الرئيسية / البحث في التراث الحديثي بين الواقع والنهج الأمثل.

عدد المشاهدات 13

عدد التحميلات 1

عنوان المقال : البحث في التراث الحديثي بين الواقع والنهج الأمثل.

الكاتب(ة) : د. عبد اللطيف بن محمد الجيلاني

البحث في التراث الحديثي

بين الواقع والنهج الأمثل

الدكتور عبد اللطيف بن محمد
الجيلاني

جامعة ابن زهر ،  أكادير.

تقديم:

  يحتل الحديث عن التراث اهتماما خاصا
في أوساط أهل العلم والفكر، ولا غَرْوَ في ذلك فالتراث هو ذات الأمة وهويتها، وهو نسبها وأصالتها، ويزداد الحديث
عن التراث أهمية وشأنا حينما يرتبط بكتاب الله تعالى أو حديث رسوله ، فمن المعلوم أن شرف العلم تابع لشرف
المعلوم، لذلك كان الحديث عن التراث الحديثي حديثا له شأنه وخطره في واقع الأمة العلمي، لارتباطه بأصل شريف من
أصولها، وَمْعَلَمٍ مقدّس من معالمها، تعتمد عليه في وضع تشريعاتها، وتقتبس منه في سَنِّ قوانينها، وتستضيء به
في شؤون حياتها؛ إنه حديث رسول الله .

  موضوع  هذا البحث: «البحث في
التراث الحديثي بين الواقع والنهج الأمثل».

  ويلتئم الكلام عنه من خلال ثلاثة
مباحث:

  المبحث
الأول:
واقع التراث الحديثي في عصرنا الحاضر، والجهود المبذولة في خدمته.

  المبحث الثاني: المشاكل والمعوقات التي
تعترض التراث الحديثي وتحول دون تطوره.

  المبحث الثالث: النهج الأمثل، والسبل الكفيلة التي من شأنها أن تنهض
بالتراث الحديثي.

  ويجدر التنبيه هنا أن المقصود بالبحث
في التراث الحديثي حركة إحياء التراث الذي ينتمي إلى علم الحديث الشريف من خلال إخراج أو تحقيق مخطوطاته، وكذلك
الدراسات التي تتناول شتى الجوانب المتعلقة بالحديث الشريف وعلومه، لكن سيكون اهتمامي أكثر بالجانب الأول، وهو
حركة إحياء التراث؛ لأن تطور الدراسات الحديثية المعاصرة رهين بإخراج كتب التراث وفق منهج سليم، والله
الموفق.

  المبحث
الأول:
واقع التراث الحديثي في عصرنا الحاضر، والجهود المبذولة في خدمته:

  لا شك أن الناظر في تاريخ الحركة
العلمية في عصرنا الحاضر سيلحظ أن الجهود التي بذلت في سبيل النهوض بالتراث، ولا سيما التراث الحديثي قد انطلقت
من دوافع ذاتية وأخرى جماعية أو رسمية، لذلك رأيت أنه من المفيد هنا الإشارة إلى الجهود الفردية، ثم بعد ذلك
الجهود الجماعية، وقد اختزلتها في جهات ثلاث: الجامعات وأقسام الدراسات العليا، ثم المؤسسات والمراكز العلمية،
ثم المطابع ودور النشر.

1  ـ الجهود الفردية :

  حمل الكثير من العلماء على عاتقهم
مسؤولية خدمة التراث، وبرزت العديد من الأسماء اللامعة في مجال خدمة التراث الحديثي في هذا العصر، ومن يتأمل في
واقع الحركة الحديثية المعاصرة سيجد أن الكثير من الجهود المبذولة كانت من قبل أفراد استشعروا أمانة العلم
وانطلقوا بدافع خدمة حديث المصطفى ، وجهود هؤلاء العلماء كانت أعظم وأنفع من تلك الجهود التي تقف وراءها جهات
ومؤسسات رسمية، وأنوه هنا على سبيل المثال بجهود العلامة الشيخ محمد عبد الحي الكتاني(ت1382هـ) الذي صرف كثيرا
من جهده ووقته وماله في سبيل اقتناء المخطوطات الحديثية، وكان له شأن عظيم في إحياء رسم الرواية الذي انطمست
معالمه، ووصل الأسانيد بشتى الكتب والدواوين كما هو ظاهر في كتابه فهرس الفهارس والمشيخات، وقد أتيح لهذا الرجل
أن يجمع مكتبة ((تعد من أغنى المكاتب الخاصة وأنفسها في العالم العربي كله، فيها من النفائس والنوادر والغرائب
ما لا يوجد في غيرها)) ، وقد آل معظم كتبه إلى الخزانة العامة بالرباط، وهي المخطوطات التي يُرمز إليها في
الخزانة المذكورة بحرف: ك.

  وهناك ثلة من أهل العلم انصرفوا إلى
تحقيق طائفة من النصوص التراثية الحديثية مثل الشيخ أحمد شاكر(ت1377هـ) الذي اشتغل بتحقيق جملة من الكتب منها
جامع الترمذي ومسند أحمد وصحيح ابن حبان ولم يتم شيئا منها، والشيخ عبد الرحمن المعلمي(ت1386هـ) الذي شارك في
تحقيق وتصحيح جملة من الكتب منها كتاب التاريخ الكبير للإمام البخاري(ت256هـ)، وكتاب الإكمال في رفع الارتياب عن
المؤتلف والمختلف من الأسماء والكنى والألقاب لابن ماكولا(ت475هـ)، وكتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم
الرازي(ت327هـ)، والشيخ حبيب الرحمن الأعظمي الهندي(ت1412هـ) الذي حقق عددا من كتب الحديث المهمة؛ منها: مسند
الحميدي(ت219هـ)، والزهد لعبد الله بن المبارك(ت181هـ)، وسنن سعيد بن منصور الخراساني(ت227هـ)، والمصنف لعبد
الرزاق الصنعاني(ت211هـ).

  ثم حذا حذوهم الشيخ عبد الفتاح أبو
غدة، والشيخ شعيب الأرناؤوط، والشيخ عبد القادر الأرناؤوط الذي حقق أكثر من خمسين كتابا معظمها في الحديث
النبوي، والشيخ حسين سليم أسد الداراني، والشيخ حمدي عبد المجيد السلفي، والدكتور بشار عواد معروف، وغيرهم
كثير.

  ولا بد أن أذكر هنا جهود الشيخ محمد
ناصر الدين الألباني(ت1420هـ) في خدمة التراث الحديثي لا سيما في جانب الصناعة الحديثية بتخريج الأحاديث وبيان
درجاتها من حيث الاحتجاج بها أو عدمه مثل السلسلتين الصحيحة والضعيفة، وتخريج أحاديث منار السبيل لابن ضويان
المسمى إرواء الغليل وغيرها كثير.

  كما أن الكثير من العلماء والباحثين
قد أسهموا بجهود مشكورة في الدفاع عن الحديث النبوي ورد الطعون الموجهة إليه وهؤلاء كثيرون أشهرهم الشيخ مصطفى
السباعي في كتابه الرائع السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، والشيخ محمد مصطفى الأعظمي في كتابه دراسات في
الحديث النبوي.

  2ـ الجهود الجماعية:

    أ- الجامعات وأقسام الدراسات العليا:

    أولت العديد من الجامعات
العالمية؛ لا سيما العربية منها التراث اهتماما خاصا، وتسابقت أقسام الدراسات العليا التي تعنى بالدراسات
العربية والإسلامية إلى تشجيع طلبتها على تحقيق كتب التراث في إطار بحوثهم الأكاديمية لنيل مختلف الشهادات
الجامعية، وحاز تراث الحديث الشريف قسطا من هذا الاهتمام، فظهر العديد من كتب الحديث الشريف في عالم المطبوعات،
وهي في أصلها أطاريح جامعية، فعلى سبيل المثال صدر كتاب بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام للحافظ
أبي الحسن ابن القطان الفاسي(ت628هـ) في خمسة مجلدات عن دار طيبة بالرياض، بتحقيق الدكتور الحسين أيت سعيد، وهو
في الأصل قسم من أطروحة نال بها المحقق شهادة الدكتوراه من جامعة القاضي عياض بمراكش، وصدر كتاب التعريف بمن ذكر
في الموطأ من الرجال والنساء للحافظ أبي عبد الله محمد بن يحيى ابن الحذاء القرطبي(ت416هـ) عن وزارة الأوقاف
والشؤون الإسلامية بالمغرب بتحقيق: عز الدين المعيار، وهو في الأصل أطروحة نال بها المحقق شهادة الدكتوراه من
دار الحديث الحسنية بالرباط، وصدر كتاب المطالب العالية في زوائد المسانيد الثمانية للحافظ أبي الفضل أحمد بن
علي بن حجر العسقلاني(ت852هـ) في عشرين مجلدا عن دار العاصمة بالرياض بتحقيق جماعة من المحققين، وهو في الأصل
رسائل علمية نال بها أولئك المحققون شهادة الماجستير من جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض، وصدر كتاب الأجوبة
للحافظ أبي الفتح ابن سيد الناس اليعمري(ت734هـ) عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب بتحقيق: د. محمد
الراوندي، وهو في الأصل قسم من أطروحته التي نال بها الدكتوراه من دار الحديث الحسنية بالرباط بعنوان: أبو الفتح
اليعمري حياته وآثاره وتحقيق أجوبته، وصدر من كتاب العلل لأبي الحسن علي بن عمر الدارقطني(ت385هـ) أحد عشر مجلدا
عن دار طيبة بالرياض بتحقيق: د. محفوظ زين الرحمن رحمه الله، والمجلدات الأربع الأولى منه كان المحقق قد نال بها
شهادة الدكتوراه من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، والأمثلة في هذا الباب كثيرة جدا يطول المجال
بحصرها.

   ولم تقتصر البحوث والأطاريح
المسجلة بالجامعات على تحقيق كتب التراث الحديثي، بل نجد اهتماما أكبر بإنجاز الدراسات المتعلقة بالحديث النبوي،
ومن هذه الدراسات ما يتناول التعريف بجهود المحدثين، ومنها ما يرتبط بمصطلح الحديث، أو الجرح والتعديل، أو تخريج
الحديث، أو غيرها من فنون الحديث، وقد صدر العديد من هذه الدراسات وتداوله الباحثون.

    ب – المراكز والمؤسسات العلمية:

  أُنْشِأَ العديد من المراكز والمؤسسات
العلمية المتخصصة في نشر التراث الإسلامي، وشغل التراث الحديثي حيزا من اهتمام هذه المراكز والمؤسسات؛ على أن
بعضها قد منحه اهتماما خاصا، ويلاحظ أن بلاد الهند كانت السباقة نحو تأسيس العديد من المراكز والمؤسسات العلمية
التراثية، ونشرت في زمن مبكر الكثير من الأعلاق النادرة والمصنفات النفيسة في الحديث النبوي، يأتي في طليعتها
دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن التي لها اليد الطولى في إحياء كتب التراث بصفة عامة وتراث الحديث
النبوي بصفة خاصة، وقد تأسست هذه المؤسسة العلمية سنة1306هـ من قبل العلامة الشيخ حسين البلكرامي، والشيخ عبد
القيوم، والشيخ أنوار الله خان، ويذكر الشيخ أبو الحسن الندوي أن عدد منشوراتها من كتب الحديث وما يتعلق به جاوز
مائة وخمسين كتابا قيما، منها السنن الكبرى للبيهقي، والمستدرك للحاكم النيسابوري، وكنز العمال في سنن الأقوال
والأفعال للمتقي الهندي، والثقات لابن حبان، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم، وتهذيب التهذيب، ولسان الميزان
كلاهما لابن حجر، وتذكرة الحفاظ للذهبي، والتاريخ الكبير للبخاري، والإكمال لابن ماكولا. وهناك من المؤسسات أيضا
لجنة إحياء المعارف النعمانية بحيدر آباد الدكن التي ترأسها الشيخ أبو الوفا الأفغاني، وندوة المصنفين بدلهي
التي أنشأها الشيخ عتيق الرحمن العثماني سنة 1938م، والمجلس العلمي بالهند الذي أنشأه الحاج محمد بن موسى
السملكي الإفريقي، ومن كتب الحديث التي أصدرها هذا المركز كتاب نصب الراية لأحاديث الهداية للزيلعي، والمجمع
الإسلامي العلمي في ندوة العلماء بلكنو الذي تأسس سنة1959 م، والدار القيمة بمباي التي نشرت المصنف لعبد الرزاق
الصنعاني، وتحفة الأشراف للمزي، وإدارة القرآن والعلوم الإسلامية بباكستان التي أسسها الشيخ نور أحمد، ومن
منشوراتها الحديثية كتاب المصنف لأبي بكر ابن أبي شيبة، وإعلاء السنن للشيخ ظفر أحمد العثماني، وبباكستان أيضا
هناك إدارة العلوم الأثرية بفيصل آباد، ومن منشوراتها كتاب العلل المتناهية.

   وفي المغرب تولت وزارة الأوقاف
والشؤون الإسلامية بأمر من صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله وخليفته الملك محمد السادس حفظه الله مهمة
إحياء التراث الإسلامي فنشرت العديد من الكتب النافعة منها عدد لا بأس به من كتب الحديث الشريف والدراسات
المتعلقة به أذكر على سبيل المثال كتاب التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، وهو موسوعة حديثية ضخمة يقع
في ستة وعشرين مجلدا مع الفهارس، ومن منشوراتها أيضا التعديل والتجريح للباجي في ثلاثة مجلدات، ومشارق الأنوار
على صحاح الآثار صدر منه مجلدان، والتعريف برجال الموطأ لابن الحذاء في ثلاثة مجلدات، والأجوبة لابن سيد الناس،
وشرح سنن ابن ماجه لكنون، وغيرها من المنشورات المهمة، وعمل الوزارة امتداد لجهود المغرب السابقة في الاهتمام
بالتراث الحديثي لا سيما جهود السلطان مولاي عبد الحفيظ الذي نشر عددا من الكتب الحديثية على نفقته منها الإصابة
لابن حجر والاستيعاب لابن عبد البر  ومشارق الأنوار لعياض وغيرها .

   وفي مصر كانت بعض المطابع أشبه
بالمراكز العلمية إذ كانت بها لجان لتصحيح الكتب ومراجعتها تضم نخبة متميزة من العلماء، وفي العقد الأخير تأسست
دار التأصيل بالقاهرة، وجمعية المكنز الإسلامي بالقاهرة، وهما في طور إنجاز عدد لا بأس به من الأعمال العلمية
المتعلقة بالتراث الحديثي.

   وفي السعودية العديد من المراكز
والمؤسسات العلمية التي أنشئت حديثا ومعظمها تحت إشراف الجامعات؛ يأتي في طليعتها مركز خدمة السنة والسيرة
النبوية بالمدينة المنورة الذي تأسس بموافقة ملكية سنة1406هـ، وقد وضع هذا المركز نصب عينيه مشروعات علمية كبيرة
لكنه لم يستطع إنجازها حتى الآن، ومن منشوراته كتاب: إتحاف المهرة بأطراف الكتب العشرة للحافظ ابن حجر العسقلاني
نشر منه لحد الآن ثمانية عشر مجلدا في طبعة محققة أنيقة، ونشر كتاب بغية الباحث في زوائد مسند الحارث للهيثمي
محققا في مجلدين.

   وفي جامعة أم القرى مركز البحث
العلمي وإحياء التراث الإسلامي وقد نشر هذا المركز بعض الكتب الحديثية؛ مثل غريب الحديث للخطابي، وغريب الحديث
للحربي، والتاريخ لابن معين، والكواكب النيرات لابن الكيال، وتخريج أحاديث المدونة للدريدري، وغيرها من الكتب
والدراسات الحديثية النافعة.

  وفي قطر أنشأ مركز بحوث السنة والسيرة
بالدوحة، وقسم النشر بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية؛ الذي نشر شرح صحيح مسلم للقنوجي، والمصاحف لابن أبي
داود، والزهد لهناد السري.

  وفي الكويت نجد مركز المخطوطات
والتراث والوثائق الذي تأسس عام1402هـ، ووضع ضمن ما رسم له من أهداف إبراز فضل التراث الإسلامي والعربي الخالد
في تطوير الحضارة الإنسانية ورقيها وسموها، وتيسير سبل البحث العلمي وتوفير الكتب العلمية والتراثية، ومن كتب
الحديث التي أصدرها هذا المركز وحظيت بعنايته كتاب الدعوات الكبير للبيهقي صدر عام1409هـ في مجلدين، وكتاب تاريخ
مولد العلماء ووفياتهم لابن زبر الربعي، نشره سنة1410هـ، وكتاب من وافق اسمه اسم أبيه ورسائل أخرى لأبي الفتح
الأزدي وغيره.

   وفي الأردن بعمان بدأ المجمع
الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية نشر الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي المخطوط عام1986م، وفي سنة1991م نشر
الفهرس الشامل المتعلق بمخطوطات الحديث النبوي وعلومه ورجاله في ثلاثة مجلدات، وهو عمل جليل يوفر على الباحث
عناء مراجعة الكثير من فهارس المخطوطات الصادرة عن مختلف المكتبات العالمية؛ إذ اعتمد المجمع المذكور في إنجاز
هذا الفهرس على أكثر من ألف فهرس ودليل للمخطوطات قام بتجميعها من مختلف البلدان، وتبدو أهمية هذا العمل إذا
علمنا كثرة فهارس المخطوطات وصعوبة الوصول إليها وتنوع اللغات التي كتبت بها، علاوة على أنها تشمل فنونا شتى غير
الحديث الشريف.

   كذلك هناك مؤسسات ومراكز ببلدان
عربية وإسلامية أخرى نشرت بعض كتب التراث الحديثي يتعذر استقصاؤها في هذه العجالة.

أما المؤسسات والمراكز الاستشراقية فقد كان
اهتمامها بالتراث الحديثي ضئيلا مقارنة بما نشرته من التراث العقلي والفلسفي والأدبي، ومن منشوراتها كتاب
الطبقات الكبرى لابن سعد بتحقيق بركلمان وغيره، طبع بلايدن عام1904هـ، والأنساب المتفقة لابن طاهر المقدسي نشره
دي يونج بلايدن سنة1895م، ونشر دي يونج أيضا كتاب المشتبه في أسماء الرجال للذهبي بلايدن سنة 1865م، وغيرها من
الكتب.           

  ج – المطابع والمكتبات ودور النشر:

   ظهرت المطبعة لأول مرة على يد
يوهان جوتنبرغ الألماني (ت1468م)، وبدأت الطباعة العربية أول ما بدأت في القرن السادس عشر الميلادي بإيطاليا، ثم
انتقلت إلى البلدان الإسلامية فكانت الأستانة أسبق مدن الشرق إلى الطباعة، وقيل إن إيران هي السابقة، ثم انتشرت
بعد ذلك في سائر البلاد الإسلامية، وكان لهذه المطابع دور كبير في نشر التراث العربي بصفة عامة وتراث الحديث
بصفة خاصة، وإذا ذكرت المطابع بمصر فلا بد أن تذكر مطبعة بولاق التي أسسها الحاج محمد علي باشا أوائل القرن
التاسع عشر الميلادي، وتسمى أيضا المطبعة الأميرية أو دار الطباعة الخديوية، وتمثل مطبعة بولاق كما يقول الدكتور
محمود الطناحي: ((الباب الواسع الذي دخل منه العرب إلى النهضة الحديثة))، ويكفي لنعرف أهمية هذه المطبعة في
تاريخ الطباعة العربية أنها طبعت لغاية 1867م /1284هـ (603890) كتابا. ومن بين هذه الكتب المطبوعة أمهات كتب
الحديث ومصادره مثل صحيح البخاري مع شرحه العظيم: فتح الباري لابن حجر العسقلاني طبع عام1301هـ/1883م، وإرشاد
الساري لشرح صحيح البخاري للقسطلاني طبع عام1267هـ/1851م، وبمصر انتشرت عشرات المطابع الأهلية في قلب القاهرة
أبرزها المطبعة الوهبية التي نشرت أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير سنة1306هـ/1888م، والمطبعة الميمنية
التي أسسها مصطفى البابي الحلبي وأخواه بكري وعيسى سنة1276هـ/1859م، وقد نشرت هذه المطبعة مسند الإمام أحمد
وبهامشه منتخب كنز العمال للمتقي الهندي في ستة أجزاء من القطع الكبير سنة1313هـ/1895م، ثم تفرعت هذه المطبعة
فيما بعد إلى مطبعتين كبيرتين مطبعة مصطفى البابي الحلبي، ومطبعة عيسى البابي الحلبي التي تسمت بدار إحياء الكتب
العربية،ومن تلك المطابع أيضا المطبعة الخيرية التي نشرت كتاب تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي للسيوطي
سنة1307هـ/1889م، وكتاب النهاية في غريب الحديث والأثر لمجد الدين ابن الأثير سنة1318هـ/1900م، ومطبعة السعادة
الشهيرة التي أخرجت كتاب الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر في ثمانية أجزاء سنة1323هـ/1905م، وتاريخ بغداد
للخطيب البغدادي في أربعة عشر مجلدا سنة1349هـ/1930م، وحلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني في عشرة مجلدات
سنة1357هـ/1938م، وكثير من المطبوعات الحديثية التي نشرتها هذه المطبعة كان على نفقة السلطان مولاي عبد الحفيظ
العلوي، ومن المطابع التي اهتمت بالتراث الحديثي دار الطباعة المنيرية لصاحبها محمد منير الدمشقي الذي طبع كتاب
عمدة القاري شرح صحيح البخاري للعيني، ودار القدسي لصاحبها حسام الدين القدسي الذي نشر كتاب مجمع الزوائد
للهيثمي ومزيل الإلباس للعجلوني.

   وفي العقود الأخيرة لم يعد أمر
نشر التراث بيد المطابع، حيث تكفلت بذلك المكتبات ودور النشر التي انتشرت ببلدان المشرق في مصر ولبنان وسوريا
والسعودية، وبعض هذه المكتبات والدور تضم مكاتب لتحقيق كتب التراث، علاوة على توليها شؤون الطباعة والتوزيع، ومن
المكتبات الشهيرة التي اهتمت بالتراث الحديثي بمصر مكتبة الخانجي، والمكتبة السلفية، ومكتبة المعارف،
ودارالحرمين، ودار الوفاء بالمنصورة، وفي لبنان المكتب الإسلامي، ومؤسسة الرسالة، ودار ابن حزم، وفي دمشق دار
ابن كثير ودار المأمون للتراث، وفي السعودية مكتبة الرشد والمعارف وأضواء السلف ودار طيبة والصميعي
وغيرها.

   وقد شاركت هذه المكتبات في
إخراج عدد غير يسير من كتب الحديث الشريف والدراسات المتعلقة به، أذكر على سبيل المثال لا على سبيل الحصر، كتاب
إكمال المعلم في شرح صحيح مسلم، نشرته دار الوفاء بالمنصورة، والتذكرة برجال الكتب العشرة للحسيني نشرته مكتبة
الخانجي بالقاهرة، والمعجم الأوسط للطبراني نشرته دار الحرمين بالقاهرة، ونشرت مؤسسة الرسالة ببيروت مسند الإمام
أحمد في خمسين مجلدا، وتهذيب الكمال في أسماء الرجال للمزي في خمسة وثلاثين مجلدا، وصحيح ابن حبان بترتيب ابن
بلبان في ثمانية عشر مجلدا، وشرح مشكل الآثار للطحاوي في ستة عشر مجلدا، وغيرها كثير، وقد نجحت هذه المؤسسة في
إخراج هذه الكتب الكبار عن طريق إنشائها مكاتب للتحقيق بدمشق وعمان يشرف عليها الشيخان الشهيران شعيب الأرناؤوط،
وبشار عواد معروف.

   وأصدرت مكتبة الرشد بالرياض
العديد من كتب الحديث النافعة مثل كتاب الأحكام الكبرى للإمام عبد الحق الإشبيلي(ت582هـ) في خمسة مجلدات،
والأحكام الوسطى لعبد الحق الإشبيلي أيضا في أربعة مجلدات، وشرح صحيح البخاري للحافظ ابن بطال القرطبي (ت449هـ)
في عشرة مجلدات، وشرح سنن أبي داود للحافظ بدر الدين العيني (ت855هـ) في سبعة مجلدات، وموافقة الخبر الخبر في
تخريج أحاديث المختصر للحافظ ابن حجر في مجلدين، وفوائد تمام في مجلدين، وغيرها من الكتب الحديثية النافعة.
  

   واستقصاء ما نشرته المطابع ودور النشر من
كتب الحديث الشريف أمر متعذر، لكن الشواهد التي ذكرتها هنا تكفي لتأكيد حضورها في مجال خدمة التراث الحديثي.
   

   * – دور الكميوتر في خدمة التراث
الحديثي :

   وفي نهاية هذا المحور لا بد أن أشير إلى
الجهود الكبيرة التي بذلت في مجال تسخير التقنية الحديثة ممثلة في تقنية الكمبيوتر في خدمة السنة؛ فمن باب
مواكبة العصر والاستفادة من التطور التقني الذي شهده العالم الحديث وضعت بعض المراكز والجهات بل وبعض الأفراد
على عاتقهم مسؤولية القيام بهذا العمل، مثل مركز خدمة السنة والسيرة بالمدينة، وشركة حرف، ومركز التراث،
والعريس، وغيرها، وكان الدكتور محمد مصطفى الأعظمي قد سبق إلى إعلان اهتمامه بالكمبيوتر، وكان ذلك من أسباب فوزه
بجائزة الملك فيصل العالمية سنة 1980م. واليوم نجد في الأسواق منتوجات كثيرة من الأقراص المضغوطة، والحق يقال
أنها أتاحت للعديد من الباحثين ممن يمتلكون أجهزة الكمبيوتر السرعة في عملية البحث، ووفرت لهم الكثير من الجهد
والمال والحيز؛ بيد أن مشاكلها كثيرة وجنايتها على التراث الحديثي عويصة، فإن بعض الشركات تسرعت في طرح أقراصها
في الأسواق بدافع الجشع وتحقيق الربح المادي وهي مليئة بالتصحيف والتحريف، خالية من الفواصل والنقاط وعلامات
الترقيم، غُفْلٌ من الحواشي والتعليقات التي تضيء النص وتحل مشكلاته ومعضلاته. وموضوع توظيف الكمبيوتر في خدمة
السنة موضوع يحتاج إلى دراسة نقدية متأنية، تطرح تصورا شاملا يستضيء به العاملون في هذا الحقل الخصب.

  المبحث الثاني: المشاكل والمعوقات التي تعترض التراث الحديثي
وتحول دون تطوره.

  لا يساورني شك أن الناظر من بعيد إلى واقع
البحث في التراث الحديثي سيخرج بنظرة مفعمة بروح التفاؤل والارتياح، لكنه إذا عاش ذلك الواقع، وعرف أسراره
وخباياه، فربما تتغير نظرته، وقبل أن أطرح تصورا للنهوض بهذا التراث لا بد لي من الإشارة إلى بعض مشاكله
والمعوقات التي تحول دون تطوره.

   1 – التكرار
والاجترار:

  نظرا لغياب التنسيق بين الباحثين في حقل التراث
أصبحت ظاهرة التكرار في الأعمال العلمية التراثية أمرا غير مستغرب، وهو في حقيقته أمر ينبغي أن يدعو للاستغراب
فتجد الكتاب الواحد أو الموضوع الواحد تصرف الأوقات من أجل تحقيقه أو إنجازه من قبل جماعة من المحققين أو
الباحثين كل يعمل على حدة، ربما عن عدم معرفة بذلك ـ وفي هذه الحالة قد ينقطع أحدهم حين يعلم أن الكتاب الذي
يشتغل بتحقيقه أو الموضوع الذي يكتب فيه قد انتهى منه باحث آخر، فتضيع جهوده سدى بعد أن كان من الممكن توفيرها
والاستفادة منها في عمل علمي آخر ـ ويعزو الدكتور أكرم العمري هذا الأمر إلى فقدان مراكز التوثيق، يقول: ((إن من
أصعب المشاكل التي تواجه الباحث عندما يريد تسجيل بحثه هو عدم وجود مركز بحث علمي للتوثيق، بحيث يستطيع صاحب
الأطروحة أن يعرف الأبحاث المستجدة في بحثه، والباحثين الذين يشتغلون في نفس الحقل…)).

   وربما تكررت العديد من الأعمال العلمية عن علم ومعرفة حُبّا في المزاحمة
العلمية، أو بسبب عدم الاعتداد بأعمال الآخرين، أو بسبب دعمٍ  وإيعازٍ من قبل بعض
الناشرين.

   والأمثلة على هذا كثيرة جدا أشير منها إلى
كتاب الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للحافظ أبي بكر الخطيب البغدادي (ت463هـ) فقد صدر بتحقيق الدكتور محمد
رأفت سعيد عن مكتبة الفلاح بالكويت سنة1401هـ، ثم صدر مرة أخرى بعد ذلك عامين بتحقيق الدكتور محمود الطحان عن
مكتبة المعارف بالرياض سنة1403هـ، ثم صدر مرة ثالثة بتحقيق الدكتور محمد عجاج الخطيب عن مؤسسة الرسالة ببيروت
عام 1412هـ. فبماذا يفسر هذا التكرار!!

   والأمر نفسه
ينطبق على كتاب شرح علل الترمذي للحافظ ابن رجب الحنبلي (ت795هـ) فإنه صدر بتحقيق صبحي جاسم السامرائي عن وزارة
الأوقاف ببغداد سنة 1976م، ثم صدرت طبعة ثانية بالتحقيق نفسه عن دار عالم الكتب ببيروت سنة 1405هـ، وصدر بتحقيق
الدكتور نور الدين عتر عن دار الملاح بدمشق سنة 1398هـ، وفي سنة 1407هـ يصدر الكتاب للمرة الثالثة بتحقيق
الدكتور همام سعيد عن مكتبة المنار بالزرقا، وكان هذا الأخير قد نال شهادة الدكتوراه سنة 1976م من جامعة الأزهر
عن تحقيقه لهذا الكتاب. فبماذا يفسر هذا التكرار!!

   أما
الكتب الحديثية الرائجة في الأسواق كرياض الصالحين للإمام النووي (ت676هـ) مثلا فإن الذي يتتبع طبعاته فسيجد أن
الذين قاموا بتحقيقه العشرات من العلماء والمحققين، مع أن أكثرهم يأخذ من بعض، فما هو السر يا ترى في التسابق
نحو كتاب مثل هذا!! الجواب هنا واضح: إنه الانسياق وراء دور النشر التي لا يعنيها من أمر التحقيق شيء؛ إنما
يعنيها الربح المادي.

   إذن فمتى يأتي الوقت لنعلم أن
ظاهرة التكرار تعني الفوضى؟ وأن الوقت الذي نحن مستأمنون عليه نفيسٌ ينبغي صرفه فيما يعود علينا وعلى الأمة
الإسلامية بالنفع والفائدة؟      

   2 – ضعف الاستقراء:
   من صفات البحث التراثي الناجح استقراء صاحبه لجوانبه، واستقراؤه لمصادره،
ومن أسفٍ أن الكثير من الأبحاث المنجزة في التراث الحديثي ينقصها الاستقراء فتجد الباحث يكتب من خلال ما توفر
لديه من المصادر والمراجع دون أن يكلف نفسه عناء البحث والتنقيب عن مصادر أخرى كان من شأنها أن تغير نتائج بحثه
رأسا على عقب أو على الأقل أن تنهض ببحثه وتجعله في المستوى المأمول.

   وبخصوص تحقيق المخطوطات الحديثية تتجلى ظاهرة عدم الاستقراء في عدم تتبع
المحققين للنسخ الخطية إما لعدم معرفتهم بخطورة إهمالها وعدم الاعتماد عليها، أو لعجزهم وكسلهم في الحصول عليها.
فعلى سبيل المثال أفضل نسخة مطبوعة محققة من كتاب الموطأ للإمام مالك صدرت عن دار الغرب الإسلامي ببيروت
عام1997هـ بتحقيق الدكتور بشار عواد معروف، وكان اعتماده فيها على نسخة كتبت سنة749هـ مع الرجوع إلى نسخ أخرى
متأخرة وبعض المطبوعات القديمة للكتاب مع أن للموطأ عشرات النسخ النفيسة التي تستحق أن تعتمد في التحقيق، وهو
أمر يدركه المحقق المذكور، فقد قال في مقدمة تحقيقه: (( على أن نسخ الموطأ في خزائن الكتب كثيرة تبلغ المئات،
يتعذر على من هو في مثل ظرفنا جمعها والمقابلة بينها ودراستها لأسباب متعددة، فبدأنا ندرس النسخ المتوفرة في
بلادنا لا سيما في مدينة السلام بغداد حرسها الله تعالى)).

   وقد يؤدي عدم استيفاء البحث عن نسخ المخطوط إلى نشر الكتاب مشوها أو
ناقصا، فعلى سبيل المثال نشر كتاب التهجد وقيام الليل للحافظ ابن أبي الدنيا بتحقيق مسعد السعدني عن مكتبة
القرآن بالقاهرة سنة1994م اعتمادا على نسخة خطية واحدة أصلها محفوظ بالمكتبة الظاهرية (الأسد) بدمشق، مع أن
المحقق يعلم بوجود نسخة أخرى للكتاب بمكتبة لاله لي بإستانبول، وكانت النتيجة سقوط عدد كبير من نصوص الكتاب
احتفظت بها النسخة الأخرى بلغت (177) نصا.

   3 – دخول غير
المتخصصين:

   علم الحديث من أدق العلوم وأوعرها، من هنا
كان لزاما لمن يخوض غمار البحث فيه أن يكون من أهل الحديث العارفين به، المتخصصين فيه، لكن واقع البحث في التراث
الحديثي غير هذا فقد تجرأ على طرق بابه الدخلاء والأدعياء، فتجد على ظهر كتاب عظيم من كتب الحديث اسم طبيب أو
مهندس غريب عن الفن وأهله، والأمثلة على هذا كثيرة لكن أكتفي بالإشارة إلى طبيب بيطري وضع اسمه على أغلفة كتب
عظيمة مدعيا تحقيقها مثل الاستذكار للحافظ ابن عبد البر(ت463هـ)، ودلائل النبوة للبيهقي(ت458هـ)، ومعرفة السنن
والآثار للبيهقي أيضا، والضعفاء لأبي جعفر العقيلي(ت322هـ)، والاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار للحافظ أبي
بكر محمد بن موسى الحازمي(ت582هـ)، والعلل لعلي بن المديني(ت234هـ)، وتاريخ أسماء الثقات لأبي حفص عمر بن
شاهين(ت385هـ)، فقد أساء هذا الرجل لهذه الكتب إساءة بالغة يدركها جميع طلبة العلم بلا استثناء لما شانها به من
التصحيف والتحريف والسقط والتشويه، فإلى الله المشتكى.  

   4 – النقص والحذف:
   صدر العديد من كتب التراث بصورة مشوهة بسبب تصرف الناشرين أو المحققين!!
فيها بالنقص والحذف، فأصبح شيئا مألوفا أن تجد نقصا وحذفا في بعض كتب التراث المنشورة، وربما يصرح المحقق!!
بذلك، كما صنع كمال يوسف الحوت في تحقيقه لكتاب الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان، فقد لجأ إلى حذف بعض الروايات من
الكتاب بحجة أنها مكررة، وهي في واقع الأمر أسانيد أخرى للحديث إما متابعات أو شواهد. ومن الكتب المنشورة بحذف
الأسانيد والإبقاء على المتون فقط كتاب القناعة للحافظ أبي بكر ابن أبي الدنيا القرشي(ت281هـ)، وكتاب نوادر
الأصول للحكيم الترمذي (من علماء القرن الثالث الهجري)؛ مع أن إثبات أسانيد هذين الكتابين أمر ضروري يحتاج إليه
الدارسون لعلم الحديث.  

   5 – التصحيف
والسقط:

   ظاهرة الوقوع في التصحيف والتحريف ظاهرة عرفها
التراث الإسلامي منذ القديم، لكن هذه الظاهرة صارت اليوم مستفحلة أكثر من أي وقت مضى لا يكاد يسلم منها إلا
القليل، وما نشر من كتب التراث الحديثي شَابَهُ ما شابه من التصحيف والتحريف على اختلاف بين المحققين في حجم
الوقوع في ذلك، وبعض هذا التصحيف والتحريف قد يكون من النسخ الخطية المعتمدة في تحقيق الكتاب لكن المحقق المتمرس
بفن التحقيق يستطيع معالجته من خلال علمه باللغة والمصطلحات والمصادر التي يستعملها مصنف الكتاب المراد تحقيقه.

   والأمثلة على التصحيف والتحريف الواقع في كتب الحديث كثيرة
جدا، أذكر منها بعض  ما وقع في كتاب أسماء شيوخ مالك للحافظ أبي عبد الله محمد بن إسماعيل ابن خلَفون
الأونبي (ت636هـ) بتحقيق وتعليق وتقديم!! الدكتور محمد زينهم محمد عزب، نشر مكتبة الثقافة الدينية بمصر عام
1989م، وقد اعتمد في تحقيقه ـ على ما يزعم ـ نسخة فريدة محفوظة بخزانة الإسكوريال، وهي نسخة عتيقة كتبت بخط
أندلسي متقن جميل وقد اطلعت على أصلها بنفسي حين زرت مكتبة الإسكوريال سنة 1997م، لكن المحقق المذكور يقول في
وصفها: ((خطها أندلسي غاية الصعوبة في القراءة ولكن بفضل الله تعالى تمكنت من قراءتها ونسخها وتقديمها!!)) .
وحقيقة الأمر أن الكتاب مليء بالتصحيف والتحريف من أوله إلى آخره، وهذه نماذج من ذلك اكتشفتها من خلال مقارنة
المطبوع بنماذج من صور المخطوط أثبتها في مقدمة تحقيقه:

  
في ص17 من مقدمة المؤلف يقول: (وأتقن في تصوره وأبعد الأمور بمشيئته وتعذره، وأثر منذ سيمتها محمد )، والصواب:
(وأتقن في تصويره، وأنفذ الأمور بمشيئته وتقديره، وآثر هذه الأمة بنبيها محمد ).

   وفي ص19 يقول: (وأمه العالية ابنة شريط بن عبد الرحمن بن شريط الأزدية)،
والصواب: (وأمه العالية ابنة شريك بن عبد الرحمن بن شريك الأزدية). والحق أن الرجل يقرأ الكاف طاء في جميع
المخطوط، فيا لله ما أعظم البلية!!

   وفي ص20 يقول: (وذكر
العلائي عن أحمد بن حنبل مثله)، وترجم في الحاشية للعلائي صلاح الدين خليل بن كيكلدي العلائي(ت761هـ)، وهو تصرف
عجيب إذ لم يتنبه إلى أن مصنف الكتاب قد توفي قبل هذا التاريخ بقرن ونيف، فالمصنف الذي (توفي سنة636هـ) يستحيل
أن ينقل عن العلائي (المتوفى سنة761هـ)!! والصواب في النص المذكور كما في المخطوط: (وذكر الغلابي عن أحمد…)،
والغلابي من تلامذة الإمام أحمد.   

   وفي ص90
صحّف حديثا نبويا فقال: (عن ابن عباس أن رسول الله  قال: أنما أهاب دفع فقد ظهر بال…)، والصواب كما في
المخطوط: (عن ابن عباس أن رسول الله  قال: أيما إهاب دبغ فقد طهر…).

   وفي ص116 يقول: (ومد عمره أيوب السختياني)، والصواب كما في المخطوط: (وقد
غمزه أيوب السختياني) أي تكلم فيه بجرح.

   وفي ص140 يقول:
(توفي ابن ميسرة سنة خمس ومائة سنة، وهذا الحديث أيضا موقوف…)، والصواب كما في المخطوط: (لا يوجد من مسيرة
خمسمائة سنة، وهذا الحديث أيضا موقوف…).

والعجيب أن هذا الشخص الذي
وقع في هذه الأخطاء الفادحة عضو بقسم تحقيق النصوص التاريخية بدار المعارف، وله ولع شديد بتحقيق كتب الطبقات
والتراجم، ومن نشاطه في التحقيق أنه أصدر أكثر من خمسين كتابا في ظرف ثلاث سنوات، وهو كم هائل لم يستطع إنجازه
شيوخ العربية المحققون.

   ومن كتب الحديث المطبوعة التي
حصل فيها سقط كثير كتاب الكامل في معرفة ضعفاء المحدثين وعلل الحديث لابن عدي الجرجاني (ت365هـ)، فقد سقط منه
عدد من التراجم نشرها أبو الفضل الحسيني في كتاب مستقل بعنوان: التراجم الساقطة من الكامل، يقول الحسيني في
مقدمة كتابه هذا: ((وفي أثناء عملي منذ فترة ليست بالقصيرة لفت نظري كلمة لابن عدي في سلمة بن الفضل الأبرش،
وبها بدأت قصتي مع هذه التراجم، فقد ذهبت أطالع الكتاب المطبوع فما وجدت لها أثرا، وبتتبع ذلك تبين لي من خلال
ميكروفيلم بمعهد المخطوطات العربية سقوط عدة تراجم ممن اسمه سلمة من كامل ابن عدي، ففكرت في الحصول على هذه
التراجم أو نسخها إكمالا للكامل المطبوع، ثم تحولت الفكرة إلى طبعها نفعا لطلبة العلم، وإدراكا للسقط))
.

   وإذا حصل في هذه الطبعة سقوط تراجم كاملة فحصول سقط
أثناء التراجم من باب أولى وأحرى، ومن أمثلة وقوع ذلك ما جاء بالكتاب(1/332) ط/1، و(1/339) ط/3 : ((…وأبو
النضر الدمشقي هذا يحدث عن يزيد بن ربيعة، وهو دمشقي أيضا، عن أبي الأشعث الصنعاني، وهو من صنعاء دمشق، عن ثوبان
بن عبد الجبار البلدي…))، والصواب كما في المخطوط: نسخة أحمد الثالث بإستانبول، ونسخة دار الكتب المصرية:
((… وهو من صنعاء دمشق، عن ثوبان، عن النبي  مقدار عشرين حديثا كلها غير محفوظة. حدّثناه علي بن الحسن بن
عبد الجبار البلدي…)) إلى آخر الترجمة.  

   6 –
التمويه:

   من مظاهر هذا التمويه نشر نصوص من بعض الكتب
المفقودة مع التمويه في عنوان الكتاب بأنها هي نفس تلك الكتب، والأمر لا يعدو في واقع الأمر أن يكون تجميع نصوص
متناثرة هنا وهناك لذلك الكتاب، ومن أمثلة ذلك كتاب مكائد الشيطان للحافظ أبي بكر ابن أبي الدنيا القرشي(ت281هـ)
نشرته مكتبة القرآن بالقاهرة بتحقيق مجدي السيد عام1991م، وبقراءة مقدمة الكتاب تبين أن المحقق لم يعتمد أصلا
خطيا في إخراج هذا الكتاب، بل قام بتجميع عدد من النقول عن كتاب مكائد الشيطان لابن أبي الدنيا وجدها في كتاب
آكام المرجان في أحكام الجان للشبلي وتلبيس إبليس لابن الجوزي وذم الهوى لابن الجوزي أيضا ولقط المرجان للسيوطي،
وكان الأولى به أن يقول في العنوان: (نصوص من كتاب مكائد الشيطان: جمع وترتيب) بدل التمويه الذي سلكه، وقد وضع
 أستاذنا الدكتور حكمت بشير ياسين كتابا في توضيح طرق التنقيب عن المفقود من كتب التراث سماه: (القواعد
المنهجية في التنقيب عن المفقود من الكتب والأجزاء التراثية) يمكن الاستفادة منه لمن أراد سلوك هذا المهيع في
البحث التراثي.

   وغالبا ما يحصل مثل هذا بدافع ترويج
الكتاب،  

  ومن التمويه أيضا ما صنعه محمد سالم هاشم
ونشرته دار الكتب العلمية ببيروت عام1420هـ، فقد أخرج المذكور كتابا بعنوان: اقتباس الأنوار والتماس الأزهار في
أنساب الصحابة ورواة الآثار، لأبي محمد عبد الله بن علي الرشاطي الأندلسي(ت542هـ)، ويليه ختصار اقتباس الأنوار
لأبي محمد عبد الحق الإشبيلي(ت581هـ)، والأمر لا يعدو أن يكون مقتطفات من الكتابين المذكورين، فقد سطا على عمل
أحد المستشرقين الإسبان وهو في تتبع المواضع والمدن الأندلسية في كتاب اقتباس الأنوار للرشاطي واختصاره لعبد
الحق الإشبيلي، وتصرف فيه بالحذف والتشويه، ثم نشره على أنه كتاب اقتباس الأنوار للرشاطي ومختصره للإشبيلي، وهو
عمل يثير السخرية والتعجب!!

  7 – تنتيف الكتب:
  عمد بعض المحققين إلى كتب معينة فقاموا باستلال بعض فصولها أو أبوابها وطباعتها
على أنها كتب مستقلة، وهذه الظاهرة يطلق عليها بعض العلماء المعاصرين ظاهرة تنتيف الكتب، ومن أمثلة ذلك كتاب “ذم
الكذب وأهله” تصنيف ابن أبي الدنيا، تحقيق: محمد غسان نصوح، نشر دار السنابل ببيروت عام1993م، فليس للحافظ ابن
أبي الدنيا كتاب بهذا العنوان، لكن المحقق المذكور استل بابا من أبواب كتاب الصمت وآداب اللسان، وهو باب في ذم
الكذب، ونشره على أنه كتاب مستقل دون أن ينبه إلى ذلك سواء في العنوان أو مقدمة التحقيق!!.

والذي ينبغي عمله إذا دعت الحاجة إلى مثل هذا الصنيع الإشارة إلى الكتاب الذي تم
الاستلال منه كما صنع شكر الله قوجاني حينما طبع  ترجمة الزهري من تاريخ دمشق لابن عساكر مستقلة فقد أشار
في عنوان الكتاب إلى أنها مستلة من تاريخ دمشق.

 8 – السطو على
جهود الآخرين:

  استفحلت هذه الظاهرة في العقود الثلاثة الأخيرة
بشدة، وعانى من ويلاتها مجال التراث بصفة عامة، والتراث الحديثي بصفة خاصة، وقد شجعت عليها في أول الأمر
المكتبات البيروتية حين كانت تقوم بتصوير بعض الطبعات القديمة وأحيانا بعض الطبعات المتداولة مع إزالة اسم
المحقق والدار الناشرة عن صفحة العنوان، وقد صنعوا هذا كثيرا مع المطبوعات القديمة لدائرة المعارف العثمانية
بالهند ومطبعة بولاق بمصر، ومن أمثلة ذلك: كتاب الإكمال لابن ماكولا، نشر دار الكتب العلمية فهي صورة طبق الأصل
لطبعة دائرة المعارف العثمانية بتحقيق الشيخ عبد الرحمن المعلمي عدا مقدمة المحقق النفيسة التي صدر بها عمله،
فقد تم حذفها إخفاء لمعالم السرقة، وفتح الباري شرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر العسقلاني، نشرة دار المعرفة
ببيروت دون تاريخ، هي صورة طبق الأصل لنشرة المطبعة السلفية بالقاهرة عام1959م، ونظير هذا الصنيع كثير جدا يدركه
رواد المكتبات وعاشقوا الكتب، وفي هذا يقول الدكتور محمود الطناحي: ((وخلاصة القول أن بيروت قدمت جهودا طيبة في
نشر التراث العربي على امتداد سنين طويلة ولكن هذه الجهود العظيمة طمستها جهود أخرى ظالمة أكلت حقوق الناس أكلا
واغتالت تاريخهم اغتيالا، وأعني تلك المطابع التي أغارت على أعمال المحققين، ونشرتها دون إذن منهم، أو من
ورثتهم، وقد كان الخطب يهون لو أنهم أبقوا على أسمائهم، كما فعلوا في بدء ظهور الفتنة فيذهب المال ويبقى المجد،
ولكنهم تمادوا في الشر والعدوان، فأسقطوا أسماء المحققين من فوق الأغلفة، ومن آخر المقدمات ثم محوا أسماء
المطابع الأولى من آخر الكتب)).

  ثم تطورت ظاهرة السطو على جهود
الآخرين إلى أبعد من هذا في العقد الأخير فأصبحت دور النشر المشار إليها آنفا تقوم بإعادة صف تلك الطبعات بدل
التصوير؛ نظرا لانخفاض تكاليف الصف بواسطة الكمبيوتر فمسخت الكتب مسخا من حذف المقدمات الدراسية إلى حذف حواشي
الكتاب والتصرف في الفهارس أو حذفها أيضا، مع إهمال التصحيح والمراجعة أو إسنادها إلى غير أهلها، وقد أوكلت هذه
الدور مهمة القيام بهذا التصرف المشين لمجموعة من الباحثين المغمورين لقاء وضع أسمائهم على أغلفة هذه الكتب كذبا
وبهتانا فتارة تجد: تحقيق: فلان!!، وأحيانا يستحيي بعضهم فيقول: وضع هوامشه أو اعتنى به فلان!! ونجد هذه الطبعات
بدون مقدمات!! وأحيانا بمقدمات مختزلة يشار فيها أحيانا بلا حياء إلى أن الاعتماد في إخراج الكتاب كان على
الطبعة التي بتحقيق فلان!! وأحيانا لا يتم التصريح بمصدر الطبعة هل تم الاعتماد على مخطوطة ما أو طبعة ما؟
والجواب إنها سرقة مكشوفة.    

9 – مشكلة
العناوين:

  نشر العديد من كتب التراث الحديثي بغير عناوينه
الصحيحة، ومن أمثلة ذلك كتاب المسند للإمام أبي بكر البزار(ت292هـ) فقد طبع عن مكتبة العلوم والحكم بالمدينة
بتحقيق الدكتور محفوظ زين الرحمن بعنوان: البحر الزخار، مع أن هذا العنوان ليس له مستند، وطبع كتاب التاريخ
الأوسط للإمام البخاري خطأ بعنوان: التاريخ الصغير، وطبع كتاب معرفة أنواع علم الحديث للحافظ ابن الصلاح(ت643هـ)
بعنوان: علوم الحديث أو مقدمة ابن الصلاح، والعنوان الأول: معرفة أنواع علم الحديث هو الذي سماه به مؤلفه، وسماه
به أيضا الحافظ ابن رشيد السبتي في كتابه ملء العيبة، والأمثلة على هذا كثيرة يطول المجال بذكرها، وقد توسع في
تتبعها الدكتور حاتم الشريف في كتابه: «العنوان الصحيح للكتاب: تعريفه وأهميته ـ وسائل معرفته وإحكامه ـ أمثلة
للأخطاء فيه».

المبحث الثالث:
النهج الأمثل، والسبل الكفيلة التي من شأنها أن تنهض بالتراث الحديثي.

تتوالى صيحات الغيورين بين الفينة والأخرى بضرورة إصلاح شأن التراث الحديثي، والوقوف
في وجه المشاكل والمعوقات التي تحول دون نهضته وتطوره، ومن المفيد جدا أن أشير في هذه المحاضرة إلى بعض التوصيات
والمقترحات التي من شأنها ـ إن وجدت طريقها إلى التنفيذ ـ أن تدفع البحث في التراث الحديثي قدما، وأن تحقق ما
نصبو إليه جميعا من خدمة السنة المشرفة على النهج الأمثل والوجه الصحيح، وتتلخص هذه المقترحات والتوصيات في
قضيتين أساسيتين:

الأولى: أن
ينظم الباحثون في التراث الحديثي صفوفهم، وأن ينسقوا جهودهم.

الثانية: أن يتجه مسار البحث نحو المشاريع العلمية الجادة وفق منهج علمي
محكم وموحد.

  وأعود إلى القضية الأولى فأقول إن هناك ثمة جهود
بذلت من قبل بعض الجامعات والمؤسسات كجامعة الدول العربية مثلا في سبيل تنسيق جهود الباحثين في مجال التراث
الإسلامي، لكن تلك الجهود لم تؤت ثمارها بالشكل المطلوب، والسبب في ذلك اتساع رقعة العالم الإسلامي الذي ينشط
البحث التراثي في أرجاء متفرقة منه، ثم عدم تكليف لجان متخصصة بالإشراف على عملية التنسيق، فالذي ينبغي أن تتولى
لجنة متخصصة في فن معين الإشراف على تنسيق الجهود المبذولة في خدمة التراث في الفن الذي تخصّصت فيه، وأن تتكون
هذه اللجنة من ممثلين عن جميع البلدان التي يوجد بها عدد لا بأس به من المشتغلين بتراث ذلك الفن، فعلى سبيل
المثال بالنسبة للتراث الحديثي ـ الذي هو موضوع حديثنا ـ ينبغي أن تتأسس رابطة للمشتغلين بالبحث في التراث
الحديثي، وأن يكون لها فروع في شتى بلدان العالم الإسلامي مثل المغرب ومصر والسعودية واليمن والأردن وسوريا
وباكستان والهند، وهذه البلدان ينتمي إليها معظم المشتغلين بالبحث في التراث الحديثي، على غرار رابطة الأدب
الإسلامي التي تنتمي إليها مكاتب إقليمية متفرقة في عدد من البلدان تعمل تحت إشرافها، وأن يكون لهذه الرابطة
نظام محكم وبرنامج عملي تسير وفقه، وأن تتولى مهمة التنسيق بين المشتغلين بالتراث الحديثي، من خلال عقد ندوات
علمية، ودورات تدريبية متخصصة في جوانب متعلقة بالتراث، وإنشاء موقع إلكتروني، وإصدار نشرة فصلية أو حولية، يتم
من خلالها تبادل الإفادات واقتراح الأبحاث والمشاريع العلمية الجادة، وتقويم طبعات كتب الحديث الشريف ونقدها،
وأن تتكون داخل هذه الرابطة لجان لقراءة ومراجعة وتحكيم الأعمال المنجزة، كذلك ينبغي أن تتولى هذه الرابطة
التنسيق مع دور النشر والجهات التي يمكنها أن تدعم عملية البحث وتتولى مسؤولية الطباعة والنشر، وتصوري أن فروع
هذه الرابطة ينبغي أن تتأسس تحت إشراف الجامعات أو المؤسسات الأكاديمية، وبالنسبة للمغرب فأفضل مكان لها في نظري
هو هذه الدار العامرة، وأخال أن هذه الرابطة إن أسست ووجدت رجالا مخلصين فإنه سيكتب لها النجاح، وسيحذو حذوها
أصحاب التخصصات الأخرى فترى رابطة للمشتغلين بالبحث في التراث الفقهي، وأخرى للمشتغلين بالبحث في التراث
القرآني، وهكذا…

أما القضية الثانية التي لا بد منها للنهوض بالبحث
في التراث الحديثي؛ فهي توجيه مسار البحث نحو المشاريع العلمية الجادة وفق منهج علمي محكم موحد، فإن هذا التوجيه
لا بد له من جهة فاعلة تقوم به وتسهر على تنفيذه، وهي حسب اقتراحي تلك الرابطة التي ينبغي أن تؤسس لتنسيق جهود
الباحثين في مجال التراث الحديثي، وأمام هذه الرابطة مشاريع كبرى في مجال البحث الحديثي تنتظر الإنجاز أولها حصر
المخطوطات الحديثية الموجودة في العالم وفهرستها فهرسة علمية متقنة، أما الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي
المخطوط الذي صدر عن مؤسسة آل البيت بالأردن في ثلاثة مجلدات فإنه مفيد جدا لكنه قاصر لاعتماده على الفهارس
المنشورة، ولم يعتمد على معاينة تلك المخطوطات في أماكنها والبحث عن المكتبات التي لم تفهرس بعد، لذلك فينبغي أن
ينجز عمل آخر أكثر شمولية ودقة من العمل المذكور، والمهمة الثانية محاولة تأسيس مكتبات حديثية متخصصة لفائدة
الباحثين المنتمين إلى الرابطة المذكورة يجلب إليها ما أمكن جلبه من المطبوعات والمخطوطات المصورة، ثم بعد ذلك
عليها أن تنظر إلى التراث الحديثي نظرة جديدة في ضوء ما توفر من مخطوطات، فما كان مخطوطا ولم يسبق نشره ينبغي
المسارعة إلى نشره، وما كان مطبوعا دون تحقيق ينبغي تحقيقه، وما كان محققا وفيه قصور كبير ينبغي إعادة تحقيقه
وفق منهج علمي محكم، ومن الكتب الحديثية التي ينبغي المسارعة هنا بالمغرب إلى تحقيقها صحيح البخاري برواية ابن
سعادة، يقول الفقيه المنوني: ((هو دين في ذمة المعنيين بالأمر من المغاربة))، والموطأ برواية يحيى بن يحيى
الليثي فإن للموطأ بهذه الرواية أصولا خطية نفيسة ينبغي الاعتماد عليها وإخراجه في طبعة جديدة، وكذلك الشأن
بالنسبة لسنن أبي داود برواية ابن داسة ففيها زيادات على رواية اللؤلؤي وكانت هذه الرواية متداولة بالمغرب،
ويوجد لها اليوم مخطوطات نفيسة يمكن الاعتماد عليها في التحقيق، والكتب التي ينبغي تحقيقها أو إعادة تحقيقها أو
إكمال تحقيقها كثيرة جدا يطول المجال بذكرها.

  ومن المشاريع
العلمية الجادة التي ينبغي التخطيط لإنجازها موسوعة الحديث الشريف، على أن يتم استقراء كل كتب الحديث الموجودة
المطبوع منها والمخطوط، واستخراج الأحاديث النبوية المرفوعة منها، ثم ترتيبها، ثم بعد دراسة هذه الموسوعة وتخريج
أحاديثها يمكن إصدار موسوعة الأحاديث الصحيحة والحسنة، وموسوعة الأحاديث الضعيفة والموضوعة، ثم يأتي بعد ذلك
البحث في شرح أحاديث هذه الموسوعة بتتبع كتب شروح الحديث واللغة فتخلص لنا موسوعة فقه السنة، ومن الموسوعات التي
يمكن العمل على إنجازها على غرار موسوعة الحديث موسوعة الآثار وأقوال الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار المسندة،
وموسوعة أحكام العلماء على الأحاديث، فأحكامهم على الأحاديث متناثرة هنا وهناك في كتب العلل والتخريج والشروح
وغيرها والضرورة ملحة إلى جمعها، وقد قام بعض الباحثين بجمع أحكام إمام معين مثل النووي وابن حجر، لكن الحاجة
ماسة إلى جمع أقوال كبار النقاد في موطن واحد، ثم أيضا إنجاز موسوعة شاملة لتراجم الرواة مع تحرير القول في بيان
أحوالهم، وموسوعة أخرى لتراجم الحفاظ من المحدثين.

ومن الأعمال
العلمية الجديرة بالعناية تتبع السماعات الموجودة على كثير من المخطوطات الحديثية ودراستها، فإنه من خلالها يمكن
العثور على تراجم جديدة لبعض المحدثين، والوقوف على معلومات مفيدة تتعلق بتاريخ الكتب والمراكز العلمية، كذلك من
الأعمال المفيدة التي يتوجب القيام بها مراجعة الأعمال المنشورة على الأقراص المدمجة وتنقيتها من السقط والتصحيف
والتحريف.

وبالجملة فتنفيذ هذه المقترحات قد يبدو للبعض ضربا من
الحلم، لكن إذا خلصت النيات، وتضافرت الجهود فإن كل شيء سيتحقق وما ذلك على الله بعزيز، والحمد لله أولا
وآخرا.

المصادر والمراجع:
    1. الإحسان، لابن حبان،
تحقيق: كمال يوسف الحوت، نشر دار الفكر ببيروت ولبنان.

  
 2. أسماء شيوخ الإمام مالك بن أنس، لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل
بن خلفون الأونبي(ت636هـ)، تحقيق: د. محمد زيمهم محمد عزب، نشر مكتبة الثقافة الدينية ببورسعيد، ط/1، 1989م.

    3. إسهامات
المستشرقين في نشر التراث العربي الإسلامي، للدكتور علي بن إبراهيم النملة، نشر بالرياض، ط/1، 1417هـ.

    4. اقتباس
الأنوار والتماس الأزهار، لأبي محمد عبد الله بن علي الرشاطي(ت542هـ)، وضع حواشيه: محمد سالم هاشم، نشر دار
الكتب العلمية ببيروت، ط/1، 1420هـ.

    5. التراث المغربي والأندلسي: التوثيق والقراءة، منشورات كلية الآداب
والعلوم الإنسانية بجامعة عبد الملك السعدي بتطوان، ندوات(4)، أبريل عام 1991م.

    6. التراجم الساقطة من
الكامل لابن عدي، استدراك وتحقيق: أبو الفضل عبد المحسن الحسيني، نشر مكتبة ابن تيمية بالقاهرة، ط/1، 1413هـ.
    

    7. التعالم وأثره على الفكر والكتاب، لبكر أبو زيد، نشر مكتبة دار الراية
بالرياض وجدة، ط/3، 1412هـ.

    8. جهود المعاصرين في خدمة السنة المشرفة، لمحمد عبد الله أبو صعيليك، نشر
دار القلم بدمشق والدار الشامية ببيروت، ط/1، 1416هـ.   

    9.  جهود مخلصة في خدمة
السنة المطهرة(في شبه القارة الهندية)، لعبد الرحمن الفريوائي، نشر إدارة البحوث الإسلامية ببنارس ـ الهند، ط/2،
1406هـ.

    10. ذم الكذب وأهله، لابن أبي الدنيا، تحقيق: محمد غسان نصوح، نشر دار
السنابل ببيروت، 1993م.

    11. ذيل الأعلام، لأحمد العلاونة، نشر دار المنارة بحدة ـ السعودية، ط/1،
1418هـ.

    12. الضعفاء، لأبي جعفر محمد بن عمرو المكي العقيلي(ت322هـ)، طبعة بتحقيق:
عبد المعطي قلعجي، بعنوان: الضعفاء الكبير، وهو خطأ، نشر دار الكتب العلمية ببيروت، ط/1، 1404هـ، وطبعة أخرى
بتحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، نشر دار الصميعي بالرياض، ط/1، 1420هـ. طبعة القلعجي والسلفي

    13. علم الاكتناه العربي
الإسلامي، للدكتور قاسم السامرائي، نشر مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية بالرياض، ط/1، 1422هـ.

    14. العنوان
الصحيح للكتاب، للشريف حاتم بن عارف العوني، نشر دار عالم الفوائد بمكة المكرمة، ط/1، 1419هـ.

    15. فتح المغيث بشرح ألفية
الحديث، لأبي الخير محمد بن عبد الرحمن السخاوي (ت902هـ)، تحقيق: علي حسين علي، نشر الجامعة السلفية ببنارس ـ
الهند، ط/1، 1407/1411هـ.

    16. الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي المخطوط(الحديث النبوي الشريف
وعلومه ورجاله)، نشر مؤسسة آل البيت ـ المجمع الملكي بعمان ـ الأردن، ط/1، 1992م.

    17. فهرس مصنفات البخاري،
لمحمود الحداد، نشر دار العاصمة بالرياض، 1408هـ.

  
 18. قبس من عطاء المخطوط المغربي، لمحمد المنوني(ت1420هـ)، نشر دار
الغرب الإسلامي ببيروت، ط/1، 1999م.

    19. القناعة، لأبي بكر عبد الله بن محمد القرشي المعروف بابن أبي
الدنيا(ت281هـ)، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، نشر مؤسسة الكتب الثقافية ببيروت، ط/1، 1413هـ.

    20. القواعد المنهجية في
التنقيب عن المفقود من الكتب والأجزاء التراثية، للدكتور حكمت بشير ياسين، نشر مكتبة المؤيد بالرياض والطائف ـ
السعودية، ط/1، 1412هـ.

    21. كتاب الصمت وآداب اللسان، لأبي بكر عبد الله بن محمد القرشي المعروف
بابن أبي الدنيا(ت281هـ)، تحقيق: أبي إسحاق الحويني الأثري، نشر دار الكتاب العربي، ط/1، 1410هـ.

    22. الكتاب
المطبوع بمصر في القرن التاسع عشر(تاريخ وتحليل)، للدكتور محمود محمد الطناحي، نشر دار الهلال بمصر، أغسطس
1996م.

    23.
كشف اللثام عن أحد محدثي الشام المحدث الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، جمع: محمود الكسر، نشر دار المأمون للتراث
ببيروت، ط/1، 1421هـ.

    24. مجلة المقتطف المصرية، أبريل سنة1933م.
    25. مجلة جامعة الملك عبد
العزيز بجدة، المجلد العاشر، صدر سنة 1417هـ.

  
 26. محمد ناصر الدين الألباني: محدث العصر وناصر السنة، لإبراهيم
محمد العلي، نشر دار القلم بدمشق، ط/1، 1422هـ.

  
 27. مدخل إلى تاريخ نشر التراث العربي، لمحمود محمد الطناحي، نشر
مكتبة الخانجي بالقاهرة، ط/1، 1405هـ.

    28. مركز المخطوطات والتراث والوثائق (تعريف).، نشر مركز المخطوطات والتراث
والوثائق بالكويت، بدون تاريخ.

    29. مركز خدمة السنة والسيرة النبوية: أهدافه وإنجازاته، نشر مركز خدمة
السنة بالتعاون مع مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة، 1413هـ.

    30. معجم المطبوعات العربية
في شبه القارة الهندية الباكستانية منذ دخول المطبعة إليها حتى عام1980م، للدكتور أحمد خان، نشر مكتبة الملك فهد
الوطنية بالرياض، ط/1، 1421هـ.

    31. معجم ما طبع من كتب السنة، لمصطفى عمار منلا، نشر دار البخاري ببريدة
والمدينة المنورة، ط/1، 1417هـ.

    32. مقدمة ابن الصلاح: أبي عمرو عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري(ت643هـ)،
تحقيق: بنت الشاطئ، نشر دار المعارف بالقاهرة، ط/2، 1989م.

    33. مكائد الشيطان، لأبي بكر
عبد الله بن محمد القرشي المعروف بابن أبي الدنيا(ت281هـ)، جمع وتحقيق وتعليق: مجدي السيد إبراهيم، نشر مكتبة
القرآن، 1991م.

    34. ملء العيبة بما جمع بطول الغيبة، لأبي عبد الله محب الدين محمد بن عمر
بن رشيد السبتي(ت721هـ)، تحقيق: د. محمد الحبيب بلخوجه، نشر الدار التونسية للنشر بتونس، 1402هـ.

    35. مناهج
البحث وتحقيق التراث، للدكتور أكرم العمري، نشر مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة، ط/1، 1416هـ.

    36. الموطأ:
رواية يحيى بن يحيى الليثي، تحقيق: د. بشار عواد معروفـ

  
 37. نصوص ساقطة من طبعات أسماء الثقات لابن شاهين(ت385هـ)، للدكتور
سعدي الهاشمي، نشر مكتبة الدار بالمدينة المنورة،1407هـ.

    38. نوادر الأصول في معرفة
أحاديث الرسول، لأبي عبد الله محمد بن علي الحكيم الترمذي(ت نحو320هـ)، نشر دار صادر ببيروت تصويرا عن طبعة
قديمة صدرت سنة1293هـ، والنسخة الخطية المحفوظة بالخزانة العامة بالرباط برقم:176ك.