الرئيسية / الزوجية في القرآن الكريم : دلالات ووظائف ومقاصد.

عدد المشاهدات 13

عدد التحميلات 1

عنوان المقال : الزوجية في القرآن الكريم : دلالات ووظائف ومقاصد.

الكاتب(ة) : د. فاطمة بوسلامـــــــــــــــة

يهدف هذا البحث إلى استخلاص حقيقة الزوجية انطلاقا مما يدل عليه المصطلح في مجموع الآيات التي ورد بها في القرآن الكريم، وهو ما استلزم الوقوف على العناصر التالية: المعنى اللغوي ومداره، والورود في القرآن الكريم ودلالاته، ومجال الاستعمال وخواصه، فضلا عن الدلالات الجزئية المتعددة التي تكشف خلاصاتها عن الوظائف وأثرها، والمقاصد وأهميتها.

1- الزوجية في اللغة واصطلاح فقهاء الشريعة:

يرجع ابن فارس مادة الزاء والواو والجيم إلى معنى “مقارنَة شىءٍ لشىء”() ومنها الزَّوْج: “يُقال لكل واحد من القرينين من الذ كر والأنثى في الحيوانات المتزاوجة: زوج، ولكل قرينين فيها وفي غيرها كالخف والنعل: زوج، ولكلّ ما يقترن بآخر مماثلاً له أو مضادّاً: زوج”().
والزوج أيضا “الشكل يكون له نظير كالأصناف والألوان أو يكون له نقيض كالرطب واليابس والذكر والأنثى والليل والنهار والحلو والمر”.()
فالملاحظ إذاً في إطلاق الزوج معنيان أساسيان: معنى الاقتران إذ الزوج “خلاف الفرد”() والزوج “الفرد الذي له قرين”()، والثاني: معنى التـقابل والتضاد أو التشابه والتماثل مع الاشتراك
فـي أمر، فالليل يقابـل النهار ويشترك معه في كونهما معـا من ظواهر الكون، والأنـثى تقابل الذكر ويشتركان معا في النوع الإنساني، وأحد الخفين أو النعلين يشبه الآخر ويشتركان في كونهما معا من اللباس…
وإطلاق الزوج على الصنف والنوع والشكل من دون ملاحظة القرين في الظاهر أو بغير قيد كونه ثانياً لآخر لا يوجب وجوده منفردا، ووجه ذلك “أن الصنف إذا ذكر يذكر معه نظيره غالباً فيكون زوجاً”()، والأصناف المتقارنة مع بعضها أزواج بهذا الاعتبار.
أو وجه ذلك أنه “لمّا شاعت فيه ملاحظة معنى اتّحاد النّوع تطرقوا من ذلك إلى استعمال لفظ الزوج في معنى النوع بغير قيد كونه ثانياً لآخر على طريقة المجاز المرسل بعلاقة الإطلاق”().
وناقش اللغويون هل يطلق الزوج على مجموع القرينين فيقال” للاثنين هما زوجان وهما زوج كما يقال هما سيان وهما سواء وتقول عندي زوجا حمام يعني ذكرا وأنثى وعندي زوجا نعل”()، فقبله البعض كابن قتيبة (ت276هـ) وابن دريد (ت321هـ) والجوهري(ت 393هـ)، وأنكره البعض الآخر كالسجستاني (ت255هـ) والأزهري (ت370هـ) وابن سيده (ت458هـ)()، نقل ابن منظور: “العامة تـخطىء فتظن أَن الزوج اثنان ولـيس ذلك من مذاهب العرب إِذ كانوا لا يتكلـمون بالزَّوْج مُوَحَّداً فـي مثل قولهم زَوْجُ حَمامٍ ولكنهم يثنونه فـيقولون عندي زوجان من الـحمام يعنون ذكراً وأُنثى”().
والتحقيق أن الزوج لا يكون إلا واحدا “كواحد من الذكر والأنثى والليل والنهار، ومن العددين، فكل واحد من المتعادلين زوج، فلا بد من ملاحظة كونه عدلا وفي مقابل آخر نظيره، وأما إطلاقه على المتعادلين فباعتبار شموله عليهما على البـدل، وهـذا النحو مـن التعادل يوجب تـقارنا
معنويا كما في الزوجين، سواء كان التقارب المكاني أيضا موجودا أم لا، وبهذا الاعتبار قد تطلق المادة من دون إضافة إلى عدل في الظاهر، وحينئذ تقرب من مفهوم الصنف والنوع والشكل كما في: ﴿ثم جعلكم أزواجا﴾()، ﴿وكنتم أزواجا ثلاثة﴾()، ﴿فأخرجنا به أزواجا من نباتٍ﴾()، ﴿من ٱلأنعام ثمانية أزواجٍ﴾()، ﴿وٱلذي خلق ٱلأزواج كلها﴾()، فيراد تحقق مفهوم الزوجية، أي جريان مخصوص في كل منها متعادلا مع الآخر ومرجع هذا المعنى إلى التنوع”().
والتزويج من “زَوَّجَ الشيءَ بالشيءِ وزَوَّجَه إِليه: قَرَنه”()، وهذا المصدر أصح في الدلالة على ما يقصد عادة بلفظ “الزواج”، إلا أنه أقل استعمالا منه. و”الزوجية” اسم للعلاقة القائمة بين القرينين.
كما غلب استعمال لفظ “الزواج” بدل لفظ “التزويج”، كذلك غلب استعمال هذا اللفظ للدلالة على اقتران الرجل بالمرأة على وجه مخصوص، وأصبح “الزوج” عند إطلاقه لا يفهم منه إلا قرين المرأة أو قرينة الرجل، وإن كان اللفظ بحسب اللغة عاما في كل ما له قرين.
هذا المعنى الغالب هو ما عني به أهل الاصطلاح وبخاصة منهم فقهاء الشريعة فعرفوا الزواج بأنه عقد ينتج عن إبرامه مباشرة حل استمتاع أحد الزوجين بالآخر على الوجه المطلوب شرعا، ويجعل لكل منهما حقوقا وواجبات اتجاه الطرف الآخر().
وانتقد محمد أبو زهرة التعريفات الفقهية التي تجعل القصد من عقد الزواج ملك المتعة أو حلها وليس هو القصد الأسمى عند الشرع وأهل الفكر والنظر، فاختار أن يعرفه بقوله «إنه عقد يفيد حل العشرة بين الرجل والمرأة بما يحقق ما يتقاضاه الطبع الإنساني وتعاونهما مدى الحياة ويحد ما لكليهما من حقوق وما عليه من واجبات»().
ومع ذلك يبقى هذا التعريف قاصرا عن تجسيد الرؤية القرآنية لحقيقة الزواج حتى مع اختزاله في علاقة الرجل بالمرأة إذ يبقى هم الفقهاء ـ انسجاما مع عملهم ـ هو الجانب التشريعي من المفهوم مما له تعلق مباشر بعمل المكلفين في الدنيا.
فهل الزوجية المقصودة في القرآن الكريم هي زوجية المرأة والرجل فقط؟ وهل هي زوجية في الدنيا دون الآخرة؟ وما علاقة هذه الزوجية بحقيقة الإنسان وحقيقة خلقه والغاية منه؟.. إلى غير ذلك من الأسئلة التي يسعى هذا البحث المتواضع إلى تجلية بعض الإجابات عنها من القرآن الكريم نفسه، وبالله التوفيق.
2 – ورود الزوجية في القرآن الكريم :
2 – 1 – وصف وإحصاء :
ورد لفظ ” الزوج” في القرآن الكريم ـ مفردا ومثنى وجمعا ـ ستا وسبعين مرة، وورد فعل التزويج ماضيا ومضارعا منسوبا إلى الله عز وجل في الغالب() خمس مرات.
وحاصل هذه الموارد شكلا وحجما ومجالا نجمله في الإحصاء الآتي:

wadiha tableau1

2 – 2 – مستفادات  :
يستفاد من هذا الجرد الوصفي لموارد مادة “زوج” في القرآن ما يلي :
– يحضر مفهوم الزوجية في الآيات المدنية مثل ما يحضر في الآيات المكية، وإن كان حضوره في السور المكية أكثر منه في السور المدنية، وهذا يلمح إلى ارتباط المفهوم بدلالات تشريعية تنظيمية وأخرى عقدية تصورية مع الإشارة إلى أهمية هذه الأخيرة وفائدة استحضارها وعدم إبعادها.
–  إن أكثر ورود المادة بالصيغة الاسمية، وهذا يدل على ثبات المفهوم وعدم خضوعه لسنة التغيير التي يعبر عنها حدث الفعل وزمنه، وينسجم مع دلالة الزوجية باعتبارها قانونا يسري على الجميع وحقيقة ممتدة في الكون وفي تاريخ الإنسان.
– أكثر ما ورد من هذه الصيغة الاسمية الجمع/أزواج، وهو ما ناسب معنى الشمول في مفهوم الزوجية الذي يمتد أفقيا ليشمل جميع المخلوقات، ويمتد عموديا ليشمل الدنيا والآخرة.
– لم يرد الزوج والأزواج مقيدين بالإضافة إلى غير النوع الإنساني مع ورودهما مطلقين في مواضع أخرى، الأمر الذي يدل على مركزية مفهوم ” زوجية الإنسان” في القرآن الكريم، وهو ما يشهد له ذلك الحيز الكبير الذي خُصص للمفهوم ضمن الآيات التي وردت بها المادة.
–  يحضر مفهوم زوجية الإنسان في الدنيا أكثر مما يحضر في الآخرة، ولا غرو فإن الدنيا هي دار عمل وتكليف هذا الإنسان الذي تتعدد فيها أحواله ومواقفه في حين تنحصر شؤونه في الآخرة في الحساب والجزاء.
هذه إذاً مقدمة في معنى الزوجية في القرآن الكريم، نضيفها إلى ذلك المعنى اللغوي فنُصَنف الآيات التي وردت فيها المادة إلى آيات تتحدث عن زوجية في الدنيا وآيات تتحدث عن زوجية في الآخرة، ونُصَنف الأولى أيضا إلى آيات تتحدث عن زوجية كل شيء وزوجية المخلوقات عامة، وآيات تتحدث عن زوجية خاصة بنوع من هذه المخلوقات وفي مقدمتها النوع الإنساني.
فنتابع بحث الموضوع على النحو الآتي:
3- الزوجية في الدنيا:
3 – 1 – الزوجية في المجال الكوني :
ونقصد إلى تتبع دلالات الزوجية في القرآن الكريم باعتبارها زوجية طبيعية لا دخل للإنسان في إيجادها وتكوينها، ونظاما كونيا دالا على عظيم قدرة الخالق وبديع صنعه وتدبيره عز وجل وجميل عطائه وإنعامه سبحانه وتعالى.
3 – 1 – 1 – عموم الزوجية لكل شيء :
يظهر من آيات عديدة أن الله سبحانه وتعالى خلق كل شيء من زوجين، وأن الزوجية لا تخص الإنسان وحده بل تتعداه إلى الحيوان والنبات والثمار وسائر المخلوقات مما نعلم أو لا نعلم:
قال : ﴿سبحان ٱلذي خلق ٱلأزواج كلها مما تنبت ٱلأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون﴾()، ﴿وٱلذي خلق ٱلأزواج كلها﴾()،﴿ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون﴾().
رجح الإمام الطبري(ت310هـ) قول مجاهد في تفسير قوله : ﴿ومن كل شيء خلقنا زوجين﴾ قال: “الكفر والإيمان، والشقاوة والسعادة، والهدى والضلالة، والليل والنهار، والسماء والأرض، والإنس والجن”().
وأضاف موضحا المراد من الآية “وهو أن الله تبارك وتعالى، خلق لكل ما خلق من خلقه ثانيا له مخالفا في معناه، فكل واحد منهما زوج للاخر، ولذلك قيل: خلقنا زوجين”().
وقال الإمام الراغب(ت502هـ): “وقوله ﴿سبحان الذي خلق الأزواج﴾، ﴿ومن كل شيء خلقنا زوجين﴾ فتنبيهٌ أن الأشياء كلها مركبة من جوهر وعرض ومادة وصورة، وأن لا شيء يتعرى من تركيب يقتضي كونه مصنوعاً وأنه لا بد له من صانع تنبيهاً أنه تعالى هو الفرد، وقوله: ﴿خلقنا زوجين﴾ فبين أن كل ما في العالم زوج من حيث إن له ضداً أو مثلاً أو تركيباً ما، بل لا ينفك بوجه من تركيب، وإنما ذكر ههنا زوجين تنبيهاً أن الشيء وإن لم يكن له ضد ولا مثل فإنه لا ينفك من تركيب جوهر وعرض، وذلك زوجان”().
وقال ابن كثير(ت774هـ): “﴿سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض﴾ أي: من زروع وثمار ونبات، ﴿ومن أنفسهم﴾ فجعلهم ذكرًا وأنثى، ﴿ومما لا يعلمون﴾ أي: من مخلوقات شتى لا يعرفونها كما قال : ﴿ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون﴾”().
قال سيد قطب (ت1387هـ): “وهذه حقيقة عجيبة تكشف عن قاعدة الخلق في هذه الأرض ـ وربما في هذا الكون إذ إن التعبير لا يخصص الأرض ـ قاعدة الزوجية في الخلق، وهي ظاهرة في الأحياء، ولكن كلمة (شيء) تشمل غير الأحياء أيضا، والتعبير يقرر أن الأشياء كالأحياء مخلوقة على أساس الزوجية. وحين نتذكر أن هذا النص عرفه البشر منذ أربعة عشر قرنا، وأن فكرة عموم الزوجية ـ حتى في الأحياء ـ لم تكن معروفة حينذاك فضلا على عموم الزوجية في كل شيء، حين نتذكر هذا نجدنا أمام أمر عجيب عظيم وهو يطلعنا على الحقائق الكونية في هذه الصورة العجيبة المبكرة كل التبكير !..” ().
والقرآن الكريم إذ كشف عن هذه الحقيقة العجيبة ـ بتعبير سيد قطب ـ إجمالا في مثل هذه الآيات، فصلها في آيات أخرى فتحدث عن زوجية أنواع من المخلوقات وقصد من الزوج صنفا من نوع هذه المخلوقات:
كالذكر أو الأنثى من نوع الإنسان في نحو قوله : ﴿وأنه خلق ٱلزوجين ٱلذكر وٱلأنثىٰ من نطفة إذا تمنى﴾()،﴿ثم كان علقةً فخلق فسوى فجعل منه ٱلزوجين ٱلذكر وٱلأنثىٰ﴾().
وكالذكر أو الأنثى من الإبل والبقر والضأن والمعز من نوع الأنعام في نحو قوله : ﴿ومن الأنعام حمولةً وفرشًا كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبينٌ. ثمٰنية أزوٰج من ٱلضأن ٱثنين ومن ٱلمعز ٱثنين قل ءآلذكرين حرم أم ٱلأنثيين أما ٱشتملت عليه أرحام ٱلأنثيين نبئوني بعلم إن كنتم صٰدقين﴾()، ﴿وأنزل لكم من ٱلأنعام ثمانية أزواج﴾()، ﴿فاطر ٱلسمٰوٰت وٱلأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجاً ومن ٱلأنعام أزواجاً يذرؤكم فيه ليس كمثله شيءٌ وهو ٱلسميع ٱلبصير﴾().
وكالصنف من نوع الثمار والنبات في نحو قوله :﴿هو ٱلذي مد ٱلأرض وجعل فيها رواسى وأنهاراً ومن كل ٱلثمرات جعل فيها زوجين ٱثنين يغشى ٱليل ٱلنهار إن في ذٰلك لآيات لقوم يتفكرون﴾()، ﴿ٱلذي جعل لكم ٱلأرض مهداً وسلك لكم فيها سبلاً وأنزل من ٱلسمآء مآءً فأخرجنا به أزواجاً من نبات شتىٰ﴾().
3 – 1 – 2 –  وظائف الزوجية الكونية ومقاصدها :
إن ثنائية الكائنات وازدواجها على اختلاف أنواعها يعد مظهرا من مظاهر آيات الله في الكون والخلق، من خلاله يتجلى كمال قدرته ونهاية حكمته وعظيم إنعامه، كما يعد ذلك دليلا على وحدانيته تعالى وعدم مشابهته لغيره، فهو سبحانه الواحد الأحد وغيره زوج مفتقر إلى غيره لصلاحه وتمامه.
أورد الإمام القرطبي (ت671هـ) من تفسير قوله : ﴿ومن كل شيء خلقنا زوجينِ﴾() “لتعلموا أن خالق الأزواج فرد، فلا يقدر في صفته حركة ولا سكون، ولا ضياء ولا ظلام، ولا قعود ولا قيام، ولا ابتداء ولا انتهاء ؛ إذ عز وجل وِتْرٌ ﴿ليس كمثله شيء﴾()”().
وقال سيد قطب: “﴿جعل لكم من أنفسكم أزواجا﴾() فنظم لكم حياتكم من أساسها، وهو أعلم بما يصلح لها وما تصلح به وتستقيم، وهو الذي أجرى حياتكم وفق قاعدة الخلق التي اختارها للأحياء جميعا: ﴿ومن الأنعامِ أزواجا﴾()، فهنالك وحدة في التكوين تشهد بوحدانية الأسلوب والمشيئة وتقديرها المقصود، إنه هو الذي جعلكم ـ أنتم والأنعام ـ تتكاثرون وفق هذا المنهج وهذا الأسلوب ثم تفرد هو دون خلقه جميعا، فليس هنالك من شيء يماثله : ﴿ليس كمثله شيء﴾()، والفطرة تؤمن بهذا بداهة فخالق الأشياء لا تماثله هذه الأشياء التي هي من خلقه”().
وينسجم عرض هذه الحقيقة ـ إجراء الخلق كله وفق قاعدة الزوجية ـ مع طبيعة المجال الذي وردت فيه وهو مجال يكاد يقتصر على القرآن المكي، كما ينسجم ذلك مع سياق الآيات الذي يغلب فيه تعديد النعم الربانية والاستدلال على القدرة الإلهية.
وكون القرآن الكريم نبه على هذه الحقيقة لا يستلزم عرض تفاصيلها وبسط أسرارها المبثوثة في الكون الفسيح انسجاما مع طبيعة القرآن الكريم الذي هو كتاب هداية وإرشاد بالقصد الأول، لذلك فإن حديثي ههنا عن كنه الزوجية ووظائفها ومقاصدها في المجال الكوني لا يشمل إلا إشارات مجملة ولمحات تصورية مؤسسة حاولت فيها الالتزام قدر الإمكان بحدود ما تنطق به الآيات التي سبق عرض أمثلة منها، وما يسعف فيه النظر والفهم المتواضعان، فضلا عن النقل المفيد من كتب التفسير:
– إن الناظر في الآيات التي ورد بها هذا المعنى الكوني المشترك لا تخفى عليه حقيقة الزوجية باعتبارها تكوينا إلهيا لا مدخل لغيره سبحانه فيه، ولذلك تكرر مجيء فعل خلق الأزواج في الكون مسندا إلى الله تعالى، وقد غلب استعمال هذا الفعل عند تعلقه بعموم الخلائق في حين استُعملت أفعال أخرى مثل “الجعل” و”الإنزال” و”الإخراج” و”الإنبات”.. بالنسبة لأزواج مخصوصين، الأمر الذي يكشف عن تنوع تصرفه وتدبيره سبحانه في دائرة الخلق: فالكائنات وإن اشتركوا في الخلق أزواجا فقد افترقوا من حيث إن زوجية كل نوع تتميز عن غيرها بتدبير إلهي خاص يجعل هذا النوع أو ذاك صالحا بوضع الفطرة لما خلق له:
قال  مبينا تصرفه الحكيم المتعلق بالنبات:
– ﴿وترى ٱلأرض هامدة فإذآ أَنزلنا عليها المآء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج﴾().
– ﴿وأنزلنا من ٱلسمآء مآء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم﴾().
– ﴿وأنزل من ٱلسمآء مآء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتىٰ﴾().
ولاحظ أنه تعالى خص زوج النبات ـ دون غيره من الأزواج ـ بوصف الكرم والبهجة والكثرة().
–  يختلف ورود الزوجية من جهة الإفراد والتثنية تبعا لتعلقها بالنوع، فمثلا ورد الزوج والزوجان من الإنسان، ولم يرد الزوج والزوجان من الأنعام، كما لم يرد الزوج من الثمار والزوجان من النبات، وهذا يدل على أن خلق من كل شيء زوجين لا يلزم عنه الحضور المطرد لهذين الزوجين معا بالنسبة لكل مخلوق، وإنما ذلك أحوال بحسب ما قدره تعالى في تكوينه، وما أراده سبحانه من خلقه.
–  إن الزوجية أسلوب فريد ارتضاه الله سبحانه وتعالى للتكاثر وبقاء النوع والاستمرار: ﴿حتىٰ إذا جآء أمرنا وفار ٱلتنور قلنا ٱحمل فيها من كل زوجين ٱثنين وأهلك إلا من سبق عليه ٱلقول ومن آمن ومآ آمن معه إلا قليل﴾()، ﴿فاطر ٱلسمٰوٰت وٱلأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن ٱلأنعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء﴾().
قال الإمام الزمخشري (ت538هـ﴾: “﴿يذرؤكم﴾ يكثركم… ﴿فِيهِ﴾ في هذا التدبير، وهو أن جعل للناس والأنعام أزواجاً، حتى كان بين ذكورهم وإناثهم التوالد والتناسل… فإن قلت: ما معنى يذرؤكم في هذا التدبير؟ وهلا قيل: يذرؤكم به؟ قلت: جعل هذا التدبير كالمنبع والمعدن للبث والتكثير…”().
وقال الإمام ابن عطية (ت542هـ): “وقوله ﴿يذرؤكم﴾ أي يخلقكم نسلاً بعد نسل وقرناً بعد قرن، قاله مجاهد والناس، فلفظة ذرأ تزيد على لفظة خلق معنى آخر ليس في خلق وهو توالي الطبقات على مر الزمان”().
ولفت الإمام الطاهر بن عاشور(ت1393هـ) إلى أنه “جيء بالمضارع في ﴿يذرؤكم﴾ لإفادة التجدد، والتجدُّد أنسب بالامتنان، وحرف (في) مستعار لمعنى السببية تشبيهاً للسبب بالظرف في احتوائه على مسبباته كاحتواء المنبع على مائه والمعدن على ترابه، ومثله قوله : ﴿ولكم في القصاص حياة﴾()”.()
–  الإنسان باعتباره عنصرا مركزيا في هذا الكون حظي بالقسط الوافر من حديث القرآن الكريم عن زوجيته إذ بَين منشأها وأصلها الواحد سواء في صورتها الأولى مع أول زوجين: ﴿نفس واحدة﴾() أو بالنسبة لسائر الأزواج: ﴿من نطفة إذا تمنى﴾()، كما أوضح طريق إيجادها وكيفية حصولها: ﴿وٱلله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجا﴾()،﴿ألم يك نطفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى فجعل منه ٱلزوجين ٱلذكر وٱلأنثىٰ﴾().
–  وردت آيات عديدة تحدثنا عن نعمة الأزواج وجعل الأزواج من الأنفس()، ولم يرد تفصيل هذه النعمة بالقدر الذي ورد ما يفيد تعلقها بالناس المخاطبين في مثل ﴿جعل لكم﴾() و﴿خلق لكم﴾() و﴿أنزل لكم﴾()، و﴿لكم﴾ أي “لأجل نفعكم”()، فالله سبحانه وتعالى قدر في هذه الزوجية خدمة الإنسان، وقدر في جعل الأزواج من الأنفس نفع الإنسان، قال الإمام الطاهر بن عاشور متحدثا عن نعمة الأزواج من أنفس الإنسان خاصة: “…وهذه نعمة إذ جعل قرين الإنسان متكوّناً من نوعه، ولو لم يجعل له ذلك لاضطُرّ الإنسان إلى طلب التأنّس بنوع آخر فلم يحصل التأنّس بذلك للزوجين، وهذه الحالة وإن كانت موجودة في أغلب أنواع الحيوان فهي نعمة يدركها الإنسان ولا يدركها غيره من الأنواع، وليس من قوام ماهيّة النّعمة أن ينفرد بها المنعم عليه”().
وأشار الإمام أبو السعود (ت982هـ) إلى نفع زوجية النبات مستدلا بوصف الله لها بالكرم قائلا: ” الكريمُ من كلِّ شيءٍ مرضيُّه ومحمودُه أي كثيراً من كلِّ صنفٍ مرضيَ كثير المنافع أنبتنا فيها… ويُحتمل أنْ يرادَ به جميعُ أصناف النَّباتاتِ نافعِها وضارِّها ويكون وصفُ الكلِّ بالكرمِ للتنبيه على أنَّه تعالى ما أنبتَ شيئاً إلا وفيه فائدةٌ كما نطقَ به قولُه : ﴿هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا﴾() فإن الحكيم لا يكاد يفعل فعلاً إلا وفيه حكمةٌ بالغةٌ وإنْ غفلَ عنها الغافلونَ ولم يتوصَّلْ إلى معرفةِ كُنْهِها العاقلون”().
–  يتساوى الزوجان من الإنسان أي الذكر والأنثى في الانتفاع بما سخر الله لهما من أزواج المخلوقات، ولذلك عاب الحق سبحانه على المشركين من قريش الذين كانت من سنتهم في بعض الأنعام أن يحرموا ما في بطونها على الإناث ويخصصونه للذكور، قال : ﴿وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا() وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء سيجزيهم وصفهم إنه حكيم عليم﴾().
–  إن الانتفاع بنعم الأزواج غير تابع للأهواء وإنما هو بقدر الحاجة التي ورد تحديدها من الخالق المنعم الذي يعلم السر وما يصلح، وأي تجاوز لهذا الحد هو انحراف عن المقصود وعدوان صريح يوجب النكير والوعيد: قال :﴿أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون﴾().
قال الإمام الطاهر بن عاشور: «وفي قوله: ﴿ما خلق لكم ربكم﴾ إيماء إلى الاستدلال بالصلاحية الفطرية لعمَلٍ على بطلان عمل يضاده لأنه مناف للفطرة، فهو من تغيير الشيطان وإفساده لسنة الخلق والتكوين، قال  حكاية عنه: ﴿ولآمرنهم فليغيرن خلق الله﴾()».()
وقال سيد قطب: «…فقد برأ الله الذكر والأنثى وفطر كلا منهما على الميل إلى صاحبه لتحقيق حكمته ومشيئته في امتداد الحياة عن طريق النسل الذي يتم باجتماع الذكر والأنثى، فكان هذا الميل طرفا من الناموس الكوني العام الذي يجعل كل من في الكون وكل ما في الكون في حالة تناسق وتعاون على إنفاذ المشيئة المدبرة لهذا الوجود، فأما إتيان الذكور فلا يرمي إلى هدف ولا يحقق غاية ولا يتماشى مع فطرة هذا الكون وقانونه»().
– إن الله سبحانه وتعالى يدعو الناس كافة من خلال عرض آية الزوجية في الكون إلى التذكر والتفكر، قال : ﴿ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون﴾()، ﴿ومن كل ٱلثمرات جعل فيها زوجين ٱثنين يغشى ٱليل ٱلنهار إن في ذٰلك لآيات لقوم يتفكرون﴾()، كما يدعو المنيبين منهم خاصة إلى التبصر مع ذلك التذكر: ﴿وٱلأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج تبصرة وذكرى لكل عبد منيب﴾().
قال الإمام الطبري: «وقوله ﴿لعلكم تذكرون﴾ يقول: لتذكروا وتعتبروا بذلك، فتعلموا أيها المشركون بالله أن ربكم الذي يستوجب عليكم العبادة هو الذي يقدر على خلق الشيء وخلافه وابتداع زوجين من كلّ شيء لا ما لا يقدر على ذلك»().
والتذكر هو من خواص أولي الألباب وأهل الإنابة إليه تعالى()، والتبصر هو قدرة على إدراك بواطن الأمور وليس مجرد النظر إلى ظواهرها، والتفكر يهدي صاحبه إلى ما هو حق في الاعتقاد وما هو نافع في العمل، وفي جعل ذلك كله مقاصد لما قدره الله تعالى من زوجية في المخلوقات دون غيره ليحمل أكثر من دلالة على عمق هذه الحقيقة في الوجود والتي لا يقدر على سبر أغوارها إلا من جمع بين قوة الإدراك وسداد النظر وقوة الإيمان ونور البصيرة.
3 – 2 – الزوجية في المجال الإنساني :
إذا استثنينا زوجية آدم وحواء في الجنة()، ورد الحديث عن الزوجية الآدمية في الدنيا (ذكر وأنثى) في أكثر من نصف الموارد (48 مرة)()، فناسب هذا الحضور الواسع مكانة الإنسان في الكون وفي القرآن.
وقد ورد هذا المفهوم من الزوجية في سياقات متعددة ضمن معنيين أساسيين: الأول مرتبط بخلق الله تعالى وتدبيره، والثاني مرتبط بعمل الإنسان وتكليفه.
3 – 2 – 1 – معنى الزوجية المرتبط بالخلق والتدبير :
ونميز فيه بين سياقين اثنين:
– سياق الاستدلال على قدرة الله وتعديد نعمه وبخاصة منها نعمة الخلق إذ المقصود بالزوجية: زوجية الذكر والأنثى من نوع الإنسان كما في قوله : ﴿وٱلله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجا﴾ ()وقوله: ﴿فاطر ٱلسمٰوٰت وٱلأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا…﴾ ().
وهذا هو المعنى الكوني المشترك الذي تقدم الحديث عنه في القسم الأول من البحث.
– سياق التذكير بنعمة خلق الإنسان خاصة من نفس واحدة وخلق زوجها منها في آيات ثلاثة هي قوله : ﴿يٰأيها ٱلناس ٱتقوا ربكم ٱلذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها﴾() و﴿هو ٱلذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها﴾ () و﴿خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها﴾().
وقد ذكر عدد من المفسرين أن المقصود بـ”نفس واحدة” آدم”، والمقصود بزوجها حواء()، وذكر آخرون أن المقصود بـ”نفس واحدة” “هيئة واحدة وشكل واحد”() و”زوجها” من جنسها()، أو أن المقصود النطفة الواحدة التي جُعل منها الزوجان الذكر والأنثى كما هو منطوق عدد من الآيات منها الآيات المذكورة، فيؤول المعنى المراد من النفس الواحدة وزوجها على قول هؤلاء مطلق الذكر والأنثى الناسلين من الإنسان لا خصوص الزوجين آدم وحواء.
ولم يمنع بعض المفسرين احتمال اللفظ للمعنيين معا()، في حين رجح بعضهم المعنى الأول لأنه الظاهر من الآيات والمقصود منها().
وسواء فُهم هذا المعنى أو ذاك فإن ذكر زوجية الإنسان ههنا مقصود منه بيان “أن خلق جميع الأشخاص الإنسانية من الإنسان الواحد أدل على كمال القدرة، من حيث إنه لو كان الأمر بالطبيعة والخاصية لكان المتولد من الإنسان الواحد لم يكن إلا أشياء متشاكلة في الصفة متشابهة في الخلقة والطبيعة، فلما رأينا في أشخاص الناس الأبيض والأسود والأحمر والأسمر والحسن والقبيح والطويل والقصير دل ذلك على أن مدبرها وخالقها فاعل مختار، لا طبيعة مؤثرة ولا علة موجبة”()، وجيء الأمر بالتقوى في الآية الأولى من سورة النساء لأنه “لما دلت هذه الدقيقة على أن مدبر العالم فاعل مختار قادر على كل الممكنات عالم بكل المعلومات، فحينئذ يجب الانقياد لتكاليفه وأوامره ونواهيه، فكان ارتباط قوله: ﴿اتقوا ربكم﴾ بقوله: ﴿خلقكم من نفس واحدة﴾ في غاية الحسن والانتظام”().
وقال الإمام الطاهر بن عاشور موضحا وجه العطف بـ (ثم) في الآية 6 من سورة الزمر على خلاف الآية 189 من سورة الأعراف: «…لأن مساقها الاستدلال على الوحدانية وإبطال الشريك بمراتبه، فكان خلق آدم دليلاً على عظيم قدرته تعالى وخلق زوجه من نفسه دليلاً آخر مستقل الدلالة على عظيم قدرته، فعطف بحرف (ثم) الدال في عطف الجمل على التراخي الرتبي إشارة إلى استقلال الجملة المعطوفة بها بالدلالة مثل الجملة المعطوفة هي عليها، فكان خلق زوج آدم منه أدلّ على عظيم القدرة من خلق الناس من تلك النفس الواحدة ومن زوجها لأنه خلق لم تجرِ به عادة، فكان ذلك الخلق أجلب لعجب السامع من خلق الناس فجيء له بحرف التراخي المستعمل في تراخي المنزلة لا في تراخي الزمن لأن زمن خلق زوج آدم سابق على خلق الناس، فأما آية الأعراف فمساقها مساق الامتنان على الناس بنعمة الإِيجاد، فذُكر الأصلان للناس معطوفاً أحدهما على الآخر بحرف التشريك في الحكم الذي هو الكون أصلاً لخلق الناس»().
فواضح إذاً أن زوجية آدم وحواء زوجية متميزة وآية عظيمة لأن الأنثى فيها خلقت من الذكر، ومنهما معا تناسل جميع البشر، فكان القصد من ذكرها الاستدلال على وحدانية الله وعظيم قدرته وإنعامه، ولذلك لا يلتفت ههنا إلى معنى الزوجية باعتبارها علاقة خاصة بين ذكر وأنثى وإن كان هذا المعنى حاضرا بأي حال.
3 – 2 – 2 –  معنى الزوجية المرتبط بالعمل والتكليف :
ونقصد به تلك العلاقة الخاصة التي تجمع بين رجل وامرأة، وهي علاقة رضائية قائمة على إيجاب أحد الطرفين وقبول الآخر وفق جملة من الحدود والأحكام، أي تلك العلاقة المقصودة في اصطلاح فقهاء الشرع.
ويمكن إجمال سياقات ورود هذا المعنى في ما يلي :
1- سياق ذكر أحوال الرسل عامة وخطاب الرسول محمد  خاصة وهو سياق مدني في الغالب، ويشتمل من الأزواج على:
– زوج زكريا التي أصلحها الله ووهبه منها الولد يحيى استجابة منه تعالى لدعائه قال :﴿وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين فٱستجبنا له ووهبنا له يحيىٰ وأصلحنا له زوجه﴾().
– أزواج الرسل عامة في سياق خطاب الرسول محمد  وتحذيره من اتباع أهواء أهل الضلال، قال : ﴿ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن ٱلله لكل أجل كتاب﴾()، وقد جاء التقرير الإلهي في هذه الآية بأنه أرسل رسلا وجعل لهم أزواجا وذرية لمقصد بيان عدم منافاة اتخاذ الزوجة لصفة الرسالة ردا على الذين يعيبون الرسول  بالزواج والولد ويقترحون عليه الآيات.
– أزواج الرسول  اللواتي هن أمهات المؤمنين()، من صنف ما أحل الله له من النساء()، واللواتي هن محرمات على غيره من بعده()، وقد خصهن الله تعالى بجملة أحكام()، وذكر بعض أسرارهن وأحوالهن()، وخيرهن سبحانه بين السير تبعا لحال الرسول وإرادة الله ورسوله وبين مفارقته وإرادة الحياة الدنيا وزينتها().
وقد ورد لفظ الأزواج بهذا المعنى بصيغة الجمع المضاف إلى الرسول  في كل موارده انسجاما مع واقع هؤلاء الأزواج، وورد في آيتين اثنتين مطلقا عن قيد الإضافة إلى الرسول  ليفيد معنى أزواج أخر غير نساء النبي  () أو غير ما أحل الله له من النساء().
وارتباطا بهذا السياق ورد ذكر فعل تزويج الله تعالى الرسول  من مطلقة زيد لمقصد نفي الحرج عن المسلمين في الزواج من مطلقات أدعيائهم كما قال : ﴿فلما قضىٰ زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على ٱلمؤمنين حرج في أزواج أدعيآئهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر ٱلله مفعولا﴾().
2- سياق توجيهي تشريعي يخص المؤمنين والمسلمين حيث يراد بالأزواج أزواج هؤلاء ولذلك غلب وروده جمعا مضافا إليهم في سياق مدني ناسب ما اشتمل عليه في الغالب من أحكام شرعية ترتبط بالعلاقة الزوجية حال قيامها أو حال انفكاكها نحو الصداق والمراجعة والظهار والعضل والعدة والإرث.. ومنه قوله :
– ﴿وإذا طلقتم ٱلنسآء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بٱلمعروف﴾().
– ﴿وٱلذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا﴾().
– ﴿قد سمع ٱلله قول ٱلتي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى ٱلله وٱلله يسمع تحاوركمآ إن ٱلله سميع بصير﴾ ().
وقد اشتمل هذا السياق أيضا على توجيه رباني إلى ما ينبغي الحذر منه كتغليب حب الزوج على حب الله ورسوله: ﴿قل إن كان آباؤكم وأبنآؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال ٱقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونهآ أحب إليكم من ٱلله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتىٰ يأتي ٱلله بأمره وٱلله لا يهدي ٱلقوم ٱلفاسقين﴾()، أو ما ينبغي التمسك به ضمن هذه الرابطة الشرعية كالعفاف: ﴿وٱلذين هم لفروجهم حافظون إلا علىٰ أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين﴾()، والدعاء بالذرية الصالحة: ﴿وٱلذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين وٱجعلنا للمتقين إماما﴾().
وعموما يمكن التمييز في حديث القرآن الكريم عن الزوجية بمعناها الإنساني الخاص بين جانبين: الأول تصوري تأسيسي يوضح حقيقتها ووظيفتها ومقاصدها في حياة الإنسان، والجانب الثاني تشريعي تنظيمي يتناول الأوضاع المختلفة لهذه العلاقة ويبين حدودها وما يحل فيها أو يحرم.
ومن دلالات هذه السياقات المتنوعة نستفيد ما يلي:
–  إن الزواج هو الوسيلة الوحيدة لتشكيل الأسرة، وهو الارتباط المشروع بين الرجل والمرأة، وهو طريق التناسل والحفاظ على الجنس البشري من الانقراض، وهو باب التواصل وسبب الأُلفة والمحبة والمعونة على العفّة والفضيلة، والمجتمع البشري عرف الزواج منذ بدايته الأولى أي منذ عهد آدم عليه السلام الذي خاطبه الله  بقوله: ﴿وقلنا ياآدم اسكن أنت وزوجك الجنة﴾()، وكانت له ذرية وتناسلت منها الشعوب والقبائل في أنحاء الأرض، وحكى القرآن الكريم صورا من هذه العلاقة وفي مقدمتها علاقة الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام بأزواجهم.
–  لا يُقصد بالزواج إشباع اللذة وتحقيق المتعة فقط وإن تقرر:﴿نسآؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم﴾()، إذ هو علاقة توجب مسؤولية التربية الخلقية والوجدانية والدينية وإمداد المجتمع بأفراد صالحين يدعمون مسيرة البناء، ويقومون بوظيفة الإعمار في الأرض كما هو مقتضى الخلافة التي لا تحصل فقط بإشباع الحاجات المادية لأفرادها ومطالبهم الشخصية: ﴿وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف﴾() ولكن أيضا بإشباع الحاجات الروحية لهؤلاء وتنشئتهم على عبادة الله ووفق شرعه عز وجل: ﴿يأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة﴾()، ﴿وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها﴾().
ومن ثم يُلاحظ قصور بعض التعاريف التي تصور الزواج وكأنه مجرد عقد استمتاع، والصداق ضمن هذا التصور مقابل البضع، ونستحضر التعبير القرآني “الميثاق الغليظ”() الذي يؤكد أن العلاقة التي تربط الزوجين وتنشأ عنها أسرة هي عهد مؤكد يشمل الحياة كلها في جميع التزاماتها ومسؤولياتها وحقوقها المتبادلة.
  يمكن إجمال الجانب التصوري التأسيسي لهذه العلاقة في كونها آية من آياته تعالى تستوجب التفكر: ﴿ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لايات لقوم يتفكرون﴾()، وهي نعمة من نعمه عز وجل على عباده: ﴿والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة﴾() إذ جعل قرين الإنسان متكونا من نوعه، ولو لم يجعل له ذلك لاضطر الإنسان إلى طلب التأنس بنوع آخر فلم يحصل التأنّس بذلك للزوجين… وجعل البنين للإنسان نعمة، وجعل كونهم من زوجه نعمة أخرى، لأن بها تحقّق كونهم أبناءه بالنسبة للذكر ودوام اتّصالهم به بالنّسبة، ووجود المشارك له في القيام بتدبير أمرهم في حالة ضعفهم”().
وهي علاقة لها حرمتها وقداستها مذموم من يمسها بسوء: ﴿فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين ٱلمرء وزوجه وما هم بضآرين به من أحد إلا بإذن ٱلله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن ٱشتراه ما له في ٱلآخرة من خلٰـق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون﴾().
ووجودها في حياة الإنسان تابع لمشيئته تعالى في عطائه:﴿يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشآء عقيما إنه عليم قدير﴾ ().
وبما هي نعمة فهي ابتلاء أيضا، فينبغي الحذر من الانشغال بهذه النعمة عن حب الله ورسوله : ﴿يٰأيها ٱلذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فٱحذروهم﴾()، ﴿قل إن كان آباؤكم وأبنآؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال ٱقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونهآ أحب إليكم من ٱلله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتىٰ يأتي ٱلله بأمره وٱلله لا يهدي ٱلقوم ٱلفاسقين﴾().
والقصد الذي أبانه تعالى من جعل هذه الزوجية في أساسها ودعا إلى التفكر فيه: ﴿لتسكنوا إليها﴾ أي لتألفوها وتميلوا إليها وتطمئنوا بها فإن المجانسة من دواعي التضام والتعارف كما أن المخالفة من أسباب التفرق والتنافر”()، وهذا السكن هو المقصود من خلق الإنسان وجعل زوجه منه في أصله وامتداده: ﴿هو ٱلذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها﴾()، فيكون هذا السكن الزوجي الخاص متفرعا عن ذلك السكن العام الذي أراد الله سبحانه وتعالى حصوله بعيش نوعي الإنسان الذكر والأنثى على الأرض، كما أن القصد في هذه العلاقة إلى إنجاب البنين والحفدة هو قصد خاص مُتَضمن في ذلك القصد العام من الزوجية الكونية وهو حفظ نوع المخلوقات ودوام بقائها.
وقوام استمرار ذلك السكن المقصود (مودة ورحمة) باعتبارهما معنيين يحملان كل طرف إلى “الاجتهاد في جلب الخير للآخر ودفع الضر عنه”()، وينبني عليهما كل صور المعاملة الحسنة التي تكرر الأمر بها في ثنايا التشريعات المرتبطة بهذه العلاقة.
والمرأة ضمن هذه العلاقة جزء أساسي يجسد أهميتها ذلك الحضور الغالب لمفهوم الزوج/المرأة في القرآن الكريم.
وبالمرأة والرجل معا يقع التكامل والتعاون ويحصل المقصود،ولذلك وجدت من أحسن تعريفات الزوج ما نقله الإمام المناوي قائلا: “الزوج ما لا يكمل المقصود إلا معه على نحو من الاشتراك والتعاون ذكره الحرالي قال: وكانت المرأة زوج الرجل لما كان لا يستقل أمره في النسل والسكن إلا بها”().
  أما القصد الذي يكمن في الجانب التشريعي التنظيمي لهذه العلاقة فهو ولاشك عبادة الله والسير وفق منهجه الذي ارتضاه لعباده، ولذلك صُدر كثير من الأحكام المتعلقة بالأسرة بنداء الذين آمنوا، وذُيل بالدعوة إلى تقوى الله وعدم الغفلة عن حضوره الدائم وعلمه بما يخفى، من ذلك قوله  مبينا حكم خطبة وزواج المطلقة أثناء عدتها: ﴿وإذا طلقتم ٱلنسآء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بٱلمعروف ذٰلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بٱلله وٱليوم ٱلآخر ذٰلكم أزكىٰ لكم وأطهر وٱلله يعلم وأنتم لا تعلمون﴾() وقوله : ﴿ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه﴾().
 وانسجاما مع هذا الأساس الديني الإيماني، أمر القرآن الكريم بأن يكون طابع العلاقة بين الزوجين هو (الإحسان) و(المعروف) و(البر) و(الود) و(التراحم) ونحو ذلك من معاني المعاملة المثالية التي تحضر أيضا عند الشقاق والفراق، قال : ﴿وعاشروهن بالمعروف﴾()، وقال : ﴿فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان﴾()، وقال : ﴿ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين﴾()…
  وعموما فقد حدد الله تعالى الحقوق والواجبات، وعالج المشاكل الطارئة، وأوجد الحلول للنزاعات، ووضع كل الضمانات لتمتين العلاقة الزوجية وحمايتها من التفكك والضياع.
4 – الزوجية في الآخرة :
لا يختص مفهوم الزوجية في القرآن الكريم بالدنيا بل يحضر في الآخرة أيضا حيث ورد أربعة عشر مرة، واستُعمل من ألفاظه فعل التزويج ومثنى الزوج وجمعه في آيات أكثرها آيات مكية.
والناظر في مواضع هذا الاستعمال يقف على سياقين أساسين للورود:
1 – سياق ذكر البعث وأهوال القيامة وما يعتري الموجودات حينئذ من تغيير شامل حيث أخبر الله تعالى بما يقع للنفوس عامة من تزويج: ﴿وإذا ٱلنفوس زوجت﴾()، وبما تـكون عليه حالة
الناس كافة: ﴿وكنتم أزواجا ثلاثة﴾().
وفُهم من معنى تزويج النفوس في الآية الأولى أمران: أولهما قرن الأرواح بالأجساد المخصصة لها فيصير الروح زوجا مع الجسد بعد أن كان فردا لا جسم فيه، والثاني: قرن كل إنسان بنظيره في الخير والشر وجعل الناس أصنافا. ويؤيد هذا الفهم الثاني ما نطقت به الآية الثانية إذ فُسر الأزواج بالأصناف من الناس المتقارنة مع بعضها.
وقد علق الإمام الطاهر بن عاشور مستحضرا المعنيين معا قائلا: «ولعل قصد إفادة هذا التركيب لهذين المعنيين هو مقتضِيَ العدول عن ذكر ما زُوجت النفوس به، وأول منازل البعث اقتران الأرواح بأجسادها، ثم تقسيم الناس إلى مراتبهم للحشر، كما قال : ﴿ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون﴾()، ثم قال: ﴿وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا﴾()، ثم قال: ﴿وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا﴾() الآية»().
ويدخل ضمن هذا السياق قوله : ﴿ٱحشروا ٱلذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يَعْبُدُونَ﴾() حيث رجح بعض المفسرين() كون المقصود بأزواج الذِينَ ظلموا أصنافهم ونظراءهم في العمل، ورجح آخرون كون المراد به قرناءهم من الشياطين قال تعالى: ﴿ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين﴾() إلى أن قال ﴿حتى إذا جآءنا قَالَ يَلَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ﴾() لأن المعنى الأول «فيه أن لازمه أن يراد بالذين ظلموا طائفة خاصة من أصحاب كل معصية واللفظ لا يساعد عليه على أن ذيل الآية لا يناسبه»().
2 – سياق تبشير الله تعالى الذين آمنوا والذين اتقوا وعملوا الصالحات بذكر حالهم في الجنة وما أعد لهم سبحانه من أنواع النعيم حيث أخبر الله تعالى بتزويجه المتقين بحور العين: ﴿متكئين علىٰ سرر مصفوفة وزوجناهم بحور عين﴾()، وبأنه سبحانه أعد للذين آمنوا وعملوا الصالحات أزواج مطهرة: ﴿وٱلذين آمنوا وعملوا ٱلصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها ٱلأنهار خالدين فيهآ أبدا لهم فيهآ أزواج مطهرة﴾() وبأن هؤلاء سيدخلون الجنة ويحظون بأنواع النعيم مع أزواجهم: ﴿هم وأزواجهم في ظلال على ٱلأرآئك متكئون﴾().
والناظر في كتب التفسير يجد ثلاثة احتمالات للمعنى المراد بالأزواج الذين هم مع أصحاب الجنة:
– الاحتمال الأول: أن يكون المراد بهم حور العين كما يستفاد من الآية الأولى ونظيرها().
– الاحتمال الثاني: أن يكون المراد بهم من صلح من أزواج المتقين في الدنيا كما يستفاد من قوله :
– ﴿جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم﴾()؛
– ﴿ربنا وأدخلهم جنات عدن ٱلتي وعدتهم ومن صـلح من آبآئهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت ٱلعزيز ٱلحكيم﴾ ().
– الاحتمال الثالث: أن يكون المراد بهم الأصناف أي أصنافهم في الخير والطاعة كما أخبر : ﴿وكنتم أزواجا ثلاثة﴾ ()و﴿وإذا ٱلنفوس زوجت﴾().
وبالرجوع إلى سياق الاحتمال الأول والثاني يتبين أنه سياق واحد، كما أن الاحتمالين معا دلت عليهما الآيات، فيترجح بذلك أن يكون المقصود بأزواج أصحاب الجنة الذين أعدهم الله لهم في ذلك المقام ومنهم من صلح من أزواجهم في الدنيا().
ويُستبعد الاحتمال الثالث لكون تصنيف الناس جاء في الآيات ضمن ذكر أهوال القيامة وما يقع فيها ومنها هول الحساب، وبعد هذا الحساب يكون الاستقرار في الجنة للذين آمنوا واتقوا والاستقرار في النار للذين كفروا والذين ظلموا، وهذه الآية (الآية 54 من سورة يس) تتحدث عن استقرار في الجنة والذي لا يكون ولا شك إلا بعد ذلك الحساب.
والمعنى أن تزويج صنف المؤمنين ضمن هذا السياق الثاني هو تزويج خاص يحصل بعد ذلك التزويج العام الذي ورد مفهومه ضمن السياق الأول.
فالزوجية التي ورد ذكرها في الآيتين (الواقعة/7 والتكوير/7) زوجية عامة، والزوجية التي ورد ذكرها في الآية 54 من سورة يس ونظائرها زوجية خاصة.
أما قوله : ﴿ٱدخلوا ٱلجنة أنتم وأزواجكم تحبرون﴾() فيناسبه من الاحتمالات المذكورة في معنى الأزواج الاحتمال الثاني باعتبار أن صيغة الآية إنشاء لا خبر كما في الأولى()، والمأمور بدخول الجنة من كان خارجها (الأزواج في الدنيا) لا من كان داخلها (الحور العين)()، كما يناسب هذه الآية الاحتمال الثالث أيضا إذا استحضرنا سياق الآية الذي هو سياق ذكر مجيء الساعة بغتة وما يقع فيها للأخلاء، فلا مانع أن يكون المأمورُ المتقينَ مع نظرائهم وأصنافهم في العمل.
وقد وردت الزوجية في الآخرة بما لا يُفهم منها الزوجية التي تعم جميع الناس أو الزوجية التي تخص بعضهم ﴿الذين آمنوا أو الذين ظلموا﴾ وذلك في موضعين: قوله تعالى في سياق ذكر العذاب الذي أعده الله تعالى للكافرين في الآخرة: ﴿هذا فليذوقوه حميم وغساق وآخر من شكله أزواج﴾() فالأزواج ههنا ألوان وأصناف من هذا العذاب، وأيضا قوله تعالى في سياق ذكر النعيم الذي أعده سبحانه لمن خاف مقام ربه: ﴿فيهما من كل فاكهة زوجان﴾() أي صنفان من كل نوع من الفاكهة.
  وهكذا فإن الزوجية لا فكاك منها حتى في الآخرة حيث جاء الحديث عن زوجية الناس وزوجية ما أعد الله لهم من جزاء.
  ودون أن نتكلف بحث حقيقتها وصورتها على التفصيل ـ لأنها من أمور الغيب التي نقف فيها عند حدود الخبر اليقين من الله تعالى ورسوله ـ فواضح أن القصد منها إنعام المؤمنين وتعذيب الظالمين في سياق الحساب والجزاء اللذان تنحصر فيهما أحوال الآخرة.
  تتعدد زوايا النظر إلى مفهوم الزوجية في القرآن الكريم في الدنيا خصوصا بالنسبة للإنسان: فهناك الزاوية العقدية الإيمانية وهناك الزاوية التشريعة التنظيمية، وهناك الزاوية الطبيعية الكونية، ولكل زاوية دلالاتها وأسرارها تُضاف إلى تلك المغيبات المتعلقة بزوجية الآخرة.
  ويبقى القرآن الكريم بحراً زاخراً بالأسرار الربانية والمعاني الدقيقة والكنوز الخفية، نسأل الله تعالى أن يلهمنا الفهم والعلم والرشد، آمين.

القرآن الكريم.
مصادر ومراجع تفسير القرآن الكريم :
    •  الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم: قرص جامع لأزيد من مائة تفسير أصدرته مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع) فاس2011م.
المعاجم اللغوية والاصطلاحية وكتب مفردات القرآن الكريم :
    •  تاج اللغة وصحاح العربية: الجوهري، تح أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين، بيروت، ط4/1990.
    •  التحقيق في كلمات القرآن الكريم: العلامة آية الله حسن المصطفوي، دار الكتب العلمية ببيروت بالتعاون مع مركز نشر آثار العلامة المصطفوي بلندن، الطبعة الثالثة، 1430هـ.
    •  تهذيب اللغة: الأزهري، تح: مجموعة من الدارسين، الدار المصرية للتأليف والترجمة، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والأنباء والنشر، 1964.
    •  التوقيف على مهمات التعاريف: محمد عبد الرؤوف المناوي، تح محمد رضوان الداية، دار الفكر المعاصر، بيروت، ودار الفكر، دمشق، ط1، 1990.
    •  جمهرة اللغة: ابن دريد، دار صادر، بيروت، 1433ه.
    •  لسان العرب: ابن منظور الإفريقي، دار صادر ودار الفكر، بيروت، د.ت.
    •  مختار الصحاح، محمد بن أبي بكر الرازي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1986م.
    •  المصباح المنير: أحمد بن محمد بن علي الفيومي، المكتبة العصرية، بيروت،ط1،1996م.
    •  المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الجيل،بيروت، د.ت.
    •  معجم مقاييس اللغة: ابن فارس، تح عبد السلام هارون، دار الجيل، بيروت، ط1/1991م.
    •  المفردات في غريب القرآن: الراغب الأصفهاني، تح محمد خليل عيتاني، دار المعرفة، بيروت، ط2، 1999م.
مصادر ومراجع أخرى :
    •  تأويل مشكل القرآن: ابن قتيبة الدينوري، تح أحمد صقر، المكتبة العلمية، المدينة المنورة، ط3، 1981م.
    •  الجامع الأكبر للتراث الإسلامي: قرص من إنتاج شركة العريس للكمبيوتر وقناة المجد الفضائية.
    •  شرح حدود ابن عرفة الموسوم الهداية الكافية الشافية لبيان حقائق الإمام ابن عرفة الوافية: أبو عبد الله محمد الأنصاري الرصاع، تح محمد أبو الأجفان والطاهر المعموري، دار الغرب الإسلامي، بيروت،ط1/1993م.
    •  الفقه الإسلامي وأدلته: وهبة الزحيلى، دار الفكر، دمشق، ط3/1989م.
    •  محاضرات في عقد الزواج وآثاره: محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي القاهرة، 1977م.
    •  مواهب الجليل لشرح مختصر خليل: أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن المغربي المعروف بالحطاب، طبعه وخرج آياته وأحاديثه الشيخ زكريا عميرات، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1/1995م.