويجب ألا تفتح أبواب المحاكم أصلا لتلقي الشهادات، “إذا نفى الحساب القطعي وأجمع أهل العلم الموثوق بعلمهم على أنه لا تمكن الرؤية…”. ومما يؤيد هذا المذهب في نظر الشيخ أن الهلال “يثبت بالرؤية اليوم ويأتي الناس غدا في الليلة الثانية [فلا يرونه] مع أن المفروض أن يبقى في الأفق زيادة عن الليلة الماضية حوالي أربع وخمسين دقيقة…فهناك دلائل تدل بأن الرؤية تكون غلطا” (ص 1030-1031). ورأى الشيخ أحمد محمد جمال أن “لا تعتمد شهادة عامة المسلمين، إنما نختار رجالا بصراء أمناء لتحري الرؤية. فإذا جمعنا بين الرؤية البصرية والحساب الفلكي والمراصد التي تعيننا على الرؤية وأن يكون ذلك من قبل علماء أو قضاة في كل بلد، أعتقد أن القضية منتهية بذلك” (ص 1043).
 تحرير الآراء والتصويت عليها
  ثم حصر رئيس المجمع الآراء في ثلاثة :
  الاعتماد على الرؤية ولا يلتفت إلى الحساب،
  يعتمد على الحساب ولا يلتفت إلى الرؤية إذا خالفها الحساب،
  العمدة على الرؤية ويستأنس بالحساب.
  وجرت مناقشة هذه الصيغ، خاصة التي تتضمن مراعاة الحساب. ورأى الرئيس وفقهاء آخرون أن الرأي الثاني باعتماد الحساب دون حاجة إلى الرؤية فيه مخالفة صريحة للشرع، فيجب أن يستبعد ولا يصوت عليه، بل لا يجوز عرضه أصلا. وصرح الرئيس: “أنا والله يقشعر جلدي من هذا الرأي” (ص 1070). وكان هذا الاتجاه قد برز أثناء المناقشة عندما قال الشيخ عبد الله بن بيه : “إن تجريح الرؤية تجريح لوسيلة حددها رسول الله (ﷺ)…في عبارات في غاية الوضوح. فهمها الصحابة وتلقوها منه، فهمها التابعون، فهمها جميع الأئمة إلى يومنا هذا. فلا أرى أن يكون مجلسنا هذا مجلسا مهمته هدم الدين أو التجاوز على الدين” (ص1047). لكن في النهاية احتفظ الرئيس بالصيغة الثانية وطرحت مع الصيغ الأخرى للتصويت.
  وقد أيد أحد عشر عضوا الرأي الأول الذي طرح في الصيغة التالية: “الاعتماد في إثبات أوائل الشهور القمرية على الرؤية دون الاعتماد على الحساب”.
  وصوت عضو واحد هو الشيخ مصطفى الزرقاء لصالح الرأي الثاني بصيغة: “جواز الاعتماد على الحساب الفلكي دون الحاجة إلى الرؤية”. ورأى الشيخ الزرقاء أن يسحب هذا الرأي بعد ذلك، فجرى التشطيب عليه. والملاحظ أن الشيخ الزرقاء، وهو عضو أيضا في مجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة، كان من بين الموقعين على قرار هذا المجمع بعدم اعتبار الحساب الفلكي، وذلك في سنة 1401ﻫ. وهكذا يكون قد قاده اجتهاده إلى تحول جذري في موقفه حيال الحساب الفلكي، بحيث ذهب إلى أبعد من مجرد الاستئناس به.
  وصوت ثمانية عشر عضوا لصالح الرأي الثالث الذي طرح في صيغة “الاعتماد على الرؤية شريطة ألا يخالفها الحساب الفلكي القطعي”. وتبين أن صياغة هذا القول ليست بالأمر الهين، فنوقشت طويلا. وعورضت الصيغة المذكورة بمجرد الانتهاء من التصويت عليها بأن الاختلاف حاصل في قطعية الحساب (ص 1073). وقال آخرون:”الاعتماد على الرؤية مع الانتفاع بالحساب”، وفُسر مؤدى هذا القول بأنه إذا قال علماء الحساب: لا يمكن ولادة الهلال، فالواجب الاحتياط وإحضار الجمع الذي يثبت عدم الرؤية وما إلى ذلك (ص1074). وقال آخرون إن هذا الرأي يجب أن يفسَّر على أن الشهادة إذا ثبتت بالاستفاضة أو التواتر، فالعمل بالرؤية (ص1076). فبدا أن هذا الرأي فيه تفصيل، وطرحت للتصويت صيغة ثانية هي: “وجوب الاعتماد على الرؤية مع الاستئناس بالحساب الفلكي”. وصوت لصالح هذه الصيغة سبعة عشر فقيها. ثم اتفق على أن يضاف إليها الاستعانة بالمراصد. لكن إذا أخذنا بعين الاعتبار نتائج التصويت السابق وقارنا لوائح الأسماء المنشورة في محضر الجلسة، يمكن أن نستخلص أن الجانحين إلى هذا الرأي لا يقل عددهم عن أربعة وعشرين.
  واستمر بعد ذلك الخلاف حول مفاد لفظة الاستئناس. فقال الشيخ عبد السلام العبادي : “إن من معنى الاستئناس أنه إذا كانت الشهادة يخالفها الحساب الفلكي، فلا بد من ردها” (ص1079). لكن آخرين رأوا أن هذا المعنى ليس متعينا، بل المعنى أن الواجب التثبت من صحة الرؤية إذا صدر الرأي الفلكي القاطع بخلافها. وصار الأمر إلى طرح صيغة أخرى للرأي الثالث هي : “الاعتماد على الرؤية شريطة ألا يخالفها الحساب الفلكي القطعي”، وحازت هذه الصيغة على تأييد ثلاثة مجمعيين. وانضاف إليهم رابع رأى أنه لا يمكن بحال أن يخالف الحساب الفلكي القاطع الرؤية البصرية.
  ويمكن أن نلخص نتائج التصويت على شكل الجدول التالي، مع مراعاة أننا احتسبنا الشيخ الزرقاء ضمن الآخذين بالقول الثالث، وهو الأقرب إلى رأيه الذي عبر عنه بالتصويت قبل أن يطلب شطبه:
مجموع المصوتين:40
الآراء المطروحة
عدد الأصوات
النسبة
الاعتماد على الرؤية دون الحساب
11
27.50 ٪
الاعتماد على الرؤية مع الاستئناس بالحساب
24
60 ٪
القرار
  وصدر القرار عن مجلس مجمع الفقه الإسلامي بصيغة : “وجوب الاعتماد على الرؤية، ويستعان بالحساب الفلكي والمراصد مراعاة للأحاديث النبوية والحقائق العلمية”.
ملاحظات على أعمال المجمع
  يمكن الآن على ضوء القراءة التي قمنا بها أن نصوغ الملاحظات التالية :
  يتضح من الأرقام الواردة في الجدول السابق – إذا أضفنا أعداد المصوتين على الرأيين الثاني والثالث – أن نحو ثلاثة أرباع المجمعيين يقولون بإيلاء نوع من الاعتبار للحساب الفلكي. بينما يمثل المعارضون للحساب بشكل قاطع أكثر من الربع بقليل. وهؤلاء المعارضون صنفان : بعضهم يعتبر أن الشارع حدد طريقا أوحد لثبوت الشهور هو الرؤية ولا يلتفت إلى غيرها، مثل رئيس المجمع. والبعض الآخر لا يستبعد الاستعانة بالحساب، لكنه يرى أن هذا الحساب غير قطعي، فلا يصلح إذن لذلك الغرض.  ومن المهم أيضا ملاحظة أن الرأي القائل بعدم الالتفات إلى الرؤية إذا عارضت الحساب، ليس رأيا هامشيا تماما، إذ إنه مذهب واحد من كل ثمانية من المجمعيين، وهو رقم لا يمكن تجاهله. كذلك يمكن الحديث عن إجماع فقهاء المجمع على أن الرؤية الفعلية هي الطريق الوحيد الذي حدده الشارع لثبوت الشهور. والشيخ مصطفى الزرقاء كان وحده القائل بجواز اعتماد الحساب طريقا مستقلا معتبرا في الشرع، لكنه طلب بعد ذلك التشطيب على هذا الرأي كما سبق. أما الشيخ محمد المختار السلامي الذي كان ينحو نفس المنحى في مداخلاته فلم يؤازر الشيخ الزرقاء عند التصويت، واكتفى بمناصرة القول برد الرؤية إذا خالفت الحساب.
  وما يلفت الانتباه أكثر من أي شيء آخر بالنسبة لسير أعمال المجمع، هو أن قطعية الحساب الفلكي- وهي المسألة التي من أجل الحسم فيها تم تأجيل اتخاذ القرار قريبا من السنة – ظلت غير معترف بها الاعتراف الكلي. ويبدو في هذا الصدد أن كل واحد من المجمعيين قد بقي محتفظا بالموقف الذي كان عليه قبل متابعة العروض الفلكية. وحتى لو طرحنا قطعية الحساب من الاعتبار، وانصرفنا إلى مجرد النظر إلى المعارف الفلكية والقيمة الممنوحة لها، فإننا نلاحظ استمرار بعض الفقهاء في تفضيل استمداد المعلومات العلمية الطبيعية من المتون الفقهية القديمة. كذلك يسوغ عند البعض منهم معارضة قول أهل الاختصاص بشهادة أفراد لا نعلم هل هم ملمون حقا بما يشهدون عليه. وهذا وحده ينم عن استمرار انعدام الثقة بين فريق من الفقهاء والمختصين في العلوم الكونية. وهذا نص حوار أثبت في محاضر الجلسات يعبر جيدا عن هذه المعضلة (ص 1002-1003) :
  الأستاذ فخر الدين الكراي : …هذه حقيقة يجب أن نتركها في الأذهان وأنه إذا رئي الهلال في منطقة باكستان فإنه يرى واضحا في منطقة السعودية ويرى أوضح من ذلك في منطقة تونس والجزائر والمغرب. هذه حقيقة يجب التفطن إليها.
  الرئيس : لكن في الواقع يا أستاذ الكراي، يظهر أن الواقع يفيد العكس. فإنه مثلا يرى في السعودية وتستحيل رؤيته في المغرب.
  الأستاذ فخر الدين الكراي : لا، هذا هو عين الغلط.
  الرئيس : لا، أنتم تقولون العكس.
  الأستاذ فخر الدين الكراي : أنا قلت إنه يرى في المغرب أحسن من السعودية.
  الرئيس : أنا أقول العكس. هذا الحاصل.
  الأستاذ فخر الدين الكراي : نحن أناس نؤمن بكروية الأرض…
  وربما لا نبعد إذا قلنا إن حقيقة الحساب الفلكي نفسه ظلت مغيبة عن عدد من المجمعيين. فقد استمر الحديث عن التقاويم باعتبارها مبنية على الحساب الفلكي المقصود، واعتبر تضاربها بالتالي دليلا دامغا على تهافت دعوى قطعية ذلك الحساب. ويتضح إذن أن كثيرا من الفقهاء ما زالت نظرتهم إلى علم الفلك كما كان الأمر عليه في العصور القديمة حين كان علم الفلك مرتبطا بالتنجيم، ولمّا يبلغ من الدقة ما بلغه اليوم. ولا يفرق هؤلاء الفقهاء بين المفاهيم المتعددة للشهر عند الفلكيين، وللأسف لا نكاد نجد صدى لما بينه كثير من أهل العلم منذ القدم. قال الإمام ابن دقيق العيد : “الذي أقول : إن الحساب لا يجوز أن يعتمد عليه في الصوم لمقارنة القمر للشمس على ما يراه المنجمون، فإنهم قد يقدمون الشهر بالحساب على الرؤية بيوم أو يومين وفي اعتبار ذلك إحداث شرع لم يأذن به الله. وأما إذا دل الحساب على أن الهلال قد طلع على وجه يرى، لكن وجد مانع من رؤيته كالغيم، فهذا يقتضي الوجوب لوجود السبب الشرعي.”  ومن المفيد الإشارة هنا إلى أن ادعاء الرؤية في أيامنا هذه هو الذي يسبق الحساب الفلكي للرؤية بيوم أو يومين.
  والأمر الآخر المثير للانتباه أيضا هو أن المجمع لم يُضمّن قراره شيئا في شأن الشهادة على الرؤية، مع أن المناقشة أبرزت بوضوح أن هذه المسألة هي أحد أهم جوانب الموضوع المطروح للدرس. واتضح أن بعض الفقهاء متحرجون جدا من موضوع رد الشهادة وتكذيب من ادعى الرؤية، لدرجة يمكن معها توهم أن الشرع الشريف أتانا بأن كل من ادعى شيئا لا ترد شهادته. هذا مع أن تمحيص الشهادات وردها عند الاقتضاء، وتجريح الشهود واستشارة أهل الاختصاص في ذلك –من غير أهل العلم الشرعي– إجراءات موجودة في الفقه الإسلامي ومارسها الفقهاء والقضاة والمفتون في كل العصور. وربما كان من المناسب الإشارة إلى أهمية الشهادة على الرؤية والدعوة إلى المزيد من التحري في شأنها، حتى وإن لم يتم النص على عرضها على نتائج الحساب الفلكي.
  من جهة أخرى يلاحظ أن رئاسة المجلس لم تقم بتحرير جميع الآراء بصفة نهائية قبل الشروع في التصويت عليها. بل إن عملية الصياغة امتزجت بعملية التصويت، مما أحدث بعض الاضطراب في التصويت. كذلك لم يفهم مؤدى بعض الصيغ على حقيقته، مما جعل البعض يرجع عن الموافقة على رأي تبين له أنه لا يوافق ما قصده عند التصويت عليه. فقد حاز القول بالاعتماد على الرؤية شريطة ألا يخالفها الحساب الفلكي القطعي على 18 صوتا عندما طرح أول مرة. ثم أعلن بعض المصوتين أنهم لم يفهموا من تلك الصيغة رد الشهادة على الرؤية إذا خالفت الحساب، وتقلص العدد في نهاية المطاف إلى أربعة.
  ومما يمكن أن يثار فيما يخص شكل القرار، عدم وضوح صيغته، حيث تحتمل لفظة الاستعانة وجوها كثيرة. وكانت هذه النقطة قد أثارت انتباه بعض المجمعيين، وأجيب عنها على لسان الرئيس أن “الرأي لن يكون لعامة الناس. والرأي لأهل العلم، وهم يعرفون كيف ينفذون الآراء وكيف يكيفونها” (ص1076). كما لم يتضمن نص القرار حيثيات تعليله، وربما كان مناسبا أن يشار إليها ولو بشكل مقتضب.
  مع ذلك يجب الاعتراف للمجمع بجرأته في اتخاذ ذلك القرار الذي جاء مخالفا لقرار مجمع آخر. وربما كان لعامل الزمن أثره في ذلك، حيث إن قرار مجمع جدة متأخر بنحو ست سنوات عن قرار مجمع مكة المكرمة. وفي أثناء ذلك الوقت حدثت حالات جديدة خالفت فيها الشهادة على الرؤية الحساب الفلكي، وازدادت المسألة حدة. كما إن مجمع الفقه الإسلامي بجدة لم يبحث عن تحقيق الإجماع، وهو أمر كان بعيد المنال، بخلاف مجمع مكة المكرمة الذي يبدو أنه كان قد اتخذ قراره بعدم اعتبار الحساب الفلكي بالإجماع.
خـاتمة
  لا يبدو أنه كان في النهاية لقرار مجمع جدة تأثير يذكر على واقع التضارب في الإعلان عن أوائل الشهور. فقد استمرت نفس الاختلافات بين الدول الإسلامية في الإعلان عن بدء الصيام وتاريخ الأعياد إلى يومنا هذا. واستمرت كذلك السلطات في دول مختلفة في قبول شهادات على الرؤية تعارض الحساب الفلكي ليس في صورة إمكانية الرؤية أو عدمها، ولكن حتى عندما يعلن الفلكيون أن الهلال لم يولد بعد! والواقع أن لكل بلد مرجعياته الخاصة والمتنوعة في الموضوع، مما يجعل أن قرار المجمع يكاد يكون رمزيا فقط.
  وإذا أشرنا إلى مسألة التواصل والاطلاع، فليس من الجميل أن نحمل السادة الفقهاء وحدهم مسؤولية هذه الحال، ويمكن أن نشير في هذا السياق إلى ندرة المحافل التي يلتقي فيها أهل الفقه بعلماء الفلك. لكن حتى تلك المناسبات التي يفترض أن توجد فيها تمثيلية مهمة للفقهاء لا تحظى بحضورهم الكافي. على سبيل المثال لم يحضر المؤتمر الفلكي الإسلامي الثاني في عمان (تشرين الأول 2001) إلا عدد قليل جدا من أهل العلم الشرعي، علما بأنه يجري تحت رعاية وزارة الأوقاف. وسيكون من المفيد جدا لو تم البحث عن أسباب ذلك. والواجب تضافر جهود الجميع لما فيه مصلحة الأمة، والعمل على توفير الفرص الكفيلة بتجاوز سوء التفاهم وتحقيق التواصل بين الأطراف المعنية والمهتمة.