الرئيسية / الدراسات الإسلامية بين الحاضر وآمال المستقبل.

عدد المشاهدات 13

عدد التحميلات 1

عنوان المقال : الدراسات الإسلامية بين الحاضر وآمال المستقبل.

الكاتب(ة) : ذ. محمد بلبشير الحسيني

الدراسات الإسلامية بين الحاضر وآمال المستقبل

محمد بلبشير الحسيني
خبير بالمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم

أصبح من الضروري في وقت صدر فيه الميثاق الوطني للتربية والتكوين، ويوجد على بساط البحث مشروع إصلاح شامل للتعليم العالي ببلادنا، أن نعرض لموقع الدراسات الإسلامية في نظامنا التعليمي، ونقوم بتقييم لهذه الدراسات التي قد تكون في حاجة إلى إصلاح وتجديد وتكييف مع حاجات البلاد الثقافية والاجتماعية.
لذا، سأركز في حديثي هذا على ثلاثة محاور: تشخيص الحاضر، طبيعة الدراسات الإسلامية، وأخير ما المطلوب منها للمساهمة في تنمية متوازنة للمجتمع في مجالات مسيرته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فضلا عن المجال السياسي.
أولا –  تشخيص موجز لواقع الدراسات الإسلامية في الوقت الراهن:
توجد هذه الدراسات بأنواعها المختلفة على الصورة التالية:
أ – على مستوى المسلكين الأساسي والثانوي:
يتوفر نظامنا التعليمي على تعليم أصيل يصل إلى السلك العالي بجامعة القرويين، وعلى مادة التربية الإسلامية في السلكين من التعليم الرسمي والحر، وعلى تعليم يدعى تعليما عتيقا، يدرس في المساجد وتشرف عليه وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.
والأصناف الثلاثة تصل كلها حاليا إلى الباكالوريا.
ب – أما على مستوى التعليم العالي فتوجد كما هو معلوم :
•  جامعة القرويين بكلياتها المتخصصة في الشريعة وأصول الدين واللغة العربية.
•  دار الحديث الحسنية للدراسات العليا.
•  شعب الدراسات الإسلامية في كليات الآداب والعلوم الإنسانية وبعض المدارس العليا للأساتذة.
وتختم الدراسات العليا في المؤسسات الجامعية الثلاث بالتحضير للدكتوراه.
والملاحظ على هذا التعليم الإسلامي بجميع أنواعه:
– تنوعه وتشعبه، خاصة في المستويين الأساسي والثانوي، والسؤال المطروح هو: ألا يكون من المصلحة محاولة تجديد برامجه ومناهجه؟
– تختلف فيه أساليب التكوين والتلقين، وقد يكون من المفيد إعادة النظر في هذه الأساليب التقليدية، والاستعانة بالوسائل الحديثة.
– انعزاله عن قضايا المجتمع باستثناء ما يتعلق بتطبيق بعض العبادات والتشريعات كالأحوال الشخصية، والمواريث، وعن المحك العلمي والثقافي.
– إهمال مواكبة الفكر الإسلامي لمسيرة الفكر البشري في السياسة والاقتصاد والاجتماع والفلسفة.
وبنظرة تاريخية حديثة عن تطور التعليم العالي الإسلامي، يمكن القول بأن الجامعات الإسلامية العتيقة (القرويين والأزهر والزيتونة) مرت بأزمة في منتصف القرن العشرين، حيث كانت كلها تقتصر على العلوم الشرعية واللغوية، فكانت منعزلة عن التوجهات الجامعية الأخرى، ولا تواكب إلا قليلا الأدوار الحديثة للجامعة، كما هو الشأن في البلاد المتقدمة، ولكن، وقد بقيت جامعتا القرويين والزيتونة على حالتهما، سارت الأزهر في طريق الانفتاح بإحداث كليات مختلفة (للدراسات الطبية والتجارية وغيرها) بجانب الكليات الإسلامية والعربية، وباءت بالفشل محاولة إحداث كلية للفكر والحضارة الإسلامية بجامعة القرويين. على أن عامة البلاد العربية والإسلامية انطلقت تحدث جامعات عصرية متعددة التخصصات، منها الحكومية ومنها الحرة، ومنها من أنشأت كليات خاصة بالدراسات القرآنية أو بالاقتصاد الإسلامي أو الدراسات الإسلامية والاجتماعية، وقد أحدثت حتى في كثير من البلاد الأجنبية (وخاصة منها الغربية) العديد من الجامعات والمعاهد المتخصصة في الدراسات الإسلامية.
ثانيا –  طبيعة  الدراسات  الإسلامية:
تتعلق الدراسات الإسلامية أساسا بقضايا الإسلام والمسلمين، فتدريس الإسلام فيها ينطلق من فقه الإسلام بجميع مشمولاته، على أساس وحدوي يضم كلا من مجالات دعوته ومقاصده ومقوماته الفكرية والحضارية، ومنهجيته التشريعية والتربوية.
كذلك ينبغي أن يدرس بصفته الخاتم للتذاكير الإلهية، الشمولي في مضمونه بانسجام عناصره من عقيدة وشريعة وقيم، وفي أبعاده باتجاهه للكيان الإنساني بكامله لما يتوفر عليه من حواس وعقل ووجدان ومشاعر، وفي مختلف علاقاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية والقضائية، وفي فلسفته التشريعية والتبليغية من اعتماد على أحكام وضوابط ومنهجية محكمة لبناء الإنسان والمجتمع.
أما الدراسات المتعلقة بالمسلمين، فتقتضي فقه أوضاع المسلمين قديما وحديثا، وفي مختلف مجالات الحياة، مع التركيز على الأوضاع المغربية من حيث التاريخ والخصوصيات السكانية والحضارية التي تعتمد القيم الروحية والعمل بوحدة الأمة الإسلامية، وفي إطار مقوماتها من تكافل بالزكاة والصدقة والوقف، ومن تنظيم اجتماعي ينسجم مع النظم الإسلامية في أعرافه وتقاليده العمرانية والفنية والسلوكية.
كما تقتضي هذه الدراسات كذلك الاهتمام بالمغرب من حيث موقعه من مجالات التنمية ومقاييس التطور بإيجابياته وسلبياته على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي، ومن حيث درجة مساهمة أبنائه في العلوم والفنون وغيرهما.
ثالثا  –  ما المطلوب من الدراسات الإسلامية للمساهمة في تنمية متوازنة؟
المطلوب منها عموما دراسة الإسلام والتعريف به في كليته وشموليته باعتباره دينا ونظام حياة وحمولة فكرية وعلمية وحضارية. وبصفة عامة، التركيز على التكوين والبحث والتثقيف ومسايرة قضايا الواقع المتجدد.
* – في مجال التكوين:
ينبغي أن يكون التكوين الإسلامي حاضرا في سائر المراحل التعليمية، ومختلفا باختلاف الأسلاك، وشعب السلك الثانوي، وكذا باختلاف الدراسات الجامعية.
ومن الضروري أن يصبح تدريس العلوم الإسلامية الأساسية من قرآن وتوحيد وحديث وفقه وأصول وسيرة نبوية أمرا إلزاميا، بدل التربية الإسلامية، بصفة خاصة ابتداء من السلك الثاني للتعليم الأساسي، إلى قسم البكالوريا، وأن تخصص حصة دنيا من التكوين الإسلامي لكل مرحلة من مرحلتي الأساسي والثانوي. كذلك من المفيد اجتناب أي خلل في الانسجام والتكامل بين المواد الإسلامية والمواد الدراسية الأخرى.
كذلك لا نرى أن يبقى التعليم العالي بجميع فروعه خاليا من ثقافة إسلامية تتلاءم برامجها مع نوع الشخص.
ومن أجل بلوغ هذه الأهداف، نرى من الضروري القيام بما يلي:
أ – تكوين متخصصين في العلوم الدينية من فقهاء، وقضاة، ومدرسين، وعدول، ودعاة، وملحقين اجتماعيين في أوساط الجالية المغربية في الخارج.
ب – تكوين باحثين في مجالات الفكر الإسلامي لتجديده وجعله يشارك بمواقف ثابتة في التطورات الغربية وتوجهاتها، وبمساهمة فعالة في حوار الحضارات والثقافات، وفي تقارب الأديان السماوية، وأخيرا بتوضيح الرؤية الإسلامية حول قضايا الساعة من عولمة، وبيئة، وأمن اجتماعي، والمرأة والطفل والأجير والمعوق إلخ.
ج – تكوين باحثين في القضايا المتعلقة بأوضاع المسلمين من حيث التاريخ والسياسة والاقتصاد والاجتماع والتربية والفوارق المذهبية، ومن حيث موقعهم من المسيرة الحضارية والعلمية والتنموية الراهنة.
* – في مجالات التثقيف :
يتعين على المتخصصين في الدراسات الإسلامية القيام بالمسؤوليات التالية:
أ – تعريف المواطن المغربي بدينه من عبادات ومعاملات وقيم، باستعمال جميع الوسائل المتاحة، في طليعتها المساجد ووسائل الإعلام والاتصال.
ب – الدعوة إلى الحفاظ على التقاليد الروحية والاجتماعية والحضارية والشعبية التي لا تتنافى مع القيم الإسلامية، والتي تشكل الهوية المحصنة للمجتمع، ومن ذلك مواصلة التعلق بتحفيظ القرآن الكريم وتلاوته، وسنة الرسول المختار وسيرته الطاهرة، وتجذيرها في تقاليدنا وأعرافنا كما كان الأمر عند السلف.
ج – العمل على نشر الثقافة الإسلامية بشقيها الديني والمدني وبمنهجيتها التربوية، بهدف تحصين المجتمع من التنكر لها ومن المد الثقافي والحضاري الذي يتسبب في تشويهها وتعتيمها.
لقد أصبح من الضروري الحفاظ على التوازن بين التمسك بالهوية والخصوصيات الروحية والحضارية المميزة وبين ضروريات التنمية ومواكبة العصر.
* – في مجال البحث العلمي :
ويقتضي ذلك: قيام المتخصصين في الدراسات الإسلامية بالبحث النظري لمواصلة الاجتهاد في الفقه وتأصيل الفكر اعتمادا على الأصول والمقاصد واستئناسا باجتهادات الأئمة والعلماء، وكذا قيامهم بالبحث التطبيقي فيما يتصل بالحياة العامة والواقع المعيش، وذلك :
– بالعمل على توضيح الرؤية الإسلامية الداعية إلى توجيه البحث إلى ما فيه مصلحة الإنسان، واجتناب ما فيه مفسدة أو ضرر على الأجيال، فالله تعالى يدعو إلى العمل الصالح ولا يحب الفساد في الأرض.
– بإنزال الحلول الإسلامية لمشاكل المجتمع إلى أرض الواقع، بهدف قضاء حاجات الناس وضمان الحقوق وتشجيع الوقف، وتقوية الوازع الديني لتخليق المجتمع ودعم استقراره، مقتدين بالنهج القرآني بالتيسير والهداية، والتنبيه إلى ضرورة سد الذرائع في وجه الشر وفتحها في وجه الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
– بالسعي نحو تحديث الفكر الإسلامي، وذلك بالتموقع في التيارات الفكرية والحضارية المعاصرة، ورفع التحديات المطروحة على الإسلام والمسلمين، ومن ثم إخراج الدراسات الإسلامية من عزلتها ورتابتها وجعلها تعانق الأحداث وتتصدى للجبهات بالاجتهاد المتواصل، متدارسة التفاعلات والانعكاسات التي تبرز بين العلوم الإسلامية وبعض العلوم الأخرى، خاصة منها ما يتعلق بالإنسان في جميع أبعاده فردا وجماعة، وكذلك ما يتصل من جهة أخرى بالسنن الكونية والاجتماعية التي تؤهل الإسلام من خلال القرآن والسنة للإسهام في بحثها مساهمة فعالة لصالح العلم وصالح الإنسان.
– بالمساهمة في تصحيح ما يفترى ويزيف على الإسلام، ورفع الحواجز العازلة له، وصد التحديات، وبعث ديناميكة فعالة في مجال التقارب والتضامن والانفتاح على العالم الإسلامي.
الوسائــل :
من الوسائل الناجعة لبلوغ المرامي المطلوبة من التكوين والتثقيف والبحث، يمكن القيام بالتدابير التالية:
أ – إصلاح المناهج في التدريس والتكوين والبحث مع استغلال الوسائل الحديثة من إعلاميات ووسائل الاتصال والإعلام.
ب – وبالنسبة للتعليم العالي استغلال النظام الجديد:
– باتباع نظام المسالك والوحدات، على أساس التعاون بين الدراسات الإسلامية والعلوم الأخرى، في اتخاذ أفقية الدراسات الإسلامية والانعكاسات الشرعية أو العلمية لبعض التخصصات العلمية وبعض القضايا الإنسانية على العلوم الإسلامية، الأمر الذي يقتضي تنشيط الاجتهاد الفقهي والعلمي والفكري.
– بإحداث مراكز جامعية ومعاهد البحوث في قضايا الإسلام والمسلمين، سواء فيما يتعلق بالسياسة أو الاقتصاد أو الحضارة أو التربية أو غيرها.
– تشجيع التبادل العلمي والثقافي بين جامعاتنا وجامعات العالم الإسلامي، والمشاركة في التظاهرات الثقافية والفكرية، والمؤتمرات والحوارات التي تقام عن طريق القنوات الإذاعية والتلفزية والفضائيات إلخ.