الرئيسية / الافتتاحية.

عدد المشاهدات 13

عدد التحميلات 1

عنوان المقال : الافتتاحية.

الكاتب(ة) : د. أحمد الخمليشـــــــــــــــي

الافتتاحية

بقلم  الدكتور  أحمد  الخمليشي
مدير  دار  الحديث  الحسنية

تستأنف دار الحديث الحسنية إصدار مجلتها بعد أن اختارت لها اسم “الواضحة”.

لم يأت اختيار الاسم لمجرد محاكاة ابن حبيب في واضحته المعروفة، وإنما بالإضافة إلى ذلك، نود أن تتصف المجلة بالوضوح في أداء رسالتها معبرة عن مؤسسة جامعية للدراسات الإسلامية العليا في علوم القرآن والحديث والفقه وأصوله.
والوضوح المرغوب فيه، نأمل أن يتحقق في الرؤية، والأفكار، والحوار..

الوضوح في الرؤية يعني:

  • رؤية مباشرة وشمولية لنصوص الوحي باستحضار تعاقب رسالات الله إلى الإنسان الحامل لأمانة التوحيد وإعمار الأرض، واستحضار واقع التعايش الاجتماعي الذي كان قائما بكل مقوماته وملابساته لاستخلاص المقاصد والأهداف العليا لشريعة الإسلام.

  • رؤية التراث الفكري الإسلامي بوصفه فهما إنسانيا لنصوص الرسالة متأثرا قطعا بالموروث الثقافي ومحيطه من واقع الناس وحاجاتهم، وهو ما ينبغي أن يعتبر معه هذا التراث أساسا لمواصلة البناء وإنتاج المعرفة وتطويرها، ومواصلة البحث عما ينفع الناس ويسعدهم في الدارين، وليس نهاية وكمالا، لا يحتاج إلا إلى الأمانة في النقل، والصدق في التبليغ…

  • النفاذ إلى واقع الحضارة الإنسانية وما استجد فيها من مجالات المعرفة، ومناهج البحث، ووسائل التحليل لظواهر الاجتماع البشري، للاستفادة منه في ترميم الخلل الذي نعاني منه بسبب ضيق الأفق المعرفي، وغياب جرأة المساءلة، والبحث عن الإضافة والتجديد في المعرفة، ولأن العقول مكبلة بما ترسخ عبر القرون من الاستسلام للتقليد، وتحريم كل جديد من الأفكار وقيم السلوك وتنظيم المجتمع.

  • الارتباط بواقع حياة المجتمع، وما ظهر فيه من مؤسسات وعلاقات لم يكن لها وجود من قبل، أو كانت لكن ليس بالتعقيد الذي أصبحت عليه الآن. فينبغي التخلي عن التنظير المتخيل، والاهتمام بالمشاكل الواقعية التي يعيشها الفرد، والمجتمع السياسي، وكذلك التي تهم حضارة الإنسان بكاملها.

   ووضوح الأفكار: يأتي من التغيير الجذري في المعرفة: أفقا، ومضمونا، ووسائل، مع إرفاق ذلك بحسن الملاحظة، وهاجس التساؤل المستمر عن الحقيقة. فيقدم الكاتب عصارة مكابداته في الفهم والاستنتاج، ولا يكتفي بالجمع والتلخيص، وإعادة ما قاله آخرون.

 لقد أتى علينا حين من الدهر طويل انطوينا فيه على أنفسنا منشغلين بالتنظير والافتراضات، نجل النقل وحفظ السند والمسند… مع الغفلة عن مجريات الحياة داخليا وخارجيا، حتى أصبح تنظيم مؤسسات المجتمع، والعلاقات اليومية بين أفراده، وعلاقاته بالمجتمعات الأخرى، في واد، وما يدرس ويكتب ويفتى به باسم الشريعة أو الفقه الإسلامي في واد آخر.

 هذا هو مصدر الوضعية المأساوية للعالم الإسلامي المتجلية في التفكك الداخلي لمجتمعاته بالانحراف في الأفكار والممارسات ذات اليمين وذات اليسار، وفيما نتج عن ذلك من غياب شبه نهائي عن المساهمة في توجيه المسيرة الحضارية للإنسان وشئونها كلها: المعرفية، والسياسية، والاقتصادية والعسكرية..

 لا بد إذن من وضوح الأفكار كي يستجيب لها الواقع في السلوك والممارسة عن وعي واقتناع، وتفرض نفسها فيما يسمى بحوار الحضارات أو صدامها.

 أما الوضوح في الحوار: فالقصد منه تجاوز أسلوب التحامل والتنابز بالألقاب، وتفادي الطعن في النيات والمعتقدات، وكل ما يمس المخالف في الرأي في شخصه.. مع الابتعاد عن العبارات المستفزة وعن الاندفاع والتسرع في إصدار الأحكام.

 فالموضوعات التي تختلف بشأنها الآراء، يفرض الحوار السليم الالتزام في مناقشتها بالتحليل العلمي القائم على التدليل ومحاولة الإقناع بالمنطق والمجادلة بالحسنى. لكن الذي يحدث في كثير من الأحيان هو التركيز على الأشخاص والنيل منهم بدل الفكرة موضوع الاختلاف، وتزيد بذلك الآراء تحجرا وتباعدا، بدل المرونة والتقارب.

 ألم يأن الأوان لنبذ التصور القائم على الانطلاق من “رأيي حق ورأي مخالفي باطل” وتعويضه بالمقولة المنسوبة إلى عدد من الأيمة: “رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي مخالفي خطأ يحتمل الصواب”؟

 هذا ما نأمل أن تسير على هداه مجلة “الواضحة”، وتحقيقه موكول إلى المساهمين في تحرير الأبحاث والمقالات التي تنشرها، فهي أمانة بين أيديهم، يستضيء نبراسها بما يقدمونه من الأفكار القادرة على تغيير ثقافة التقليد والخمول في الفكر، والانتقال إلى إرشاد الأمة ودفعها إلى الخلق والبناء، لاستعادة وجودها الذي تنازع عليه اليوم بما لم يسبق له مثيل. وبدون هذا التغيير يبقى الأمل بعيد المنال. ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) صدق الله العظيم، نعم المولى ونعم النصير.

د .  أحمد  الخمليشي